سامر مجذوب ـ مونتريال
منذ أن أعلن دونالد ترامب عن نيته فرض رسوم جمركية مرتفعة على الواردات من كندا، كان من الواضح أنه يستعد للقيام بخطوات قوية في إطار السياسة التجارية الخارجية للولايات المتحدة. وبالفعل، في الرابع من فبراير 2025، بدأ تنفيذ هذه الرسوم التي حملت معها تهديدات جدية للاقتصاد الكندي. هذه الخطوة اعتبرت بمثابة إعلان حرب اقتصادية من قبل ترامب ضد كندا، وتهدد قطاعات واسعة من الاقتصاد الكندي، ما قد يؤدي إلى فقدان عشرات الآلاف من الوظائف ويؤثر بشكل كبير على العملة الوطنية.
رئيس الوزراء الكندي، جاستن ترودو، سرعان ما تحرك للتعامل مع هذه التهديدات، حيث بدأ مشاورات مكثفة مع حكومات المقاطعات الكندية لتحديد أفضل السبل لمواجهة هذه الحرب الاقتصادية. تعتبر كندا دولة كونفدرالية ذات تنوع ثقافي وعرقي، وبالتالي كان من المهم توحيد المواقف من أجل الدفاع عن الاقتصاد الوطني. وفي خطوة لافتة، برزت وحدة غير مسبوقة بين مختلف مكونات المجتمع الكندي، وهو ما تمثل في توافق حكومات المقاطعات مع الحكومة الفيدرالية.
هذه الوحدة شملت حتى حكومة مقاطعة كيبيك، التي غالبًا ما تختلف مع الحكومة الفيدرالية بسبب ما تعتبره خصوصية ثقافية. حتى في الغرب الكندي، الذي عادة ما يشهد اختلافات سياسية، اجتمع الجميع وراء موقف رئيس الوزراء ترودو في مواجهة هذه الأزمة. الرد الكندي لم يقتصر على المفاوضات السياسية، بل شمل أيضًا إجراءات اقتصادية، مثل رفع الرسوم الجمركية على الواردات الأمريكية، وإلغاء عقود تجارية بعشرات الملايين من الدولارات، إلى جانب دعوات للمقاطعة الشعبية للسلع الأمريكية وإلغاء الرحلات السياحية إلى الولايات المتحدة.
في الثاني من فبراير 2025، أطلق ترامب سلسلة من التصريحات السلبية تجاه كندا، في حديث مباشر مع الصحفيين. انتقد فيها العديد من جوانب العلاقة التجارية بين البلدين، بما في ذلك قطاع صناعة السيارات والطاقة، كما أشار إلى القيود التي تضعها كندا على البنوك الأمريكية. و أضاف إن الولايات المتحدة ليست بحاجة إلى الخشب الكندي او الطاقة و صناعة السيارات. الأكثر استفزازًا كان قوله المتكرر أنه من الأفضل أن تصبح كندا ولاية أمريكية رقم 51. كما شدد على أن كندا تستغل بلاده.
غير أن هذه التصريحات لم تذكر موضوع الحدود المشتركة بين البلدين أو قضية المهاجرين غير النظاميين، التي استخدمها ترامب كذريعة لفرض الرسوم الجمركية. الجدير بالذكر أن المهاجرين غير النظاميين الذين يعبرون الحدود الكندية لا يمثلون سوى أقل من 1% من إجمالي المهاجرين الذين يدخلون إلى الولايات المتحدة، كما أن نسبة تهريب الفنتانيل عبر الحدود الكندية لا تتعدى 0.20%.
على الرغم من التصريحات التي أطلقها ترامب، والتي جاءت في سياق الحرب التجارية بين البلدين، فإن السؤال الذي يظل يطرح نفسه هو: لماذا قرر ترامب أن يشن "حربًا" تجارية ضد كندا، وهي دولة تعتبر حليفًا وثيقًا للولايات المتحدة؟ هل كانت هذه الخطوة مدفوعة بتوجهات سياسية محلية داخل الولايات المتحدة، أم أنها جزء من استراتيجية أوسع تهدف إلى إعادة هيكلة العلاقات التجارية بين واشنطن وبقية العالم؟
من الواضح أن ترامب يسعى لتحقيق مصالح اقتصادية معينة، خصوصًا في ضوء التصريحات التي تركز على احتياجات الولايات المتحدة وعدم اعتمادها على كندا في بعض القطاعات الحيوية. ومع ذلك، فإن هذه التصريحات لا تعكس حقيقة العلاقات العميقة والمتشابكة بين البلدين، مما يطرح تساؤلات حول مدى تأثير هذه السياسات على العلاقة المستقبلية بين الجارين.
تعتبر الحرب التجارية التي أطلقها ترامب ضد كندا سابقة تهدد العلاقة الاقتصادية بين البلدين. لكن رد الفعل الكندي، الذي شهد وحدة غير مسبوقة من مختلف المكونات الاجتماعية والسياسية، يعكس قدرة كندا على مواجهة التحديات الكبرى، ويُظهر أن هذه الحرب الاقتصادية لن تمر بسهولة. يبقى أن نرى كيف ستتطور هذه الأوضاع في المستقبل، خاصة إذا استمرت التوترات بين الحكومتين في التصاعد.
*الصورة من Waqcku ويكيميديا كومنز
91 مشاهدة
03 فبراير, 2025
171 مشاهدة
03 فبراير, 2025
314 مشاهدة
26 يناير, 2025