سامر مجذوب - مونتريال
جاستن ترودو، رئيس وزراء كندا، يحمل مسيرة مليئة بالإنجازات والانتقادات. وُلد في 25 ديسمبر 1971 في أوتاوا، كندا، وهو نجل بيير ترودو، رئيس وزراء كندا الأسبق وأحد أبرز الشخصيات في التاريخ السياسي الكندي، والذي كان أيضًا مهندس فكرة التعددية المجتمعية في البلاد.
منذ دخوله الحياة السياسية، شهدت مسيرة جاستن ترودو العديد من النجاحات، ولكن أيضًا تعرض لانتقادات حادة في الآونة الأخيرة.
بدأ ترودو الابن مسيرته السياسية في عام 2008 بعد انتخابه عضوًا في البرلمان الكندي عن دائرة "بابينو" في مدينة مونتريال. في ذلك الوقت كان يُعرف بشكل رئيسي كابن رئيس وزراء سابق، لكنه سرعان ما أثبت نفسه بفضل كاريزماته وخطاباته المؤثرة التي ركزت على تجديد السياسة الكندية وجعلها أكثر شمولًا وتعددية.
في عام 2013، أصبح زعيمًا لحزب "الليبراليين" الكندي، الحزب الذي يتبنى السياسة الوسطية والليبرالية. في حملته الانتخابية، كان تركيزه على تحسين الرعاية الصحية، تقوية الاقتصاد الكندي، وتعزيز القضايا البيئية والمساواة. جذب ترودو دعمًا واسعًا من مختلف شرائح المجتمع الكندي، بما في ذلك الأجيال الشابة والمجتمعات المتنوعة.
في عام 2015، خاض ترودو أول انتخابات فيدرالية كمرشح لرئاسة الحكومة، وتمكن من تشكيل حكومة ليبرالية ذات أغلبية بعد حملة انتخابية قوية. نجح في جذب الناخبين من خلال وعوده بتعزيز قيم التنوع والمساواة، بالإضافة إلى تعهداته بالإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية. وقد قدّم نفسه كزعيم منفتح ومتسامح، وهو ما لاقى استجابة إيجابية من الكنديين الذين كانوا يتوقون إلى التغيير بعد سنوات من حكومة المحافظين بقيادة ستيفن هاربر، التي شهدت استقطابًا سياسيًا حادًا.
كان خطاب ترودو يتسم بالتفاؤل، حيث وعد بتقوية الروابط مع المجتمعات الأصلية، وتوسيع حقوق النساء، وزيادة الجهود لحماية البيئة. وكان يعتقد أن التنوع الثقافي في كندا يمثل قوة وليس مظهرًا من مظاهر التشرذم.
ارتبطت علاقة ترودو بالجالية المسلمة بعلاقة إيجابية امتدت لسنوات طويلة خلال فترة حكمه. وكان يحظى باحترام وتقدير كبيرين من الجالية في جميع المقاطعات، حيث كان العديد من أفراد الجالية المسلمة يصوتون لحزب الليبراليين، وانضم عدد كبير منهم إلى عضويته. بدورها، أظهرت الحكومة الليبرالية انفتاحًا على هموم الجالية، أبرزها مشكلة الإسلاموفوبيا التي كانت تتصاعد في البلاد. وفي هذا السياق، شهدت العلاقة تعاونًا وثيقًا بين الحكومة الفيدرالية والمنتدى الإسلامي الكندي لمكافحة الإسلاموفوبيا وآثارها الخطيرة. و هذا الامر كان أيضا مع العديد من نشطاء الجالية و مؤسساتها في انحاء كندا .
كما كان للجالية دور فعال في البرلمان والحكومة، حيث شارك العديد من أعضائها في مختلف المناصب، من وزراء وبرلمانيين إلى موظفين في مؤسسات الحكومة الفيدرالية.
لكن العلاقة التي كانت تُعتبر نموذجية في الغرب بين الجالية وترودو بدأت تشهد بعض البرودة مع مرور الوقت، حيث شعر العديد أن الحكومة أصبحت بطيئة في مواجهة تصاعد الإسلاموفوبيا وتحديات الجالية، ولم تتحول وعودها إلى سياسات ملموسة. تفاقمت هذه الحالة بعد الهجوم اللفظي الذي شنه ترودو ضد حركة الاحتجاجات التي نظمتها عائلات طلاب المدارس ضد محتوى المناهج التعليمية الذي اعتبروه مخالفًا لقيمهم. وفي نهاية المطاف، تصاعد التوتر إلى حد القطيعة بين الحكومة والجالية على خلفية مواقف ترودو من الحرب على غزة. ورغم بعض المحاولات لإعادة العلاقات، إلا أنها باءت بالفشل.
لم تقتصر الانتقادات ضد ترودو على الجالية المسلمة فقط؛ بل شملت أيضًا الجاليات الهندية، الصينية، واليهودية، رغم اختلاف أسباب النقد في كل حالة.
على الرغم من النجاحات الأولية، لم تخل فترة حكم ترودو من التحديات. ففي انتخابات 2019، فشل في الحفاظ على الأغلبية التي حققها في 2015، مما أدى إلى تقليص تمثيل حزبه في البرلمان وتشكيل حكومة أقلية، وهو ما دفعه إلى الاضطرار للتفاوض مع أحزاب أخرى للبقاء في السلطة.
تاريخ كندا السياسي يظهر أن الحكومات لا تبقى في السلطة أكثر من دورتين أو ثلاث على الأكثر، ويبدو أن هذا هو مصير ترودو وحكومته، حيث تراجعت شعبيته بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة.
سيكتب التاريخ عن جاستن ترودو كإحدى الشخصيات المحورية في السياسة الكندية، الذي جمع بين النجاح والانتكاسات. فقد نجح في البداية في تعزيز صورة كندا كداعم للمساواة والتنوع، لكنه واجه تحديات كبيرة مع مرور الوقت. في النهاية، أُجبر على الاستقالة تحت ضغوط الراي العام و داخل الحزب الحاكم تاركًا وراءه إرثًا سياسيًا معقدًا.
وفي المستقبل القريب، يصبح من الأهمية بمكان أن تتحرك الجالية بكل إمكاناتها و مؤسساتها و جيل الشباب فيها بشكل فعال وإيجابي بعيدًا عن السلبية، فالتحديات المقبلة قد تكون شديدة، والمشاركة الفعّالة في صنع القرار امر مطلوب لما فيه من ضرورة قصوى، و الا سوف تقع في مهب التجاذبات السياسية الداخلية و الخارجية منها تجعلها هدفا سهل المنال و ستدفع اجيالها القادمة ثمن هذه السلبية التي اثبتت فشلها مع كثير من الجاليات في أوروبا .
* ترودو متحدثا في حفل للمنتدى الإسلامي الكندي في العام 2010
147 مشاهدة
06 يناير, 2025
340 مشاهدة
28 ديسمبر, 2024
460 مشاهدة
20 ديسمبر, 2024