Sadaonline

لن "ادبك" مع جعجع!

الوضع ليس افضل ابداً في باقي الدول العربية حيث الابداع ارتقى لحد التقطيع بالمنشار الكهربائي

د. طنوس شلهوب ـ مونتريال 

ليس غريباً ان تسود الاحتفالات والبهجة اوساط حلفاء اميركا والغرب والخليج واسرائيل في لبنان بنتيجة سقوط النظام السوري في الشام،  وان يبث التلفزيون بالمناسبة حلقة دبكة يتوسطها الثنائي ستريدا وسمير جعجع، فهؤلاء ومنذ اغتيال الحريري وانشطار معادلة السين سين اجتمعوا معاً في تحالف ١٤ آذار في سياق التبدلات التي طرأت على الاستراتيجية الاميركية واحتلال العراق. انذاك، لم تعد سوريا حاجة اميركية كما كان الحال في حملة عاصفة الصحراء في التسعينات، وعلى ضوء عمليات المقاومة العراقية ضد الاحتلال الاميركي برزت دمشق كأحد داعمي المقاومة العراقية. وفي مقابلة مع جريدة النهار قال مستشار البيت الابيض القواتي الصهيوني وليد فارس  بأن سوريا هي جوزة قاسية، وسنعمل على كسرها.
في ذلك الوقت كان بشار الاسد يلتقي مع اردوغان في سهرات عائلية وقد اعلن بداية انتهاج سياسات اقتصادية جديدة مع انفتاح على تركيا. واعتقد الناس ان الرئيس الشاب جاد وراغب في احداث تغييرات تستجيب لمطالب الناس في الحرية، بمواكبة  ارهاصات مدينية معارضة للنظام من قبل نخب وشرائح اجتماعية وطنية تجلت ابرزها في وثيقة اعلان دمشق، الا ان النظام ثابر على اعتماد سياسة القمع وكم الافواه والملاحقة والاضطهاد، هذه السياسة التي تعود جذورها لمرحلة الانقلابات العسكرية، وقد طغى دورها بالممارسة على كل الفضاء المديني والإنساني، لتصبح علامة فارقة من علامات النظام (على اي حال الوضع ليس افضل ابداً في باقي الدول العربية حيث الابداع ارتقى لحد التقطيع بالمنشار الكهربائي).
في هذا الوقت انتقل الاميركيون لتنفيذ خطتهم باعادة رسم وتشكيل المنطقة بما يتوافق مع استراتيجيتهم الشرق اوسطية بالعمل مع اسرائيل والخليجيين على مواجهة ايران الداعمة للمقاومة عبر اشعال نيران الصراعات المذهبية (سني - شيعي)، وجاءت ولادة تنظيم داعش من رحم التنظيمات الجهادية على يد المخابرات الاميركية لترتسم في المنطقة مرحلة جديدة، استخدمها الاميركيون كذريعة لينشروا قواتهم في مناطق جديدة ويعززوا وجودهم في القواعد العسكرية القائمة، ويطوروا من تعاونهم مع الصهاينة.
وسبق ان استثمر الاميركيون في التحركات الشعبية التي عبرت عن احتجاج الناس على الاوضاع القائمة ورغبتهم وحاجتهم للتغيير بما عرف بالربيع العربي، ونجحوا باجهاض اهداف هذه التحركات واعادوا هندسة بعض الانظمة بتغيير الرأس من دون المس بالبنى والمصالح والادوار.
ولم تكن سوريا خارج دائرة الاحتجاجات، وهي مشروعة وتعبر عن احتياجات العيش الكريم، ولم يلتقط النظام اللحظة ليستجيب لمطالب شعبه، لان بنيته لا تسمح بذلك وهي كانت قائمة على مصالح الطفيليين من الدوائر العليا للمخابرات والسلطة والعائلة، وكانت الثروات تتراكم في يد الاقلية من المحظوظين، مقابل تراجع احوال ملايين الكادحين في الارياف والمدن. هو الباب الذي دخل منه اعداء سوريا، ليس سوريا المحظوظين والسماسرة، وليس سوريا النظام الاستخباراتي القمعي، انما سوريا المواقف الوطنية المدافعة عن فلسطين والداعمة للمقاومة. هذا الجانب من سوريا كان بالضبط هدف التحالف الصهيوامبريالي، وهو الجانب الذي ميز النظام (فكل الانظمة العربية قمعية) ومنحه شيئاً  من الشرعية التي تمنحها فلسطين لشرفاء العالم.
وللموضوعية يجب القول ان اعداء سوريا (تحديداً الخليجيين) حاولوا اغراء رأس النظام بعشرات مليارات الدولارات مع منحه كارت ابيض ليستمر بالحكم (والقمع) الى ماشاء الله مقابل التخلي عن دعم المقاومة في فلسطين ولبنان وفك العلاقة مع ايران، الا انه رفض الاغراءات والضغوط.
ليس مهما الان الغوص في تفاصيل انتقال الحراكات الاحتجاجية الى العسكرة والتطييف، ودور الخارج في ذلك.
ببساطة نجح التحالف المعادي في اسقاط النظام. (هذا التحالف يضم بلدان لا تقل انظمتها ضراوة في قمع المعارضين وتصفيتهم وسجنهم وقتلهم). واطلق سراح السجناء، كل السجناء من السجون، بما فيهم الاف المحكومين لاسباب جرمية، وطبعا، ومنهم لاسباب سياسية. وهؤلاء يتوزعون بين التنظيمات المختلفة: اخوان مسلمين، تنظيمات سلفية وجهادية، اناس ابرياء ووشي بهم، يساريون، والخ. ولأن النظام البعثي (الاسدي) اعتمد تاريخيا على القمع، وافرط في استخدام القمع ضد التحركات الشعبية في بداية الازمة، فان جسمه صار لبيساً، وصار من الصعب تفهم انه مع تحول الصراع الى حرب اهلية، ومع حجم المجازر التي كان يرتكبها التكفيريون باسم الثوار، فان النظام وميليشياته واجهوا القتل والاجرام بمثلهما.
وبالرغم من وحشية ودموية التكفيريين التي فاقت التصورات البشرية فان الإعلام كان يطمس هذا الجانب في سلوكهم ورسخ بكل قوته في الوعي العام مصطلحات منحازة مثل نظام البراميل، والنظام الذي يقتل شعبه، وقاتل الاطفال والخ.
اي معيار نعتمد للتعبير عن موقفنا مما جرى؟
بالنسبة لمن عانى من القمع سيغمره الفرح، وهذا حقه الطبيعي. والناس العاديين في سوريا يعيشون اليوم قلقاً فظيعاً لعدم ثقتهم بما سيحمله الغد.
وبالمناسبة، يروي الشاعر الراحل احمد فؤاد نجم بانه بكى في السجن عندما وصله خبر وفاة عبد الناصر، رئيس النظام (الطاغية بمفاهيم الليبرال حاليا) الذي سجنه مع المئات من المناضلين الشيوعيين، لانه ادرك ان الخسارة هي كبيرة لمصر وفلسطين والامة العربية. ولست هنا بوارد مقارنة بشار الاسد بعبد الناصر، ولا سوريا اليوم بمصر تلك المرحلة. الفكرة ان المناضل عليه ان لا يفقد التوازن ويتحول الى راقص مع اعدائه من ضاربي الطبول في حفلة تهريج يديرها اعلام مرتزق ورجعي ومسمم للعقول.
لو ان اسقاط النظام اتى في سياق برنامج سياسي واقتصادي تقوده قوى وطنية وتيارات ديمقراطية يفتح امام الشعب السوري افاق التحرر والتنمية ويعزز من مواقع سوريا في مواجهة مشاريع التفتيت والالحاق بالتسييد الصهيوني على المنطقة، لوازى ذلك افضل الامنيات والامال، اما ان يكون اسقاط النظام قد اتى من قبل قوى تكفيرية مرتبطة بالخارج وتعمل وفق اجندات خارجية في سياق خطة صهيوامبريالية لتفتيت بلدان المنطقة الى دويلات طائفية متصارعة فان الآتي لن يختلف عما سبقه في العراق وليبيا والسودان، والمخطط لن يتوقف عند سوريا، بل سيتمدد الى باقي البلدان، وكما قال لهم القذافي في لقاء القمة في دمشق بعد الاطاحة بصدام في العراق، لقد اطاحوا برئيس دولة ونحن نتفرج، وسيأتي دورنا الواحد تلو الاخر. المأساة ليست في رحيل هذا الرئيس او ذاك، انما في ما سيصيب شعوبنا من دمار ودم وموت، لذا، لن ادبك مع جعجع فرحا بسقوط النظام في الشام.
الكلمات الدالة