Sadaonline

العلم في خدمة المال و السلطة

"أأترك كرسي الرئاسة و الرئاسة رغبتي، أم أرجع مذموماً بالقضاء على المقاومة"

د. بلال العاملي - مونتريال

ليس غريباً أن يقوم رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام ببيع المقاومة ضد إسرائيل مقابل رضى أسياده الأمريكان. فقبله باع جده سليم سلام أراضٍ في فلسطين لليهود مقابل رضى الإنكليز. ولم تكن تللك الأراضي ملكاً لسليم سلام بل استحصل عليها بإذن من الدولة العثمانية في عام 1914، وكانت تلك الأراضي تقع في وادي بحيرة الحولة الخصب و كانت تتألف من 19 قرية يسكنها مزارعون فلسطينيون و مساحتها الإجمالية 165 الف دونم، وقد باعها سليم بأكملها للوكالة اليهودية، بعد طرد المزارعين الفلسطينيين منها (1).

وقد ذكر الواقعة سمسار الأراضي الفلسطينية اليهودي يوسف نحماني في كتابه "مذكرات سمسار أراضي صهيوني" ترجمة د. الياس شوفاني، و الكتاب مفقود من السوق لفداحة الجريمة التي ارتكبها كبار الملاكين العرب بحق فلسطين لبيعهم مئات الآلاف من الدونمات للوكالة اليهودية، و منهم لبنانيون ومن عائلات معروفة إضافة الى بعض السياسيين اللبنانيين. (1)

فالرئيس نواف سلام، القادم من المحكمة الدولية التي، بعد سنوات من التحقيق في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري و الكم الكبير من الشهود و الضغوط الدولية، لم تأت بدليل واضح عمن يقف وراء الاغتيال. بل قامت الولايات المتحدة و الدول الغربية بتسييس المحكمة لكي توجه التهمة إلى حزب الله، كرمى لعيون إسرائيل التي خرجت ذليلة من لبنان عام 2000، و اخذت منذ ذلك الحين تبحث عن وسيلة لمعاقبة حزب الله بالتعاون مع حلفائها.

الرئيس نواف سلام الذي عمل سفيراً للبنان لدى الأمم المتحدة خلال عشر سنوات (2007-2017) و التي أمضاها مدافعاً عن لبنان و عن القضية الفلسطينية ضد إسرائيل. و هنا نسأل يا ترى، كيف يمكن لمن وصف المنظمات اليهودية التي ترتكب مجازر منظمة بالإرهابية  في خطاب له عام 2008 (2)، كما وصف إسرائيل في عام 2015 بأنها "انتصاراً للخيارات العنصرية و الاستعمارية الصارخة" (3) و الذي طالب إسرائيل بوقف العنف و انهاء الإحتلال، و الذي قال: "ان تصوير منتقدي السياسة الإسرائيلية على أنهم معادون للسامية هو محاولة لتخويفهم و تشويه سمعتهم و هو ما نرفضه" (4). كيف يمكن للشخص الذي أطلق تلك التصريحات ضد الكيان الصهيوني، أن يطالب اليوم بنزع سلاح المقاومة ضد ذلك الكيان؟ أهي الضغوط أو بالأحرى الوعود الأمريكية أو الإثنين معاً، أهي وعود السعودية بتبوأ رئاسة الحكومة اللبنانية بعد طردهم سعد الحريري منها؟ أو كما قال عمر بن سعد مقالته الشهيرة حين واجه الإمام حسين في كربلاء: "أأترك ملك الري و الري رغبتي، أم أرجع مذموماً بقتل حسين" و كأني بحال نواف سلام يقول: "أأترك كرسي الرئاسة و الرئاسة رغبتي، أم أرجع مذموماً بالقضاء على المقاومة".

من الواضح أن نواف سلام كان يلهث وراء كرسي الرئاسة، شأنه شأن كل السياسيين في لبنان و الوطن العربي، و لو كان ذلك على حساب كرامته و سيرته الذاتية المليئة بالإنجازات المهمة عالمياً. وقد حاول الوصول اليها سابقاً و لم يوفقّ. و لكن عندما عُرضت عليه مؤخراً على طبقٍ من الوعود المعسولة مقابل السعي لنزع سلاح المقاومة قبلها دون تردد. و تم تكليفه عبر انقلاب أبيض بأوامر أمريكية و تنفيذ خليجيين ، الذين قاموا ليلاً قبل ساعات من انتخاب رئيس للوزراء بشراء ذمم العديد من نواب البرلمان اللاهثين وراء المكاسب الشخصية و الذين بينهم من يكنّون عداءً للمقاومة و بيئتها. و ما أن كُلف بتشكيل الوزارة بعد لقائه رئيس الجمهورية جوزيف عون حتى وقف يصرح عن نيته بسحب سلاح حزب الله بكلام مبطن. و عند تشكيل الحكومة رفض أن يكون هناك وزراء من حزب الله بينما وافق على دخول وزيرين من القوات اللبنانية و اسند إليهما وزارتي الخارجية و الدفاع، لإتمام الصفقة المبرمة مع مشغليه.

نواف سلام الذي خاض غمار العلوم متنقلاً بين أرقى الجامعات العالمية تلميذاً و من ثم استاذاً محاضراً، يسلم أوراق اعتماده لإنسان أرعن في البيت الأبيض، لا يملك ذرة من علمه و لعائلة  أُمية ثرية تحكم شعبها بالحديد و النار و شعوب المنطقة بالمال. أليست تلك المفارقة مبعثاً للأسف. و هكذا العديد من الأكاديميين و المفكرين و الصحافيين العرب اللذين يبيعون أفكارهم و أقلامهم في سوق النخاسة لمن يدفع أكثر و كما قيل: "لو رأيت الحاكم عند باب العالم فبارك الله بالإثنين معاً، أما إذا رأيت العالم عند باب الحاكم، فلعنة الله على الإثنين معاً."

المراجع

(1) (مجلة دنيا الوطن، شؤون فلسطينية، 19 أيار (مايو) 2012)
(2) Pelaez, Luis (18 Jul 2024). "Report: Head of World Court Condemned Israel 210 Times as Lebanon's UN Rep, Sided With Regimes in Iran, Syria, Belarus, Cuba". UN Watch (بالإنجليزية الأمريكية). Archived from the original on 2024-12-23. Retrieved 2024-07-20.
(3) Salam، Nawaf (6 يونيو 2015). "#Israel Occupation of #Gaza & the #WestBank". Twitter. مؤرشف من الأصل في 2024-07-21. اطلع عليه بتاريخ 2024-02-07
(4) The Jerusalem Post | JPost.com (بالإنجليزية الأمريكية). 7 Feb 2024. Archived from the original on 2024-09-25. Retrieved 2024-02-07.
* الصورة من صفحة نواف سلام عبر منصة اكس