Sadaonline

فندق "أبو حبل" وملجأ "ابو كرسي"

بلدية مونتريال ابتكرت طريقة لمعالجة ظاهرة التشرد بعد ان اصبحت مقلقة

د. علي ضاهر - مونتريال

 

هذه المقالة لا تتناول ظاهرة التشرد المنتشرة في العديد من مدن العالم الغربي ولا تحاول شرح اسباب التشرد ولا أعداد المتشردين الذين ينامون في شوارع بلدان غنية حيث تصل في بعضها الحرارة ايام الشتاء الى فوق العشرين تحت الصفر، في حين ان هذه البلدان تصرف مليارات الدولارات على التسلح وتأجيج الحروب وتمويل المؤامرات في دول العالم الثالث كما وترمي في المزابل كميات هائلة من المواد الغذائية. إذ يكفي، في هذه المجال، ان نذكر ان كندا وحدها تتخلص مما يربو من 35.5 مليون طن متري من الطعام كل عام، وفقًا لمنظمة Second Harvest. هذه الكمية تعادل 58٪ من إجمالي المواد الغذائية المنتجة في كندا، هذا في وقت تقول التقديرات الرسمية الكندية ان اعداد المتشردين في هذا البلد الغني يتجاوز عددهم ال 200000 شخص.

 

المقالة تسعى لإلقاء الضوء على طريقة "ابتدعتها" مدينة مونتريال الكندية لمعالجة ظاهرة التشرد بعد ان اصبحت مقلقة. فعمدة مونتريال، فاليري بلانت، اعلنت عن "لفتة إنسانية" للتخفيف من معاناة المتشردين. هذه "اللفتة الانسانية" العظيمة التي فاضت بها قريحتها سببها قلة التمويل الحكومي، كما قالت. فعبقرية رئيسة البلدية تفتَّقت عن حل مبتكر تمثل بافتتاح نوع من الملاجئ، فريد من نوعه، عبارة عن غرفة واسعة، شبيهة بقاووش السجن، توضع فيها كراسي، كل كرسي امامه طاولة صغيرة. يدخل المتشرد الى هذه الغرفة حيث لا يقدم له لا فرشة ولا مرتبة ولا حتى سجادة ينام عليها، بل يتوجه نحو كرسي، يجلس عليه، فيرمي برأسه المتعب على كومة ملابسه العتيقة المتسخة التي يضعها على الطاولة الصغيرة، وينام. مما يعني ان المتشرد عالق بين خيارين لا ثالث لهما: اما النوم على كرسي وراسه على طاولة او الخروج للنوم في الشارع ومواجهة درجة حرارة تتراقص 20 مئوية تحت الصفر.

 

عندما قرأت عن افتتاح هذا الملجأ تذكرت قصة سمعتها من أحد الأصدقاء عن فندق يقع في مدينة عربية، لن اذكر اسمها خوفا من اتهامي بالتجنّي على شعب بلد شقيق. الفندق عبارة عن غرفة واسعة او بالأحرى قاووش، لمن كان له "حظ" النزول في سجن من سجون الأنظمة العربية، كل الأنظمة العربية، دون استثناء، وليس فقط سجون سوريا. الا إذا كان بعض الابرياء يظن ان سجون باقي الدول العربية منتجعات. فكلها بلاد تعج بسجون أحسنها واريحها مؤلفة من زنزانات كبيرة يطلق عليها اسم: قاووش.

 

الفندق الذي ذكرني به ملجأ مدينة مونتريال، يتكون من غرفة كبيرة، لا فرشة فيها وسرير، لا مرتبة ولا ما يحزنون، لا يفترش النزيل الأرض ولا يستند الى الجدار، انما هناك على الجدر المتقابلة خطافات مثبطة تعلق عليها حبال، كحبال الغسيل، تربط اطرافها في الخطافين المثبتين في الحائطين المتقابلين، بحيث تصبح الحبال مشدودة ومتوازية تسمح للنزيل الوقوف قرب الحبل المشدود ووضع رأسه عليه وقت النوم. الغرفة الشبيهة بالقاووش تتسع لعدد من النزلاء ينامون وقوفا ورؤوسهم متدلية على الحبال المتوازية المثبطة والمشدودة. في الصباح عندما يريد المالك إيقاظهم يفك الحبال من الخطافات فيقع النزلاء على الارض، فيقومون ويخرجون من الفندق ويتوجه كل شخص في حال سبيله.

 

إذا كان فندق ابو حبل في بلد من العالم الثالث فلا حرج. فبلدان العالم الثالث منهوبة من حكام فاسدين ترعى معظمهم بلدان الغرب. لكن ما حجة البلدان الغربية الغنية التي تدعي تقديم الخدمات لمواطنيها، فإذا بها تسعى لإقامة "ملجأ ابو كرسي" بحجة نقص المال! أهو فعلا نقص في الأموال ام أولوية في طريقة صرفها؟ فالعديد من البلدان الغربية الغنية ترمي أكثر من نصف مواردها الغذائية في المزابل وتصرف مليارات الدولارات في حياكة المؤامرات وشراء الذمم في العالم الثالث وكما وتهدر الأموال الهائلة في نسج العداوات بين الدول بالإضافة الى اقتطاع مليارات عديدة تذهب لتمويل وتأجيج الحروب. فهل يعقل ان تصل الميزانية الدفاعية لدول الناتو إلى ما يقرب من 1.5 تريليون دولار أمريكي في عام 2024 في حين ينام الملايين من مواطنيها في الشوارع!

 

*الصورة من موقع freepik لاغراض توضيحية فقط

الكلمات الدالة