Sadaonline

ندوة وحفل توقيع "قبل أن تنطفئ الذاكرة" للكاتب طنّوس شلهوب في مونتريال: "الكلمة التي لا تكون رصاصةً في صدر المحتل هي ملعونةٌ وخائنةٌ"

"الكتاب هو إهداء صريح إلى "كل من حمل فكرةً ثوريةً ولم يخنها

 

 

 

بدعوة من "المجلس التنسيقي لدعم فلسطين" CC4P و"المؤسسة الفلسطينية الكندية في كندا"، عُقد في مقرّ المؤسسة في مونتريال مساء الخميس 18-12-2025 ندوة حول كتاب "قبل أن تنطفئ الذاكرة" للكاتب والأكاديمي طنوس شلهوب، وحفل توقيع للكتاب، وسط حضور حاشد غصّت به القاعة. وقدّمت الندوة الزميلة دارين حوماني.

في كلمتها، قدّمت حوماني قراءةً تضع الكتاب في سياقه الفكري والسياسي والإنساني الأوسع، بدءًا من سنوات التشكّل الأولى، حين لعب الأدب والفكر دورًا حاسمًا في وعي الكاتب، فصاغا نظرته إلى مفاهيم كالموت بوصفه أحيانًا فعل وفاء، والبطولة باعتبارها إحساسًا جماعيًا يمنح الوجود معناه، فيما تكمن قوة الأدب، كما يعكس الكتاب، في قدرته على تنقية الروح من أثقال الحياة.

وتابعت حوماني أنّ السرد ينتقل من تلك المرحلة التأسيسية إلى زمن النضال في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي في سبعينيات القرن الماضي ضمن صفوف الحزب الشيوعي، مرورًا بمحطات شخصية وجغرافية متعدّدة، من قرية دير ميماس إلى بيروت، ثم إلى موسكو حيث أمضى الكاتب عقدًا من الزمن دارسًا للهندسة الميكانيكية، قبل أن يعود إلى بيروت حاملًا شهادة الدكتوراه ليعمل أستاذًا في الجامعة اللبنانية.

غير أنّ أهمية الكتاب، بحسب حوماني، لا تكمن في كونه سيرة فردية فحسب، بل في تحوّله إلى سيرة جماعية لمرحلة كاملة، تستعيد بيروت في زمن الحرب الأهلية بما خلّفته من جروح عميقة في جسد المجتمع، وتستحضر تجارب إنسانية قاسية، من بينها قصة والد الكاتب على خطوط التماس، وإنقاذه في لحظة مفصلية من مصير الإعدام “على الهوية” الذي كان يطال كثيرين آنذاك. كما يتوسّع السرد ليشمل محطات أخرى من موسكو إلى سيبيريا، ومن السير في شوارع بطرسبورغ مع الثوار، إلى تأمّل "الجنون الأميركي" ولعنة التاريخ، في فسيفساء يجد القارئ نفسه في واحدة من زواياها.

وأشارت حوماني إلى أنّ حضور طنوس شلهوب الفكري والثوري لا يقتصر على الكتاب، فحضوره يمتدّ إلى الفضاء العام، حيث يشارك في شوارع مونتريال في التظاهرات المدافعة عن العدالة الإنسانية ومناهضة الإمبريالية الأميركية وحلفائها، ليس كمشارك عابر بل كصوت ثابت يؤمن بأن كرامة الإنسان واحدة وغير قابلة للتجزئة، وأن الوقوف إلى جانب الحق واجب أخلاقي. هذا الموقف ينعكس أيضًا في كتاباته الصحافية النقدية، من تفكيكه للدلالات للمشاريع الأميركية في الخليج، إلى مقالاته حول بنية الهيمنة الإمبريالية التي تقوم على تلاقي المراكز الأميركية مع الكيان الصهيوني والأنظمة العربية الرجعية، وصولًا إلى تحليله لتجربة فنزويلا بوصفها نموذجًا مقلقًا للنظام الرأسمالي العالمي وصراعه الدائم على الموارد.

وقال طنوس شلهوب في كلمته أن كتاب "قبل أن تنطفئ الذاكرة"  ليس سيرةً ذاتية بالمعنى التقليدي، بل حاول فيه أن يذهب إلى ما هو أعمق من ذلك، والإمساك بما يتسرّب من الزمن: بتفاصيل صغيرة وحكايات تتداخل فيها الذاكرة الفردية مع الذاكرة الجماعية، ويتحوّل فيها الماضي إلى مساحة حوار مفتوحة مع الذات و"مع أولئك الذين رحلوا وبقوا فينا".

وأضاف شلهوب أن الكتابة تأتي كفعل مقاومة للنسيان، وكشهادة على حضور جيل آمن بالثورة ولم يتخلَّ عنها، مؤكّدًا أن ما عاشه الأفراد لا ينفصل عن التجربة الجمعية، وأن الحكايات الهامشية هي في جوهرها متن الذاكرة لا أطرافها.

وفي كلمته، أعلن شلهوب تمسّكه بخياراته وانتمائه وأن تمسّكه بهذا الموقف "له دلالات في زمن الانهيارات الكبرى والهزائم الفردية"، واضعًا المقاومة بوصفها الطريق الحتمي نحو الحرية والعدالة، ومشدّدًا على أن الكرامة الإنسانية هي القيمة العليا التي يجب أن يدور حولها الوجود.

واعتبر طنوس أن الكتاب في مجمله رسالة إيمان بأن في داخل كل إنسان ضوءًا قادرًا على مواجهة العتمة، وبأن السقوط لا يلغي القدرة على البدء من جديد، وهو إهداء صريح إلى الآباء، والرفاق الراحلين، وكل "من حمل فكرةً ثوريةً ولم يخنها، إلى الذين يؤمنون بأن الكلمة التي لا تكون رصاصةً في صدر المحتل هي ملعونةٌ وخائنةٌ."

في ختام اللقاء، وبعد كلمتي شلهوب وحوماني، فُتح باب النقاش أمام الحضور، فتوالت الأسئلة والمداخلات التي تناولت مضامين الكتاب، وسياقه الفكري والسياسي، كما توقّفت عند تجربة النضال والمقاومة كما يرويها الكاتب، وما تحمله من أبعاد شخصية وجماعية في آن. وشكّل هذا الحوار مساحة تفاعل حيّ بين الكاتب والحاضرين، عكست اهتمامًا واضحًا بالذاكرة بوصفها فعلًا مقاومًا وبالسرد كأداة لفهم التاريخ واستعادة معناه ووثيقة للأجيال القادمة. واختُتمت الأمسية بحفل توقيع الكتاب، حيث التقى الكاتب قرّاءه ووقّع نسخًا من كتابه، في أجواء اتسمت بالودّ والحوار واستكمال النقاش خارج إطار المنصّة.

معرض الصور