Sadaonline

أرفا رانا بعد استقالتها من قناة" سي بي سي" لصدى اونلاين : على أي إنسان لديه ضمير، خاصة من أصحاب النفوذ، أن يقف إلى جانب الفلسطينيين

"الحياد كان مفهومًا يستخدم لتجنب المواجهة من قبل الجهات الفاعلة في الدولة والسياسيين وجماعات الضغط الإسرائيلية"

دارين حوماني ـ مونتريال

"إن وصف الإبادة الجماعية بأنها ‘حرب إسرائيل وحماس‘ يصوّر بشكل زائف أن الفلسطينيين والإسرائيليين على قدم المساواة. يتجاهل هذا السرد حقيقة مفادها أنه على مدى 76 عامًا، طُرِد الفلسطينيون قسرًا من منازلهم، وحُبِسوا في الأسلاك الشائكة في قطاع غزة، وكانوا تحت سيطرة المستوطنين الإسرائيليين.

يتم إسكات الصحفيين الكنديين الذين يعبّرون عن واجبهم الأخلاقي بالوقوف على الجانب الصحيح من التاريخ تحت لواء الموضوعية.

فهمت أن الحياد كان مفهومًا يستخدم لتجنب المواجهة من قبل الجهات الفاعلة في الدولة والسياسيين وجماعات الضغط الإسرائيلية. من خلال القيام بذلك، انكمش الصحفيون العاملون في وسائل الإعلام الكندية السائدة في دور المختزلين،تاركين الفلسطينيين بلا دفاع في مواجهة الإبادة الجماعية. ولكن الاختباء لتجنّب ردود الفعل العنيفة لا يؤدي إلا إلى تمكين المخطئين من الاستمرار في إلحاق الظلم بالمظلومين، فاللغة المستخدمة لا تقلّل من وحشية الظالم فحسب، بل وتبررها أيضًا".

بهذه العبارات ومثلها، أعلنت الصحافية أرفا رانا Arfa Rana  عن سبب استقالتها من قناة CBC، وهو أكثر من إعلان استقالة، هو صوت عالٍ بوجه الحياد الذي يعني التواطؤ، بوجه الصمت الذي يعني التجاهل.. صوت أشدّ ما يحتاج إليه أولئك الذين يحترقون في خيم النازحين في غزة أمام العالم أجمع، ثم يُؤنَّب من يتكلم عنهم، من يشير إليهم، ومن يدافع عنهم..

في هذا الحوار نقترب من الصحافية أرفا رانا. تحدّثنا كيف أن وسائل الإعلام المستقلة والصحفيين المستقلون في كندا هم حاملو شعلة الحقيقة في هذا الوقت، وهو الوقت المفصلي من اختبار الضمير الإنساني. كما ترى ضرورة أن تعيد كليات الإعلام الكندية التفكير في مناهجها وأهمية تدريس طلاب الصحافة التاريخ والسياسة قبل تدريسهم كيفية كتابة مقال صحافي.

نود بداية أن نتعرّف على أرفا رانا أكثر..

نعم، تخرّجت من جامعة تورنتو متروبوليتان العام الماضي وانضممت إلى قناة CBC. أنا باكستانية وعملت أيضًا كمتدرّبة في أقدم قناة إخبارية في باكستان GEO News، وقناة Breakfast Television التابعة لـ CityTV قبل تخرّجي في عام 2023. لطالما كان لدي شغف بتمثيل شعبي والمجتمعات المهمّشة الأخرى. كانت الصحافة شغفي منذ أن كنت مراهقة، والحمدلله، أنا ممتنة جدًا لأنني قادرة على القيام بما أحبه.

 نشرتِ مقالًا تحدثتِ فيه عن حيثيات استقالتك من إحدى أهم الوسائل الإعلامية الكندية، ولكن نود أن نعرف منك كيف كان الجو في CBCوصولًا لاتخاذك هذا القرار..

لست أول شخص يتحدّث عن المشاكل في هيئة الإذاعة الكندية. فقد نشرت مولي شومان مقالاً آخر في وقت سابق من هذا العام في موقع "ذا بريتش"  The Breachتتحدّث فيه عن منتجين مؤيدين لإسرائيل يقومون بإعداد قائمة سوداء للأصوات الفلسطينية وتحرير وسائط مسجّلة لفلسطينيين لتغيير مضمون ما يقولونه. لن أقول المزيد، فأنا أعمل على قصة أخرى عن تجربتي في الصحافة كامرأة مسلمة مرئية.

خلال دراستي على تعاطي الصحف ووسائل الإعلام الكندية الأخرى مع حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة، تبيّن لي أن CBCلا تنقل يوميًا أخبار الموت في غزة، ولكن ثمة تقارير عن الوضع الإنساني هناك، بمعنى أنه ليس هناك من تجاهل أو تهميش تام كما هي في وسائل الإعلام الكندية الأخرى، ونحن نعلم أن تهميش الضحية هو من الاستراتيجيات الإعلامية التي تتبّعها وسائل الإعلام المساندة للجلاد، ماذا تقولين لي عن ذلك؟

لا يقتصر الأمر على هيئة الإذاعة الكندية، فالكثير من وسائل الإعلام الرئيسية تواجه هذه المشكلة، حيث تركّز بشكل كبير على الأحداث الآنيّة دون أن تولي اهتمامًا كافيًا أو تخصّص الوقت أو الشغف للنظر بجدّية في السياق التاريخي للقصص المهمة، مثل الإبادة  الجماعية في غزة. لكن هناك عدد من الصحفيين في هذه المؤسسات الإعلامية يبذلون قصارى جهدهم لتغيير الطريقة التي تسير بها الأمور، لتغيير هذا الواقع. مع ذلك، سيستلزم الأمر الكثير من الضغط والوقت لتحسين الأمور وتغييرها نحو الأفضل.

هل هذا الحياد بسبب استخدام عصا "معاداة السامية" إلى كل من يشير إلى فعل الإبادة الإسرائيلية في غزة؟

أعتقد أن هناك مخاوف من أن الدول الغربية، بسبب التمييز التاريخي الذي تعرّض له اليهود في الغرب، تدعم إسرائيل الآن بدافع من شعورهم بالذنب. أنا لست معادية للسامية. فأنا أؤمن أن التوراة تتماشى بشكل وثيق في العديد من جوانبها مع نفس معتقدات الإسلام، وأن اليهودية دين يدعو للسلام. لكن بناء "أرض مقدسة" على مقابر جماعية لآلاف الفلسطينيين يتعارض مع القيم نفسها التي يدعون إليها. إنه أمر مخزٍ، ويجب إيقاف هذا الظلم، ويجب محاسبة الجناة.

في مقالك الذين نشرتِه عقب استقالتك، تشيرين إلى قوة استخدام المصطلحات في وسائل الإعلام، اللغة المستخدمة، بالقول: "لقد تم غرس اللغة المستخدمة في CBCلوصف الفظائع في غزة في اللاوعي لدي وحجب تفكيري النقدي. بدأت أعتقد أنه ربما لا تكون إسرائيل مخطئة". ثم تقولين "اللغة المستخدمة لا تقلل من وحشية الظالم فحسب، بل وتبررها أيضًا". هل نقع هنا على مسؤولية الوسائل الإعلامية الكندية في أن الكنديين من أصول غير عربية جاهلون تمامًا للتاريخ والحقيقة وهو ما يدفعهم لانتقاد التظاهرات المناهضة للحرب الإسرائيلية؟

المشكلة أعمق من ذلك بكثير. لا يُنظر إلى الصحافة باعتبارها مسؤولية كبيرة في مدارس الصحافة الكندية. هذه الكليات تُدرِّس المقالات، وأخلاقيات العمل الصحفي، والصحافة المرئية، والتقنيات، لكنها تفتقر إلى مقررات تفصيلية عن التاريخ والسياسة. أعتقد أن على كليات الصحافة الكندية إعادة التفكير في مناهجها، مع ضرورة إدراج التاريخ والسياسة كمواد إلزامية، أو تقديم برامج الصحافة فقط على مستوى الماجستير بعد الحصول على درجة جامعية في العلوم السياسية، أو السياسة العامة، أو التاريخ. من خلال هذا التوجّه، يمكننا التأكد من أن العاملين في وسائل الإعلام مؤهلون بشكل جيد لتغطية الحروب والإبادات الجماعية والصراعات حول العالم.

 أنت تعملين في الصحافة الكندية، ولديك فكرة شاملة عن الوضع، كيف تقيّمين من منظورك وضع الصحافة في كندا؟

أشعر بخيبة الأمل إزاء وسائل الإعلام الرئيسية وعجزها عن تقبّل الانتقادات أو التعامل مع العرب والمسلمين على قدم المساواة. ولكن في الوقت الحالي، أعتقد أن وسائل الإعلام المستقلة والصحفيين المستقلون هم حاملو شعلة الحقيقة.

 عملك كان في الصحافة الاجتماعية، بعيدًا عن السياسة، ولكن تبيّن من خلال استقالتك أنه ثمة شيء آخر يتعلق بصلب هويتك، هل هي هوية الصحافي فيك، أم هويتك من أصول عربية، أم هي مسألة إنسانية بحتة في العلاقة مع حرب الإبادة الإسرائيلية؟

أنا في الحقيقة باكستانية، ولا أرى قضية فلسطين كمسألة تخص المسلمين أو العرب فقط. إن حرية الفلسطينيين هي قضية إنسانية. يجب على أي إنسان لديه ضمير، خاصة من أصحاب النفوذ، أن يقف إلى جانب الفلسطينيين.

ستستمر الولايات المتحدة والغرب في الوقوف موقف المتفرّج بينما تواصل إسرائيل قصف أربع دول وقتل مئات الآلاف من المدنيين الأبرياء. لقد رأينا في العام الماضي أن الصمت لم يفعل شيئًا سوى تمكين إسرائيل من مواصلة هجماتها الوحشية على المدنيين الأبرياء. لقد طفح الكيل؛ لا أحد حرّ ما لم يتحرر الفلسطينيون.

ماذا تفكرين اليوم بمستقبلك، قرارك جريء وقد يؤثر على مستقبلك مع صحافة مستقلة غير مدعومة في كندا، كيف تقرأين الأمور؟

أشكر الله أن منحني القدرة على التعلّم والكتابة، ولن أكون يومًا جزءًا من وسيلة إعلامية تبرّئ جرائم إسرائيل وتدعم الاستعمار سرًا. لا أندم على قراري بترك CBC. لديّ عدد من مشاريع الكتابة التي سيتم نشرها قريبًا بشكل مستقل ويمكنكم متابعة جميع تحديثاتي على حسابي في منصة X على الرابط: https://www.x.com/arfadorable

*الصورة من السيدة ارفا رانا

الكلمات الدالة