Sadaonline

تظاهرة في مونتريال من أجل لبنان وفلسطين: لمواجهة الصهيونية والإمبريالية والصمت العربي

الاعلام اللبنانية والفلسطينية امام القنصلية الاسرائيلية في مونتريال

دارين حوماني ـ مونتريال

بعد أن عزّزت حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة من وحشيّتها ها هي تتوسّع صوب لبنان في نسخة طبق الأصل عن المشهديّات الوحشية التي عرفتها غزة.. وحيث باتت مدن وقرى لبنان تستيقظ على أرقام من الشهداء تحت المنازل المدمّرة وتنام على أرقام أخرى ما أعاد للّبنانيين تجسيد ذاكرتهم البصرية عن تاريخ إسرائيل الدموي من الجنوب اللبناني إلى بيروت. هكذا يشعر الإنسانيون في هذا العالم أن دورًا ما يجب أن يقوموا به لإيصال الصوت، الصورة، والعنف، وهؤلاء ليسوا أصحاب نظرية "الإنسانوية"، إنهم بكل بساطة يرفضون الظلم الواقع على أي إنسان على سطح هذا العالم، وهؤلاء اجتمع منهم الآلاف مساء أمس الأربعاء 26 أيلول/ سبتمبر 2024 في ساحة دورشتر وسط مونتريال تضامنًا مع لبنان وفلسطين، بدعوة من حركة الشباب الفلسطيني PYM وعدد من الجمعيات والمؤسسات اللبنانية في مونتريال "استنكارًا للعدوان الإسرائيلي الوحشي على لبنان".

بعد التجمّع في ساحة دورشتر، سار المتظاهرون في شوارع مونتريال رافعين شعارات تلمّست القلب وبدت مثل ضربات أجنحة حرّة أمام القنصلية الأميركية ثم القنصلية الإسرائيلية، هاتفين "أيها الصهاينة، أنتم الإرهابيون، الفاشيون.. نتنياهو صبرًا صبرًا، واللبناني بيحفر قبرك.. يا صهيوني صبرًا صبرًا والجنوب بيحفر قبرك.. علّي علّي علّي علم الثورة علّي.. بالروح بالدم نفديك يا لبنان بالروح بالدم نفديك يا فلسطين.. مسيرتنا في وجه الإبادة في غزة، في بيروت، في وجه الصهيونية، في وجه الاستعمار.. فلسطين حرّة حرّة، انتفاضة انتفاضة، ثورة ثورة، يا شهيد ارتاح ارتاح نحنا منواصل كفاح.." وغيرها من النداءات التي أزعجت القنصل الإسرائيلي إثر مغادرته القنصلية، وحاول استفزاز المعتصمين ما دفع عناصر الشرطة، المتواجدة بكثافة، للتدخّل وتأمين طريق له لينسحب من المكان.

الناشطة رودينا خشيش

وجاءت كلمة الناشطة رودينا خشيش من المجمع الاسلامي في ساحة دورشتر لتعيد التذكير بوعد بلفور وبمعاداة السامية المتأصّلة في المجتمع الأوروبي منذ ما قبل تسويقها عالميًا على كل من ينتقد الصهيونية؛ لنا هنا أن نتذكر السياسي الألماني يوزف غوبلز حين قال "إذا كان اليهودي يعيش بيننا، فذلك لا يعني أبدًا أنه واحد منا، تمامًا مثل الذبابة التي لا تصير حيوانًا أليفًا بمجرّد أنها تعيش في المنزل" (الحداثة والهولوكست، زيغمونت باومان)، وغوبلز لم يكن وحده الذي يقع ضمن هذه الكراهية الأوروبية لليهود، بل كان ذلك على مستوى النظرة النمطية الأوروبية إلى اليهودي خلال القرن الماضي والقرون التي سبقته. وممّا جاء في كلمة خشيش:

"في عام 1918، تم إبرام الوعد المشؤوم من قبل من لا يملكون (بريطانيا) إلى من لا يستحقون (الصهاينة) فيما يتعلق بفلسطين، بهدف تأسيس دولة صهيونية كحل وحيد لما كان يسميه الأوروبيون في ذلك الوقت ‘المشكلة اليهودية‘. في أوروبا، أدى معاداة السامية المتأصلة في النظام السياسي إلى اضطهاد رهيب للشعب اليهودي من خلال المحرقة التي حدثت خلال الحرب العالمية الثانية. الدول الاستعمارية في ذلك الوقت، التي كانت تخشى أن تصبح الهدف التالي للمجرم السفاح هتلر، كانت متواطئة بصمتها خلال هذه المأساة الإنسانية غير المسبوقة. قام الصهاينة باستغلال المحرقة لإطلاق حملات ضغط في أوروبا والولايات المتحدة، البلدان التي حتى وإن لم تشارك العديد منها بنشاط في المحرقة، إلا أنها كانت على الأقل مراقبة لهذا الإبادة، وبعضها أغلق حدوده أمام اليهود الذين كانوا يحاولون الهروب من وحشية هتلر. وهكذا، استغل الصهاينة شعور الذنب لدى القادة في أوروبا والولايات المتحدة لإقناعهم بضرورة إقامة دولة إسرائيل غير الشرعية في فلسطين كملاذ آمن لليهود.

وجاء قرار الأمم المتحدة رقم 181 في عام 1947، الذي تضمّن تقسيم فلسطين إلى دولتين، نتيجة لضغط الصهاينة المكثّف، وكانت تلك الخطوة الأولى منذ 76 عامًا من النضال الفلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي. ثم، أدّى نقص الحكمة السياسية لدى بعض القادة إلى تفاقم الوضع، وهو ما تمثّل في اتفاقات أوسلو المرفوضة التي أُبرمت عام 1993. كان كل من قرار 181 واتفاقات أوسلو على حساب إرادة الشعب الأصلي لفلسطين الذي رفض دائمًا أي اقتراح لتقسيم أرضه، لكن صوته للأسف تم إسكاته وتهميشه".

وأضافت خشيش:

"كذلك في لبنان، عشنا رعب الاحتلال الإسرائيلي، ذلك الاحتلال الذي لم يكن ممكنًا أبدًا لولا التغطية السياسية والدعم المالي من الدول الغربية، بالإضافة إلى انسحاب وتواطؤ معظم الدول العربية والإسلامية. لكن، من المهم أن نستخلص الدروس من كل تجربة انتصر فيها المستمعمَرون على المستعمِرين، كما هو الحال في لبنان عام 2000، عام تحرير معظم الأراضي اللبنانية التي احتلتها إسرائيل. نعم، الثمن دائمًا يكون كبيرًا، خاصة أن القادة في إسرائيل مليئون بالكراهية العنصرية ضد العرب، ويتبنّون موقفًا متفوّقًا وقمعيًا وإجراميًا تجاهنا، بينما يمتلكون أدوات عسكرية وتكنولوجية من بين الأكثر تطورًا في العالم، ولكن الأهم من ذلك أنهم يتمتعون بامتياز فريد من الإفلات من العقاب والتسامح الممنوح لهم من قبل غالبية دول العالم الأول تجاه هذه الدولة غير الشرعية.

الثمن كبير عندما نتبنّى نحن، المقيمين في الدول الغربية، عقلية الضحايا الذين هربوا من عدم استقرار بلادهم الأصلية ويحاولون فقط البقاء على قيد الحياة يومًا بيوم بعيدًا عن المشاكل وأي تبعات شخصية أو مهنية أو تنظيمية قد تنجم عن التعبير بصوت عالٍ عن تضامننا الثابت مع الشعب الفلسطيني. الثمن كبير عندما نملأ قراراتنا بالخوف، الخوف من أن نُعتبر معادين للسامية، متطرّفين أو حتى إرهابيين، بينما نعلم جيدًا أن الدفاع عن أراضينا وتقرير مصير شعوبنا هو حق أساسي لا يمكن انتزاعه.

الثمن كبير عندما ننسى أن الحياة بدون مبادئ أو قيم، خالية من أي معنى، وأن القضية الفلسطينية متأصلة في ثقافتنا وهويتنا، وأن إهمال جزء من هويتنا هو إهمال لها برمّتها، ما سيؤدي إلى تربية الأجيال التي لن تتمكن من تحقيق الهدف الأسمى لنضالنا، وهو التحرير الكامل لفلسطين من الاحتلال الإسرائيلي.

الثمن كبير عندما تقتصر علاقاتنا مع السياسيين على المجاملات السطحية؛ عندما نحتفي بمشاركتهم في مناسباتنا ومساهماتهم المالية في منظماتنا ونتسامح مع صمتهم إزاء قضايانا الأكثر أهمية ودعمهم المنافق فقط في الاجتماعات الخاصة المغلقة.

في الآونة الأخيرة، أصبح الثمن باهظًا عندما نمتنع عن المشاركة في الانتخابات أو نصوّت مجددًا للأقل سوءًا لتجنّب الأسوأ. لقد ساهمنا في خلق الوضع الحالي، حتى وإن كان الخيار المتاح هو خيار أقل سوءًا، فإنه لا يلتفت إلى همومنا ولا يستجيب لطلبتنا. ولكن، يمكن أن يحدث التغيير بفضل شباب مجتمعنا، بفضل ضميركم وشجاعتكم وإرادتكم.

في هذا المسار من النضال مع المظلومين ضد الطغاة، سيكون هناك دائمًا ثمن يجب دفعه، وسيكون هناك التزام بتوحيد الصفوف حول القضية الفلسطينية. الهدف هو تحويل قوتنا من أرقام إلى قوة انتخابية فعالة، مما سيمكنّنا من انتخاب مرشّحين مؤيدين للقضية الفلسطينية يمثّلون مطالبنا ويساهمون في تحقيق تقدم ملموس وفعال في النضال الفلسطيني.

 قد يكون الطريق طويلًا وشاقًا، لكنه ضروري، وهو الطريق الوحيد لتحقيق حياة كريمة وحرّة للشعب الفلسطيني. فلنكن صامدين، فلنكن موحّدين، فلنكن صابرين. لقد وعدنا الله بالنصر، وعلينا أن نبحث عنه بكل الوسائل الممكنة!".


آراء المتظاهرين

دانيال زمر

وقد عبّر عدد من المتظاهرين عن آرائهم لصدى أونلاين، فقال دانيال زمر، وهو كيبيكي "أنا هنا لدعم فلسطين ولبنان الآن لأن الوضع مأساوي هناك، وفي كل مرة يتم تنظيم تظاهرة في أي مكان أشارك بها من أجل التضامن بوجه الحرب الإسرائيلية. الدعم ضروري، من أجل الإنسانية قبل أي شيء آخر". 

جو روجرز

وقال الكيبيكي جو روجرز لصدى أونلاين "أنا هنا للدفاع عن فلسطين وغيرها من الشعوب المضطهدة، ضحايا الصهيونية والإمبريالية. بالطبع، يجب أن أكون هنا. يجب أن ندرك أن هناك خللًا في التوازن. هناك قوة منبهرة بنفسها، أمام شعب فقير. إن الفلسطينيين المنتشرين في جميع أنحاء العالم هم ضحايا الصهيونية والاستعمار والإمبريالية الحديثة، ويجب أن نكون هنا من أجلهم، ومن أجل لبنان، وفي كل مكان للدفاع ضد الشعوب المضطهدة".

إيلاف وهبي

وأشارت إيلاف وهبي إلى ضرورة مساندة لبنان وفلسطين "نحن هنا لنساند بأقل طريقة ممكنة، وهي أن نوصل قضيتنا وأفكارنا للعالم، لأولئك الذين يرون ما يحصل ولكنهم لا يعرفون الحقيقة، حتى للمارّين هنا في مونتريال، ونحن نتظاهر، أن يأخذوا ولو كلمة من هذه التظاهرة. يمكن لكلمة أن تلفت أنظارهم إلى ما يحصل في فلسطين ولبنان، وأن يتعرّفوا على قضيتنا. هذه التظاهرات هي أقلّ ما يمكن أن نقدّمه للشعبين اللبناني والفلسطيني ونساعدهم تحت القصف الإسرائيلي المتواصل، على أمل أن يكون لكلماتنا إن كان هنا في التظاهرات أو في حياتنا اليومية في السوشيال ميديا أثر في مساعدة هذ القضية".

أنجلا

كما أكّدت أنجلا (فضّلت عدم ذكر العائلة) على ضرورة المشاركة في هذه التظاهرة دعمًا لفلسطين وغزة ولبنان، وأضافت :"يجب الوقوف في وجه القمع، في وجه جنون إسرائيل في الشرق الأوسط وخاصة في فلسطين ولبنان وفي كل مكان، حتى في سورية والعراق.. الحقيقة أن ما يحدث غير عادل. وبصراحة، نحن نعلم أن القضية الفلسطينية قائمة منذ حوالي 76 عامًا، ولكن ليس الجميع يعلمون، لذا فإن أحد الأسباب التي جعلتني أشارك هنا هو لمشاركة الوعي مع المواطنين الكنديين، ورفع الوعي، وآمل أن تتغير الأمور قريبًا".

وعن الأمل في أن يكون لهذه التظاهرة أي أثر، علّقت أنجلا: "آمل ذلك. كنت أتحدث لتوّ مع رجل كيبيكي هنا، وهو هنا للتضامن مع فلسطين ولبنان. وبسببه، أشعر أن هناك فرصة، إذا نظرنا إلى المشاركين في هذه التظاهرة، فإن الكثير منهم ليسوا عربًا وليسوا مسلمين، وحقيقة أن هؤلاء الذين يقفون هنا من أجل القضية الفلسطينية يمنحنا الأمل الذي نحتاجه الآن لإحداث تغيير".

محمد فرحات

وقال محمد فرحات لصدى أونلاين:

"جئنا لندعم أهلنا في لبنان وكذلك في غزة. نحن طلاب هنا، لا يمكن أن نرى ما يحصل ونبقى صامتين لا نفعل شيئًا، يجب أن نكون هنا وفي كل تظاهرة. هذه التظاهرة تفيدهم بطريقة أو بأخرى. بالتأكيد لهذه التظاهرات والوقفات الاحتجاحية أثر على القضية، أولًا، عند رؤية التضامن العالمي في الطرقات ترتفع معنوياتهم في لبنان وفلسطين. ثانيًا، هذه التظاهرات تكشف للكنديين ماذا يحصل هناك. الكنديون يعيشون حياتهم بشكل روتيني طبيعي، ولا يفهمون حقيقة الوضع في فلسطين ولبنان، كما أن الإعلام الكندي لا يكشف الحقيقة، ويقدّمها منقوصة، عدد الشهداء، الدمار، طريقة القتل العنيفة، لا نعرف إن كانوا بسطاء هنا، لا يعرفون أو يعرفون ولا يريدون التضامن، لذلك مسؤوليتنا أن نوصل لهم الحقيقة، وبالتأكيد هذه التظاهرة هي من أهم طرق كشف الحقيقة".

وسيم صبّاح

وتحدّث وسيم صبّاح عن مواجهة القوة الإسرائيلية المتوحشة:

"مشكلتنا اليوم ومنذ العام 1956 في سلاح الجو الإسرائيلي. المقاومون على الأرض أقوى من جنودهم بكثير، كعقيدة وكإيمان، حتى كقوة في الحرب كمشاة. المشكلة هي في معظم الحكام العرب، وهو شيء لا يمكن التخلّص منه بسهولة، أمر صعب ومعقّد. على المستوى الشخصي، نحن يجب أن يكون لدينا إيمان أن نكون جاهزين للحرب مع إسرائيل، الرسول محمد كان يقول "لا تسألوا لقاء العدو"، عندما يخرج الإنسان للحرب ليس أمرًا سهلًا. المستوى الآخر، هو معرفة كيف يجب أن نطوّر أنفسنا كعرب، كي يتم تغيير حكامنا. يجب أيضًا، بالنظر إلى هندسة الطيران، تطوير ما يجابه الطائرات. وكذلك التكنولوجيا، يجب أن نطوّر أنفسنا في مجال البرمجة والأمن السيبراني Cyber Security، وكل ما له علاقة بالذكاء الاصطناعي، هذه المجالات مهمة اليوم بالنسبة لنا، الحرب المعلوماتية أكبر من الحرب التي على الأرض. يجب الاشتغال ليكون لدينا الإيمان والقوة الفكرية لنطهّر فلسطين".

***

ختامًا، إن ما يبدو لافتًا في مثل هذه التظاهرات هو الحضور الكندي من أصول غير عربية، ما يدفعنا لإدراك أهمية مشاركتنا كعرب في مونتريال لمواجهة آلة الخراب الذي تُحدثه إسرائيل في بلادنا، ولعلها تسعى لإحداث هذا الخراب في نفوسنا عبر الصمت والاستسلام الفكري في المنازل، في محاولة لإفشال التجربة الإنسانية والعروبية أمام الغطرسة الدموية اليومية، وهو ما يؤكد على أهمية مشاركة الجميع، لبنانيين وفلسطينيين خصوصًا، فلا فاعلية لقرارات محكمة العدل الدولية ولا لاتفاقيات حقوق الإنسان أمام تظاهرات تكسر الصمت العربي والعالمي وتوصل للعالم أصوات الأطفال من تحت الركام.

 

 

الكلمات الدالة