دارين حوماني ـ مونتريال
في إطار سلسة ندوات التوعية السياسية، نظّم نادي الحوار الفكري ندوة عن العمل السياسي في كندا، وذلك مساء الخميس الفائت 5-12-2024، في مركز "الجمعية الكندية الفلسطينية في كيبيك"، شارك فيها الأستاذ لبيب فرج الله والمحامي وليام خربطلي وقدّمتها الدكتورة فدوى الظاهر، بحضور القنصل العراقي في مونتريال صادق علي الياسري ونخبة من المهتمين بالشأن السياسي والفكري في كيبيك.
لبيب فرج الله: المشاركة في الأحزاب السياسية هي أساس التغيير
بعد تقديم الدكتورة فدوى الظاهر، ألقى الأستاذ لبيب فرج الله محاضرة، وقد جاءت تحت عنوان "العمل داخل الأحزاب الكندية قاطرة التغيير السياسي".
رأى فرج الله أنه قد مضى على وجود جالياتنا العربية عقود من السنين في كندا، وفي كل مقاطعة فيها بدون استثناء، وأنه تنشط في الجالية جمعيات على مستوى اجتماعي وثقافي، وقد تكون على مستويات غير اجتماعية أو ثقافية، وقد تكون دينية، "خلال هذه المسيرة الطويلة لم تلتقط جالياتنا اللحظات التاريخية لتستدرك أن التغيير في المواقف السياسية- أولًا تجاه قضايانا الكبرى وثانيًا لإعطاء الوزن الانتخابي الذي تستحقه هذه الجاليات- لا يتم إلا من خلال تشكيل كتلة نيابية ناخبة وازنة داخل هذه الأحزاب".
واعتبر فرج الله أن الجالية العربية مرّت بتجارب عديدة، أثبتت صحة هذه النظرية، "فقد أُقصي مرشحون كثر، في الأعوام السابقة، ومنذ العام 2002، وهم ناخبون ليسوا عربًا ولا يمتّون بصلة إطلاقًا للجاليات العربية، ولكنهم أُقصيوا وقيّدوا وطوّقوا نتيجة مواقفهم السياسية المناصرة لقضايانا".
اتخذ فرج الله من الحزب الديمقراطي الجديد نموذجًا لإثبات صحة نظريته، مركّزًا على مواقف هذا الحزب بالنسبة للقضية الفلسطينية كمثال ومعيار لقياس إمكانية التغيير.
وقال فرج الله:
"عُرف هذا الحزب عبر تاريخه بأنه الحزب الأشد عداء للقضية الفلسطينية. فمنذ تأسيسه عام 1961 حمل في طيات تأسيسه تراثًا صهيونيًا مؤيدًا لدولة الكيان الصهيوني بكل وضوح. نستدل على ذلك من خلال عاملين اثنين، أولًا، أن القادة السياسيين الذين تربّعوا على ناصية القرار في هذا الحزب، كانوا قبل تأسيسه مؤيدين للحركة الصهيونية بشكل واضح. وكانوا داخل أحزاب أخرى قبل الحزب الديمقراطي الجديد، وكانت لهم مواقف جدًا نافرة بالنسبة للقضية الفلسطينية. وكانوا مع عدم عودة اللاجئين الفلسطينيين منذ العام 1948، وأيدوا العدوان على مصر سنة 1956 وكانوا مع عدم الانسحاب من أراضي سيناء، هذه كانت خلفيّاتهم، وهذه الثقافة التي كانت سائدة من 1943 إلى سنة 1961 انتقلت مع الشخصيات السياسية والناس الذين يمثّلونهم إلى الحزب الديموقراطي الجديد عند تأسيسه عام 1961".
وعدّد فرج الله أسماء الرؤساء الذين مرّوا على الحزب الديمقراطي الجديد، ففي عام 1967، كان رئيس الحزب هو طومي دوغلاس Tommy Douglas واستمر حتى العام 1971. بعد حرب 1967، كانوا مع تهويد القدس وعدم الانسحاب من الأراضي المحتلة، ثم استمر هذا الموضوع مع دايفيد لويس David Lowis الذي استلم قيادة حزب عام 1971. إلى أن جاءت أزمة العام 1982 مع المذابح التي ارتكبها الاحتلال، وكان إد برودبنت Ed Broadbent في الحكم، ولم يكن في ذاك الوقت التلطّي وراء إصبع التبرير ممكنًا. فقد "بلغ السيل الزبى" كما عبّر فرج الله، وأصبحت جرائم الاحتلال واضحة بعد مجزرة صبرا وشاتيلا وأحداث لبنان، فأعلن الحزب الديمقراطي الجديد يومها أن هذا عمل مبالغ فيه، ولكنه في الميزان الاستراتيجي لم يكن ذا جدوى.
وعرض فرج الله كيف خسر الحزب الانتخابات مع أودري ماكلوغلان Audrey McLaughin، ولم يعود له وزن سياسي لأنه خسر العدد المحدّد للمحافظة على وضعه كحزب سياسي وهو 12 عضوًا في مجلس العموم. ونجح له 7 أعضاء. وخسر مكانته، ثم استعادها مع ألكسا ماكدونو Alexa McDonough التي نجحت بالانتخابات، وحصلت على 21 عضوًا.
ولكن مع ألكسا ماكدونو بدأ الضغط على المؤيدين للقضية الفلسطينية، وعام 2003 استلم جاك لايتون Jack Layton الحزب وعمل على تطويق كل المؤيدين للقضية الفلسطينية، ثم جاءت مرحلة توم ماكلير Tom Muclair عام 2015 ولم يكن بينهم عربي واحد. وطوّق الكثيرين واستخدم سياسة مجحفة واتجه تجاهًا مؤيدًا للوبي الصهيوني والحركة الصهيوينة.
وقال فرج الله "عندما أقول ‘طوّق‘، أقصد ‘طرد‘ العديد من المرشحين، بسبب مواقفهم من القضية الفلسطينية".
وأشار فرج الله إلى أنه في العام 2018 عارض هذا الحزب حركة BDS، ولم يوافق على إعطاء موقف منصف من قضية الشعب الفلسطيني، إلا أن هذا الموقف تغيّر عام 2021، ووقّع على الموافقة على حركة BDS بموافقة 90% من القاعدة الناخبة، ولكن بنفس الوقت، وفي نفس المؤتمر وافقوا على تعريف "معاداة السامية"، "أي أن ما أعطاه في اليد الأولى أخذه في اليد الثانية، وهذا نتيجة الصراعات الداخلية في الحزب".
وأضاف فرج الله أنه في عام 2023 عارضوا تسمية "معاداة السامية"، وأكدوا على إعطاء الفلسطينيين الحق بدولة، وغيرها من المطالب، ومع الاتفاق مع الكتلة الليبرالية تم تمرير قرار دعم إقامة دولة فلسطينية في البرلمان الكندي بنجاح.
وقال فرج الله "ما حدث يبيّن عن عملية مخاض اعتبارًا من العام 2022، تدل على شيء مهم وهو: بدء التداول باسم القضية الفلسطينية في المراكز السياسية. وهنا بيت القصيد".
أشار فرج الله إلى أنه "بقدر ما يكون لك القدرة على التصويت بقدر ما يكون لك قدرة على التغيير داخل المؤسسة، وهنا يأتي الدور البالغ الأهمية للمشاركة في عملية القرار داخل المؤسسات الكندية".
وأضاف فرج الله "طبعًا، هناك من يقول أن هناك أحزاب لها مواقف تاريخية معروفة ليست أسوأ من موقف حزب الديمقراطي الجديد عبر التاريخ، ولكن الفكرة الأساسية هي استعراض هذا الموقف، وكيف يمكن أن يتبدل، والدعوة إلى خلق كتل وازنة ناخبة داخل الأحزاب الكندية".
وأكّد فرج الله أنه على جمعياتنا العربية أن تتنكّب هذه المسؤولية وتبدأ بتحضير الأجيال المقبلة، وأن تُدرجها على جدوى أعمالها، "أي يجب على هذه الأجيال الجديدة الانخراط في العمل السياسي. ليس فقط أن يكون الهمّ القيام بعلاقات ونشاطات اجتماعية، أو الحصول على مساعدات للبنان أو فلسطين. يجب النظر في مستقبل أولادنا، على كل المستويات البلدية والمقاطعة والفيديرالية".
وأشار فرج الله أنه "إذا أراد أحد ما أن يترشح الآن، ما هي إمكانية وحظوظ قبوله كمرشح؟ هي صفر، لأن آلية القبول خاضعة لفلاتر ولمسار غير منصف، لمسار قمعي انتخابي، لمسار مذلّ، بحيث من يريد أن يترشح عليه أولًا أن يتنكر لماضيه إذا كان له ماضٍ. وإذا لم يتنكر عليه ربما أن يلتزم الصمت، طمعًا بالكرسي، وهذا لا يبني مستقبلًا".
وقال فرج الله أن هذه الفلاتر المتعلقة بالقضية الفلسطينية موجودة في كل الأحزاب، إلا مع الحزب الديمقراطي الجديد، أخيرًا، الذي اتخذ نقاطًا فاصلة بالنسبة للموضوع الفلسطيني. غريغ سوفيه مؤخرًا لم ينجح ممثل حزبه في الانتخابات منذ أشهر لأنه وضع العلم الفلسطيني على بوستر الترشيح.
وذكر فرج الله إلى أن هذا الحزب بدأ يعطي ملاحظات، ويبلغ مؤيديه أن هناك مصالح عليا على المستوى الشعبي وغير الشعبي، ويجب أن يتمهلوا.
ما أكّد عليه فرج الله هو ملاحظة التغيير التاريخي في هذا الحزب منذ العام 1961 وصولًا إلى العام 1982 ثم التسعينيات، وخصوصًا مع جاك لايدن وحتى الآن. والنتيجة عبّر عنها فرج الله "بقدر ما تضع في الدست تشيل في المغرفة".
"هذا الدست هو الأحزاب وعلينا أن نشارك فيها إذا ما أردنا أن نصل إلى عملية تغيير. ولا نستهين بالعدد أبدًا. إذا كانت جمعياتنا لا عدّ لها ولا حصر، فيجب أن تضع على جدول أعمالها هذا الأمر: أنه من مهماتي تشجيع قواعدي على أن لنا مستقبلًا هنا، والموضوع غير محصور في القضية الفلسطينية، أخذت القضية الفلسطينية كتدليل على أهمية المشاركة. المسألة بهذا العمق، لو كان الموضوع متعلق بالثقافة أو باللغة أو بالهجرة أو بالضمان الصحي أو الضمان الاجتماعي، المشاركة مفيدة على كل الأصعدة، وأخذت المسألة الفلسطينية والمواقف التاريخية كسبيل للاستدلال على أهمية المشاركة السياسية".
وأشار فرج الله "لو لم يكن هذا الحزب لديه تسعين بالمئة من قاعدته يؤيدون حركة BDS عام 2021 هل كانوا سيجتمعون مع ترودو ويطلبون منه معارضة استيراد البضائع من المستوطنات في الأراضي الفلسطينية عام 1967".
واعتبر فرج الله أن هذا الموضوع بالغ الأهمية، ويجب أخذه بكل جدّية، "ومن هنا يبدأ التغيير. لا تعتقدوا أن مرشحًا ما تريد أن تعطيه صوتك وتطلب منه أن يأخذ موقفًا من فلسطين مثلًا أنه سيفعل، لن يفعل لأن الموضوع ليس بيده، إذا قال لك سأفعل، هناك داخل الحزب من سيمنعه ويقولون عنه لا".
وأضاف فرج الله "اليوم توجد جمعيات كثيرة تتفاوض مع وزيرة الخارجية، ورئيس الحكومة أنهم يجب أن يأخذوا مواقف أكثر إنصافًا، ولكن هذه استراتيجية ناقصة غير كاملة. هناك انتخابات في العام 2025، أي مرشح مستعد أن يبيّن على مرونة، وبعد أن يأخذ صوتك وتعلن نتائج الانتخابات سيغيّر من كلامه. والتاريخ يثبت".
وعاد فرج الله إلى العام 2014، حين كان جوستان ترودو ضمن المعارضة في البرلمان وتبنّى يومها مبادرة الطبيب عز الدين أبو العيش لجلب مئة طفل فلسطيني من غزة لعلاجهم، كان لديه في البرلمان 35 عضوًا، وتم طرح المبادرة في البرلمان. عام 2015 عندما نجح، زارته اللوبيات الصهيونية، فأخذ موقفًا ضد القضية الفلسطينية.
وأكّد فرج الله "كم مرة على المؤمن أن يُلدغ من نفس الجحر حتى يستشعر أن هذا التوجّه خاطئ".
وأشار فرج الله إلى أن الجالية العربية لديها جمعيات وأدمغة، وعددها ليس بقليل، "إذا وضعنا نصب أعيننا وندرج على جدول أعمالنا أننا يجب أن ندخل في الأحزاب، وهذا حق طبيعي وحق ديمقراطي وشرعي لنا، فإن الجميع سيعرف أننا فهمنا اللعبة وعرفنا كيف نشتغل، وسيعاملوننا معاملة الندّ للندّ، وليس معاملة شخص يطلب خدمة".
ودعا فرج الله إلى تنظيم ندوة كبيرة يشارك فيها أبرز شخصيات الجالية، قبل الانتخابات المقبلة، معتبرًا أن هذا الموضوع مهم، لم يعد يكفي أن تقف جمعياتنا وتتفرج.
واعتبر فرج الله أن طرحه لمسار الحزب الدميقراطي الجديد ليس للتحدث عن ماضيه من باب العداء له، بل للتحدث عن حاضره وتأييد طريقه الجديدة، ولشرح التاريخ، وكدليل على إمكانية التغيير، "كان الموقف صعبًا جدًا في هذا الحزب تجاه القضية الفلسطينية، فكيف بالتأثير أو التغيير في الأمور الروتينية".
واعتبر فرج الله، "بالنظر إلى مواقف هذا الحزب الحالية، نحن بحاجة للنظر في موضوعين، الوضوح على مستوى القرارات. ثانيًا بحاجة لتدعيم القواعد بالنسبة للموضوع الفلسطيني، وأن لا يكون كما حصل في العام 2021، أن يعطي بيد ويأخذ بيد. وبالنسبة لي كشخص يتابع الأمور، أرى بأن مجرّد تداول القضايا الكبرى بما يخص فلسطين في المحافل الكندية الرسمية هذا إنجاز".
وختم فرج الله بضرورة العمل داخل الأحزاب الكندية، "نحتاج إلى قرار من الداخل. طالما الأحزاب تأخذ قراراتها حتى تخدم القواعد الناخبة، هذه القرارات ستبقى ناقصة، لأنها كما ستخدمني فهي ستخدم غيري كقوى ناخبة. ولكن عندما أكون أنا بالحزب، وأصدر قرارات، يصبح ذلك قرارًا سياسيًا للحزب كله، إذًا، المشاركة في الأحزاب السياسية هي أساس التغيير".
ويليم خربطلي: إذا لم نشارك في العمل السياسي ولم نحاول التغيير فلا يحق لنا انتقاد السلطات
وبعد كلمة فرج الله، قدّم المحامي ويليم خربطلي محاضرة بعنوان "كيفية الانخراط في العمل السياسي في كندا".
بدأ خربطلي بشرح عام لتقسيم العمل والصلاحيات حسب الدستور الكندي بين السلطات الفيدرالية والإقليمية في المادتين 91 و92 من قانون الدستور 1867، وعن المادة 93 التي تتناول صلاحيات مشتركة بين السلطتين الفيديرالية والإقليمية مثل الهجرة التي قد تكون مقسّمة بينهما. وأعطى مثالًا إنه أحيانًا يُقبل مشروع فيديرالي بيئي ولكن عندما يدخل إلى المحافظة أو الإقليم يقف، بسبب وجود نوع من التوازن بين السلطتين الفيديرالية والإقليمية في تقرير ذلك.
وأشار خربطلي إلى أن العلاقات الخارجية هي من مهمة الفيديرال، مع الحق بوجود مكاتب تمثيل تجاري على صعيد الأقاليم، وهذا من صلاحياتها. وقال إن كيبيك من بين المقاطعات الأخرى، هي شبه مستقلة. وذكر أن الدستور ينص على حق المقاطعات بطلب إدارة مصلحة ما، وعليها أن تتقدم بطلب للفيديرال الذي يؤمّن المال اللازم لتنفيذها. وأعطى مثالًا، أن مقاطعة كيبيك طلبت أن تكون ملفات الهجرة إليها من صلاحياتها وتحت إدارتها.
بما يتعلق بالأحزاب، أشار خربطلي إلى أن كل من السلطتين الفيديرالية والإقليمية لهما أحزابهما، ولكن مسألة دخول الأحزاب إلى البلديات جديدة، معتبرًا أنه في السابق كان الشخص هو الأساس عند الانتخابات البلدية، ولم يكن هناك احترافية سياسية في العمل البلدي.
وذكر خربطلي إلى أن "البلدية هي الحكومة القريبة من الشعب"، وأن البلدية تخلق قوانينها على صعيد المحافظات، مثلًا، بلدية مونتريال لها قانون خاص بها، وهنا نتحدث عن كيفية إزالة الثلوج، رفع النفايات، وغيرها، واعتبر أن السكن هو مزيج بين السلطات الثلاثة، الفيديرالية والإقليمية والبلدية.
وقال خربطلي: "نحن كمواطنين، كل خدمة تمسّنا في الحياة اليومية، إن كان على الصعيد البيئي أو على صعيد الصحة، أو أي مجال آخر، ولهذا يجب أن نُظهر اهتمامنا ونكون منخرطين في العمل السياسي".
وأضاف خربطلي: "بغضّ النظر أين نحن بينهم، لدينا خمس مجالات للتأثير في العمل السياسي".
واعتبر خربطلي أن هناك فرقًا بين المواطن السياسي والمواطن العادي، "بالنسبة للرجل السياسي، إذا لم تكن مواطنًا سياسيًا فأنت غير موجود، حتى النائب كي يعتبرك موجودًا يجب أن تكون مواطنًا سياسيًا".
وسأل خربطلي "ماذا يعني أن تكون مواطنًا سياسيًا؟ يعني أنك قادر على أن تؤثر على انتخاب النائب أو الرجل السياسي".
وعدّد خربطلي طرق الانخراط في العمل السياسي، "أولًا التصويت، وثانيًا التبرّع، وثالثًا العمل التطوعي من دون الانتساب، ورابعًا الانتساب لحزب، وخامسًا الجمعيات المدنية رجال المواطنين التابعين للبلديات والطاولات الاستشارية الذين يدخلون ضمن ما يسمّى اللوبي. ويمكن أن يكون أي شخص مزيج من كل هؤلاء".
وأكّد خربطلي إلى وجود نقص كبير بالتصويت في الجالية العربية، مع وجود تحسّن عن المراحل السابقة، وهذا ينعكس على الجالية، فلا وجود لـ"بلوكات"، معتبرًا أن "لدينا العدد ولكننا غير فعالين على الصعيد السياسي"، وقال بأن التصويت هو الحدّ الأدنى، "لا أقول أن تصوّت لحزب معين، ضع ورقة بيضاء على الأقل، هذا موقف. أما إذا كنت لا تصوّت فأنت لن تفيديني كرجل سياسي".
واعتبر خربطلي أننا "لسنا في نظام مدينة أفلاطون الفاضلة، أي أن السياسي يشتغل سياسة لصالح المواطن، وليس لصالحه الشخصي. ما يحصل حاليًا هو عكس ذلك. هنا يوجد السياسي الذي مهنته السياسي، والسياسي الذي يريد الخدمة العامة. ومن مهنته السياسة سيسعى إلى أن يحافظ على مهنته، ولكن الذي يريد أن يخدم عندما يجد أنه لا يستطيع أن يخدم سيترك السياسة، وهنا للأسف السياسيون معظمهم أصحاب مهنة".
وعن أهمية التبرّع، أشار خربطلي إلى أننا على صعيد الجالية العربية لا نتبرّع بالمال، لعدة أسباب، قد تكون سياسية أو أيديولوجية أو عاطفية، معتبرًا أننا "ندفع الكثير، ولكن فيما يتعلق بالأحزاب السياسية لا ندفع، وهذه الأمور يراها الرجل السياسي"، ومؤكدًا على أهمية كل دولار يُدفع في التأثير على المسار الانتخابي.
وقال خربطلي إلى أنه في أميركا الشمالية، لا يمكن للرجل السياسي أن ينظّم حملة انتخابية إلا من المال المتبرّع به، ولا يحق له تنظيم حملة انتخابية من أمواله الخاصة، وإلا سيُحرم من الحق المدني بالتصويت.
وذكر خربطلي المبالغ المنصوص عليها للتبرّع، وهي على الصعيد الفيديرالي 1700$ في السنة، فإذا تم دفع هذا المبلغ، يُذكر عند التصريح الضريبي فتتم إعادة حوالي 1400$ للمتبرّع مباشرة في حسابه، وبشكل عام فإن نسبة ما يعود للمتبرّع تتراوح بين 50 إلى 80%.
أما في المحافظات، فإن مبلغ التبرّع هو 100$ سنويًا ولا تتم إعادة أي نسبة منها. والمبلغ نفسه على الصعيد البلدي. وعندما تجري في نفس السنة انتخابات، يمكن مضاعفة المبلغ على الأصعدة الثلاثة. وهذه التبرّعات كلها تُنشر على العموم، وكل من يريد يمكنه الاطّلاع على الأسماء المتبرّعة. كما يمكن الدفع لأكثر من حزب، ولكن لا يمكن التصويت لأكثر من حزب ما قد يلغي التصويت.
وقال خربطلي: "نحلم كجالية أن يكون عندنا مجلس تنسيقي جامع، ويتم الاتفاق على التبرّع لمن لنا مصلحة معه في قضايانا، وهذا هو اللوبي".
وشجّع خربطلي على التبرّع، وخصوصًا على صعيد المقاطعات والبلديات، حيث أن المبلغ يعدّ قليلًا. وقال إنه رغم عدد الجالية الكبير، إلا أننا لا نعي أهمية التبرّع، في حين أن الآخرين ناضجون على الصعيد السياسي ويتحركون وفقًا لقضايا جيوسياسية، ويفهمون اللعبة، وخصوصًا على الصعيد الفيديرالي.
وتمنّى خربطلي وجود هيئة منظمة أو معهد للتدريب السياسي من أجل توعية الأجيال الجديدة، على غرار "المركز الاستشاري للعلاقات اليهودية والإسرائيلية" Le Centre consultatif des relations juives et israéliennes israéliennes، وقال إن هؤلاء يسألون الأحزاب إذا كانوا يريدون متطوعين، ويرسلون شبابًا للعمل داخل الأحزاب، "نحن كعرب متأخرون عنهم كثيرًا، مع أن لدينا كل القدرات، وكلنا تجار، ونفهم كيف نتعامل في البلد، وقادرون على بناء مؤسسات كبيرة والتوظيف".
وأضاف خربطلي: "للأسف، لدينا القدرات لكن ليس الإرادة".
كما أكّد خربطلي على أهمية التطوع، وخصوصًا وقت الانتخابات، ويمكن أن يكون المتطوع غير منتسب للحزب الذي سيساعده، وأنها مسألة اتصالات تتم داخل المكتب الحزبي أو من المنزل.
وشجّع خربطلي على الانتساب للأحزاب معتبرًا أننا إذا لم نجد أنه يتناسب مع توجّهاتنا يمكننا تركه بسهولة، "الأمر ليس كما يحدث في بلادنا العربية. ربما ليس لدينا الثقافة الديمقراطية، ولدينا فكرة خاطئة عن التحزّب".
وقال خربطلي "المنتسبون للحزب يشاركون بالتصويت داخل الحزب في الجمعيات العمومية، فإذا اعتمد الحزب سياسة معينة، فالنواب الذين يمثّلونه مضطرون أن يسيروا بقرارات الجمعية العمومية، وكل قرار يبدأ بأورقة الحزب كفكرة ثم يصبح سياسة".
وتحدّث خربطلي عن أهمية المشاركة السياسية من خلال تجربته في العمل السياسي، وقال بأنه شارك في الكثير من ورش العمل ضمن الحزب الليبرالي، "وجودنا كعرب يجعل الأمور تتغيّر، فإذا كانوا يتحدثون بموضوع معيّن لدينا حساسية تجاهه كعرب، ونعرب عن رأينا، تتغيّر الصياغة. مثلًا الإرهاب، حين يتم تعريفع بربطه بالإرهاب، نقول: لماذا ربطه بالإسلام، وأنه يمكن الحديث عن الإرهاب بشكل عام. فإذا كان هناك شخص عربي بالحزب سيرفض هذا التعريف ولن يتم تبنيه".
وعلى صعيد الجمعيات المدنية، قال إنه يمكن لهذه الجمعيات أن تكون وسيلة عمل سياسي. وأعطى مثالًا عن جمعيات تساعد على اندماج المهاجرين العرب الجدد، فإذا كان من صعوبات معينة، يمكن الالتقاء بنائب المنطقة وعرض المشكلة عليه، وخصوصًا في السنة التي ستُجرى فيها الانتخابات، وهكذا تُعتبر هذه الجمعيات أنها تساهم بطريقة غير مباشرة بصياغة السياسات.
وأضاف خربطلي "عند مناقشة مشروع قانون، توجد لجان برلمانية تبقى مفتوحة للجمهور لإعطاء آرائهم بالقانون. وأنا شخصيًا شاركت بصياغة عدد من القوانين. النواب الموجودون ينظرون كيف نصيغ القانون، ينظرون إلى العواقب ويسمعون لنا، ومن مادة لآخرى يتم إقرار القانون، وهم سيأخذون اقتراحات الأشخاص بعين الاعتبار ومن هنا أيضًا يبدأ التغيير".
وعن لجان المواطنين التابعة للبلديات، قال إنها جديدة نوعًا ما، وعملها الإضاءة على قرارات البلديات مثلًا الأخذ بعين الاعتبار التنوع الثقافي. وقال خربطلي "كلما كنا موجودون في هذه اللجان كلما ساهمنا بالتأثير على القرار السياسي".
وقال بأن الطاولات الاستشارية تجمع عددًا من الجمعيات في طاولة مستديرة لمناقشة القضايا المشتركة، كما يحدث مع الطاولات الاستشارية التي تجمع الجمعيات الإسلامية، ويتم طرح قضايا مختلفة، مثل القانون 21 وغيره، وهذه الطاولات لها تأثير بالتواصل مع السياسيين، وتصبح مثل اللوبي.
اعتبر خربطلي أن كل هذه الطرق التي ذكرها يمكن أن نكون موجودين من خلالها بالعمل السياسي، "لا أريد أن أُشعركم بالمسؤولية، أو أنه ليس لديكم حقوق إذا لم تشاركوا في العمل السياسي، ولكن على الصعيد التطبيقي، إذا لم نشارك في العمل السياسي ولم نحاول التغيير فلا يحق لنا انتقاد السلطات والقرارات المتخذة".
وقال "ذُكر في القرآن الكريم: لا يغيّر الله ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم". وهذا هو الأساس، "يجب أن نأخذ المبادرة. وأدعو الجميع للمشاركة السياسية بطريقة أو بأخرى. والمظاهرات مهمة، هي وسيلة ضغط، ولكن بنهاية المطاف، التأثير يتم عبر الدخول في المؤسسات الحزبية".
نقاش مع الحاضرين
إذا لم ندخل الأحزاب ونعمل فيها، أصواتنا ستبقى خارج السرب
بعد عرض المحاضرتين، جرى نقاش عام، وطرح عدد من الأسئلة على فرج الله وخربطلي.
وسأل د.م. وليد حديد عن موقف الحزب الليبرالي وتدرّجه كمقارنة مع الحزب الديمقراطي.
فأجاب فرج الله أن الحزب الليبرالي هو الحزب الذي ينال تقليديًا أصوات الجالية اليهودية عن كل المحطات الانتخابية على نسب ودرجات متفاوتة. وأن الحزب الليبرالي اتبع استراتيجية متفاوتة منذ الخمسينيات، فكان محايدًا على أيام سان لوران، وفي الستينيات، أي أنه كان لا يأخذ موقفًا من الأطراف المتحاربة، العرب وغير العرب. واعتبر فرج الله أن هذا الموقف متجذّر بالدولة العميقة في الحزب.
وأضاف فرج الله أن الحزب الليبرالي اتبع سياسة متوازنة ظاهريًا أيام ترودو الأب، الذي أوصل السياسة الخارجية بالداخلية. ثم انحاز الحزب الليبرالي إلى جانب إسرائيل منذ العام 2003 ثم 2006 مع بول مارتن. ثم جاء بتأييد أقوى لإسرائيل اعتبارًا من العام 2015 مع جاستن ترودو في مواقفه من المسألة الفلسطينية والصراع الفلسطيني الإسرائيلي، "وحيث تأتي كندا كثاني دولة في العالم تأييدًا لإسرائيل في الأمم المتحدة بعد الولايات المتحدة الأميركية".
وذكر وليد حديد أنه بالنسبة لتعريف "معاداة السامية" لم يعتمدها الحزب الليبرالي سابقًا أما الآن فقد وافق على تعريفها.
وسأل أحد الحاضرين عن كيفية مساندة الحزب الديمقراطي الجديد، فأجاب فرج الله أن التغيير في أي حزب يبدأ من خلال "دم جديد" فيه، أي انتساب جديد ورؤية جديدة، "إذا لم ندخل إلى الأحزاب ونعمل فيها أصواتنا ستبقى خارج السرب".
وأضاف فرج الله "تركيزي كان على الثقافة المتصهينة في هذا الحزب على مدى عقود، ما الذي بدّلها؟ تبدّل القاعدة"، وأنه وفي الأحزاب يوجد ما يسمّى "أصدقاء كذا.."، ويتم الأخذ بعين الاعتبار الآراء والمطالب، والسياسات ترسم داخل الأحزاب من خلال مشاريع قوانين ويصوّت عليها في الجمعيات العمومية للحزب "إذا كنا داخل الحزب نبيع ونشتري وإذا كان عندك قوة داخل الحزب نحقق فرقًا".
وعلّق أحد الحاضرين على موقف الحزب الديمقراطي الجديد في بداياته، وقال "العلاقة نشأت بين إسرائيل وبين الاتحادات العمالية بالعالم كله، في فترة الأربعينيات، وكان هناك نوع من الاشتراكية الدولية، وقد استغلها الإسرائيلي، وأسّسوا كيبوتسات في فلسطين، وحدث التعاطف الدولي، ومن هنا كان موقف الديمقراطي الجديد التاريخي منذ البداية".
وسأل أحد الحاضرين "أين هي مصلحتنا، أن ننتسب إلى الحزب الحاكم حاليًا، أم للحزب الذي أرى أنه سيحقق لي الاعتراف بفلسطين؟".
وأجاب فرج الله أن النقطة الأساسية هي طريقة العمل، أن ننخرط بالأحزاب وبكثافة ونشكّل تجمعات داخلية وازنة داخل أي حزب. قد يرى البعض أن الحزب الليبرالي هو الحزب المهيأ ليستلم، ولكن هذا نظر غير مكتمل العناصر، نشجع الناس أن تلتقي مع الحزب الذي يلتقي مع قضاياهم. وقد ندخل في الحزب الحاكم للضغط عليهم.
وسألت السيدة هبة الفنوش عن أي جهود معينة لتوعية الجيل الشباب الواعي، "وهو الجيل الذي استطاع فرض قضايانا العربية بكندا بأبسط الطرق وهي السوشيال ميديا، وهذه القضايا تنتقل لاشهاص غير عرب من أصدقائنا، ويسألوننا، هل توجد ورشات أو محاضرات لنساعدهم، وخصوصًا أن الجيل الواعد فيه كل الطاقات للدخول في السياسة والاندماج بالحكومة، وسيساعد على توصيل قضايانا الحساسة كعرب".
وأجاب خربطلي بأن هذا ينقص جاليتنا العربية، و"هنا تأتي أهمية وجود أكاديمية للتدريب السياسي، ولكنها تحتاج لدعم واستثمار العديد".
وذكر وليد حديد على ذلك بالتحضير لمبادرات لتعارف الشباب مع بعضهم وتعميق العلاقة مع الأجيال السابقة، ودفعهم للتحمس للقضايا العربية.
وقال أحد الحاضرين وهو ينتمي لإحدى المؤسسات الفلسطينية بأنهم نظّموا رحلات إلى فلسطين لتعريف الشباب على المناطق هناك وعلى المستوطنات وتجربة المرور في المعابر.
وأضاف بأن الفلسطينيين والعرب في كندا مشتتين، وأن 23 مؤسسة فلسطينية تشتغل حاليًا على موضوعات بخصوص القضية الفلسطينية ليتم طرحها مع الحكومة، ومنها إصدار قانون للـ ANTI- PALESTINE على غرار ANTI- ISLAMOPHOBIA وANTI -SEMITISM ، وقال إن كندا مع حلّ الدولتين منذ العام 1967 ولكن المشكلة في التطبيق، "ويجب أن لا ننسى أن كندا مهما كبرت فهي مرتبطة بالسياسة الخارجية الأميركية، وهذا كل ما تقدر على فعله". كما أكّد أن كل النواب والأحزاب يعرفون في كل دائرة انتخابية كم يهودي صوّت، وكم مسلم صوّت، وهو ما يجب الالتفات إليه.
وعلّق لبيب خاتمًا "يجب أن ننتقل من ردّة الفعل إلى الفعل داخل الأحزاب. يجب أن نصل لمرحلة نتمكن من أن نسمّي مرشحين، ونرشّح من داخل الأحزاب. لا يجب أن يبقى الوضع على حاله، إذا أردنا مرشحًا ما، فإن عليه أن يمرّ تحت الفلاتر، ثم بالصدفة وبالحظ يصل. علينا أن نصل لمرحلة نشارك في صناعة القرار السياسي من داخل الأحزاب".
133 مشاهدة
23 ديسمبر, 2024
236 مشاهدة
22 ديسمبر, 2024
141 مشاهدة
19 ديسمبر, 2024