طلال طه ـ مونتريال
على مسافة أيام يدخل الاستحقاق الأمريكي ذروته عشية الخامس الى السادس من تشرين الثاني، في الانتخابات الأمريكية ما بين الحزبين الرئيسيين والوحيدين في حلبة الصراع على الفوز برئاسة أمريكا!
منذ تأسيس الاتحاد (اتحاد الولايات الأمريكية أو الولايات المتحدة الأمريكية) بدأت الصراعات ما بين الحزبين اللذين يمثل كل منهما مصلحة شريحة اجتماعية واقتصادية ودينية وعرقية لها رؤيتها في العلاقة مع السلطة وراس المال والمؤسسة العسكرية والمؤسسات الإعلامية لاحقا!
فما بين الأعوام 1776 و1791 تم الاتفاق على الحكومة المركزية وكتابة دستور جديد وقانون الحريات العامة الذي مثل لاحقا محل خلاف ونزاع وصراع طويل لكي تحصل فئات وشرائح اجتماعية عديدة على ما سمي "بالمساواة" بين السود والبيض وغيرهم من الفئات المهمشة سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وثقافيا ومعيشيا..
لم ينو الآباء المؤسسون أن يتدخل الحزب بالسياسة والسلطة، وخير مثال على ذلك كان الرئيس الأول للاتحاد جورج واشنطن الذي لم يكن حزبيا وحكم أمريكا طوال فترة رئاسته دون انتماء حزبي وقد تجلى ذلك في خطبته الوداعية!
الحزبان الرئيسيان تأسسا عشية تأسيس الاتحاد، ويمكن القول إن ولادتهما كانت قدرا مشؤوما على عملية ممارسة السياسة بما سمي لاحقا: الديموقراطية الأمريكية!
مع بدايات التأسيس اتخذ الحزب الجمهوري جانب الدفاع عن الدستور وتأييد الحكومة المركزية القوية، بينما اتخذ الحزب الديموقراطي جانب المعارضة وخصوصا ضد سلطة الحكومة المركزية!
ومنذ منتصف القرن الثامن عشر، مر الحزبان بتجارب سياسية ودستورية وحقوقية متفاوتة ومتناقضة ويمكن القول إنهم اختلفوا في وعلى كل شيء، عدا بعض المصالح البورجوازية والمالية التي تماهت حولهما وبهما قيادتا الحزبين التاريخيتين.
ويمكن القول أنه خلال الـ 250 سنة الفائتة مرت التجربة الأمريكية في السياسة والديموقراطية بما يمكن أن نسميه خلل وكسل وملل سياسي، حيث أن مصالح الشعب الأمريكي أصبحت مرتبطة ارتباطا عضويا بالخطوط الرفيعة التي تمثل الواجهة السياسية لحكم أحد الحزبين، ولما كانت الاهتمامات السياسية للشعب الأمريكي لا تتجاوز مصالحه المعيشية والحياتية، لذلك فقد تصدت نخب أوليغارشية ونفعية ممثلة مباشرة لمصالح الكارتيلات النفطية وأسواق المال والأسهم والبورصة ومصانع السلاح ولاحقا المؤسسات الإعلامية وخصوصا في الحلقات الأخيرة من تاريخنا الحديث في كل ما يتعلق بوسائل الاتصالات والميديا ووسائطها الاجتماعية..
ولما كانت ديموقراطية الحزب – سواء الجمهوري أو الديموقراطي – لا تسمح بوصول غير الأغبياء والفاسدين والحمقى الى السلطة، فلذلك نلحظ أن هذه الأمة العظيمة بمفكريها وفلاسفتها وجامعاتها واقتصادييها وغيرهم من النخب يحكمهم ويتصدى لحكمهم مشعوذون وجهلة وأغبياء وحمقى مثل ترامب وهاريس وبوش الابن وريغان وغيرهم من الواجهات الفاسدة لدولة شريرة!
اقتصار المنافسة على الحزبين الكبيرين، الحمار الديموقراطي والفيل الجمهوري لم يترك مساحة كافية لجماعات سياسية ونخب اقتصادية وثقافية واكاديمية وإعلامية لكي تعبر عن نفسها بحرية وأريحية!
نعم، حزب الخضر ( Green Party)، وخصوصا بزعامة رالف نادر الأمريكي من أصل لبناني، شكل لمدة عقود من الزمن تلوينا مختلفا بين الأحمر والأزرق.. خصوصا في المسابقات الانتخابية الرئاسية!
هوية الحزب، المتعلقة بالبيئة، واللاعنف، والعدالة الاجتماعية والديموقراطية التشاركية والمساواة بين المواطنين ومناهضة الحروب والعنصرية، جعل من هذا الحزب حزبا جديا يميل الى يسار الأحزاب الماركسية وخصوصا الحزب الشيوعي الذي تعرض لهجمات وضغوط سياسية وأمنية وتشهير كبير أدى الى غيابه عن الساحة خصوصا بعد سقوط الاتحاد السوفياتي سابقا!
فبالقدر الذي تمثل شعارات حزب الخضر محاكاة حقيقية لحقوق المواطن الأمريكي، فإن لعبة المال والسلطة والاعلام التي يتقنها الحزبان الديموقراطي والجمهوري، أبعدت شرائح اجتماعية حقيقية يمثل حزب الخضر حاضنتها الحقيقية عن التصويت والمشاركة الفاعلة في تنشيط وتأييد ودعم سياسات الحزب الداخلي، ومنها: رعاية صحية شاملة، تعليم مجاني، اشتراكية بيئية، حماية حقوق العمال (ما تطرحه جيل ستاين المرشحة للرئاسة الأمريكية عن حزب الخضر من برنامج اجتماعي طموح، يطالب بأن تصل أمريكا الى ما كانت عليه سوريا قبل الحرب الكونية عليها عام 2011، من طبابة للجميع، تعليم مجاني لكل المواطنين، اهتمام بالبيئة وديون صفر) طبعا تضيف مرشحة حزب الخضر الى ذلك مناهضتها للحروب، وهو ما قد يجعل الأنظار تتجه نحوها في هذه الأيام، وخصوصا ما تبقى منها حتى ليلة الانتخابات في 5 نوفمبر.
نبدأ مع حزب الخضر من العام 2000 حين تمكن الحزب من الحصول على نسبة 2.7% في ذاك العام، في ظروف مختلفة كثيرا عما نحن عليه وفيه هذه الأيام. لذلك يمكن التفاؤل في الوصول الى نسبة 5% وهي النسبة التي تسمح لهذا الحزب بأن يدخل "رسميا" سباق الرئاسة بما يعني الحصول على المال العام في كل الولايات للقيام بحملته الانتخابية!
فإذا قارنا ميزانية حزب الخضر في كل حملته الانتخابية (عدة ملايين) في كل الولايات فهي تعادل نسبة صفرية فيما تصرفه كمالا هاريس في ولاية بنسلفانيا المتأرجحة (حوالي 400 مليون دولار) وترامب أقل منها بقليل (حوالي 385 مليون دولار) فقط لا غير!
أهداف حزب الخضر المعلنة، ولا قدرته على الوصول الى الناخب الأمريكي لضعف التمويل الانتخابي، وضيق ذات اليد بطرح الحلول المستدامة لحياة الأمريكي العادي التي تعد بالرفاهية والاسترخاء، إضافة الى ظروف موضوعية محلية في أمريكا وعالمية لم تكن لتسمح بتصدر الساحة لحزب قد يمثل تفلتا في لحظة عالمية وخروجا عن سياسات الدولة العميقة التي يمتثل لإرادتها الحزبان، وبذلك فإن هامش الحرية المتاح أمام أي رئيس أمريكي، جمهوري أو ديموقراطي، هي حوالي 10-20% في بعض القضايا الداخلية المتعلقة بالضرائب والمعيشة والخدمات والحريات الدينية والشخصية وغير ذلك من القضايا اليومية التي لا تطال العمق الرأسمالي والإيديولوجي ورؤية أمريكا لنهاية التاريخ!
ثم جاء "طوفان الأقصى" وفي مشهده غزة ومن خلفهم فلسطين، جاءت هذه اللحظات التاريخية في تاريخ القضية الفلسطينية، وتاريخ حركات التحرر في العالم، وبالتالي التفلت الحقيقي لإنسان الشارع في الغرب الذي فتحت له مجازر غزة كوى ونوافذ للتحرر والانعتاق من السردية الصهيونية لما يجري في فلسطين والمنطقة!
بمعنى آخر، فإن فلسطين اليوم هي ناخب بقدر في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، فإضافة الى الأمريكيين العرب والمسلمين وغيرهم من اللاتين والآسيويين والأفارقة الداعمين للقضية الفلسطينية خرجت في السنة الأخيرة ومنذ الشهر الأول الى شوارع أوروبا وأمريكا الشمالية وغيرها من بقاع العالم، خرجت المظاهرات والاعتصامات والاحتجاجات، وخصوصا في أمريكا، لتمثل طبقة انتخابية جديدة، وهي طلاب الجامعات والأكاديميين والإعلاميين والناشطين الاحرار من فئات اجتماعية متعددة لم تكن قد عرفت حراكا في الشارع قبل ذلك!
طلاب الجامعات خصوصا، هذه الفئة العمرية التي قليلا ما كان يعنيها الشأن السياسي، خصوصا النخب الاجتماعية التي تتصدر الحراك في الجامعات الأكثر شهرة في العالم، وفي الكليات التي تخرج أغلب الساسة والإدارة والأنتليجلسيا في أمريكا والغرب والعالم!
هذا الشارع سوف يجد طريقه للتصويت لصالح مرشحة حزب الخضر جيل ستاين، الطبيبة الناشطة المؤيدة للقضية الفلسطينية، المطالبة بوقف بيع وتصدير السلاح لإسرائيل، ووقف العدوان على غزة!
في بعض جوانبه قد يكون تصويتا "احتجاجيا" على سياسة الحزبين الكبيرين في التعاطي مع الحرب على غزة وفلسطين ولبنان والمنطقة!
جيل جديد خرج من بين أنقاض المدن والضيع والمدارس والمستشفيات والكنائس والمساجد المهدمة في غزة، تحطمت في فلسطين ولبنان، لكنها تمتد في شوارع العواصم الكبرى في العالم لترفد القضية الفلسطينية بزخم آخر، وليد جديد، إنسان مختلف، متماه مع كم الدماء وأشلاء الأطفال ليحولها الى صرخة في الشارع وورقة انتخابية في صندوق على أمل كوكب أفضل!
أطفال غزة يشاركون في الانتخابات الرئاسية الأمريكية.. بدمهم!
* الصورة من صفحة جيل ستاين على صفحتها على موقع اكس
64 مشاهدة
15 نوفمبر, 2024
214 مشاهدة
13 نوفمبر, 2024
141 مشاهدة
10 نوفمبر, 2024