إعداد: الباحثة التربوية وفاء مروة
المقدمة
تُعدّ مهنة التعليم من أسمى المهن الإنسانية، فهي الركيزة الأساسية في بناء المجتمعات وصناعة الأجيال الواعية القادرة على النهوض بالعلم والأخلاق. فالمعلّم ليس ناقلًا للمعلومات فحسب، بل هو مربيًا وموجّهًا وصانعًا للقيم. ومن هنا تأتي أهمية الالتزام بأخلاقيات المهنة، التي تُعدّ الأساس المتين لكل عملية تربوية ناجحة، كونها تربط بين الجانب العلمي والجانب الإنساني في أداء المعلّم لرسالته.
أولًا: محبة المعلّم لعمله وإخلاصه في أدائه
المعلّم الذي يُحبّ مهنته ينجح في تحويل التعليم من عملٍ روتيني إلى رسالةٍ سامية. فالمحبّة هي جوهر العطاء، والإخلاص هو عنوان النجاح. حين يجد المعلّم في عمله متعةً نابعة من قناعته بأهمية ما يقدّم، يصبح التعليم لديه تجربة روحية وإنسانية راقية.
ويُعدّ الرفق واللين من أهم سمات المعلّم الناجح، كما قال رسول الله ﷺ:
«إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا يُنزع من شيء إلا شانه.»
فالمعلّم اللطيف في تعامله يزرع الطمأنينة في نفوس طلابه، ويجعلهم أكثر استعدادًا لتقبّل العلم وتقدير المعلم.
ثانيًا: العلاقة بين حبّ المعلّم للمادة وحبّ الطالب للتعلّم
لا يمكن للمعلّم أن يُحبّب طلابه في العلم إن لم يكن هو شغوفًا بالمادة التي يُدرّسها. فالحماس ينتقل بعدواه، والصدق في الأداء يُلهم المتعلّم. إن حبّ المعلّم لمادته يُترجم في طريقة شرحه، وحيويته داخل الصف، وقدرته على ربط المعرفة بواقع الطالب.
والمعلّم الذي يُظهر اهتمامًا بمادته يُثير فضول طلابه نحو الاكتشاف، فيتحوّل التعليم من مجرّد تلقينٍ إلى عملية تفاعلية تقوم على الحوار، والتحليل، والتفكير النقدي.
ثالثًا: القيم الأخلاقية للمعلّم الناجح
تستند مهنة التعليم إلى منظومةٍ من القيم الأخلاقية التي تُوجّه سلوك المعلّم في أداء رسالته. ومن أبرز هذه القيم:
1. الصبر: لأن التعليم يحتاج إلى طول البال وسعة الصدر.
2. العدل: في التعامل مع الطلاب دون تفرقة أو تحيّز.
3. الصدق والأمانة: فهما أساس الثقة والمصداقية بين المعلّم وطلابه.
4. الرحمة: فهي المفتاح إلى قلوب المتعلمين.
5. التواضع: الذي يجعل المعلّم قريبًا من طلابه، بعيدًا عن التعالي أو الاستعلاء.
هذه القيم ليست صفات شخصية فحسب، بل هي مبادئ مهنية يجب أن تُمارس باستمرار داخل البيئة التربوية.
رابعًا: المعلّم قدوة في فكره وسلوكه
المعلّم القدوة هو الذي يُجسّد القيم التي يعلّمها، فيصبح سلوكه مرآة لعلمه. فالتربية الحقيقية لا تكون بالكلام فقط، بل بالفعل والمثال.
يجب على المعلّم أن يكون معتدلًا في فكره وسلوكه، متوازنًا في أحكامه ومواقفه، مبتعدًا عن الغلوّ أو اللامبالاة. وقد أشار القرآن الكريم إلى قيمة الوسطية بقوله تعالى:
﴿وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾
[البقرة: 143].
فالوسطية هي التي تحفظ التوازن بين العقل والعاطفة، وبين العلم والخلق، وهي ما يجعل المعلّم مصدر إلهام واحترام في آنٍ واحد.
الخاتمة
إن مهنة التعليم ليست مهنة كبقية المهن، بل هي رسالة أخلاقية وإنسانية تسعى لبناء الإنسان علميًا وروحيًا. والمعلّم الأمين الذي يُخلص في عمله، ويجمع بين العلم والأخلاق، يترك أثرًا خالدًا في نفوس طلابه، ويُسهم في بناء مجتمعٍ راقٍ يقوم على المعرفة والقيم.
فالالتزام بأخلاقيات المهنة ليس واجبًا وظيفيًا فقط، بل هو التزام إنساني يعبّر عن عمق الإيمان برسالة التعليم، ويُجسّد المعنى الحقيقي للعطاء التربوي النبيل. - يتبع -
قائمة المراجع
1. أبو غزالة، أحمد (2019). أخلاقيات مهنة التعليم: رؤية تربوية معاصرة. عمّان: دار الفكر التربوي.
2. الخطيب، سامي (2020). القيم التربوية ودور المعلّم في بنائها. بيروت: دار النهضة العربية.
3. وزارة التربية والتعليم (2022). دليل أخلاقيات المهنة للمعلمين والمعلمات.
4. القرآن الكريم، سورة البقرة، الآية 143.
5. الحديث الشريف: «إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا يُنزع من شيء إلا شانه» (رواه مسلم).
شكر وتقدير
أتقدّم بجزيل الشكر والتقدير إلى كلّ من ساهم في دعمي وتشجيعي خلال إعداد هذا البحث، ولا سيما أساتذتي الأفاضل الذين ألهموني حبّ العلم وأهمية التربية القائمة على الأخلاق.
كما أتوجّه بخالص الامتنان لعائلتي الكريمة التي كانت الداعم الأول في مسيرتي التعليمية، وإلى زملائي وزميلاتي الذين شاركوني النقاش والمساندة بروح التعاون والاحترام.
إلى كلّ معلّم مخلصٍ يزرع بذور العلم وينسج خيوط النور في عقول طلابه، أقدّم هذا العمل عربون تقديرٍ وامتنان.فأنتم من يصنع المستقبل، ومن يكتب أجمل فصول الحياة بالتربية والمعرفة....
*الدكتورة وفاء مروة بليطة باحثة تربوية وكاتبة متخصّصة في تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، تمتد خبرتها من أفريقيا إلى كندا وتنزانيا.
ساهمت في تطوير المناهج الحديثة وتعزيز التعليم الإلكتروني، ونشرت مؤلفات رائدة حول تعليم العربية في المهجر.
تجمع بين البحث والتطبيق والعمل الميداني، فغدت صوتًا تربويًا بارزًا ورسالةً إنسانية عابرة للحدود.
119 مشاهدة
04 نوفمبر, 2025
91 مشاهدة
04 نوفمبر, 2025
249 مشاهدة
04 نوفمبر, 2025