Sadaonline

كيبيك تشهر سيف العلمانية بوجه الإسلام وتغمده في وجه التقاليد

قصة مدرسة بيدفورد تحولت من شكوى إلى حرب ضد المسلمين

 

د. علي ضاهر

 

القصة الأولى: مدرسة بيدفورد

 

في كيبيك، العلمانية لا تمشي على الارض بقدمين ثابتتين. انها بهلوان يتمايل ويتغندر ويمارس العابه حسب الطقس وارتفاع درجات الحرارة وحماوة الحملة الانتخابية. من لا يتذكر قصة مدرسة بيدفورد التي تحولت من شكوى إلى حرب ضد المسلمين: البرلمان استنفر، الإعلام اشتعل، والحكومة والنخب أعلنت التعبئة العامة ضد خطرٍ ساحق ماحق سيأتي على الأخضر واليابس.

 

بطلة القصة: مروة رزقي، نائبة ليبرالية، نمت الى اسماعها "الرهيفة" معلومة عن "ممارسات غير سليمة" تجري في مدرسة بيدفورد. النائبة المذكورة، رعاها القدير، لم تتردد ولم تتوان للحظة، اخذتها الحمية، فخطت اناملها، "سلمهم المولى ورعاهم"، رسالة عاجلة إلى وزير التربية في ذلك الوقت، برنار درانفيل، المشبع بالعلمانية حتى النخاع والذي يحملها في تلابيب قلبه واعماق روحه وعضلاته أكثر مما يحملها في الدستور. لم يوفر خبرا، تحرك بأسرع من باري ألين، الرجل الذي يركض بسرعة تفوق سرعة الصوت: علّق رخص المعلمين، غيّر القوانين، أدخل البلاد في دورة تدريبية عن "الحياد الديني"، وكأن كيبيك أصبحت تورا بورا وعلى همة الوقوع بين براثن الدولة. عندها تحوّلت إخبارية مروة عن المدرسة إلى ساحة نزال وبطولات تتبارى فيها نخب كيبيك، وأصبح معلمو كيبيك رهينة ينتظرون مقصلة لتقييم أدائهم كل عامين، حتى لا يحيدوا عن الطريق العلماني المستقيم، الذي تم انتهاكه من قبل بضعة أساتذة من خلال ثنى فتيات عن لعب كرة القدم وعدم تدريس بعض المواد.

 

القصة الثانية: مدارس إرسالية الروح القدس

 

في الجهة الاخرى من الميدالية حيث تصبح العقيدة السائدة في المجتمع درعا ضد المساءلة، ولو على حساب طالبات تعرضن لأبشع أنواع التصرفات. ففي عام 2006، انهارت مدرسة تابعة لإرسالية الروح القدس بعد نتائج دراسية مخيبة لا يجرؤ شخص مبتدأ في صفوف العلمانية تبريرها. أُغلقت المدرسة، لكن الفصول لم تُغلق بل انتقل التعليم إلى البيوت حيث كشف مؤخرا أن التلاميذ يتواجدون في صفوف سرية حيث الفتيات يتعلمن فيها مسائل "حسابية بسيطة وبريئة": الزواج في سن 14او 15، أحياناً مع بالغين في مواقع سلطة، بالإضافة الى تلقين ديني وتحايل على المنهاج كما ويتم شرح المعادلات التالية: الحرية = بدعة، المجتمع= نجاسة، الاندماج= طريق إلى جهنم (بنسختها الكيبيكية حيث الحفر والتشققات تملاْ الشوارع). مرت ثلاث عشرة سنة، والسلطات نائمة نومة اهل الكهف. لكن صدفة، في 2019، استيقظ، فرانسوا لوغو فجأة، الله يحفظه، صُدم ووعد بالتحرك، ثم ما لبث النوم ان غلبه مجددًا. لا دعم للضحايا، لا تحقيقات، لا قوانين جديدة ولا متابعة، بلا ولا شيء، كما يقول زياد الرحباني. الصدمة كانت مؤقتة ثم حلى محلها سبات بيروقراطي عميق. إذ يبدو، والله اعلم، أن الحكومة تطبق مبدأً النعامة: إذا لم يرَ ولم يشعر أحد بالمشكلة، فهي ليست موجودة! استمرت حال النكران إلى أن جاء عام 2025، ومعه سونيا لوبيل، التي ورثت الوزارة من الفتوة درانفيل، فقررت فتح تحقيق بعد تقرير تلفزيوني جديد، كأنها تشاهد مسلسلًا قديمًا وتكتشف أن الموسم الأول انتهى قبل عشرين سنة.

 

ما حدث في كيبيك بخصوص مدارس ارسالية الروح القدس ليس مجرد تقصير، بل ازدواجية معايير ممنهجة، تحول فيها شعار المساواة بين الرجل والمرأة ومبدأ العلمانية الى ثياب للزينة يرتديها المسؤولون في اوقات معينة ويخلعونها في أوقات أخرى وذلك تبعا للمصلحة والظروف والدين. حين يكون الفاعل مسلمًا، تتحرك الدولة بسرعة البرق فتُستدعى اللجان، وتُسن القوانين باسم العلمانية والمساواة بين الرجل والمرأة. وحين يكون الفاعل من "أهل البيت" الإيماني، تُؤجَّل الإجراءات باسم الحكمة والتروي وتتحول السرعة إلى فعل تأمل. في بيدفورد، تُراقب الفتيات باسم الحياد، وفي الإرساليات، يُتركن باسم التقاليد. في الحالة الأولى، تُعلن التعبئة العامة، وفي الثانية، تُرفع الأيادي وتُتلى الصلوات.