سلام مهدي الموسوي - مونتريال
ورد في نهج البلاغة أنه قبيل استشهاده، أوصى أمير المؤمنين علي (ع) ولديه الحسن(ع) والحسين (ع) قائلا: أوصيكما وجميع ولدي وأهلي ومن بلغه كتابي بتقوى الله ونظم أمركم... وكما هو واضح من حديث الامام (ع) أنه يركز على مدى أهمية تنظيم الأمور أو حسن الإدارة، في حياة الناس.
قد يستطيع فرد واحد تنظيم أموره أو إدارة شركة أو مؤسسة صغرى، ولكن عندما تكون المؤسسة ذات حجم متوسط أو كبير نسبيا، وعادة مع عدم تفرغ شخص واحد أو عدة أشخاص، فإن الإدارة تحتاج الى مجموعة أو لجنة أو شعبة لتكون ناجحة وقادرة، وتستطيع أن ترتقي بالمؤسسة أو إدامتها بنجاح، وضمان استمراريتها بالعطاء. طبعا مع افتراض أن أفراد هذه اللجنة أو الشعبة أو الهيئة لهم مسؤوليات ومهام ولديهم مساحة من المرونة والحرية في اتخاذ القرارات المتعلقة بمسؤولياتهم، وإلا، فإنها لن تكون هيئة فعلية وفعالة، وانما فقط واجهة أمام الناس. وحتما أن أي اداري يستشعر أنه فقط واجهة سوف لن يستمر طويلا في عطائه...
وعلى الصعيد الديني، ومن نفس المنطلق، فإننا نلاحظ أن بعض المرجعيات الدينية قد دعت وشجعت على أن تكون إدارة المرجعية مناطة بمؤسسة مرجعية مؤهلة وليس فقط المرجع وحاشيته أو أقرباءه. ان ذلك الطرح ليس تشكيكا بإمكانية أو نزاهة أو كفاءة المرجعية او حاشيتها، ولكن من باب الحرص على أمور الناس والحفاظ على الصالح العام والمقام السامي للمرجعية، ومثل هذا الطرح مثبت علميا وبالتجربة العملية من ناحية، وتأكيدا للفهم البسيط للوصية آنفة الذكر للإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع من ناحية ثانية. ورغم ان الامام علي ع ذكرها قبل 14 قرنا، الا انها لا تزال عملية وصحيحة وتنطبق على كافة الأصعدة، ويستطيع كل انسان سوي أن يفهمها بلغته الطبيعية والبسيطة. واننا نرى بأم أعيننا نتاجات مرجعياتنا الرشيدة بمؤسساتها الكبيرة والناجحة ولله الحمد.
ولذلك وفي ظل التحديات الكبرى للجالية هنا، يتعين على المعنيين إعادة ترتيب اوراقهم وأولوياتهم وأساليبهم لتتماشى مع هذه التحديات المستجدة، وكما يقال أخذ خطوة الى الوراء والتريث لإفساح المجال لرؤية أوسع وأدق لما حولهم من مستجدات وأدوات لكي يستطيعون الإحاطة الشاملة والصحيحة بالوضع، ومن ثم الانطلاق الى الامام بالمشاريع والمبادرات والتي حتما ستحتاج الى التعاون والتكاتف والانفتاح والايثار والتواضع والصبر. فكما أن العلاج الصحيح يستطيع الطبيب أن يصفه للمريض بعد أن يظفر بالتشخيص الصحيح للمرض، فكذلك أن الفهم الصحيح الناتج عن تنظيم الأمور وترتيبها سيساعد حتما المتصدين للمسؤولية في الجالية على السير بالجالية نحو مصلحتها. بالتأكيد أن كل ما تم ذكره نفترض به توفر الجانب الأول من وصية الإمام علي ع ألا وهو توفر التقوى، فالتقوى والتنظيم هما جناحي التحليق في سماء السمو والعلياء والأخذ بيد الجالية نحو الرقي والمنزلة الكريمة بين الجاليات، والقوة في المكانة أمام الحكومة ومؤسساتها المختلفة ومستوياتها المتعددة. وكما هو واضح وجلي، لا يمكن التحليق بجناح واحد منهما.
ومن مصاديق إعادة ترتيب الأساليب ومراجعتها وتقييمها، هو بعض الاحياءات لمناسبات معينة، والتي تقام في العلن أمام الاخرين، وتم جلبها وتكرارها من البلاد الأصلية وإعادة تطبيقها هنا بنسبة تكاد تكون مطابقة، من دون مراجعتها وأخذ الوقت الكافي لفهم مدى فائدة تلك الطريقة بالإحياء بالمجتمع أو البلاد الحالية، وعمل دراسة تقييم للمخاطر حسب مفاهيم وأسس علم الادارة. ويضاف الى ذلك اعتبار من يطلب بتعديل هذه الاحياءات لتكون أكثر فاعلية ومناسبة وكأنه تحريف لشيء مقدس ويفهم من باب التوهين. إن بعض هذه الاحياءات كانت تمارس وتطبق كتحدي للظلم ومناصرة للحق وللمستضعفين على مر العصور، واستمرت الى وقتنا الحالي بنفس النَفَس والحماس والتحدي والصمود ولعل ظروف المنطقة الجيوسياسية تحتاج مثل هكذا استمرارية بالاحياءات الهادفة. أما في بلدنا هنا فالأجواء مختلفة والتحديات لها منظار آخر، يستوجب على المعنيين اجراء تعديلات قد تكون طفيفة بالشكل ولكنها تحافظ على نفس المعاني التي انطلقت بها هذه الاحياءات في البلاد الأصلية كتحدي الظلم والوقوف بوجه الطغاة، لا أن نحافظ على الشكل ويكون خاويا لا يطابق الواقع والهدف الأساسي ومجردا عنه.
التحديات كبرى والابتلاءات جمة، فعلى الفاعلين في الجالية التنظيم والترتيب للنهوض ببرامجهم لمواكبة هذه التحديات والتصدي لها، وضمن قوانين البلد لاستثمارها لنصرة المستضعفين وخاصة في فلسطين، والتوحد مع الاخرين في ذلك ففي الاتحاد قوة، وما يحدث الان للمستضعفين في غزة يتطلب من الجميع مد يد العون لهم، كل حسب استطاعته.
قد يقول قائل: لا جدوى من الخوض في مثل هذه الأمور ودخول هذا المستنقع والذي يعتبرونه مرتبط بالسياسة، ولن تنفع نصرتنا لهم من هنا بل سنتضرر وجاليتنا! نقول لهم: على مر العصور والأزمنة، هل قال ذلك الثوار الذين تصدوا للطغيان رغم ضعف الإمكانات بالمقارنة، ودفعوا الغالي والنفيس؟ هل قالها الامام الحسين بن علي، أو في القرن الأخير هل قالها غاندي أو جيفارا أو مانديلا؟ وصولا لكل الشجعان في زماننا الحالي.
فلو كنا في محضر أبي عبد الله الحسين بن علي بن أبي طالب في كربلاء، وسمعنا نداءه: "ألا من ناصر ينصرنا؟"، هل كنا سنجيبه أم كنا سنخاف من عواقب نصرته من طاغية زمانه؟ فكل أرض كربلاء وكربلائنا هذه الأيام هي أرض غزة، والطغاة موجودون حتى هنا وهم من نوع آخر، وأهل غزة الأبطال ينادون: هل من ناصر ينصرنا؟ لذلك يجب علينا كما كنا سنقول ونهب لنصرة الامام الحسين (ع) منادين: لبيك يا حسين، أن نهب ونقول: لبيك يا غزة.
* الصورة من موقع freepik لاسباب توضيحية فقط
88 مشاهدة
18 يوليو, 2025
74 مشاهدة
12 يوليو, 2025
327 مشاهدة
30 يونيو, 2025