د. علي ضاهر
ثلاث حكايات قصيرة تجمع بينها فكرة واحدة قائمة على التهجير والطرد والإستيلاء على ممتلكات الغير بحجج مختلفة أهمها فكرة الفوقية. وهي فكرة معشعشة في المُخَيِّلة الغربية ناتجة عن نزعة إستعلائية متأصّلة طبعت كتّابالغرب وفلاسفته لدرجة ان معظم نخبه، ولغاية الآن، غير قادرة على الخروج من قبضة هذه الإيديولوجيا الإستعلائية الفوقية.
1- الحكاية الاولى:
تحكي قصّة مصادرة منزل الدكتور الفلسطيني توفيق كنعان الإنسان الموسوعي الذي جمع بين البحث الطبي والنضال السياسي ضد الإنكليزوأرّخ في نفس الوقت لفلكلور وتراث الشعب الفلسطيني. هو ابن أول قسيس عربي في الكنيسة اللوثرية العربية في مدينة القدس. عاش في القدس، في منزل أبيه حتى شهر أيار/ مايو 1948 حين أصيب المنزل بقذائف الهاون الصادرة من الأحياء اليهودية الغربية مما اضطر الدكتور توفيق الى ترك منزله.صادرت الميليشيات الصهيونية المنزل ونهبت محتوياته الثمينة. في عام 1949 وصلت عائلة يهودية من الولايات المتحدة إلى إسرائيل وكانت القدس وقتها غنيّة بمخزون ضخم من العقارات المسروقة العائدة لفلسطينيين طردوا من المدينة. تمّإسكان العائلة القادمة من الولايات المتحدة في بيت الدكتور توفيق المسروق. وعندما مات رأس العائلة القادمة من أمريكا ورث نجلاه البيت المذكور. أحدهم يدعى بنيامين نتنياهو. وبذلك يكون بيت توفيق كنعان قد سرق من يد طبيب يداوي الناس ويشفي المرضى الى سياسي يقتل ويهجّر ويبيد.
2- الحكاية الثانية:
الحكاية الثانية لا تروي قصة بيت واحد فقط بل قصة بيوت كثيرة، لا بل قصة مدينة بأكملها. انها قصة مدينة مونتريال، المستعمرة الفرنسية، والتي قبل ان تصبح مدينة كانت منطقة مأهولة من مجموعة من السكان الأصليين يطلق عليهم إسم: الإيروكوا. وقد كان الفرنسي جاك كارتييه أول أوروبي يصل إلى تلك المنطقة في عام 1535 عندما دخل قرية هوشيلاجا بينما كان يبحث عن ممر إلى آسيا. وفي عام 1642 بنى المستوطنون الفرنسيون حصناً وأسسّوا مستوطنة فيل ماري، التي أصبحت لاحقا تعرف بمونتريال. لكن وفي 1760استولى عليها وصادرها الإنكليز على أيدي قائد عسكري اسمه أمهيرست،فتحوّلت من مستعمرة فرنسية مغتصبة من سكانها الاصليين الى مستعمرة إنكليزية مغتصبة ايضا.
أمهيرست هذا، الذي صادر مونتريال من الفرنسيين ومنحها للانكليز، شخصية دموية أراد القضاء على السكان الأصليين وأعرب عن رغبته في إبادة وتدمير واستئصال السكان الأصليين الذين وصفهم ب"هذا الشعب المتوحش المقيت".فقد أوحى اليه عقله الإجرامي بعمل لم يسبقه عليه أحد، فقام بإستخدام الأغطية الملوثة بفيروس الجدري من أجل القضاء على السكان الأصليين. ألا يذكّرنا هذا العمل بما يجري في أيامنا هذه في غزة ولبنان من وصف لسكانهما بالحيوانات، حيث يقوم المعتدي عليهما بوحي من عقله الدموي المريض بأعمال لم يسبقه عليه احد كإستعمال البيجر والووكي توكي لقتل الابرياء وهدم المستشفيات على رؤوس المرضى؟
3- الحكاية الثالثة:
الحكاية الثالثة لا تقتصر على بيت او مدينة بل تروي قصّة بلد كامل يسعى الفكر الغربي الفوقي، عن طريق مستوطنيين يمثلون جوهر هذا الفكر احسن تمثيل، لمصادرة اراضي فلسطين والإستيلاء على لبنان وتهجير أهله من كفرشوبا والخيام مرورا بمعراب وبكفيا وحتى أرزه الشامخ وذلك بحجج مزعومة.
فهذه الحكاية الثالثة من تأليف عاموس عزاريا، أحد نشطاء حركة "أوري تزافون" ومؤلف قصّة للأطفال بعنوان "ألون ولبنان". تروي القصة حكاية طفل اسمه "ألون"، من مستوطني الجليل، يسكن في بيت على الحدود اللبنانية. تدّعي القصة ان "الون" طفل ذكي، يحبّ غابات لبنان الجميلة وينظر اليها يوميا من غرفة نومه ويحلم بالذهاب ليتمشى فيها، لكن والده يمنعه من ذلك بحجة أن لبنان خطرعليه، فـالعدو، يعني الشعب اللبناني حسب القصة، لا يزال هناك، لأن لبنان، حسب قول والد ألون "ليس لنا بعد".
وحركة "أوري تزافون"، الذي يعتبر عاموس عزاريا، كاتب قصة "الون ولبنان"،من اهم نشطائها، تأسست للمطالبة بإحتلال لبنان وبناء مستوطنات فيه. عقدت الحركة مؤتمرا، صرّح فيه بن أرتسي، شقيق سارة نتنياهو، الزوجة المصون لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بأنه "يجب التوقف عن استخدام مصطلح لبنان"، مشيرًا إلى "أن الحدود الحالية مصطنعة، وأن الجليل يمتد إلى الليطاني ككتلة جبلية لا يمكن فصلها". تستمد الحركة اسمها من آية توراتية تعني "إستيقظ يا شمال"، تروّج لفكرة ضرورة لإستعادة الأراضي التي تقع ضمن الحدود التوراتية لإسرائيل. إذ يسود إعتقاد بين المستوطنيين بأن لبنان جزء منالأراضي الممنوحة الى "شعب الله المختار" ويعتبر إستمراريةً لأرض الميعاد، مما يدفعهم إلى تبنّي فكرة طرد الشعوب المعتدية، والتي لا حقّ لها في الوجود على أرض لبنان، لأنها شعوب غريبة (غوييم)، وذلك استنادا الى نصوص توراتية متعددة وردت في أسفار نشيد الأنشاد وحزقيال والتثنية وغيرها. ويقول هؤلاء أن العلاقة بين سليمان الملك وحيرام ملك صور كانت وثيقةً كما وأن أرز لبنان المذكور في التوراة "عطايا من الله لشعبه"، يعني لابناء يهوه. هذا ونشرت حركة "أوري تزافون" مؤخرا إعلانات عن تنظيم رحلات تجديف مستقبلية في لبنان تحمل عبارة: "إنه ليس حلماً، إنها حقيقة". كما وطلبت من المستوطنيين تقديم اقتراحات لإعطاء أسماء عبرية لاستبدال أسماء البلدات اللبنانية القائمة. ويقال ان من بين الأسماء التي قدّمها المستوطنون تغيير اسم بلدة "معراب" الكسروانية الى "كفار عاموس"، وهو اقتراح قّدمه "عاموس هوكستين" الذي زار معراب مرات عديدة وأعجب بموقعها الجميل ويحلم بإلاستيطان فيها، بالرغم من زعمه الارتباط بصداقة مع احد سكانها!
خاتمة: هناك خط ناظم يربط بين الثلاث حكايات: الذي صادر بيت الفلسطيني توفيق كنعان والذي صادر اراضي الإيروكوا والذي ينوي مصادرة لبنان هو،هو. انه نفس الشخص، يحمل نفس العقلية، يروّج لنفس الخطاب ويستعمل نفس الاساليب، وكأنها نفس الذات تتقمص شخصيات مختلفة تتمظهر بصور مختلفة، تتكشف في اوقات مختلفة، وترتسم في امكنة مختلفة: انه الفكر الغربي المتغطرس المتفلت من العقاب، المتروك لغرائزه الدنيئة والذي ينظر الى الاخر بإستعلاء وفوقية.
الصورة من مواقع التواصل الاجتماعي
179 مشاهدة
24 ديسمبر, 2024
389 مشاهدة
24 ديسمبر, 2024
393 مشاهدة
20 ديسمبر, 2024