Sadaonline

"المجلس التنسيقي من أجل فلسطين": نواة لدعم فلسطين النقطة المركزية في الوعي الإنساني والنضالي

د. مالك ابي صعب : فلسطين لا تزال القضية المركزية، وأنا أناضل بتعليمي، أناضل لأن مشروع إسرائيل هو مشروع استعماري

دارين حوماني  ـ مونتريال 

في مقدّمة العمل على أي مشروع إنساني تطلّ فلسطين، التي كلما أمعنت إسرائيل في إخفائها، ازدادت حضورًا، فثمة شيء ما يمتّ لفلسطين في كل ما نشعر به، في كل ما نريد القيام به، ألم يقل إدوارد سعيد في كتابه "القضية الفلسطينية" The Question of Palestine (1979): "تاريخ الأربعين عامًا الماضية يرينا أن الفلسطينيين قد ازداد حضورهم السياسي، ولم يتقلص، بتأثير الضغوط، التي مورست عليهم، والمصاعب التي واجهتهم". وفلسطين تمثّل الظلم التاريخي المتراكم على شعب منذ 76 عامًا، بغضّ النظر عن الهوية الدينية، إنها مسألة لها علاقة بالهوية الإنسانية والأخلاقية، بالكرامة والعدالة الإنسانية، وهذا ما يؤكد عليه "المجلس التنسيقي من أجل فلسطين" (CC4P)، وهو مجلس تم تأسيسه منذ عام، بعد اجتماعات سابقة متتالية لمجموعة من الأساتذة الجامعيّين من أجل بناء شبكة جامعة من أجل فلسطين.

ويعرّف "المجلس التنسيقي من أجل فلسطين" عن نفسه:

"تحالف واسع النطاق مدفوع بالمجتمع في جزيرة السلحفاة، كندا، ملتزم بالدفاع عن الحقوق الوطنية والإنسانية والسياسية والاقتصادية الفلسطينية. انطلاقًا من مبادئ العدالة والمساواة والكرامة الإنسانية، نرفض ونعارض جميع أشكال القمع والعنصرية والاستعمار الاستيطاني والفصل العنصري والإرهاب الحكومي. تتمثل مهمتنا في تنسيق الجهود وتمكين الأفراد والجماعات في جميع أنحاء كندا الذين يشاركوننا رؤيتنا وتعزيز التعاون لتحقيقها. من خلال بناء الشراكات مع المنظمات ذات التفكير المماثل، نهدف إلى الدعوة إلى سياسات وإجراءات تعزّز تحرير الفلسطينيين وحقوقهم من النهر إلى البحر. نحن ملتزمون بإنهاء الإفلات الإسرائيلي من العقاب وتحقيق المساءلة عن جرائم النظام الصهيوني، بما في ذلك الإبادة الجماعية والفصل العنصري، ضد الشعب الفلسطيني".

في الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر 2024 ينظّم أي يةن اليوم جديد، بالمجتمع في يد ا هو ربية وغزة المجازر لبرنامج قد يكون لنا ولغيرنا "المجلس التنسيقي من أجل فلسطين" في مونتريال المؤتمر الافتتاحي له "في وقت حاسم، بعد أشهر من الإبادة الجماعية الأمريكية الصهيونية المستمرة ضد الشعب الفلسطيني، ومقاومة بطولية من قبل الشعب الفلسطيني، وحركات عالمية صاعدة تدعو إلى تحرير فلسطين. تهدف هذه المبادرة إلى جمع مجموعة متنوعة من الأفراد والمنظمات الثقافية والسياسية لتعزيز الحوار الهادف والعمل التعاوني" كما جاء في بيان المؤتمر.

أحد أبرز المؤسّسين في المجلس هو الباحث والبروفسور الجامعي مالك أبي صعب الحاصل على دكتوراه في التاريخ المعاصر. وهو أستاذ مشارك بجامعة ماكغيل في تاريخ الشرق الأوسط وتحولاته الاجتماعية والسياسية، والمرأة في المجتمعات الإسلامية، والدولة القومية في الشرق الأوسط. له العديد من الكتب والدراسات، منها كتابان اشترك في تأليفهما مع الأستاذة الجامعية ميشال هارتمان وهما:

" قصص نساء الحرب: الحرب الأهلية اللبنانية، عمل النساء والفنون الإبداعية"

Women’s War Stories: The Lebanese Civil War, Women’s Labor and the Creative Arts

"ما خلّفته الحرب: قصص النساء عن المقاومة والنضال في لبنان"

What the War Left Behind: Women's Stories of Resistance and Struggle in Lebanon

وكتاب شارك في تأليفه مع الروائية والشاعرة والأستاذة الجامعية رلى الجردي بعنوان "الشيعة في لبنان: الحداثة، الشيوعية، وإسلاميو حزب الله"  

The Shi`ites of Lebanon: Modernism, Communism, and Hizbullah’s Islamists

ولأبي صعب أيضًا "دراسات مقارنة لجنوب آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط" و"الاستشراق والتأريخ للمرأة العربية والعمل" وغير ذلك من الكتب والدراسات.

عن "المجلس التنسيقي من أجل فلسطين" والمؤتمر الافتتاحي، كان لنا هذا الحوار مع الباحث والبروفسور مالك أبي صعب:

 

نود بداية، أن نتعرّف إليك، فلسطين ماذا تعني لك على الصعيد الشخصي، عن تجربتك في النضال الفلسطيني منذ البدايات، وصولًا إلى تأسيس هذا المجلس.. 

جئنا إلى كندا من لبنان، ولطالما كان لبنان معرّضًا للاعتداءات الإسرائيلية. كنت أقف على شرفة منزلنا في الجبل الذي يُشرف على بيروت، نرى الطائرات الإسرائيلية تقصف المخيّمات الفلسطينية، ثم نرى على شاشة التلفزيون بعد قليل أشلاء الأطفال والدمار والبيوت المهدّمة. وعينا على هذه الفكرة، أنّها ليست مسألة بسيطة، مسألة لها علاقة بصراع هوياتي وجودي وسياسي واقتصادي، ليس هناك مجال للمساومة، لا مجال للحلول الوسط، هناك صراع دائم. وعيت على الدنيا أرافق والدي إلى محطة الوقود التي كان يملكها في بيروت، وأقرأ الجريدة كل يوم، كان ذلك خلال فترة نكسة العام 1967، وكانت عناوين الصحف عن الحرب، كانت هذه المسائل في الصحف. وعينا على أننا موجودون في منطقة، يقولون عنها بأنها "فالق جغرافي"، أنا أسمّيها "فالق سياسي"؛ قليل هي الأحداث في العالم التي لا يكون لها امتدادات في منطقتنا في الشرق الأوسط والعالم العربي. هناك تاريخ وصراع قديم. البارحة كنتُ أعلّم تلاميذي عن الحروب الصليبية، "ما هو هدف الحروب الصليبية، لماذا غزت الجيوش الغربية العالم العربي في القرن التاسع والعاشر ميلادي؟"، الفكرة الأساسية الموجودة أن هدف هذه الحروب إنقاذ المسيحيين الموجودين تحت حكم المسلمين. لتوضيح أن هذا الأمر لم يكن كذلك إطلاقًا، أذكّرهم بفيلم وثائقي -من الضروري أن يشاهدوه بداية كل فصل بعنوان "الإسلام وإمبراطورية الإخلاص" Islam and Empire of Faith - فيلم من جزئين من إنتاج BBS، هي وكالة في أميركا تهتم بالتعليم والمعرفة، لديها برامج جيدة، ولكن لم تقم بإنتاج الجزء الثالث منه والذي كان مفترضًا أن يتم العمل عليه. منذ ثلاثين عامًا وكل الطلاب يشاهدونه في بداية كل فصل. أقول لهم: "هل رأيتم في الفيلم كيف أن الصليبيين دخلوا وذبحوا المسلمين والمسيحيين واليهود الذي كانوا يعيشون في القدس". لم يكن المسيحيون في العالم العربي مهدّدين، وهذه الفكرة خاطئة.

إذًا نحن نعيش في منطقة فيها صراع قديم. ربما الصراعات موجودة في كل العالم، ولكن منطقة الشرق الأوسط هي بداية الديانات التوحيدية اليهودية المسيحية والإسلام، ثم جاء التقسيم وجاء النفط؛ المنطقة محتدمة بالتناقضات. وحين وعينا على هذا الأساس، الطائرات الإسرائيلية تقصف مخيّمات صبرا وشاتيلا وبرج البراجنة، ونسمع عن قصف عين مخيّمات عين الحلوة والمية ومية، صارت المسألة جزء من هويتنا.

متى وكيف بدأت فكرة تأسيس المجلس التنسيقي لفلسطين في كندا؟

قبل تأسيس المجلس كان هناك محاولات. أنا عضو في منظمة أكاديمية اسمها "المنتدى الأكاديمي الكندي اللبناني" CLAF (Canadian Lebanese Academic Forum) وهو منتدى للأكاديميين اللبنانيين الذين يعملون في كندا. كنا نلتقي، وذات مرة طرح أحد الزملاء فكرة تأسيس منظمة عربية تجمع العرب، أكاديميين وغير أكاديميين، كنتُ متحمّسًا للفكرة. أي عمل جماعي يوحّد العالم أؤيّده. لكني كنتُ أعتقد أنه سيكون هناك مشاكل، بين العرب عدد من المشكلات، في لبنان مثلًا، البعض يقولون نحن لسنا عربًا، نحن فنيقيون؛ في مصر هناك من يقول نحن فراعنة ولسنا مسلمين؛ في سورية هناك من يقول إنه مع النظام وهناك من يقول بأنه مع المعارضة؛ في العراق، هناك من هو مع صدام ومن هو ضده؛ وهناك خلافات بين سني وشيعي. إذًا هناك صعوبة لنجد شيئًا مشتركًا بين الجميع، إلى أن جاءت حرب الإبادة على غزة، قلنا أن الجامع هو فلسطين.

لا أعتقد أن هناك أمرًا جامعًا غير فلسطين والوقوف مع الشعب الفلسطيني. فعلًا جعلنا هذا الموضوع تركيزنا الأساسي، كهوية جامعة. أذكر هنا المخرج السوري الكبير حاتم علي حين دعوناه إلى جامعة ماكغيل وسألناه ماذا تعني له فلسطين، قال لنا: أنا من الناس الذين يؤمنون أن كل إنسان عربي يخلق معه هويتين، لبناني فلسطيني، سوري فلسطيني، عراقي فلسطيني، وحاتم علي كان شاعرًا، كان شاعرًا في مسلسلاته، أنا من المعجبين به وقد أخرج أحد أهم المسلسلات العربية "التغريبة الفلسطينية". وجدت فعلًا أننا نُخلق بهويتين، أنا لبناني لكن دمي فلسطيني. قضيتنا قضيتهم، لو كنا إسلاميين أو شيوعيين أو قوميين ففلسطين هي الأساس، ولا تزال النقطة المركزية لأي برنامج نضالي هي فلسطين. أنا أقول للشيوعيين، المسألة الوطنية لا تزال هي الأساس. قوة ونفوذ وشعبية المقاومة الإسلامية في لبنان جاءت من تصدّيها للمسائل الوطنية وتحرير الأرض، وليس من المشروع الإسلامي الذي تبنّوه في البدايات. حتى قمة صعود الحزب الشيوعي، كانت بالمقاومة الوطنية التي أسّسوها.

المسألة هي أن فلسطين لا تزال القضية المركزية، وأنا أناضل بتعليمي، أناضل لأن مشروع إسرائيل هو مشروع استعماري، مشروع اقتلاع لشعب من أرضه، مشروع لتغيير المنطقة بالكامل. نظّمنا ندوة منذ حوالي شهرين لرئيس المبادرة العربية في فلسطين في أراضي 48 وهو شيخ درزي، ومبادرتهم هي لرفض التجنيد الإجباري في الجيش الإسرائيلي، وكانت فعلًا مهمة، تحدّث فيها عن أن 80% من أملاك الدروز صادرتها الحكومة الإسرائيلية. هناك بيوت لفلسطينيين تُهدم وتُبنى مكانها مشاريع سكن لمستوطنين. هناك عملية تهجير، تهجير في غزة، في الضفة الغربية، الجليل يتهجّر، هناك تغيير ديمغرافي، إنهم الآن لا يرضون إلا بدولة لليهود فقط. وهذا الأمر هو من ضمن نقاشات المجلس التنسيقي.        

ما هي المبادئ والمهام التي يقوم عليها المجلس؟

نطمح في المجلس التنسيقي لتجميع وتنظيم وتنسيق نضالات كل الناشطين والمنظمات الأخرى من أجل دعم فلسطين، من فعاليات، مشاركة بمظاهرات، نشر الوعي، كتابة رسائل، دعم النضالات في كندا، وأن يكون للمجلس دور فاعل في ظل القوانين الكندية. نستفيد من المساحة التي تمنحها كندا في نظامها لكي يتجمّع الناشطون ويصيروا كتلة واحدة يوصلوا أصواتهم.

خلال هذه الحرب، كانت الحكومة الكندية منحازة لإسرائيل ودعمتها بالسلاح وبالمواقف الدولية، هذا أمر يجب أن نؤثّر فيه عبر الانتخابات. ينبغي وجود شرط على من ننتخبه هو موقفه من حرب الإبادة على غزة، ما موقف الحزب الذي ينتمي له لحكومة إسرائيلية فاشية تهجّر وتقتل الفلسطينيين، يقولون عن 40 و 50 ألفًا، لكن هناك الكثير تحت الأنقاض. المنظمة الصحية العالمية Lancet تحدّثت عن رقم مخيف 186000 شهيد، معظمهم من المدنيين. هؤلاء يشكّلون 10% من سكان غزة تمت إبادتهم بسرعة قياسية. أين العالم؟ أين الضمير؟ أين المبادئ التي ندرّسها بالجامعات؟ أنا أدرّس القانون الدولي في الجامعة، أعلّمهم كيف يحترمون القوانين، كيف يقفون مع العدالة، مع الحق، العيش بكرامة، كيف سيصدقون هذه المبادئ وهم يتفرّجون على ما يحصل بغزة؟ المبادئ التي تقوم عليها المواد التعليمية التي أقدّمها تقع على المحك. يقف الطالب وقت مخيّم الاعتصام ويقول لي: "أنت كنتَ تعلّمنا على الحق والعدالة الاجتماعية وحق الشعوب بتقرير المصير، وتعطينا أمثلة عن فيتنام والجزائر وجنوب أفريقيا وثوراتهم بوجه الاستعمار"، ماذا أقول لهم، هل أقول بأن ما أدرّسهم إياه شيء والواقع شيء آخر، سيكون نوعًا من النفاق.

ما حصل ويحصل في غزة، أحدث خضّة للمفاهيم، السيادة والوطنية التي أثقلنا بها الليبراليون الجدد بعد أن انهار الاتحاد السوفياتي كلها لا معنى لها، لم يعد أحد يتكلم إلا بالسيادة والاستقلال والتعايش وحب الحياة وحب الآخرين، والمسامحة، أهم أمر هو نظرية المسامحة! هناك بعض المثقفين اليساريين بدأوا يتحدثون بأننا كنا خاطئين، وأن المشروع اليساري كذبة، هذا الفكر الذي انتصر بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وهذه القيم كلها كذبة.

نحن في مرحلة تاريخية، أقول للطلاب "إننا سنعود للوراء". وكما ناضلت الشعوب ضد الفاشية بالأربعينيات، تناضل الآن. جدودنا قاتلوا ضد الهولوكست عندما شاركوا بالجمعيات ضد الفاشية بلبنان وسورية ومصر وفلسطين وضد الإبادة التي تعرّضوا لها اليهود بأوروبا. هؤلاء الذين أسّسوا "عصبة مكافحة الفاشية والنازية عام 1939" بهدف النضال ضد الفاشية كانوا شيوعيين وقوميين ومناضلين، وكانوا يناضلون ضد قتل اليهود. لا يزال الكنيس اليهودي في منطقة عاليه موجودًا، لم نشعر يومًا أن هذا الكنيس شيء غريب ويجب تدميره كما فعلوا بألمانيا. وفي وادي جميل أيضًا.

في نضالاتنا الآن في شوارع مونتريال نجد يهودًا في المقدمة، هؤلاء تقدميّون، يرفضون الصهيونية. في الحروب الصليبية قُتل كل من رفض أن يتحول للكاثوليكية، إن كان يهوديًا أو مسلمًا أو مسيحيًا من غير الكاثوليكية. البارحة كانت محاضرتي عن الإمبراطورية العثمانية، وقلت لطلابي من غير الصحيح إنه كان يوجد ملاحقات لليهود والمسيحيين أيام الحكم العثماني واضطهاد للأقليات، أهم وزراء مع السلاطين العثمانيين كانوا يهودًا. وقد نمت التجارة وقتذاك عند الأقليات. فالصراع ليس صراعًا دينيًا، التوراة وعدت، أعطني دليلًا أن الله وعدهم بالأرض. أنا مع دولة لكل الناس، ولكن لا أراها على أساس ديني. وأنا لا أقبل أن يكون هناك دولة واحدة للعرب فقط، مع أني عربي. فكري ما بعد قومي، أطمح لدولة تضم كل الناس ليس على أساس "إثني"، إن كان يهوديًا أو مسيحيًا أو مسلمًا، أنا ضد أن تكون الدولة مثلًا للمسلمين، وأن تكون الأقليات فيها من غير المسلمين بمرتبة أدنى. وهذا التفسير الديني بوعد الله هل يشمل من هم في بولونيا وألمانيا، حيث طردهم هتلر أو فقط المقيمين في فلسطين!. جيل جدي ناضل ضد الهولوكست وضد النازية، ومنهم من اعتُقل ومنهم من هرب واضطهدوا، لأن الحكومة الفرنسية قبل مجيء ديغول كانت مع النازيين لفترة، وقاموا باضطهاد أفراد هذه الجمعيات. التاريخ يُظهر الحقيقة، ولكنهم يغيّرون التاريخ.   

هل كان لكم نشاطات في مجلس التنسيق خلال العام الأول لكم؟

مجلس التنسيق لا يزال ببداية التكوين، وعندما بدأ مخيّم اعتصام الطلبة دعمناهم، حاولنا أن نساعدهم، وأن نوصلهم بالوسائل الإعلامية ليعبّروا عن مواقفهم عبر الإعلام، ومن بينها صحف كندية وعربية في كندا كصدى أونلاين، ووكالات أنباء في لبنان، وقنوات إخبارية كالميادين والمنار. دعمنا بتقديم الطعام للمعتصمين في ماكغيل وجامعة مونتريال. الجالية العربية الكندية لديها الجامعة الشعبية University of the People، تواصلنا مع زملائنا بالأكاديميا فيها ليشاركوا بالحوارات والنقاشات في الاعتصام.    

تعملون على تنظيم المؤتمر الأول للمجلس، حدّثنا عن هذا المؤتمر، الأهداف، والموضوعات؟ وهل المشاركة عربية، أم ثمة تواصل مع جهات كندية أخرى؟

المؤتمر هو لإعلان المجلس التنسيقي. هذا المجلس موجود حاليًا في خمس مدن أساسية، في مونتريال وأوتاوا وتورونتو وكالغري وبريتش كولومبيا. ويوجد من كل الاتجاهات، معنا أطباء ومحامون وناشطون سياسيون وطلاب وأكاديميون في الجامعة والكليات ومعنا منظمات موجودة منذ فترة وتناضل من أجل فلسطين. كما يوجد جهات من أصول غير عربية، بالطبع كلهم كنديون، معنا متضامنون داعمون لفلسطين من أصول أفريقية، من اليونان، ومن الأرجنتين. 

المؤتمر سيكون ليومين، وهو ليس مؤتمرًا أكاديميًا. هدف المؤتمر أن يجمع أكبر عدد من المفكرين والناشطين والسياسيين والطلاب والإعلاميين الذين يمكن أن يقدّموا توصيات عن الفترة القادمة التي ستمتد من أول مؤتمر لثاني مؤتمر. نسعى لإنجاز برنامج في الحياة الكندية وأن نؤثر فيها، نستفيد من القوانين والإجراءات في النظام الكندي والسياسي والأمني، وأن يصير لنا صوت ومرجعية مؤثّرة تُصدر موقفًا، ونود أن نطوّر الشغل في عاصمة كندا، وطموحنا أن يكون لنا تواجد دائم في العاصمة أوتاوا، حيث مركزية الإدارات الرسمية ووسائل الإعلام.

يتضمن المؤتمر ورش عمل وندوات، لا نريده أن يكون مؤتمرًا أكاديميًا ولا أن يكون مهرجانًا سياسيًا، نريد لداعمي فلسطين أن يتجمّعوا ويتناقشوا ويقترحوا بعض الخطوات العملية التي تؤسّس نواةً لبرنامج قد يكون لنا ولغيرنا، برنامجًا موحّدًا لكل الناس.

أتذكر هنا برنامج الحركة الوطنية في العام 1975 في لبنان، لا يزال إلى الآن أفضل برنامج، أطلقوا عليه "برنامج الحدّ الأدنى"، الحد الأدنى للتغيير الديمقراطي في لبنان، هنا نريد برنامج الحدّ الأدنى لدعم فلسطين بالوسائل القانونية، بالإعلام، بالحركة الطلابية، بالدب، بالسينما، بالصحة، عندنا ورشة لأطباء Health workers for Palestine، هم سيستلمون هذه الورشة بالتواصل مع أطباء من غزة. هدفنا ليس كم مستشفى دُمّرت وكم طبيبًا استشهد وكم طفل بُتر أحد أو كل أطرافه، مع أن هذه الأرقام ضرورية، ولكن هذه معلومات موجودة في الإنترنت، سيكون النقاش أبعد من ذلك.

سيُعقد في المؤتمر 15 حلقة نقاش أو طاولة مستديرة. ورشة للوضع الصحي ما الذي يمكننا فعله كأطباء. هناك ورشة عن الوضع الأكاديمي في غزة، ماذا يمكن أن نفعل لمساعدة الغزّيين. هناك ورشة عن الأدب والسينما، فالسينما الفلسطينية أخذت جوائز عالمية في الفترة الأخيرة. يوجد ورشة عن الإعلام، ورشة عن الأسرى الفلسطينيين، ورشة عن المقاطعة، ورشة عن الحركات الداعمة لفلسطين من غير العرب، من يهود وأصحاب بشرة سمراء وتقدميين، أي المناصرين للقضية الفلسطينية، والأهم هو خطاب السكان الأصليين الكنديين، وهو أول خطاب سيكون في المؤتمر. ورشة عن الفلسطينيين بالشتات، هناك فلسطينيون أنتجوا واشتغلوا ونجحوا في الشتات، سنرى تجاربهم وتوصياتهم؛ هناك جيل جاء قبلنا وأسّس، ونحن اليوم نتمتع بما أنجزه الجيل الذي السابق لنا. هناك ورشة للطلاب والشباب المعتصمين، وهي تقييم التجارب السابقة وتقديم توصيات.

نتمنى أن تتحقق التوصيات التي سنخرج بها في المؤتمر، لأننا لا نؤسس لحزب، لا يوجد أحد خلفنا، وليس لدينا قيادات، وهذا المؤتمر ليس مؤتمرًا كلاسيكيًا. نريد أن يأتي إلى المؤتمر من هو حريص على فلسطين، ويقدّم اقتراحات، وأن نخرج بتوصيات تشكّل نواة لبرنامج عام لكل القوى المحبّة لفلسطين ومع دعم فلسطين. هذا هو الهدف الأساسي. هناك اندفاعة كبيرة من الجيل الجديد. ما فعلته الحرب، وهو غير مقصود طبعًا، هو توعية الناس، ودفعت الحرب الناس للمطالبة ماذا يمكن أن نفعل لأجل فلسطين.

أحيانًا نُمضي 4 أشهر في الفصل الجامعي لنوصل فكرة، الآن الحرب في غزة فعلت الكثير، خلال ساعة واحدة تحقق ما رغبنا في إيصاله للطلاب بأشهر. الآن يتم العمل على إصدار قوانين في الجامعات للحدّ من حرية التظاهر والتعبير عن الغضب، والتعبير عن الأزمة. الأساس كان في مخيّمات الاعتصام هو سحب الاستثمارات من الشركات الداعمة المؤسسة العسكرية الإسرائيلية. كيف لأحد المقدرة على استلام راتب يأتي قسم منه من دم فلسطيني، أو دم أي إنسان على وجه الأرض، هذا موضوع أخلاقي، إن كان ما يحصل في غزة أو في غير غزة.   

هل تؤمن أن تنظيم هكذا مبادرات سيساهم بإيصال أصوات الفلسطينيين والحقيقة؟

طبعًا وصلت، وأوصلت. هناك نشاطات تحدث أسبوعيًا، وأحيانًا يوميًا، وهناك مقابلات في الصحف وفي القنوات التلفزيونية، وفي البودكاست. فلنأخذ مثلًا، اللقاء الذي كان من المفترض أن يُعقد مؤخرًا مع رئيس الوزراء ترودو في لافال، بحضور أكثر من 200 شخصية بارزة كندية، وأحد المنظّمين هو من الذين كان من المفترض أن يكون من المؤيدين لفلسطين. تم إلغاء اللقاء بعد تحرّكات واتصالات من عدد من الناشطين، سامر مجذوب، حسن غية، لبيب فرج الله، Canadian Muslim Forum، وغيرهم. كيف يمكن تنظيم لقاء مع شخص كان لا يزال حتى يوم أمس يرسل أسلحة وذخائر بمليارات الدولارات إلى إسرائيل. بهذا المعنى، يمكن القول بأن حاجزًا أخلاقيًا أصبح موجودًا.

اليوم، نرى أنه حتى أفراد الشرطة بعد فكّ مخيّم اعتصام الطلاب في جامعة ماكغيل بواسطة الجرافات، أرجعوا الأعلام الفلسطينية وبعض الشعارات إلى الطلاب. هذا يشير إلى وجود حاجز أخلاقي لم يعد يستطيعون تخطّيه، ويشير إلى أن هذه النضالات دفعت جهازًا قمعيًا يمثّل الدولة، التي هي مع إسرائيل، إلى عدم تكسير الأعلام الفلسطينية أو التخلص من الشعارات الفلسطينية بل أرجعوهم. لذلك أنا أقول أن هذا الأمر يجب أن ندفع به نحن إلى الأمام ولا نتوقف هنا.

نحن نناقش في المجلس التنسيقي حلّ الدولتين، نحن نرفض ذلك على الرغم من أن الأغلبية أصبحت مع حلّ الدولتين، الدول اليسارية، كوبا، فنزويلا وغيرهم أصبحوا مع حل الدولتين. حتى المقاومة الفلسطينية أصبحت مع حلّ الدولتين.

وأنا أقول رأيي على الصعيد الشخصي، أن فلسطين شهدت نكبتين، في العام 1948 وفي العام 1993 في اتفاقية أوسلو، هذه الاتفاقية قتلت المشروع وأحدثت فتنة، وتم الاعتراف بإسرائيل قبل أن يصبح للفلسطينيين بلدية. والآن هذه العصابة المؤلفة من بن غفير وأشباهه لا يريدون الفلسطينيين، يقولون لهم اذهبوا إلى الأردن، إلى لبنان، وإلى سيناء.  

أنت أستاذ محاضر في جامعة ماكغيل، وقد دعمت اعتصام الطلاب، وواجه الطلاب دعاوى لفكّ الخيم، وغير ذلك.. كيف تجد انطلاقة العام الجامعي الجديد، هل من خطوات معيّنة للطلاب بعد كل القمع الذي تعرّضوا له؟

دعمتُ طلابي في الاعتصام، أنا أعلّمهم التاريخ الإسلامي وتاريخ الشرق الأوسط، حاليًا أعلّم مادة عن الثورات في العالم العربي، كيف أعلّمهم على الثورة ثم أقول لهم ادعموا المحتلّ أو ادعموا الحكومة الكندية الداعمة لإسرائيل، أو لا تتدخلوا، ابقوا على الحياد ثم أيّدوا المنتصر. أفضّل أن أعلّم الموسيقى التي أتقنها، على الرغم من أن لا شيء حياديًا في الحياة -كل شيء سياسي في الحياة، حتى فنجان القهوة سياسي- كيف أعلّم الطلاب من قلبي وأقول لهم لا تطبّقوا ما أعلّمكم إياه.

الانطلاقة عظيمة رغم وجود تعثّرات. ممنوع الآن إقامة مخيّمات ولكن الطلاب لديهم خطوات يدرسونها. لا أعرفها بالتحديد ولا يجب أن أعرفها لأننا موظفون بالنهاية في الجامعة. الطلاب لا يقولون لنا، وهم يُظهرون مستوى من الوعي والإقدام، حقيقة تجعلنا مذهولين. ابني استفاد من هذه التجربة، تعلّم أكاديميًا أيضًا من خلال تجربة الاعتصام. الكتابة السياسية لديه تطورت.

هذه التجربة فتحت آفاقًا جديدة للطلاب، أكسبتهم خبرة ودعمتهم فكريًا في نقاشاتهم على وسائل الإعلام، صار مستوى اللغة الذي يتحدثون به مختلفًا عن السابق. حتى أن بعض الطلاب من أصول لبنانية لم يذهبوا إلى لبنان سابقًا تحمّسوا للذهاب للبنان، وتحمّسوا لتعلّم اللغة العربية. وجامعة ماكغيل لديها أهم قسم للغة العربية في أميركا الشمالية، طلاب هذا القسم كنديون وأميركيون وأوروبيون. ويوجد في الجامعة مكتبة من أهم مكتبات العالم فيها كتب إسلامية ومخطوطات نادرة. هناك طلاب من غير أصول عربية متحمّسون لتعلّم العربية ومتضامنون مع فلسطين. لا يوجد أحد عنده ضمير لا يتأثر بحجم المجازر الذي حصل.

تحدّث الإعلام الغربي عن قطع المقاومة الفلسطينية لرؤوس إسرائيليين في السابع من أكتوبر 2023، قيل لهم أرونا دليلًا واحدًا، صورًا، ولكن لا يوجد. وفي الوقت الذي يتم فيه اغتصاب الأسرى الفلسطنيين، نساء ورجالًا، أي قانون يمكن احترامه، وأي نظام، وأي أخلاق؟ نحن وظيفتنا كأكاديميين أن نقول الحقيقة، هناك حدّ أدنى من الأخلاقيات من غير المقبول تجاوزه وتخطّيه.         

لديك كتب شاركتَ في تأليفها مع الأستاذة الجامعية ميشال هارتمان عن نضالات النساء اللبنانيات في الحرب مع إسرائيل، ألا تؤثر عليكم كأساتذة أكاديميين؟

أنا أعلّم تاريخ الشرق الأوسط، وقد اشتغلت مع زميلتي ميشال هارتمان على قاعدة بيانات في جامعة ماكغيل عن المرأة والحرب بلبنان. خمسون مقابلة، وثلاثة كتب، أحد الكتب هو "مذكرات نوال قاسم بيضون" التي كانت أسيرة في سجن الخيام. هذه الموضوعات نحن نعلّمها في الصفوف الجامعية. نعلّم عن الأسرى، وعن الشهداء، وعن التي شاركت بتشكيل خلية مقاومة، أو قامت بتهريب سلاح للمقاومين. هناك كتاب جديد لنا سنعرضه في المؤتمر. لا يوجد أي حزب خلفه، ولم يدفع لنا أحد مالًا. حصلنا على منحة من الحكومة الكندية. على مدى خمس سنوات، كنا نذهب إلى لبنان أنا وميشال نسأل عن نساء لها تجارب في الحرب. هذا الكتاب ضمن المادة التي أعلّمها، وميشال تعلّمه في صفّها، وبالتالي هي كتب أكاديمية.      

السردية الصهيونية أكثر تصديقًا في المجتمعات الغربية، لكن ثمة صحافيون يناضلون جنبًا إلى جنب مع الفلسطنيين، البريطاني جوناثان كوك، الأميركي كريس هيدجز، الكندي إيف إيغلنر وغيرهم، هل يتحمّل الإعلام الكندي كجزء من الإعلام الإمبريالي الغربي المسؤولية الكاملة في التلاعب بعقول الكنديين، وهل ترى من مسؤولية على الجالية العربية في كندا أن تدعم الصحافة المستقلة المساندة لفلسطين، في وقت لا نجد هذا الدعم حاضرًا..

الحقيقة نتمنى دعم الصحافة المستقلة. طبعًا الصحافة اليمينية منحازة ولديها إمكانيات ضخمة لا نقدر عليها. ولكن في المقابل، وسائل التواصل الاجتماعي فعلت الكثير. ما يتم تواصله عبر انستغرام عظيم، شبكة التبليغات كبيرة عن المظاهرات والفيديوات والصور عن المجازر، ولكن هل يمكنهم ضبط كل ذلك؟ وما يتم تواصله عبر واتساب وتيليغرام وغيرها؛ افترضي لديك كيس ووضعت فيه هذا العالم كله وأردتِ إغلاقه عليهم، لا بدّ من وجود ثقوب.. الناس ترى رغم محاولاتهم لإغلاق المشاهدات أو الحسابات أو الإعلام الرسمي أو اليميني الذي لا يُظهر إلا جانبًا واحدًا. وهناك مبادرات وتقارير يومية تصلني عمّا يحصل في فلسطين وتُرسل عبر وسائل التواصل الاجتماعي ويتم إرسالها لمجموعات كثيرة.

في الماضي، كانت صحيفة الاتحاد، مثلًا، تخرج من فلسطين تصل إلى لندن ومن لندن تصل بعد شهر إلى هنا. الآن كل شي متاح إلكترونيًا. هم لا يقصدون مساعدتنا، ولكن نحن استفدنا، المهم هو الاستفادة والتطوير. وهناك مشاريع بودكاست مهمة.

أدعو لمشاهدة الصحافي الكندي اليوناني ديميتري لاسكاريس Dimitri Lascaris لديه برنامج بودكاست مهم، وهو رجل عظيم، ذهب إلى لبنان، وأجرى مقابلات مع عدد من الإعلاميين، منهم غدي فرنسيس ومع مناضلين في لبنان. يجب متابعته. إيميليو تابت هو كندي وناشط مهم من Legal Office of Palestine، وسيكون الاثنان في مؤتمرنا القادم.

أنا أؤمن بنظرية التراكم، نحن في لبنان نستخدم أمثلة كثيرة، "المقلعجي" يضرب الصخرة مرارًا ونحن نعتقد أن آخر ضربة هي التي كسرت الصخرة، ولكن يكون قد ضربها 99 مرة قبل الأخيرة، كل ضربة تؤثر. هذا التراكم أؤمن به، في النهاية كل عمل لأجل فلسطين سيعطي نتيجة ذات يوم إن لم يعطها اليوم. في المذهب الديالكتيكي نؤمن بالماء، في العلم عندما تغلي المياه تصبح بخارًا، عمليًا هي مسألة تراكم وإصرار وثقة وصلابة، لا يوجد تراجع، لا يوجد أخطاء أو أفعال نُتهم من خلالها بالإرهاب، أو أننا مخرّبون أو معادون للسامية. فكرة أننا ساميون غير صحيحة، معاداة السامية ليست معاداة إسرائيل. منذ خمس سنين، كنت ضمن لجنة عربية، وقلت لهم "التحدي الكبير الآن لنا نحن المقيمون هنا هو إعادة تعريف معاداة السامية". منظمة  "أصوات يهودية مستقلة" Independent Jewish voices لديها تعريف مهم، وقد جاءت حرب الإبادة على غزة وأكّدت أهمية إعادة تعريف معاداة السامية.  

*الصور من د. مالك ابي صعب 

الكلمات الدالة

معرض الصور