د. بلال العاملي ـ مونتريال
تثبت الأحداث المتسارعة في الشرق الأوسط النظرية القائلة بأن الصهاينة في فلسطين يسعون لتحقيق حلمهم القديم: إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل. فالصهاينة وبدعم من الدول الغربية، أصبحوا قاب قوسين من تحقيق ذلك الحلم. و يحدث ذلك بتآمر من الدول العربية و الإسلامية و انبطاحها أمام الدول الغربية، و خضوع شعوبها للحكام و انشغالهم بالطرب و مشاهدة المسلسلات على الفضائيات العربية ومباريات كرة القدم وخصوصاً السعي الدؤوب لتكفير بعضهم البعض عبر وسائل التواصل الإجتماعي و الفضائيات التكفيرية.
أما بالنسبة للمتصهينين من لبنان، و خصوصاً أصحاب السلطة و النفوذ و الأحزاب اليمينية، فهم بعد إنكسار المقاومة أمام الماكنة الإسرائيلية-الأمريكية المُدمِّرة، وجدوا الفرصة مؤاتية للإكمال على المسلمين الشيعة ومحاصرتهم، فبدأت أبواق الفتنة تنادي بتهجيرهم إلى العراق و إيران، و ذلك مع سكوت مخزٍ لأركان السلطة وبمباركة أمريكية-عربية. و قد تكون السلطة الجديدة متآمرة فعلاً على تهجير الشيعة، فما معنى أن تعرقل هذه السلطة إعادة الإعمار و لو من جيوب الشيعة الخاصة أكان من العراق أو من إيران؟ وهل هناك مؤامرة لتوطين نازحين من غزة و الفلسطينيين المقيمين و النازحين السوريين في جنوب لبنان مكان الشيعة؟ أو أن هناك من لا يزال يسعى لتحقيق حلم الشيخ بشارة الخوري، أول رئيس للبنان بعد الإستقلال عام 1943 حين صرّح قائلاً أثناء مقابلته إلياهو ساسون، أحد أعلام الحركة الصهيونية: "يوجد بيننا و بينكم حاجز يجب إزالته، وهذا الحاجز هو جبل عامل، هناك ضرورة لتفريغ هذه المنطقة من السكان الشيعة الذين بشكلون خطراً على بلدينا، و قد سبق لهم أثناء فترة الإضطرابات في فلسطين أن تعاونوا مع عصابات المفتي لتهريب السلاح و الرجال". و كما أضاف احد رجال الدين اللبنانيين حينها قائلاً بوجوب إخلاء جبل عامل من الشيعة و توطين الموارنة مكانهم و بهذه الطريقة حسب رأيه "يصبح الموارنة جيراناً لليهود، و يصبح التعاون سهلاً و دون مضايقات، و سيقف عندئذٍ اليهود و الموارنة، صفاً واحداُ أمام الزحف الإسلامي من الشرق، و بذلك يحافظ اليهود على حدودهم الشمالية" (أمين مصطفى، الإتصالات السرية العربية-الصهيونية:1918-1993 , 1994، ص98).
تنوي السلطة الحالية تجريد حزب الله من سلاحه مقابل السماح بإعادة الإعمار بأمر من الحاكم الأمريكي في عوكر، وهذا حلم إبليس بالجنّة، فسلاح الشيعة هو كرامتهم و جلدهم. و لماذا لا يطالب الحريصون على السيادة بنزع سلاح المخيمات الفلسطينية التي أصبحت بؤرا إرهابية للدواعش و أخواتها ممن يتربصون شراً ليس فقط بالشيعة بل بلبنان و جيشه؟ لماذا لا يطالبون بسحب السلاح من باقي الطوائف؟ لماذا لا يطلبون من راعيهم الأمريكي تسليح الجيش اللبناني ليستطيع القيام بالدفاع عن لبنان ضد إاسرائيل و الخطر التكفيري؟ أم تريدون تجريد الشيعة فقط من سلاحهم و أنتم تشهدون المذابح التي يرتكبها أزلام الجولاني التكفيريين في سوريا ضد المدنيين الشيعة و العلويين!!! أنسيتم كيف ساعد سلاح المقاومة الجيش اللبناني في دحر الإرهابيين في جرود عرسال؟ أنسيتم كيف حرر سلاح المقاومة جنوب لبنان عام 2000 من الإحتلال الإسرائيلي و عملائه الفارين إلى إسرائيل؟ أنسيتم كيف وقف سلاح المقاومة بوجه الترسانة الإسرائيلية عام 2006 و كبدها خسائر جسيمة في الأرواح و المعدات و فرض على إسرائيل الإفراج عن اللبنانيين الذين نسيتهم الدولة اللبنانية و فرض معادلة القوة مع العدو الصهيوني؟ تلك الدولة لم تنسى كارلوس غصن فقامت بتهريبه في عملية جيمس بوندية من اليابان إلى لبنان بينما تقاعست عن مطالبة السلطات المغربية الإفراج عن المواطن اللبناني قاسم تاج الدين الذي سُلّم ظلماً إلى السلطات الإمريكية في عملية قرصنة مخالفة للقوانين الدولية ثم نقلته إلى أمريكا لإتهامات باطلة.
نعم لقد تعرضت المقاومة لضربات كبيرة في هذه الجولة، ولكن للحرب جولات أخرى و النصر الإلهي آت ضد قوى الشر في إسرائيل و الدول الغربية و خاصة أمريكا و عملاءها في الوطن العربي.
جاء اتفاق الطائف عام 1989، الذي أنهى 15 عشرة سنة من الحرب الأهلية، ليعيد ترتيب السلطة في لبنان بين الطوائف بشكل عادل. ثم تبعه إتفاق الدوحة عام 2008 بعد المواجهات الدامية بين الشيعة و المتآمرين عليه ليقلب ميزان القوة لصالح الشيعة، ولكن الشيعة لم يستخدموا تلك القوة للسيطرة على مفاصل الدولة اللبنانية، كما يدعي البعض زوراً وبهتاناً، و كان بإمكانهم فعل ذلك ولكنهم يؤمنون بالشراكة مع باقي الطوائف، جلّ ما كانوا يريدون أن لا يُطعنوا في الظهر أثناء المواجهة مع إسرائيل وأن تدافع الدولة عن المقاومة في كافة المحافل الدولية. فأتوا بميشال سليمان رئيسا فانقلب عليهم لاحقاً، ثم جاؤوا بميشال عون و صهره جبران باسيل و حزبه فأستغلوا إتفاق مار ميخائيل مع حزب الله الذي منحهم حرية التصرف في الداخل . وها نحن اليوم مع دولة تخضع للإنتداب الأمريكي ولإملاءاته و تُمعن ليس فقط في تهميش الشيعة بل أيضاً للتآمر عليهم و محاصرتهم حيث تمنعهم من استجلاب الأموال لترميم بيوتهم و تخضعهم للتفتيش في المطار إذلالاً و تحقيراً، بعد أن سُلبت أموالهم من قبل عصابة المصارف التي تخضع لأوامر الخزانة الأمريكية.
منذ اتفاق الطائف حتى يومنا هذا، يحاول المتصهينون من أعلى هرم الدولة إلى أسفلها لضرب الطائف والعودة للنظام الطائفي الذي استمر منذ إعلان لبنان الكبير عام 1920 لغاية الحرب الأهلية عام 1975. فبعدما كانوا ينادون بالفدرالية والتقسيم (لإنهم ما بيشبهونا و لا بنشبههم)، وجدوا الآن الفرصة سانحة بإحكام السيطرة التامة على لبنان، مع سكوت و خنوع بعض المسلمين وتفريطهم بإنجازات الرئيس الراحل رفيق الحريري. و خير دليل على ذلك إستيلائهم بإيعاز من المتصرف الإمريكي على المراكز المهمة في الوزارة الجديدة ، ناهيك عن استئثارهم بالمصرف المركزي، و الإدارات العامة و كذلك بالمراكز الأمنية و القيادية في الجيش و الأمن و القضاء، و المصارف و الوكالات التجارية و النقابات و غيرها من المراكز الحسّاسة. فاستكثروا على الشيعة وزارة المالية علماً بأنها كانت مع الطائفة الشيعية سابقاً عندما قام حاكم المصرف المركزي رياض سلامة وأصحاب و مدراء المصارف بعمليات الإحتيال و الإفلاس المزعوم. وها هم أصحاب المصارف اليوم يحاولون التنصل من مسؤوليتهم عن سرقة أموال المودعين و رمي المسؤولية على الدولة المفلسة. فوزارة المالية لا تغني الشيعة من فقرٍ و لا من جوع طالما القرار يرجع للعصابة المالية المتحكمة بأموال البلد، و الوزير هو مجرد شاهد "ما شفش حاجة".
بعد القضاء على الحريرية السياسية و انحسار الثنائي الشيعي، زالت كل الحواجز أمام المتصهينين من أبناء الوطن ولم يبقى أمامهم سوى إعلان دولة لبنان الكبيرمجدداً وطناً قومياً لهم أسوة بحلفائهم الصهاينة. ولكن المتغيرات في دول الجوار، سوريا و إسرائيل بالتحديد، قد تطيح بهذا الحلم من خلال الضغط على لبنان بقبول نازحين فلسطينيين و توطينهم مع المقيمين منهم سابقاً وكذلك توطين النازحين السوريين. وبذلك يقوم التغيير الديموغرافي بقلب كافة الموازين. هذا إذا ما قامت إسرائيل بإحتلال أجزاء من لبنان، و على الأخص جنوباً، فعندها يدخل لبنان في نفق مظلم لا نهاية له.
المؤسف أن اللبنانيين، من كافة الطوائف، لا يقرؤون التاريخ، و إذا قرؤوه لا يأخذوا منه العبر. فالتاريخ يعيد نفسه فقط عند الجهلاء و الأغبياء. فلو قرؤوا تاريخ صراعات الطوائف في لبنان لوجدوا أن كل المحاولات الرامية للقضاء على الوجود الشيعي في لبنان من عهود السلاجقة و الأيوبيين، و المماليك و العثمانيين و الفرنسيين و آخرها العدوان الإسرائيلي كلها باءت بالفشل، بالرغم من المجازر التي أرتكبت بحق شيعة لبنان والدمار المتكرر لأملاكهم و نهب أراضيهم من قبل ما يسمى بشركاء الوطن، بتوطئة من الأمراء المعنيين و الشهابيين و أحمد باشا الجزار و الجنرال غورو، و تهجيرهم من الشمال و من جبل لبنان. وهكذا عانى الشيعة في البلاد العربية و الإسلامية ولا زالوا يعانون من الظلم و التنكيل والقتل والتهجير عبر التاريخ ما لم تعانيه أي طائفة أخرى.
113 مشاهدة
08 مارس, 2025
228 مشاهدة
02 مارس, 2025
228 مشاهدة
27 فبراير, 2025