Sadaonline

الثقافة في الاغتراب: صراع الذات والهدف بين الانا والهوية

الخلل ليس في الأفكار، بل في النفوس التي لم تنضج كفاية لتحمّل العمل الجماعي



وليد حديد* 

بعد أكثر من ثلاثة عشر عامًا من العمل الثقافي في مدينة مونتريال، نرى بوضوح أن الفعل الثقافي في الاغتراب ليس مجرد وسيلة للحفاظ على الهوية، بل هو ساحة تتقاطع فيها النية الصادقة مع المزاج النفسي، والطموح الجماعي مع الرغبة الفردية في البروز.

الهوية... أم الأنا؟

في الأصل، ننطلق من رغبة نبيلة في صون اللغة، وتكريم الإرث الثقافي، وربط الأجيال بجذورها.
لكننا كثيرًا ما نُفاجأ بأن بعض المشاركين يضعون ذواتهم فوق المشروع، ويحوّلون العمل الثقافي من رسالة إلى منصة عرض، ومن سعي إلى البناء إلى رغبة في التفوق الشخصي.

حين يُهدَّد النجاح في مثل هذه البيئات، يصبح النجاح خطرًا،
والمنجز الجماعي هدفًا للهجوم،
ويبدأ التسابق نحو تحجيم الآخر بدل تعظيم القيمة.

فبدل أن نحتفل بالإنجاز، نبحث عن الثغرات.
وبدل أن نكمل بعضنا البعض، نتنافر ونتنازع.
فلا نرى استمرارية، ولا نُنتج تراكمًا.

أزمة العمل الثقافي ليست فكرًا... بل نفوسًا

الخلل ليس في الأفكار، بل في النفوس التي لم تنضج كفاية لتحمّل العمل الجماعي.
لا نُتقن الاختلاف، ولا نحتمل النجاح إذا لم نكن جزءًا منه، ولا نقبل أن يعلو صوت على صوتنا ولو للحظة.

نحو ثقافة داخل العمل الثقافي

نحن اليوم بحاجة إلى ثقافة جديدة تُربّي الفاعلين الثقافيين أنفسهم،
ثقافة تُعلّمنا كيف نختلف،
وكيف نحتفل بغيرنا،
وكيف نفهم أن “الثقافة ليست مرآة لأهوائنا، بل جسر لهويتنا الجماعية”.

ومضة أمل

ورغم هذا الواقع المعقّد، ما زلنا نؤمن بأن العمل الثقافي ممكن،
وأن في جاليتنا طاقات صادقة ونقية،
قادرة على قلب المعادلة،
وتحويل التجربة من صراع إلى شراكة،
ومن نزاع إلى إبداع،
ومن تشتت إلى أثر.

فلنؤمن بالهدف...
ولنتواضع أمام الرسالة...
ولنصنع من الثقافة ساحة للبناء، لا مرآة للأنا.

*جمعية آفاق الثقافية الاجتماعية