د. علي ضاهر
عن جمال الدين الأفغاني انه قال: "شر أدواء العرب داء انقسام أهله، يتّحدون على الاختلاف، ويختلفون على الاتحاد، فقد اتفقوا ألّا يتفقوا". هذا القول يوصّف حال النظام العربي الرسمي الحالي الذي يختلف حول كل شيء، ولا سيما حول الأمن القومي والاستراتيجية الدفاعية، ولكنه يتّفق على أمر واحد وهو ألّا يتفق على المخاطر. وهذا ما يجسده النظام العربي الرسمي بشكل عام ودول "الطوق" بصورة خاصة من خلال رؤية كل واحدة لما يسمى بالإستراتيجية الدفاعية، وذلك بالرغم من انها كلها دول تدور في الفلك الأمريكي ورؤية كل واحدة منها تصبّ في مصلحته!
1- لبنان: الرؤية اللبنانية الرسمية للاستراتيجية الدفاعية كانت في الماضي قائمة على مبدأ "قوة لبنان في ضعفه". ولما اثبت عقم تلك الاستراتيجية تخلّت الدولة عنها واتحفتنا بمبدأ جديد عبقري، خطير، يرعب الأعداء ويخيفهم وتنضح منه "الشطارة اللبنانية"! المبدأ الجديد قائم على "الديبلوماسية" ويرتكز على امتلاك الدولة لقرار الحرب والسلم - وكأن في يدها أي قرار اخر لتحصر هذا القرار بيدها؛ وهي، أي الدولة، المعنية الوحيدة بالدفاع عن البلد وحمايته - وكأنها تملك أداة حماية واحدة؛ وأن أفضل استراتيجية دفاعية يمكن للبنان التعويل عليها تتمثل بالطرق الديبلوماسية حصرا والاستناد إلى القرارات الدولية تحديدا - وكأن هناك دولة في العالم ما زالت تلتزم بهذه القرارات! فمن يسمع بهذه الاستراتيجية يظن ان القضية حلّت والأمن استتب والحرب طويت الى غير رجعة! فلبنان هو صاحب قرار الحرب وهو لا يريدها ولو أرادها لفعل البدع بأعدائه!
2- سوريا: الرؤية السورية للاستراتيجية الدفاعية كانت في الماضي، أيام بشار، قائمة على مبدأ "سنرد في الزمان والمكان المناسبين"، والتي أصبحت حاليا ومع بزوغ عصر جديد قائمة على مبدأ "النعامة". وهو مبدأ يدفع بهذا الكائن الى دفن رأسه فقط في التراب تاركاً جسده للعراء في مهب التدمير والقتل والتقسيم، حتى لا يرى عدوه وما يجري حوله، وكأن جسده ليس له، ناسياً انه إذا تمّ القضاء على الجسد يذهب الرأس بمعيته أيضاً. إستراتيجية النظام السوري الحالي ترتكز على الارتماء في حضن عربي مطبّع، مع تقديم أوراق اعتماد لمصاصي الدماء الغربيين وغض النظر عن احتلال أراضيه، وتطبيق مقولة "طالما راسي بخير انا بخير، فلينهشوا جسدي"! اما اذا اشتد الضغط عليه، فيقوم بصرف الأنظار عن طريق افتعال معارك حيث لا يجب ان تفتعل!
3- الأردن: الرؤية الأردنية للاستراتيجية الدفاعية كانت في الماضي قائمة على التسليم بما يريده العدو واعطاءه ما يشتهي، من ايلول الأسود الى ضرب المقاومة، ومن طرد المقاومين الى تسليم القدس والضفة؛ فإن تمّ الاعتراض على ذلك من قبل الشعب، يقوم الحكم بضرب التحركات وقمعها بقوة وكتم أصوات المعارضة إذا ما دعت لنصرة الأخ. لكن ومع تطور الأحداث غيّر الحكم استراتيجيته الدفاعية وجعلها ترتكز على التطبيع، وهذا ما أدى الى سلوكيات جديدة في تعامله مع الحركات الشعبية، فبدلا من قمع المظاهرات المندّدة بالعدو والمناصرة للأخ، طور الملك من أساليبه وأصبح هو من يرعى المظاهرات الشعبية ويقوم حتى بتنظيمها نصرة لقضايا الأمة، وكأن لسان حاله يقول: تظاهروا كيفما شئتم وانا أساعدكم، فلن يحدث في النهاية إلّا ما أختاره لكم، إذ لا توجد بينكم قوى منظمة تشكك بقراراتي واستراتيجيتي الدفاعية القائمة على التطبيع!
4- مصر: الرؤية المصرية للاستراتيجية الدفاعية انتقلت من وضع كل البيض في سلة أميركا تطبيقاً لنظرية أنور السادات القائمة على مبدأ "إن 99 في المائة من أوراق الحل هي بيد أميركا"، الى استراتيجية "الاستعراضات العسكرية" التي ترتكز على حشد الدبابات والوحدات وذلك لإخافة العدو وترهيبه. هذه الاستراتيجية تذكّر بنكتة مصرية تستعمل أغنية عبد الحليم "خللي السلاح صاحي صاحي،" فتضيف عليها "ونامي انت يا مصر نامي نامي". فالنظام يمنع المظاهرات المناصرة ويدعو المواطنين الى البقاء في بيوتهم أمام أجهزة التلفزة لمشاهدة الدبابات والحشود والاغاني الحماسية التي يستعرضها لإظهار قوته مع بث كلمات للريس وهو يقول: "والله العظيم يلّي يقرب لمصر حَدْفنُه" او "اللي هيغلط بمصر هيتحاسب مين ما كان" او "اللي هيقرب من مصر يحذر مني". وهذا ما يذكّر بنكتة أخرى، شامية هذه المرة، مفادها ان أحد الأشخاص كان مزنرا بمسدس يستعرضه أينما ذهب. ذات مرة هجم عليه شرير وأوسعه ضرباً، ثم رماه أرضاً وجلس فوق صدره وكتم أنفاسه، لكنه لم يدافع عن نفسه. وعندما سئل لماذا لم تستعمل مسدسك، أجاب: "اريته مسدسي وقلت له قوم عني لفرجيك"! هذه هي حال مصر المدجّجة بالسلاح، التي تنظر الى جوع وعطش اهل غزة ولا تدخل ربطة خبز او زجاجة ماء. مصر التي خسرت معبر فيلادلفيا والمهددة بتهجير الفلسطينيين اليها والمشرفة على باب فقدانها لكميات كبيرة من ماء النيل، لكنها لا تقوم بأي عمل بل تُكثِّر من عرض عضلاتها وأسلحتها وترفق ذلك بخطب قادتها الرنانة عن القوة والعزم! لذا فالحق ليس عليها اذا كان الاخر لا يهتم!
653 مشاهدة
19 أبريل, 2025
109 مشاهدة
16 أبريل, 2025
324 مشاهدة
13 أبريل, 2025