إعداد: د. وفاء مروة
ورقة بحثية
تواجه المنظومات التعليمية في العصر الحديث تحدّيات متسارعة تفرض ضرورة إعادة التفكير في دور المعلّم، وفي كيفية تأهيله ليكون قادرًا على الاستجابة لمتطلبات القرن الحادي والعشرين. ومن هنا تبرز الحاجة الملحّة إلى "المعلّم المتجدّد"، الذي لا يكتفي بتكرار ما تعلمه سابقًا، بل يسعى إلى تطوير معارفه ومهاراته بصورة مستمرة، ليبقى عنصرًا فعّالًا داخل البيئة التعليمية.
يُعدّ المعلّم، ولا سيّما معلّم اللغة العربية، حلقة وصل أساسية تربط المتعلّمين بتراثهم من جهة، وبالعالم المعاصر من جهة أخرى. فالمعلّم شخصية مؤثرة في المجتمع، يحمل مسؤولية نقل المعرفة والقيم والمهارات، ويمارس دورًا قياديًا داخل الصف، مما يجعله عنصرًا أساسيًا في نجاح العملية التعليمية بأكملها. ومع تطوّر أدوات التعليم وطرق التعلّم، لم يعد المعلّم التقليدي قادرًا على مواكبة المتغيّرات أو تحقيق الأثر التربوي المطلوب.
إن المعلّم المتجدّد يمتلك مجموعة من الكفايات الجوهرية التي تُميّزه، أبرزها قدرته على التعلّم الذاتي المستمر، ومهارته في استخدام التكنولوجيا، وقدرته على التحويل الإبداعي للمعلومة من قالبها الجامد إلى نشاط تفاعلي يشارك فيه المتعلّم بفاعلية. كما يتميّز بحسّ عالٍ بالمسؤولية، ووعي مهني يجعله شغوفًا بعمله، قادرًا على ضبط صفّه بمرونة، وعلى بناء علاقة تربوية صحية مع طلابه.
ويتعدّى أثر المعلّم المتجدّد حدود الصف، إذ ينعكس بشكل مباشر على شخصية المتعلّم وأدائه. فهو يعزّز الدافعية الداخلية، ويخلق بيئة تعليمية تُحفّز التفكير النقدي، وتدعم مهارات الإبداع والتعاون وحلّ المشكلات. كما يسهم في إعداد متعلّم يمتلك مهارات القرن 21، قادرًا على الاندماج في المجتمع المعاصر، والمشاركة بفاعلية في بناء مستقبل أكثر وعيًا وتقدّمًا.
أمّا المعلّم غير المتجدّد فيجد نفسه عاجزًا أمام المتغيّرات. فبقاءه على الأساليب التقليدية يجعله بعيدًا عن اهتمامات طلابه، ويفقده القدرة على إدارة صفّه أو التأثير في متعلّميه، مما يؤدي إلى تراجع مستوى التحصيل، وتدنّي جودة البيئة التعليمية. فالمناهج الحديثة وحدها لا تكفي من دون معلّم قادر على تفعيلها وتطبيقها بأساليب مبتكرة.
إن التعليم اليوم بحاجة ماسّة إلى معلّم واعٍ، متعلّم، ذو رؤية واضحة، قادر على التطوير الذاتي، وعلى الابتكار، وعلى الالتزام القيمي والمهني. فالمعلّم المتجدّد ليس خيارًا تربويًا، بل ضرورة أساسية لإنجاح العملية التعليمية في عالم يتغيّر بسرعة غير مسبوقة.
إن الاستثمار في تأهيل المعلّم وتطويره هو حجر الأساس لأي إصلاح تربوي حقيقي. فالتغيير يبدأ من المعلّم، ومن خلاله تُبنى الأجيال، وتتحقّق التنمية، ويُصنع المستقبل.
27 تشرين الثاني 2025
*الدكتورة وفاء مروة بليطة باحثة تربوية وكاتبة متخصّصة في تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، تمتد خبرتها من أفريقيا إلى كندا وتنزانيا.ساهمت في تطوير المناهج الحديثة وتعزيز التعليم الإلكتروني، ونشرت مؤلفات رائدة حول تعليم العربية في المهجر.
تجمع بين البحث والتطبيق والعمل الميداني، فغدت صوتًا تربويًا بارزًا ورسالةً إنسانية عابرة للحدود.
65 مشاهدة
28 نوفمبر, 2025
158 مشاهدة
02 نوفمبر, 2025
330 مشاهدة
19 أكتوبر, 2025