سامر مجذوب*
تكتسب الانتخابات الداخلية الجارية حاليا و إلى تاريخ الرابع عشر من حزيران الشهر الجاري لاختيار قائد جديد للحزب الليبرالي الكيبكي (PLQ) أهمية خاصة، نظراً لتوقيتها الحرج الذي يسبق الانتخابات العامة في مقاطعة كيبيك المقررة في عام 2026. وتأتي هذه الانتخابات في لحظة مفصلية بالنسبة لحزب يشهد تراجعاً ملحوظاً في شعبيته، لاسيما خارج حدود مدينة مونتريال، وفي ظل قيادة مؤقتة أعقبت استقالة الزعيمة السابقة دومينيك إنغلاند.
يتنافس على زعامة الحزب خمسة مرشحين هم: بابلو رودريغز، كارل بلاكبيرن، مارك بيلانجر، تشارلز ميليارد، وماريو روي. وعلى الرغم من تنوع الخلفيات والتجارب، فإن المرشحين الخمسة يتقاطعون في تبنيهم للمبادئ الأساسية التي تمثل الحزب الليبرالي الكيبكي: الاعتدال السياسي، ودعم بقاء كيبيك ضمن الاتحاد الكندي مع مساحة من الحكم الذاتي، ورفض السياسات الإقصائية أو الشعبوية.
شهد الحزب في السنوات الأخيرة حالة من التراجع، ويُعزى ذلك إلى مجموعة من العوامل منها صعود أحزاب بديلة مثل التحالف من أجل مستقبل كيبيك (CAQ) بزعامة فرانسوا لوغو، والحزب الكيبكي بزعامة جان بول بلاموندون، بالإضافة إلى افتقار الحزب لقيادة مستقرة تعيد صياغة رؤيته المستقبلية.
رغم ذلك، لا يزال الحزب يحتفظ برؤية سياسية وسطية، تتسم بالاعتدال، وتُعارض بوضوح السياسات المتطرفة التي تهدد النسيج الاجتماعي لكيبيك. كما يُسجّل للحزب تاريخه الطويل في دعم التعددية والتنوع والانفتاح على مختلف مكونات المجتمع الكيبكي، ومنها المكون المسلم.
على مدار العقود، لم يُسجّل على الحزب الليبرالي الكيبكي تبنيه الرسمي لقوانين مثيرة للجدل تمس الحقوق المدنية، كما هو الحال في قانون 21 الذي يُنظر إليه على نطاق واسع كقانون يستهدف حرية الأفراد في التعبير والمعتقد. على العكس، حافظ الحزب على موقف منفتح يحترم التنوع الثقافي والديني ويعتبره عنصر قوة وليس تهديداً.
وقد تميز الحزب، حتى في خضم الجدل السياسي، بموقفه الداعم للجاليات،، رافضاً الخطابات التي تُعزز الانقسام . ويُعد هذا الموقف عاملاً حاسماً لدى فئة واسعة من الناخبين الذين يسعون للمشاركة في صياغة مستقبل سياسي أكثر عدلاً وشمولا.
أبدى عدد من المرشحين تفاعلاً إيجابياً مع فعاليات الجالية المسلمة الكيبيكة، خصوصاً بابلو رودريغز، كارل بلاكبيرن، وتشارلز ميليارد. و قد اظهروا انفتاحا و استعداد للحوار و الاستمتاع. مما يفتح المجال أمام بناء علاقة إيجابية في بقيادة الحزب المستقبلية . ويُسجَّل لرودريغز بشكل خاص علاقته الطويلة مع الجالية، إذ يمتد تواصله الفعّال معها لأكثر من 15 عاماً، من خلال مناصبه المتعددة في الحكومة الفيدرالية الليبرالية و البرلمان في أوتاوا، حيث كان له دور بارز في تبني سياسات مكافحة الإسلاموفوبيا، والتعاون الوثيق بهذا الشأن مع جمعيات كـ"المنتدى الإسلامي الكندي".
في ضوء كل ما سبق، تبرز أهمية قصوى لمشاركة أفراد الجالية الذين هم أعضاء منضوين في الحزب، في اختيار زعيمه المقبل. هذه المشاركة ليست فقط تأكيداً على الاندماج الإيجابي في المجتمع الكيبكي، بل أيضاً أداة عملية في التأثير على سياسات الحزب ورسم مستقبله بما يتماشى مع قيم التعددية والعدالة والكرامة.
إن هذه الانتخابات لا تشكّل لحظة عابرة، بل مفترق طرق بالنسبة لحزب لطالما شكّل ركيزة في السياسة الكيبكية. من هنا، فإن اختيار القيادة الجديدة يُعد خطوة حاسمة نحو استعادة ثقة الجمهور، وتجديد رؤية الحزب في سياق سياسي واجتماعي أكثر تعقيداً وتنوعاً.
* رئيس المنتدى الإسلامي الكندي
** الصورة من صدى اونلاين
107 مشاهدة
13 يونيو, 2025
91 مشاهدة
11 يونيو, 2025
184 مشاهدة
10 يونيو, 2025