Sadaonline

اللّغة العربيّة الفصحى والدِّين

اللغة العربية، على الرغم من الجمال الذي نجده فيها، ما تزال تُعتبر من أصعب لغات العالم قاطبة

 

بشير القزّي ـ مونتريال

كثيرون يمزجون بين الدين واللغة ويعتبرون أنّ من شروط الإلمام باللغة العربيّة الفصحى استظهارَ المصحف الشريف من الغلاف إلى الغلاف وحفظ الآيات كلها عن ظهر قلب!

قد تتميّز اللغة العربيّة الفصحى عن غيرها من لغات العالم بأنها الوحيدة التي ما زالت مستعملة والتي أُنزلت بها ديانة سماويّة، لذا وجبَ إتقانُ تلك اللغة للتمعّن بمحتويات النصوص وفهمِ مضمونها!

إلّا ان الأغلبية الساحقة من “العربان” يُخَيَّل إليهم أنهم إذا حفظوا القرآن الكريم فسيُتقنون اللغة العربية الفصحى ويصبحون قادرين على التخاطب بها وكتابتها دون اقتراف أخطاء لغوية أو تشكيليّة! إلّا ان الواقع هو غير ذلك، فاللغة العربية، على الرغم من الجمال الذي نجده فيها، ما تزال تُعتبر من أصعب لغات العالم قاطبة، وأذكر على سبيل المثال، ان صيغ الجمع قائمة على عدّة مستويات : المثنّى (تتفرّد اللغة العربيّة به)، وجمْعُ القلّة وجمع التكسير، وجمع المؤنث السالم، وجمع المذكر السالم، وجمع الجمع …في حين ان غيرها من اللغات له صيغة واحدة للجمع عندما يتعدّى الرقم “واحد”!

هل أُنزلَ القرآن الكريم لتعليم اللغة العربيّة أمْ بالأحرى لنشر ديانة سماويّة؟ فالنصوص جاءت بشكلٍ إعجازي لا يسهلُ لآدميّ بأن يقاربَ نصّه مهما بلغت قدراته الأدبيّة!

ويؤلمني كثيراً سماعُ رجلِ دين، يخطئ في كلمة يُلقيها، على الرغم من أنه لا يخطئ مطلقاً في ترداد أيِّ من الآياتِ المُنزلة!

واللغة العربيّة الفصحى، على الرغم من احتوائها على الملايين من المفردات، إلّا أنها قد تكون في طريقها إلى الزوال، وذلك للأسباب التالية :

  • انتفاء وجود كلماتٍ تواكبُ العصرَ التقني الذي نعيشُهُ، لذا يُضطرُّ من يستعملها إلى اللجوء إلى استعمال كلمات أجنبيّة للدلالة على ما يُريد قوله! فكلمة “دكتور” مثلاً لم يتمكّن أحدٌ من إيجاد مرادفٍ عربيّ لها، فنقول مثلاً هذا “دكتور في اللغة العربيّة”!
  • لا فائدة من تواجدِ ملايين المفردات العربيّة وقد انقرض استعمال معظمها مع الزمن، ولا نجد تفسيراً للكثير من تلك الكلمات حتى في المعاجم العربيّة!
  • نسبةُ الكلمات الأعجميّة التي نستعملها في نصوصنا تفوق النِسب التي نجدها لدى باقي اللغات المستعملة!
  • صعوبةُ القواعد وتعدّدها والتي تُنظّم كتابة اللغة العربية الفصحى! وقد لا نجد سوى قلّة قليلة مِمّنْ يُتقنون هذه اللغة، حتى بين المثقفين !
  • تعلّمُ اللغة العربيّة الفصحى هو بمثابة تعلّم لغتين: الأولى مكتوبة والثانية مقروءة، وقد نجد كثيرين يُتقنون كتابة النصوص، إلّا أنّهم يخفقون في قراءة ما يكتبونه بشكلٍ صحيح!
  • مع مرور الزمن، قد تصبح الفصحى مقتصرة على المُلتزمين بالدين الإسلامي كونهم بحاجة لها لقراءة القرآن الكريم، بينما يُقلّلون من استعمالها في مراسلاتهم وكتاباتهم غير الدينية، علماً أنّ لغة الضاد موجودة في نجد والحجاز واليمن ومناطق أخرى قبل الدعوة الإسلامية!
  • نجد معظم الأجيال الناشئة ، للأسف، تكتبُ مراسلاتها في لغة أجنبية، كالإنجليزيّة بالإجمال، لأن تلك اللغة تطوّرت مع الزمن واستوعبت المرادفات الحديثة كافة، وذلك بعكس لغتنا العربيّة التي تفتقر للكثير من الكلمات التي نحتاج اليها للتعبير عمّا نريد وصفهُ!
  • على الرغم من أن تعداد كلمات اللغة العربية يتجاوز الملايين، إلّا ان ذلك قد لا يكون مصدر غنى، لأن الكلمات التي نستعملها أقل بكثير من الكلمات الموجودة والتي أصبحت نسياً منسيّاً!

    والله أعلم!

    *الصورة من اليوتيوب

     

الكلمات الدالة