سامر المجذوب ـ مونتريال
عندما توفي النبي محمد صلى الله عليه وسلم، كانت تلك اللحظة بمثابة اختبار إيماني عميق للأمة ، فقد تاهت قلوب الصحابة بين الحزن والذهول، وأصبح الجميع يتساءل عن كيفية مواصلة الطريق بعد غياب النبي الكريم. لكن، في تلك اللحظات الحاسمة، كان صدى ارادة الله التي جعلت أبي بكر الصديق رضي الله عنه ان يخاطب اهل المدينة المنورة ب كلمات جوهرية التي اعادت الأمة إلى مسارها الصحيح، عندما قال: "من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت". هذه الكلمات كانت بمثابة النور الذي أضاء الطريق وأعاد الناس إلى جوهر الإيمان، وهو الإيمان بالله وحده، لا بالأشخاص. و هذا ليس بالتقليل بقيمة الأنبياء . و كيف يكون هذا و هم الذين اصطفاهم الله من بين العالمين الى ان يكونوا رسل هدايته الى البشرية جمعاء .
هذه الحكمة العميقة لا تقتصر على الزمن الذي شهد فيه الصحابة تلك الحادثة الجلل ، بل تمتد عبر الأزمان والعصور الى يومنا هذا، مُنبئةً بأهمية أن يرتبط الإيمان بالجوهر والمبدأ، لا بالأشخاص مهما كانت مكانتهم.
إن المجتمعات الإنسانية تحتاج إلى نماذج ملهمة من العلماء والقادة والمفكرين، لكن يجب الحذر من جعل هؤلاء الأشخاص محل عبادة أو تقديس، لأن ذلك يمكن أن يؤدي إلى انقسامات خطيرة، تنشأ منها صراعات فكرية أو اجتماعية قد تضر أكثر مما تنفع. كما أن هذه المبالغة في التعلق قد تخلق فجوات بين الأفراد، مما يهدد وحدة المجتمع وتماسكه و نشر الفتن و الخصومات و شرذمة الصفوف .
إن الخطر يكمن في انغماس الأفراد في التأثيرات الفكرية أو السياسية أو الثقافية التي تقدس الأشخاص وتضعهم في مكانة لا تليق إلا بالله، مما يؤدي إلى تلاشي الروح الجماعية والفكرية السليمة للمجتمع. فالمجتمع الذي يركز على الأفراد بدلاً من المبادئ يتحول إلى مجتمع غير مستقر، يعاني من الانقسامات والصراعات الداخلية و ضياع البوصلة و الأوليات التي تؤثر على تطوره واستقراره.
هذه الحالة، لا تزال تتكرر في عصورنا الحالية، حيث يمكننا ملاحظة الشباب والأجيال الجديدة وهم يقعون في فخ التعلق المبالغ فيه بشخصيات عامة أو قيادات فكرية او سياسية ، دون أن يضعوا في اعتبارهم أن المعيار الحقيقي يجب أن يكون هو الفكر والعقيدة، وليس الشخصيات بالرغم مما قد يكون لهم من دور محوري في مجريات الأمور.
من هنا، نستلهم درسًا مهمًا أعطاه الإسلام ليس فقط لاتباعه انما للبشرية جمعاء على مد العصور ، وهو أن البقاء على الطريق الصحيح يتطلب إيمانًا بالعقائد وبالمبادئ و القيم ، دون التعلق المبالغ بشخصيات عامة و ان استحقوا التقدير و الاحترام .
*الصورة من موقع freepik لاغراض توضيحية فقط
228 مشاهدة
02 مارس, 2025
227 مشاهدة
27 فبراير, 2025
176 مشاهدة
25 فبراير, 2025