Sadaonline

غادة الشعبي مرشحة الحزب الديمقراطي الكندي: موقفنا بشأن غزة ليس موقفًا صارمًا فحسب، بل هو موقف صادق

تلتزم غادة الشعبي بالدفاع عن قيم العدالة الاجتماعية

دارين حوماني ـ مونتريال

تخوض غادة الشعبي الانتخابات عن الحزب الديمقراطي الكندي (NDP) ممثلةً لمنطقة Pointe-aux-Trembles، وهي من سكان هذا الحي منذ عام 2008، وأم لثلاثة أطفال، وُلِد اثنان منهم فيه. هاجرت من المغرب مع أسرتها عام 2002 ودرست كمساعدة تخدير Assistant Anesthesia.

بدأت مشوارها المهني عام 2005 في قطاع الصحة العامة، حيث أثبتت حضورها بفضل حيويتها وروحها الابتكارية. معروفة بكونها امرأة عملية لا تكل، تواصل دومًا تطوير نفسها وتكريس جهودها لخدمة مجتمعها.

في عام 2015، أسست مؤسسة Résidence Bel Âge في مدينة Terrebonne، وهي دار رعاية مخصصة لكبار السن، تجمع فيها بين خبرتها في الصحة العامة وقدراتها في التواصل لتقديم بيئة معيشية قائمة على الرفاهية والاحترام.

إلى جانب مسيرتها المهنية، كان لغادة دور نشط في عدة مؤسسات محلية؛ فقد تولّت إدارة جمعية التجار والمهنيين في  Vieux-Pointe-aux-Trembles، وتشغل أيضًا منصب مديرة في كل من مركز الاستماع والمساعدة للمغاربة في كيبيك وغرفة التجارة المغاربية بالمدينة، حيث تساند من خلالهما المبادرات الرامية إلى تمكين الجالية المغاربية اقتصاديًا واجتماعيًا.

وتُبرز مساهماتها المجتمعية من خلال ترؤسها لاتحاد التضامن مع المقابر الإسلامية (USSM)، وهي مبادرة تهدف إلى تعزيز التضامن وبناء روابط إنسانية بين أفراد المجتمع.

سياسيًا، تلتزم غادة الشعبي بالدفاع عن قيم العدالة الاجتماعية، وتسعى إلى تقوية البنية الصحية وضمان الوصول العادل إلى الخدمات، إلى جانب تصديها للمضاربة العقارية ومعالجة أزمة السكن. وهي تنادي بسياسات بيئية مستدامة تستجيب لتحديات المناخ.

بفضل أكثر من خمسة عشر عامًا من الخبرة القيادية والعمل المجتمعي، تؤمن غادة الشعبي بأن التضامن والعمل الجماعي هما الأساس لصياغة مستقبل أكثر إشراقًا. في كل ما تقوم به، سواء في دعمها لكبار السن، أو تمكينها للمجتمعات المحلية، أو دفاعها عن البيئة، تضع الإنسان والتكافل في صميم رسالتها.

هنا حوار معها.

كان لك حضور مهم في المجال الصحي والخدماتي، ما الذي دفعك للتوجه نحو العمل السياسي؟

اشتغلت بالمجال الصحي كثيرًا، ثم انتقلت للعمل مع كبار السن. الحقيقة أن هوايتي هي أن أشتغل مع كبار السن، حتى أني عملت فترة من حياتي في مركز إقامة للمسنين. وبموازاة ذلك، كنت أعمل في المستشفى على المستوى التطوعي مع عدة مستشفيات وجمعيات. كانت هوايتي أن ألتقي الناس وأساعدهم. لكني رأيت أن المجال التطوعي والجماعي غير كافٍ للتغيير.

انا من مواليد المغرب وعندي ثلاثة أبناء، اثنان منهم ولدا في هذا الحي الذي أترشح فيه. شعوري هو شعور انتماء للحي وللمنطقة، وشعوري بأني مهاجرة عربية مسلمة، والتحديات التي عشناها كعرب ومسليمن أكدت لي أنه يجب أن يكون لدينا تمثيل مختلف، التمثيل الذي يحمل همومنا اليومية. الأرض ليست مفروشة بالورد للنساء العربيات المهاجرات إلى كندا، تأخذ الأمور وقتًا كبيرًا للتأقلم. حتى أطفالنا يحتاجون وقتًا. أرى أنه إذا نجحت المرأة في التأقلم والاستقرار، تنجح الأسرة كاملة في استقرارها المعنوي والنفسي والمادي، واستقرار الأسرة بأكملها يؤدي إلى عدة أمور إيجابية.

الأحوال التي عشناها بعد الكوفيد، ارتفاع الأسعار وتكلفة العيش، كلها صار عبئًا كبيرًا على الأسر، وهناك عدم الإمكانية على التحمّل. هناك أعباء كبيرة على كامل أفراد الأسرة، نشتغل على الأولويات فقط، السكن، الأكل، لا رفاهيات، ارتباطات أقل، صرنا ندور كأننا نخدم العوامل الخارجية.

هناك أسباب أخرى تدفعنا للدخول في المجالي السياسي، أزمة السكن خلقت لنا مشاكل كبيرة. قبل سنوات، إذا أردنا استئجار منزل "5 ونص" كنا ندفع حوالي 1100$، ولكن الآن، ندفع 2500$ أو 3000$؛ من يدفع هذه الفاتورة، الأغنياء لا يهمهم، ولكن المواطن العادي أو المهاجر كيف يتعامل مع هذه المسألة.

التغيّر في قيمة العملة أثّرت على الجميع، ما زال الناس يقومون بمقارنة بين العملة في بلده الأصلي والعملة هنا، ودائمًا يتساءلون، هل تعود الأمور إلى ما كانت عليه أن تبقى..

التعايش بيننا وخلق الاندماج هو أحد دوافعي، أن نخلق هوية نتواصل عبرها مع الآخرين هنا، نتكافل معهم، نخلق نقاط مشتركة بيننا وبينهم، هذه النقاط المشتركة هي التي ستؤدي إلى قبولنا لأننا نعي أننا مواطنون كاملو الهوية والوعي والنضج. ولكن الجهل بهذه المعطيات يؤدي إلى اختلاف المعرفة بين كل الناس. حتى بين العرب بعضهم البعض، أحيانًا نحتقر فلان لأنه من بلد معيّن أو من منطقة معينة، شرق البلد العربي نفسه ليس كغربه، فما بلك بالناس الذين يجهلون ثاقفاتنا وهويتنا وديننا جملة وتفصيلًا. كما أن الإعلام هنا يؤثر ويقود وعي المواطنين واتجاهاتهم.

الآن هناك فكرة منتشرة، صارت مثل الوعي الجمعي بين كثير من الكنديين، يقولون انتخبوا الحزب الليبرالي كي لا ينجح حزب المحافظين وتصير كندا مثل أميركا مع فوز ترامب، ولكن الحزب الديمقراطي الجديد جاء من أجل العيش الكريم للمواطنين. هل ننسى من اشتغل لأجلنا من أجل الصحة، الحزب الديمقراطي الجديد هو الحزب الذي يشتغل في السر ويقود المسيرة من خلال ائتلافه مع الحزب الليبرالي. لماذا لا ندعم مرشحين منه، يمثلوننا حقًا، أن ندعم المرشح العربي الذي سيخدمنا عاجلًا أم آجلًا، لأنه ينتمي لنا ولهويتنا، وليس فقط عرفانًا لهم، بل لأنه يحمل همومنا، ومن يحمل همومك يعبّر عنها أفضل من الذي لا يعرفها ويستوعبها.

أضف الى ذلك، مشكلة أخرى أتعبت كل المهاجرين، حتى المهاجرين الذين لهم باع في الهجرة. ننسى الهجرة المؤقتة للعمال، هناك أزمة اجتماعية مالية إنسانية وخلقت مآسٍ في العائلات. من يتكلم عنهم، من يراعي شؤونهم. كم من الأسر التي جاءت وباعت من ملكت في بلدانها كي تأتي فقط إلى كندا! حتى تجديد إقامة العمل صارت أزمة، من يتكلم عن هؤلاء الناس؟!

حديثك عن الهجرة يأخذني إلى انتقادات عالية السقف عن قضية ارتفاع معدلات الهجرة وأن كندا فقدت هويتها، ماذا تقولين في ذلك؟   

نحن من يجب أن يعيد النظر في الهجرة. تركنا بلدانًا نامية ومتطورة وصارت أفضل مما تركناها. توجد أحزاب كثيرة هنا، وأحزاب لا علاقة لها بالدين. التعددية هي أن تخلق وجهات نظر مختلفة وحلول مناسبة للجميع، لأننا عبر التعددية نرى من كل الاتجاهات، وليس من طرف واحد. المنطق أن الحقيقة لا يملكها شخص واحد. بالنظر إلى الرقم 6، من يأتي من تحت سيراه 6، ومن يأتي من فوق يراه 9. ومن ينظر إليه من الجانب قد يرى الجانبين، إذا هناك عدة رؤى لحقيقة واحدة، هذا لا يعني أنها ليست حقيقة واحدة، ولكن كل وجهة نظر تدعم وجهة النظر الأخرى.

لذلك، وجب علينا الآن من وجهة نظري الخاصة، أن يكون لنا حضور في الأنظمة لنؤسس لقنوات بين الأحزاب وبين الجمعيات، هكذا سنخدم قضايانا كلها.

ترتدين الحجاب وتترشحين للانتخابات، هل هي شجاعة منك رغم مظاهر الإسلاموفوبيا واحتمال إقرار القانون 21؟    

ليس لي خيار آخر، والسبب بسيط: هل سأعود إلى بلدي اليوم أو غدًا؟ جئت أنا وابني، والآن نحن أربعة أشخاص، أبنائي... ماذا أفعل لهم؟ لقد تحملت صعوبات الهجرة لفترة، ألا يمكنني أن أتحمل مرحلة أخرى فقط ليعيشوا بكرامة؟ أليس هذا أكثر من مجرد شجاعة؟ فالشجاع قد يربح وقد يخسر، أما نحن، ففي كل الأحوال نحمل قضية، نحن نمثّل نوعًا من الاندماج، ونحن بذلك رابحون.

حتى بعض المواطنين، عندما رأوني، قالوا لي: "شكرًا لك، لقد أضفتم شيئًا للصورة". لم تعد الصورة بلون واحد فقط، الآن العرب يسكنون هنا. أنا أعيش في هذا الحي منذ عام 2008، أليس من حقي أن أمثّل ولو جزءًا منهم؟ أنا أعرف الأزقّة، والأسواق، والبلدية، والبرلمانيين، والتجار، ومرافق الحياة. أليس من حقنا أن نساهم في اتخاذ القرارات الداخلية؟ وأن نعرف ما يدور في الكواليس؟

ما أقوم به ليس فقط شجاعة، بل هو رغبة في الاندماج، في أن نُظهر أننا فهمنا مكاننا هنا في كندا. فإما أن نكون من "الدرجة الثانية" وننفذ ما يُملى علينا، أو نقول: "ها نحن هنا"، وسنُؤخذ بعين الاعتبار. سيقولون إن هناك أناسًا آخرين أيضًا، لهم الحق في أن يعيشوا بكرامة. نحن لسنا فقط عمالًا.

كيف يعمل الحزب الديمقراطي الجديد مع سياسة الاسلاموفوبيا؟

من السياسات التي اعتمدها الحزب الديمقراطي الجديد دعمه لغزة ومشاركته في التظاهرات ضد الإسلاموفوبيا. وقبولي كمرشحة ضمن صفوف الحزب هو أحد الأدلة على رفضهم للإسلاموفوبيا. كثيرون دعموا الحزب بسبب توجهه المعتدل.

القانون 21 لا يخلق المشكلة، المشكلة موجودة أصلًا. القانون الآن في المحكمة، وقد نكسب القضية، ولكن حتى لو ربحنا، فالأهم أننا هنا، نشتغل بجد، ونحقق نتائج جيدة. نُظهر وجودًا فاعلًا في العمل السياسي والمجتمعي، من خلال تواصلنا المستمر مع المدارس، والمبادرات التي نطلقها، لأن المبادرة هي ما يصنع الحدث.

وجودنا في هذا الوسط لا يُنقص منّا شيئًا. في المغرب، في وقت من الأوقات، كانت المرأة المحجبة ممنوعة من العمل في البنك أو في المطار. لماذا نقبل بمثل هذه الأمور في بلداننا ونرفض مواجهتها هنا؟ لهذا السبب نحاول أن نكون فاعلين في المجال السياسي.

وليس المجال السياسي فقط، فإذا نجحنا، سنواصل، وإن لم ننجح، فإن مجرد ظهورنا وتقديم صورة إيجابية هو نجاح بحد ذاته. مستقبلاً، يمكن أن نكمل في العمل الخيري والتطوعي. في البداية، كنت أجد صعوبة في التعبير عن كوني متطوعة مع الحزب، وكان الناس لا يعيرونني اهتمامًا. لكن عندما أقول إنني مرشحة، يختلف الموقف؛ يثير الأمر فضولهم، ويسألون: "من تكون هذه؟".

أنا لا أدّعي أنني قادرة على تغيير كل شيء، لكن إذا تمكنت من إيصال رسالتين فقط، فهذا يكفيني شرفًا.

لديكم في الحزب الديمقراطي الجديد موقف صارم من الحرب على غزة، في الوقت الذي لا تزال قطع الأسلحة تُرسل إلى إسرائيل..

هذا غير مقبول، بصراحة، وسيتم التنديد به. أعتقد أن كل المظاهرات التي خرجت كانت تنديدًا بهذا الأمر. وهذا أحد الأسباب التي تجعلنا نقف مع غزة، ونطالب بسماع رأي آخر. غزة ليست مسؤولية شخص أو اثنين... كلنا غزة.

بصدق، ما حدث في غزة هو تهديد لكل الدول العربية، وكانت مأساة كبيرة، خصوصًا للأطفال. هناك محو لهوية كاملة. ولكن حتى لو مُسحت غزة، فلن تُمحى فلسطين أبدًا.

إن موقفنا بشأن غزة ليس موقفًا صارمًا فحسب، بل هو موقف صادق. حتى عندما كنت في المغرب، كان هناك "لجنة القدس" من محبّي القضية الفلسطينية، وحتى صورتي التي أستعملها التقطها لي فلسطيني. فلسطين في القلب، هي ثاني القبلتين. هذا ليس مجرد موقف سياسي، نحن لا نتاجر بغزة، ولا نشتري الأصوات باسمها. الإنسان الحقيقي، من في قلبه ذرة رحمة، أيًا كانت جنسيته أو ديانته، لا يمكن أن يقبل بما يحدث في غزة: القتل، الجوع، التشريد، الإهمال، والمحو... ليس أمرًا سهلًا.

غزة علّمت العالم دروسًا. علّمتنا الانضباط، وعلّمت أن في قلب الألم هناك حياة. أعظم ما تُعلّمه غزة هو أن الحرب تقع في الليل، والحياة تستمر في الصباح. الجنازات ليلًا، وفي الصباح أعراس. يُدفن الشهداء ليلًا، وتولد الحياة في النهار في قاعات الولادة. الحياة لا تتوقف في غزة. الأحمق فقط هو من يظن أن هناك تبادلًا بسيطًا بين الألم والراحة. في الحقيقة، سُنّة الحياة الإلهية هي أن تمر المواقف القاسية مثل غربال، تُنقّي وتكشف من هو الصادق. وما يحدث في غزة اليوم هو امتحان إنساني وأخلاقي للعالم كلّه.

ماذا تقولين للكنديين الذين ينتقدون خروج المظاهرات لوقف الحرب على غزة؟

هذا حقنا في كندا. من حق أي شخص أن لا يشارك في التظاهرات إذا كانت لديه التزامات، ومن حقه أيضًا أن يعترض. لكن أن يمنع الآخرين من التعبير عن رأيهم، فهذا غير مقبول. نحن في بلد الحريات. عبّر عن رأيك، قد لا تتفق في بعض النقاط، هذا طبيعي، ولكن أن ترفض التنديد بما يحصل في غزة؟ هذا موقف لا يُفهم.

كل الأجيال العربية، بمختلف خلفياتها، نددت بما يحدث هناك. من لم يفعل ذلك، فإما أنه معذور، أو أنه قد فقد إنسانيته، وهذا ما لا يمكن قبوله.

غزة ليست مجرد حدث سياسي نتحدث عنه ببساطة، هي أكبر من مقامي بكثير. أنا أخجل أن أتكلم عنها، لأن قيمتها ومعناها أكبر من أن تُختصر بكلمات. نحن بحاجة إلى عشرات الآلاف من الكتب، وعشرات الآلاف من الأشخاص، من أهل الفكر والثقافة والدين، ليصفوا غزة ويعطوها حقها.

ولكن تُوجّه تهمًا بمعاداة السامية لمن يحاول التظاهر، ومؤخرًا ثمة حملات ضد الطلاب الجامعيين بخصوص هذا الموضوع؟ ما موقف الحزب الديمقراطي الجديد من ذلك؟

ليس كل من ينتقد إسرائيل يُعد معاديًا للسامية. انتقاد إسرائيل هو انتقاد لسياساتها اللاإنسانية تُمارس ضد شعب معزول. هذا واجبنا. لا يمكن لأي شخص لديه ذرة إنسانية أن يقبل أن يُباد شعبٌ ليحيا شعبٌ آخر مكانه.

مفهوم معاداة السامية بحاجة إلى مراجعة. هناك العديد من البلدان التي يتعايش فيها المسلمون واليهود بسلام، فلماذا لا نقول إن بينهما قيمًا مشتركة؟ ونفس الشيء في كندا، هناك من يساندون الفلسطينيين لأنهم يتشاركون معهم نفس القيم الإنسانية.

معاداة إسرائيل لا تعني معاداة السامية. نحن لا نعادي ديانة أو طائفة، بل نرفض السياسات العنصرية والإبادة الجماعية. وهذا ما دفع الناس للحديث والاحتجاج. أما أن يُحاكم الإنسان فقط لأنه عبّر عن موقفه، فهذا يُدخلنا في منطقة أخرى تمامًا—حيث لا يوجد رأي ورأي آخر.

كندا بلد منفتح، نعم، ولكن دائمًا هناك حالات استثنائية، وربما لا نعرف كل خلفياتها.

الكنديون يحتاجون للتغيير، ماذا تقولين لهم؟

 نؤمن أن التغيير يبدأ بنقطة... بخطوة واحدة تسبق مئة ألف خطوة، بنقطة في الوادي قبل أن يفيض

التغيير يبدأ من أنفسنا: "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم".

نحن لسنا قطيعًا. عندما هاجرنا، جئنا كأفراد، ولكلٍ منا قصة، تجربة، وطموح. لكننا غالبًا ما نُعامل بعقلية التعميم، وكأننا شيء واحد. الآن، جاء وقت الإيمان بأن لنا مكانًا، ولو بمقعد واحد في القرار.

من هناك تبدأ المرحلة الثانية: مرحلة النمو. لكن البداية هي الإيمان، وهذه أكبر قضية نحتاجها الآن. الأرقام ليست دائمًا المعيار، فكثير من الأحزاب أعطت وعودًا ولم تنفذ شيئًا. أما البعض الآخر، فوعد ووفى، لأن الناس آمنت به.

حزب الـNDP  فكر في التأمين الصحي للناس، رغم أنه ليس الحزب الحاكم. وتم إقرار القانون بالائتلاف مع الليبراليين. هذا يشكل سببًا مقنعًا لدعم NDP والتصويت له. تأمين الأسنان الذي استفاد منه مليون كيبيكي مثلًا هو من المشاريع التي اقترحها NDP، هذا دليل على أن هذا الحزب يحمل هموم المواطن البسيط الذي لا يملك الكثير، لكنه يستحق الكرامة.

وفوق ذلك، لماذا لا نستفيد من الأراضي الفيدرالية؟ أليس من حق الناس أن يمتلكوا منازلًا؟ أرض كيبيك واسعة، سبع مرات أوسع من المغرب مثلًا! ألا يحق لكل شخص أن يحلم ببيت، حتى لو في المناطق الريفية؟

لكن هناك من يحاول حرف النقاش، وتشتيت الانتباه عن الأساسيات، كي نظن أن الأمور الكبيرة تُدار فقط من على السطح. في الحقيقة، هناك الكثير يدور خلف الكواليس، وتتحكم فيه منظومات عالمية واقتصاد دولي.

لقد لاحظتُ مؤخرًا أن هناك خلطًا كبيرًا بين الانتخابات الفيدرالية والانتخابات الإقليمية. كيف لمهاجرين، من بني جلدتنا، لا يعرفون الفرق؟ كيف سيكون لهم رأي سياسي إن لم يعرفوا من يصنع القرار؟ لذلك نحن الآن في مرحلة بناء. نأخذ خطوة بخطوة. وسنكون أول من يفتح الباب لغيره، وسنُحدث التغيير حين يقتنعون بنا، يفهمونا، ويقبلوننا، وحين يرون في اختلافنا قيمة مضافة.

الحزب الديمقراطي الجديد أول من فكر بالتأمين الصحي للمواطنين، والآن هناك أزمة الوصول للأطباء، هل من رؤية مستقبلية لهذه القضية؟

كحزب، نشتغل على تحقيق هدف واضح: أن يكون لكل مواطن طبيب بحلول عام 2030. هذا واحد من أهم بنود البرنامج الذي قدمه الحزب الديمقراطي الجديد (NDP).

الحكومات الليبرالية تأخذ الأموال وتعيد توزيعها على المقاطعات، لكننا نطالب بأن تُمنح لنا الفرصة لتنفيذ برنامج فعلي يحل المشكلة من الجذور.

نحن لا نطلق وعودًا من فراغ، الوعود التي قدمناها سيتم تنفيذها بخطة واضحة، أول خطوة منها هي زيادة التحويلات إلى المقاطعات بنسبة 1% فوق الزيادات الحالية، كنوع من الحافز الحقيقي لتحسين الخدمات الصحية.

ولدينا خطوات عملية:

  • سنسهّل توظيف الأطباء من أميركا، ونعطيهم مجالات تخصص للعمل فيها، حتى في المناطق الريفية والشمالية.
  • سننشئ 1000 وظيفة إقامة إضافية كل سنة للأطباء المدربين في الخارج، وخاصة الذين يعيشون فعلاً في كندا.
  • سنعتمد ترخيصًا وطنيًا لمزاولة الطب، بحيث لا يُطلب من الأطباء الحصول على ترخيص من كل مقاطعة على حدة.
  • سنزيد من عدد الأطباء الذين يتم تدريبهم داخل المجتمعات المحلية، خاصة في الشمال والبوادي.

الهدف واضح وبسيط: بحلول عام 2030، طبيب لكل مواطن.

ماذا يعني لك أن يتم انتخابك؟

أعتبر ذلك تعزيزًا لمسيرتي، وفرصة لخدمة الناس بشكل أقرب وأكثر عقلانية. أطمح إلى العمل مع المنظمات، والبلديات، والمحافظات، حتى تكون قضايا الناس وهمومهم في صلب اهتماماتنا.

هناك من يقصدنا طلبًا للمساعدة، كلاجئين وغيرهم، ويواجهون صعوبات في الحصول على مواعيد أو استجابات لمطالبهم. عندما يكون في مواقع القرار أشخاص يعيشون الواقع عن قرب، تكون لدينا رؤية أوضح، وتصبح النتائج ملموسة، سواء على المدى القريب أو البعيد. بهذه الطريقة، سنتمكن من مساعدة الناس بوسائل فعالة.

نحن نبدأ بخطوة أولى، ولسنا بصدد تغيير معتقدات أحد. حين هاجرت في البداية، لم أظن أنني سأبقى، لكنني الآن أعيش هنا منذ خمس وعشرين سنة، وأطفالي كبروا في هذا البلد. قلت لنفسي: إذا كان قدري أن أموت هنا، فليكن، لكن ما زال هناك شعور بالمسافة بيننا وبين كندا.

لعل اندماجنا في الحياة السياسية هو ما سيعزز انتماءنا ويؤكد لنا أن هذا هو وطننا. يقول الإمام ابن عطاء الله السكندري "مقامك حيث أقامك"، مقامنا حيث أقامنا الله، ولا أحد يعلم في أي أرض يموت، لكن ما دمنا قد وُضعنا هنا، فواجبنا أن نخدم هذا المكان وننتمي إليه بحق.