Sadaonline

معرض للكتاب العربي بمونتريال: مواجهة الذوبان الثقافي واللغوي العربي في كندا وتمسّك الأجيال الجديدة بالجذور العربية

معرض كتاب مونتريال" جمع بين دور نشر ومكتبات عربية ناشطة في كندا


دارين حوماني  ـ مونتريال

في قلب مدينة مونتريال، حيث تتقاطع الثقافات وتتنوع الجاليات، نُظّم معرض لافت للكتاب العربي بعنوان "معرض كتاب مونتريال" يوم الأحد الأول من حزيران/ يونيو 2025، جمع بين دور نشر ومكتبات عربية ناشطة في كندا، في محاولة لتعزيز حضور اللغة العربية في كندا وربط الأجيال الجديدة في كندا باللغة والهوية والثقافة العربية في بيئة تغلب عليها اللغات الأجنبية.

المبادرة جاءت بتنظيم من دار "مسعى للنشر والتوزيع" (كندا- البحرين) بإدارة الشاعر محمد نبهان، وصاحب مكتبة "عربوكش" في أوتاوا الناشط الثقافي محمد عيسى، وبدعم من الجمعية العراقية في مونتريال، حيث عبّرت ممثلة الجمعية الدكتورة إنتصار الناصري عن رؤيتهم لدعم المعرض "دعم المعرض هو دعم للثقافة العربية في مونتريال، دعمنا مهرجانات للغناء وللأناشيد، ولكن افتقدنا إلى الكتاب وإلى الورقة، فالجالية العربية هنا بحاجة لأن نجمعهم من خلال الكتاب".

المعرض لم يكن مجرد منصّة لبيع الكتب، بل مساحة للقاء وتبادل الأفكار بين كتّاب وقرّاء وأهالٍ يسعون للحفاظ على هوية أبنائهم اللغوية والثقافية. تنوعت الإصدارات بين كتب للأطفال والناشئين (بشكل واسع)، روايات، أعمال شعرية، كتب فكرية وتربوية، ومواد توعوية،. فيما يلي مجموعة من اللقاءات التي أُجريت مع عدد من الكتّاب والناشرين، حول دوافعهم، تجاربهم، ورؤاهم لمستقبل الكتاب العربي في كندا.

ومن المشاركين في المعرض "مكتبة حكاية"، "دار نشر نون- مؤسسة ناهد الشوا الثقافية"، "مكتبة تمارا"، "مكتبة الشرق الأوسط"، "مكتبة إيثار"، "مكتبة بازار بوكس"، "مكتبة عربوكش"، ودار مسعى للنشر والتوزيع.  

محمد عيسى: مهمتنا هنا أن تتمسك الأجيال القادمة بالجذور العربية

أوضح محمد عيسى أن "الهدف الذي تطمح إليه دار مسعى ومكتبة عربوكش هو تقوية المشتركات، بين الجالية العربية في كندا. المشترك الذي يجمعنا هو اللغة، وهذه اللغة هي قديمة وراسخة بالجذور. نحن مهمتنا هنا أن تتمسك الأجيال القادمة بهذه الجذور العربية ولا تتركها".  

واعتبر عيسى أن فكرة المعرض انطلقت من ملاحظتهم لحجم الجالية العربية الكبير في مونتريال، مقابل الندرة اللافتة في الفعاليات الثقافية المتخصصة بالكتاب. ورغم وجود العديد من النشاطات الاجتماعية والفنية في أوساط الجالية، فإن المبادرات التي تُعنى بالكتاب العربي تبقى محدودة، وهو ما دفعهم إلى تنظيم المعرض كمحاولة لسد هذا النقص.

وحول الرؤية الثقافية للمبادرة، أشار إلى أن المعرض يسعى ليكون جسرًا بين الحضارات، ويهدف إلى تعريف القارئ العربي في المهجر بالإنتاج الأدبي العربي الصادر من العالم العربي. كما أكد أن أحد الأهداف الأساسية للمعرض هو الترويج للقراءة كأداة لبناء التواصل الثقافي، خاصة لدى الأجيال الجديدة. ولفت إلى أن عددًا من المكتبات والناشرين المشاركين ركّزوا على كتب الأطفال، في محاولة لتعزيز حب القراءة لدى هذا الجيل، ليس فقط كفعل معرفي، بل أيضًا كوسيلة للحفاظ على اللغة العربية في بيئة لا تستخدمها في الحياة اليومية.

أما من حيث التنسيق والمشاركة، فقد تم التواصل مع عدد من المكتبات المحلية التي تبيع الكتب إما عبر الإنترنت أو في مواقع فعلية، وعلى رأسها "مكتبة الشرق الأوسط" في مونتريال. وقد تميز المعرض، وفق المنظّم، بعدد المشاركين وتنوع الكتب المعروضة، فضلًا عن كونه جاء من خارج المدينة، إذ نظّمته جهة من أوتاوا، مما أضفى عليه طابعًا خاصًا. وميّزه عن المعارض العربية الأخرى التي قد تُقام في مونتريال.

وأشار عيسى إلى أن مكتبته، " عربوكش "، تعد أول مكتبة عربية في مقاطعة أونتاريو، وتقع في شارع وودروف بأوتاوا، فيما تُعد مكتبة الشرق الأوسط أول مكتبة عربية في كندا.

وتوقف عند أهمية الكتاب العربي في سياق الاغتراب، معتبرًا إياه محفّزًا أساسيًا للتمسّك بالهوية والانتماء الثقافي، ومشدّدًا على أن اللغة هي القاسم المشترك الأوسع بين العرب، بغض النظر عن بلدانهم الأصلية. وأضاف أن الكتاب يسهم في ترسيخ الوعي الثقافي لدى الأجيال الجديدة، واصفًا إياه بـ"الحجر الأدبي الذي يصقل شخصية الإنسان".

وفيما يتعلق بتفاعل الجمهور، نوّه إلى تجربة سابقة في أوتاوا والتجرية الحالية في مونتريال، حيث تفاجأ القائمون على المعرض بالإقبال الكبير من فئة الشباب، الذين عبّروا عن شوقهم لمثل هذه المبادرات، خاصة في ظل صعوبة الوصول إلى الكتب العربية في كندا، وارتفاع تكاليف الشحن عند الشراء عبر الإنترنت. وأوضح أن تجربة مونتريال تميزت بتوازن في الحضور بين الأجيال، إلى جانب اهتمام واضح بكتب الأطفال.

أما بخصوص اهتمامات القرّاء، فقد لاحظ المنظّم إقبالًا ملحوظًا على الروايات، واهتمامًا خاصًا بكتب الميثولوجيا والتاريخ، إضافة إلى كتب التنمية الذاتية والشعر.

من أبرز التحديات التي واجهها المنظّمون كان الوصول إلى الجالية العربية والتعريف بالمعرض، خاصة أنه يُقام لأول مرة. لذلك وصف محمد عيسى الدورة الحالية بأنها "تأسيسية"، على أن يتحوّل المعرض إلى حدث سنوي في المستقبل، مشيرًا إلى أن تجربة أوتاوا تطورت من قاعة صغيرة إلى معرض يضم أكثر من 16 مشاركًا، وهو ما يتطلعون إلى تحقيقه أيضًا في مونتريال.

التحديات المالية لم تغب عن هذه التجربة، إلا أن دعم "الجمعية العراقية الكندية" ساهم في تخفيف الأعباء، إذ وفّرت القاعة بسعر مخفض، قابلته الجهة المنظمة بتقليل رسوم المشاركة إلى حد رمزي، ما لا يحدث عادة في الفعاليات المشابهة. وأكّد أن الغاية من المعرض ليست ربحية، بل ثقافية بالدرجة الأولى، تهدف إلى خدمة الجالية وربطها بالكتاب العربي.

وحول التحديات التي يفرضها التحوّل الرقمي وانتشار الكتب الإلكترونية، عبّر محمد عيسى عن قناعته بأن الكتاب الورقي ما زال يحتفظ بسحره وخصوصيته، رغم الصعوبات التي يواجهها الناشرون والموزعون، مؤكدًا أن جمهور القرّاء لا يزال يقدّر متعة التصفح الملموسة للكتب.

وعن مشاركة دور النشر، أفاد بأن "دار مسعى" كانت من بين المشاركين و"دار نون"، بينما حالت المسافات الطويلة وكلفة السفر دون مشاركة دور أخرى من مدن كندية مثل لندن وأونتاريو وتورونتو. وأشار إلى أن إحدى دور النشر في مونتريال تواصلت معهم بعد إغلاق باب التسجيل، ما حال دون مشاركتهم هذه الدورة.

وفيما يخص الانفتاح على جمهور غير عربي، أشار عيسى إلى أن هذا المسار مطروح ضمن الخطط المستقبلية، إذ سيتم العمل على إشراك مكتبات متنوعة لجذب جمهور أوسع، بما في ذلك من يفضل القراءة باللغات الأخرى.

وعن الدعم الحكومي، أكّد أن المعرض تم بجهود ذاتية بالكامل، وأن الدعم الحقيقي جاء من الحضور الذي لبّى الدعوة وشارك في الفعالية.

وختم بالإشارة إلى أن الإقبال كان جيدًا جدًا بالنظر إلى كونها الدورة الأولى، معبّرًا عن أمله في أن يتحوّل المعرض إلى تقليد سنوي دائم، بدعم الجالية وتعاونها، لخدمة الثقافة العربية وتعزيز حضورها في كندا.

محمد نبهان- دار "مسعى للنشر والتوزيع": المعرض منصة حيوية للتبادل الثقافي بين صناّع الكتاب والقرّاء

اعتبر محمد نبهان أن هذه المبادرة تأتي في إطار رؤية ثقافية تسعى إلى جمع الناشرين والمكتبات وبائعي الكتب العرب تحت مظلة واحدة، تقدم من خلالها الكتاب العربي للجاليات العربية في كندا، وتوفّر منصة حيوية للتبادل الثقافي بين صناّع الكتاب والقرّاء.

وأوضح محمد نبهان أن هدفهم من تنظيم هذا النوع من الفعاليات لا يقتصر على العرض والبيع، بل يشمل خلق مساحة دائمة للقاء بين الكتّاب والناشرين والمكتبات من جهة، وبين أفراد الجالية العربية من جهة أخرى، بهدف إيصال الكتاب العربي إلى أكبر عدد ممكن من القراء، والتأكيد على أن هناك جمهورًا لا يزال يبحث عن هذا النوع من المحتوى الثقافي، ويستحق أن يُخاطب ويُخدم.

وأكد محمد نبهان أن التجربة أثبتت وجود جيل جديد مهتم بالكتاب العربي، يقرأ ويبحث ويحرص على اقتناء الكتب رغم كل التحديات، بل ويعبّر عن فرحه وفخره بوجود هذه المبادرات. وأشار إلى أن الاعتقاد السائد لدى بعض الأجيال السابقة بأن الشباب لم يعودوا يقرؤون أو لا يهتمون بالثقافة العربية هو اعتقاد خاطئ، إذ تبيّن أن كثيرًا من الشباب في كندا لديهم تمسّك حقيقي بالهوية الثقافية واللغوية العربية، حتى وإن لم تكن العربية لغتهم الأولى. وجود الكتاب أمامهم يكفي أحيانًا لبث مشاعر الاعتزاز والانتماء.

وعن مستقبل الكتاب الورقي في ظل الرقمنة والانتشار الواسع للكتب الإلكترونية، رأى نبهان أن هذا السؤال قد طُرح قبل عشرين أو ثلاثين سنة، ولا يزال الكتاب الورقي قائمًا ومطلوبًا، مما يدل على أن مكانته الثقافية لم تتزحزح. وأضاف أن التجربة أثبتت أن القارئ لا يزال يتوق إلى لمس الكتاب وتصفحه واقتنائه كجسم مادي.

ورغم الطموح الكبير، لم يخلُ تنظيم المعرض من تحديات كثيرة. إذ أشار نبهان إلى أن العمل الثقافي في بيئة بعيدة عن العالم العربي يواجه صعوبات خاصة، أبرزها عملية الترويج والتسويق والنشر للفعاليات الثقافية والوصول إلى الجاليات.

وأوضح أن هناك تحديات لوجستية تتعلق بالشحن وتوفير الكتب، وتحديات مادية وتنظيمية متعددة. لكن ورغم ذلك، فإن الإيمان بضرورة هذا العمل يدفع الفريق إلى البحث عن حلول دائمة، مؤكدًا أن مواجهة المشكلة لا تعني الاستسلام لها، بل تحفّز على الإبداع في إيجاد المخارج والبدائل.

كما أكد أن "مسعى" تنوي تنظيم معارض أخرى مستقبلًا في مدن كندية متعددة، ضمن مشروع ثقافي متكامل يطمح إلى ترسيخ حضور الكتاب العربي في كندا، وتعزيز علاقة الجالية العربية بلغتهم وثقافتهم.

كارولين عيد- مكتبة "الشرق الأوسط": القارئ العربي في كندا لا يزال وفيًّا للكتاب الورقي

من بين الجهات المشاركة في معرض الكتاب العربي في مونتريال، حضرت مكتبة "الشرق الأوسط"، وبالنسبة لكارولين عيد لم يكن الحضور في هذا المعرض مجرّد نشاط تجاري، بل فعل إيمان عميق بأهمية إيصال الكتاب العربي إلى أيدي القرّاء في كندا، خصوصًا الأطفال وأبناء الجيل الجديد.

تقول عيد: "نحب أن نشارك في كل فعالية ثقافية نستطيع الوصول إليها، ونفرح عندما نرى الأهالي يقبلون على شراء الكتب لتعليم أولادهم اللغة العربية، رغم التحديات التي يفرضها العيش في بلد مختلف تمامًا" وتضيف: "أعرف هذه الصعوبة عن قرب، من خلال تجربتي مع أطفالي، ولهذا يسعدني كثيرًا أن أرى إصرار العائلات على التمسك بلغتنا."

وتشير إلى أن فئة الشباب تحديدًا بدت الأكثر حضورًا واهتمامًا، لا سيما في الفئة العمرية الممتدة بين 16 إلى 30 عامًا، والذين أبدوا شغفًا كبيرًا بكتب التنمية البشرية والروايات الجديدة. غير أن هذا لم يلغِ الحضور المستمر للأعمال الكلاسيكية، إذ تقول إن أعمال نجيب محفوظ، وجبران خليل جبران، وميخائيل نعيمة، وغسان كنفاني، ومحمود درويش، لا تزال مطلوبة، "كأنها لا تموت أبدًا، وهي لا تنقطع من المكتبة."

ورغم نجاح المشاركة، عبّرت صاحبة المكتبة عن أمنيتها بأن يتضمّن المعرض فعاليات ثقافية مرافقة، كالمحاضرات أو حلقات النقاش، إلا أنها قدّرت كونه أول معرض من هذا النوع تنظمه "عربوكش" و"مسعى للثقافة" في مونتريال، وعلى مدى يوم واحد فقط، ما قد يفسّر غياب الأنشطة المصاحبة.

وعن تجربتها الشخصية مع ملكية المكتبة، أوضحت أنها اشترت "مكتبة الشرق الأوسط" منذ نحو عامين، ولم تندم على القرار، بل على العكس، شعرت مع مرور الوقت بأنها اتخذت القرار الصائب. وقالت: "ربما كنت سأندم لو لم أخطُ هذه الخطوة."

وأوضحت أنها بدأت عملها في السابق في مجال الترجمة داخل المكتبة، قبل أن تنتقل للتعامل المباشر مع الكتب، وتكتشف عن كثب شغف القراء وانتظارهم الطويل لوصول الإصدارات الجديدة. وأشارت إلى أن بعض الزبائن ينتظرون شهرين أو ثلاثة من أجل شحنة معينة، رغم أن بوسعهم تحميل بعض الكتب إلكترونيًا، "لكنهم يفضّلون أن يقرأوا الكتاب ورقيًا، بين أيديهم، ويشعرون بقيمته. وهذا الصبر، وهذا التعلّق بالكتاب، هو ما يمنح المكتبات دعمًا معنويًا كبيرًا."

واختتمت حديثها بالتأكيد على أن تجربة الكتاب الورقي، حتى في عصر الرقمنة، لا تزال تحتفظ بسحرها، وأن الإقبال الذي شهدته في المعرض يعيد لها الأمل دائمًا بأن للمكتبة العربية مستقبلًا حيًّا في كندا.

وأشارت كارولين عيد إلى أن "مكتبة الشرق الأوسط" ستنتقل إلى عنوان آخر ضمن نطاق الحي نفسه في وقت قريب، ويُعلن عن ذلك لاحقًا. 

ناهد الشوا- كتب نون : مؤسسة ناهد الشوا الثقافية:

الهدف هو بناء مواطن عالمي، مبتكر، يدافع عن الحق ويفكر خارج الصندوق

من بين الدور المشاركة في معرض الكتاب العربي بمونتريال، برزت "كتب نون" التابعة لمؤسسة ناهد الشوا الثقافية، بمجموعتها النوعية والمميزة من كتب الأطفال واليافعين. وعلى خلاف ما قد يُتوقع من دار تُعنى بالأدب الطفولي، تؤكد الكاتبة ناهد الشوا أن مشروعها يتجاوز مجرد النشر إلى بناء فكر إنساني حرّ ومبدع، ينهل من الثقافة العربية، وينفتح على العالم في آن.

تقول الشوا: "نحن لا نقدّم كتابًا عاديًا للأطفال، بل نصدر أعمالًا نوعية توازي بين الجمال الفني والعمق الفكري. كتبنا تحمل رسائل قوية عن الكرامة، ورفض الظلم، وتقدير الذات، والتفكير النقدي، وتحقيق الأحلام. نؤمن أن الطفل يستحق أدبًا حقيقيًا، لا وعظًا سطحيًا ولا نصوصًا تستخف بذكائه."

انطلقت "كتب نون" من مونتريال، لكنها اليوم موزعة في بلدان مثل أستراليا، البرازيل، السويد، فرنسا، والشرق الأوسط. "الهدف هو بناء إنسان ومواطن عالمي، متوازن عاطفيًا، مبتكر، يدافع عن الحق ويفكر خارج الصندوق" تقول الشوا، مضيفة أن دارها تهدف إلى "إغناء المكتبة العربية بمحتوى عربي أصيل وجميل، يُكتب ويُصمّم بعناية، ويمنح الطفل جرعة جمالية وروحية وثقافية في آن."

في زمن تحوّلت فيه الثقافة إلى سلعة ثانوية على مائدة المهاجر، ترى الشوا أن الكتاب العربي بات يعاني من ضعف الإقبال، ليس لقلة الاهتمام، بل بسبب الضغوط الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها الأهل. "الثقافة ليست الطبق الرئيسي على صحن المهاجر في كندا، للأسف. كثير من العائلات لا تزال عالقة في قاعدة هرم ماسلو، تحاول أن تؤمن الطعام والسكن قبل أن تلتفت إلى الثقافة"، تقول بأسف، لكنها لا تخفي إيمانها بأن هذا يمكن تغييره عبر المثابرة.

ورغم دعوات متعددة وجّهت إليها لإنتاج كتب بلغات أجنبية، اختارت الشوا أن تصرّ على العربية كلغة أساسية في النشر. تقول: "نُطلب كثيرًا لنترجم كتبنا إلى الإنكليزية أو الفرنسية، لكننا نرى أن السوق مليئة أصلًا بمحتوى أجنبي. لقد حان الوقت لنكون نحن المصدر، لا مجرد مستهلكين."

وتضيف أن مؤسستها تعمل أيضًا على ترسيخ الهوية الثقافية العربية لدى الأطفال، عبر إحياء شخصيات وأسماء من التراث، كحاتم الطائي وعنترة بن شداد، ممن لم يعد كثير من الأطفال يعرفون عنهم شيئًا. "لا يمكن بناء مستقبل دون ماضٍ. لا يكفي أن نعيش في كندا ونتأقلم، بل يجب أن نعرف من نحن."

وفيما يشبه المناشدة الصادقة، توجّه الشوا حديثها إلى الأهل: "الحد الأدنى من الواجب هو أن تتحدث مع ابنك بالعربية. أرسل له رسالة نصية بالعربية. اقرأ له قصة بالعربية. فالأطفال لا ينسون لغتهم فقط لأنهم لا يريدون، بل لأن الأهل لا يمنحونهم هذه المساحة."

وعن بداياتها، تقول ناهد الشوا إنها بدأت مسيرتها ككاتبة بأمنية بسيطة: إصدار مئة كتاب في حياتها. وقد أنجزت ذلك، ولكنها لم تتوقف، بل وسّعت الهدف إلى ألف كتاب. وتتابع اليوم مشروعها بنشاط داخل كندا وخارجها، بمشاركات في معارض عربية ودولية.

تختم الشوا بالحديث عن موقع "كتب نون" الإلكتروني: "نوفر كتبنا على موقعنا  noonbooks.com  ولدينا أيضًا كتب صوتية مجانية، منها كتاب نال جائزة من الشارقة مؤخرًا بعنوان "البقرات العزيزات"، وهو متاح مجانًا لكل من يحب أن يستمع إليه. نحن فخورون بما ننجزه، ونطمح إلى أن نكون نقطة ضوء حقيقية في حياة الأطفال العرب."

هناء الرملي: كتاب "المجد للقراءة، المجد للقرّاء" هو دعوةٌ لتغيير النظرة إلى أدب الطفل

وقّعت الكاتبة هناء الرملي كتابها "المجد للقراءة، المجد للقرّاء" في المعرض، وتحدثت عن كتابها الجديد بوصفه كتابًا نابعًا من تجربة شخصية عميقة، ومن شغف طويل بالقراءة والعمل على نشرها في المجتمع. تقول: "الكتاب خرج من قلبي ووجداني، لأنه ثمرة تجربتين: الأولى كأم لأربعة أطفال نجحت في جعل القراءة عادة محببة في حياتهم، والثانية من خلال عملي المجتمعي، خاصة بعد تأسيسي لجمعية 'كتابي كتابك' في الأردن عام 2009، والتي أسست مكتبات عامة في المناطق الفقيرة ومخيمات اللاجئين وجمعيات الأيتام".

تشير الرملي إلى أنها طوّرت عبر هذه التجربة العديد من البرامج والأنشطة التي تشجع الأطفال على القراءة من خلال اللعب، المسابقات، الدمى، الدراما، والنقاشات. وتضيف: "كنت دائمًا أبحث عن وسائل مبتكرة لتحفيز الأطفال، وشعرت بأن لدي الكثير مما يمكن أن أقدمه، خاصة في ظل تغير الزمن واحتياجات الجيل الجديد".

الكتاب، كما توضّح، لا يقتصر على أساليب تشجيع القراءة، بل يتناول كيف يمكن للقراءة أن تكون وسيلة لتنمية مهارات الطفل: الذكاء، البحث، التحليل، التفكير النقدي، والثقة بالنفس. وتقول: "القراءة يمكن أن تكون ممتعة مثل اللعب، وتساعد الطفل على اكتشاف ميوله واهتماماته، بل وحتى تخصصه المستقبلي. هذا ما فعلته مع أطفالي، وكل واحد منهم عرف مبكرًا ماذا يريد أن يدرس، ونجح في اختياره".

ومن أبرز محاور الكتاب فصل خاص عن "أدب الطفل العلاجي والوقائي"، وهو نوع من الأدب يركز على الأطفال الذين تعرضوا لصدمات مثل الحروب، الفقر، الإعاقة أو اللجوء. تقول الرملي: "لا أحد كتب في المكتبة العربية عن الأدب العلاجي بشكل متخصص، وأردت أن أفتح هذا الباب. هذا الأدب ليس فقط لمن يعانون من مشاكل نفسية، بل يمكن أن يكون وسيلة وقائية أيضًا".

وترفض الرملي فكرة أن يكون أدب الطفل مجرد تسلية، وتوضح: "أشارك في مؤتمرات مع كتاب ودور نشر، وأسمع كثيرًا أن قصص الأطفال هدفها تسلية الأطفال فقط، لكنني أؤمن أن الكتاب يمكن أن يكون ممتعًا ومحفزًا ومؤثرًا في الوقت ذاته. بعض النصائح والأفكار ".

حتى الآن، صدر للرملي 11 كتابًا تنوعت بين قصص للناشئين، كتب للكبار، رواية، مجموعات شعرية، ومسرحيات توعوية عن الجرائم الإلكترونية. وتوضح أنها تدمج التوعية بالقصص، وتستهدف فئة اليافعين بأساليب درامية تربطهم بالواقع. 

ورغم صعوبات النشر والتسويق في كندا، خاصة لكتب الناشئة باللغة العربية، ترى الرملي أن هناك اهتمامًا متزايدًا، وتقول: "ألاحظ رغبة من الأهالي في تعريف أطفالهم على أدب بيئتنا، لكن هناك تحديات. نحن بحاجة إلى جهة رسمية ترعى الإنتاج الأدبي العربي في كندا".

 وتقول إن كتبها تهدف إلى تقديم بعض النصائح والأفكار للناس، و"أنا واثقة أن هناك نصائح غائبة، إما لم تخطر في بالهم، أو أنهم يجهلون مدى أهميتها".

في حديثها عن أهمية توجيه الطلاب لاختيار تخصصاتهم الجامعية، أكدت الكاتبة هناء رملي أن الكثير من النصائح المهمة تغيب عن أذهان الشباب في هذه المرحلة المفصلية. وأشارت إلى أن من أكثر الأخطاء شيوعًا هو تنقّل الطلاب بين التخصصات بسبب غياب الوعي الذاتي الحقيقي. "لو وُجّهوا بالطريقة التي أشرحها -من خلال تحليل اختياراتهم للكتب- لكان بالإمكان اكتشاف ميولهم بدقة أكبر"، تقول رملي. وتؤمن الكاتبة بأن قراءة فصل أو حتى فقرة واحدة من كتاب قد تكون كفيلة بتغيير حياة إنسان، "أذكر مقاطع من كتب غيّرت لي حياتي".

وتختم بالقول: "أؤمن أن جملة واحدة قد تغيّر حياة إنسان. لذلك أحرص أن تكون كتبي مليئة بعبارات مؤثرة يمكن أن توقظ شيئًا جميلًا في داخل كل طفل".

 

معرض الصور