Sadaonline

في اليوم التالي، ماذا سيفعل حزب الله؟

هي ملحمة يكتبها ابناء شعبنا من اشجع الشباب بارواحهم دفاعا عن الارض والبيوت والناس والحرية والكرامة


د. طنوس شلهوب ـ مونتريال

عادة تنتهي المعارك العسكرية بهدنة او صفقة او اتفاق عندما لا يتمكن اي من الطرفين من إلحاق هزيمة حاسمة بالخصم. في العام الفين اضطر العدو المحتل للانسحاب من الاراضي اللبنانية المحتلة من دون اي اتفاق مع لبنان بما يمثل اقراراً ضمنياً بالهزيمة تحت مظلة تطبيق القرار ٤٢٥، والذي ماطل لسنوات ممتنعاً عن تطبيقه معتقداً بانه يمكنه البقاء في اراضينا من دون دفع اثمان. لم يكن خروج الصهاينة في ذلك الوقت الا تجسيداً لموازين قوى شكلت المقاومة فيها حالة نوعية في الصراع مع المشروع الصهيوني. إن التضحيات التي قدمتها المقاومة بكافة روافدها (الشيوعية والقومية والدينية) منذ المواجهات عند مثلث خلدة، مروراً بحصار بيروت، والتحرير المتتالي للأراضي اللبنانية بدءاً من العاصمة كانت كبيرة وكبيرة جداً. قُدم التحرير انذاك وكأنه من صنع كل اللبنانيين، مع ان قسماً من القوى السياسية كان شريكاً للاحتلال في عدوانه ومحاصرته لبيروت واحتلاله لقسم من اراضينا. هزيمة المحتل على يد المقاومة المدعومة من سوريا ولاحقا من ايران، عنت هزيمة المشروع السياسي (الكتائبي) المرتبط بالصهاينة. صحيح ان هذه الهزيمة تُرجمت على صعيد تركيبة السلطة ولكنها لم تخرق عمق النظام السياسي الطائفي بما يجعل لمشروع المقاومة امتداده في بنية النظام، مع ما كان يفترض ذلك من تكييف الاقتصاد والسياسة والدولة عموماً بكل عناصرها الفوقية لتكون دولة مقاومة. وعوائق هذه التحولات عديدة ابرزها خارجي كان محكوماً بأداء سلطة الوصاية السورية، وداخلي تمثل باعادة تجديد نظام الكومبرادور الطائفي عبر مشروع الحريرية السياسية، وبانتقال حزب الله لاحقاً للمشاركة في سلطة تحالف رأس المال مع المؤسسات الطائفية وباقي القوى الطائفية بصفته ممثلاً لقسم من الطائفة الشيعية.

إن الاصطفافات الداخلية عشية عدوان ٢٠٠٦ واحتدام التناقضات الداخلية خلال المواجهات مع العدو الصهيوني اظهرت ان اعداء المقاومة (وحلفاء الغرب الامبريالي والصهاينة) في الداخل هم قوى سياسية متنوعة طائفياً، وتستند في عدائها للمقاومة الى اعتبارات عديدة، منها من هو حليف للاميركيين (وضمناً للصهاينة)، او حليف للرجعية الخليجية، او للأثنين معاً، وترتبط مصالحهم كممثلين للطغمة المالية بالغرب. وتبين خلال تلك المواجهة ان قسماً من اعداء المقاومة هم بالاساس من حلفاء الصهاينة مثل القوات وبعض افرقاء ١٤ اذار، بينما القسم الاخر لم يكن معادياً (بالعكس كان يعلن عن التزامه بمشروع المقاومة) اثناء ادارة السوريين للملف اللبناني.
إن هزيمة الصهاينة في العام ٢٠٠٦، وعجزهم عن تحقيق اهدافهم السياسية المتمثلة باقتلاع المقاومة، عزز في المجتمع اللبناني اتجاهين:
الاول: تمثل بمزيد من الالتفاف حول حزب الله من قبل ابناء الطائفة الشيعية، وظهر ذلك في حجم التأييد الشعبي في الانتخابات لمرشحي الحزب حيث احتل الموقع الاول لناحية الاصوات التفضيلية.
الثاني: تحفيز عمل مراكز الغرب الامبريالي، خصوصاً الأمريكيين، بالتنسيق مع الخليجيين في تشكيل منظومة متكاملة، سياسية، اعلامية، مخابرتية، امنية ونفسية لمواجهة المقاومة ومحاصرتها وتحضير الارضية لالحاق الهزيمة الحاسمة بها عند اول فرصة.

ومع اشتعال الحرب الاهلية في سوريا برز التشقق العميق في المجتمع اللبناني، لان مشروع قوى الغرب الامبريالي وحلفاءها الخليجيين كان يستهدف اعادة تشكيل المنطقة ولكن عبر سوريا هذه المرة، بعدما فشلت هذه المحاولة عبر اسقاط المقاومة في لبنان خلال عدوان ٢٠٠٦.
وبالرغم من التضحيات التي قدمها مقاومو حزب الله في مساهمتهم في منع تقسيم سوريا وفي التصدي للتكفيريين، الذين لو نجحوا في مشروعهم لحولوا لبنان الى بركة دم، فان الحملة على حزب الله لم تتوقف من قبل فريق اعداء المقاومة.

ان استجابة حزب الله السريعة لدعم الشعب الفلسطيني  تنفيذاً لشعار لن نترك فلسطين، واطلاقه لمعركة اسناد غزة في اليوم التالي لطوفان الأقصى، مثَّل تجسيداً لادراكه لوحدة المعركة مع عدو لا تقتصر اطماعه في الارض والثروات، انما تتعداها ليمارس هيمنته على صعيد الدور والوظيفة، وهذا ما صرح به ويعلنه قادة الكيان. وبالمعنى الاخلاقي فان انخراط المقاومة في العمل العسكري اسناداً للشعب الفلسطيني جسد انبل القيم الانسانية في دعم نضال شعب شقيق يتعرض للابادة والالغاء من قبل مشروع موغل في التوحش والاجرام والقتل.
وبالرغم من الضربات المؤلمة المتتالية التي تلقتها المقاومة، الا ان المقاومين في الجنوب، وعلى غرار مقاومي فلسطين، اظهروا مستوى مذهلا من البسالة والبطولة والتضحية، وبالتأكيد، فانه عند عودة المهجرين قسراً الى مدنهم وبلداتهم وقراهم، سيجدون ان الارض التي روتها الدماء الغزيرة قد أزهرت وروداً حمراء، وان نسيم الحرية تتماوج معه صور المئات من الشهداء الذين انغرست ارجلهم في التراب وعانقت رؤوسهم السماء، وفي مقدمتهم السيد حسن نصر الله. هي ملحمة يكتبها ابناء شعبنا من اشجع الشباب بارواحهم دفاعا عن الارض والبيوت والناس والحرية والكرامة.

عندما يبدأ سريان وقف النار سيكون يوم أخر.
الاسرائيليون بدعم من الاميركيين والغربيين سيحاولون التحايل وعدم  تتنفيذ التزاماتهم، وسيستمرون في اعتداءاتهم على سوريا، وربما على المناطق الحدودية مع لبنان، وقد يوسعون نشاطهم نحو العراق. 
اعداء المقاومة في الداخل سيزيدون من صراخهم، والحملة على حزب الله ستزداد وتائرها، فحجم الدمار كبير جداً، ويجري منذ الان تحميل المقاومة المسؤولية، وسينفق الاميركيون والخليجيون المزيد من الاموال لشراء كل شيء قابل للارتزاق ليكون في ماكينة الهجوم على المقاومة.

الاهم، ماذا سيفعل حزب الله؟
هل سيعيد تجربة ما بعد عدوان ٢٠٠٦ ويتشارك السلطة مع اعداء المقاومة بذريعة المشاركة كأحد ممثلي الطائفة الشيعية، او ان تغييرات عميقة سيدخلها على سياسته الداخلية حتى لو خرج من الحكومة على ان يتبنى مشروعاً اقتصادياً اجتماعياً موازياً لمشروعه المقاوم، عنوانه الدفاع عن مصالح المنهوبين والكادحين والمستغَلين من قبل الطغمة المالية، يتناول صياغة برنامج يتصدى لسياسات الصحة والعمل والاسكان والزراعة والصناعة والتنمية والخ، ويتحالف مع كل المقاومين المخلصين اصحاب المصلحة في بناء وطن وليس البقاء في مزرعة طائفية.
 
كم سيكون محزناً اذا ذهبت دماء المقاومين سدى في زواريب النظام الطائفي.
الكلمات الدالة