Sadaonline

مُدَّعون على الحكومة الكندية: قدَّمنا دعوى تاريخية استنكاراً لإبادة أهل غزة (القسم الثاني)

المحامي شاين مارتينيز

 

ما يفرضه ميثاق مناهضة الإبادة وشرعة الحقوق والحريات

مارتينيز أضاف أن ميثاق مناهضة الإبادة أساسي بالنسبة للقانون الدولي العرفي، لذا فالقانون الكندي العام يتبناه تلقائياً لمواجهة الشنيعةِ المتمثلة بإبادة الشعوب، فتنص المادة الثالثة من الميثاق على واجب منعِ الإبادة، وتفرض واجباً قانونياً على الدول يتمثل بالتحرك وفقاً لقدرتها واتخاذ كل الإجراءات الممكنة لمنع الإبادة عندَ احتمالِ حدوثها. هذا الواجب تفوق أهميته أهميةَ أي معاهدة متضاربة معه أو أي قانون محلي، وعليه فهو يُبرِز إقرار المجتمع الدولي بوجوب منعِ أكبر الجرائم، أي الإبادة.

وكندا كونها مشاركة في ميثاق مناهضة الإبادة، فهي مُلزَمة قانونياً بالقيام بكل ما يمكنها لإيقاف العدوان على غزة.. وبالرغم من أن كندا لم تنجح في إيقاف الإبادة الجماعية في كل الحالات من قبل، فسِجلّها حافل بالسعي لذلك عبر اتخاذ الإجراءات اللازمة لمواجهة الجُناة وتقديم الدعم الوازن للضحايا.

لكن كندا لم تتحرك منذ العام الماضي لاتخاذ الإجراءات اللازمة للتأثير دبلوماسياً أو اقتصادياً أو عسكرياً على إسرائيل.. والأسوأ أنها سهَّلت صادرات الأسلحة بمستويات قياسية، وتعاونت عسكرياً مع إسرائيل، وسمحت لمجموعات معينة بتجنيد المتطوعين للجيش الإسرائيلي، وفشلت في إيقاف المنظمات المصنَّفة خيريةً عن تمويلِ عمليات وزارة الدفاع الإسرائيلية.

وبالنسبة لشرعة الحقوق فهي جزء من الدستورالكندي، وهي موضوعة لحماية حقوق المدنيين الكنديين، مثل الحق في الحياة والحرية والأمن..

مارتينيز تحدث عن مفعول عدد من المواد من الشرعة المذكورة، منها المادة الخامسة عشرة، التي تنص على تساوي الجميع بنظر القانون وحقهم في الحماية والاستفادة من القانون بدون تمييز. وهي إحدى المواد التي استند إليها المدَّعون في دعواهم، وقد أشاروا إلى أن كندا لم تتخذ كل الإجراءات التي تستطيع اتخاذها لمنعِ إسرائيل من إبادة أهل غزة، وتعاملت مع البطنيجي وجرادة بعنصرية كونَها لم توفِّر لهما المجالَ للاستفادة فعلياً من برامج الهجرة والإخلاء التي توفرها للكنديين. ويرجع تصرف كندا – كلياً أو جزئياً – مع البطنيجي وجرادة إلى عرقِهما، أو دينهما، أو أصلهما كونهما فلسطينيَّين مسلمَين.

بناءً على ما ورد، تقدَّم "ائتلاف مساءلة كندا عمّا يجري في غزة" (The Coalition for Canadian Accountability in Gaza) بدعواه، مطالِباً "محكمة أنتاريو العُليا" بالإقرار بأن كندا تخلَّفت عن واجباتها وتعدَّت على حقوق البطنيجي وجرادة.

 

البطنيجي: شاهدٌ على ما فُقِد ولا يُعوَّض

بدوره، قال البطنيجي إنه في تشرين الثاني من العام الماضي أيضاً تحدث في مؤتمر صحافي في "Parliament Hill" عن صدمته واضطرابه مما يجري على أهل غزة، مطالِباً الحكومة الكندية بالتحرك، ومتحدثاً عن ألمه كونَ الحكومة استخفت بمطالبه وتابعت أعمالها كالمُعتاد مع إسرائيل، داعمةً إياها ومُسهِّلةً القتل والتدمير في غزة... وأضاف: كدت أُقتَل وأنا أحاول الهرب من غزة. لم ترسل الحكومة طائرة عسكرية لإخراجي من المكان كما فعلت مع أكثر من ألف من الإسرائيليين الكنديين والمواطنين الدائمين. ولم تساعدني إطلاقاً كي أصل إلى معبر رفح، بل تركتني أشقّ طريقي بنفسي تحت القصف، ووسط الركام والجثث.. نجوت من الموت، شاهداً على ما فُقِد ولا يمكن تعويضه أبداً.

 

تناقضُ أقوال ترودو وجولي مع أقوال ألبانيز

تخلَّفت وسائل الإعلام الكندية الكبرى عن المؤتمر ولم تحضره سوى صحافية واحدة لم يُذكَر اسمُها، طارحةً سؤالاً بشأن التناقض بين حديث فرانشيسكا ألبانيز، المقررة الأممية الخاصة المعنية بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية، عن مخالفةِ كندا القانون الدولي وزعمِ وزيرة الخارجية ميلاني جولي أن كندا التزمت بتوصيات ألبانيز كلياً.

لاسكارِس أجاب القول أنه كان يود أن يسمع جولي وهي تشرح بالضبط ما تفعله كندا للوفاء بواجباتها، مشيراً إلى أن ملاحظات المقررة الأممية الجريئة في محلها، ومذكراً بما قاله في افتتاح كلمته بالنسبة لاستمرار كندا بإرسال المعدات العسكرية إلى إسرائيل، حتى شراءِ كندا المعدات العسكرية من إسرائيل وبالتالي إغناء شركات السلاح المتورطة في قتلِ أهل غزة.. وأضاف لاسكارس أن نائب رئيس الحكومة كرستيا فريلاند كانت قد هددت الكنديين بالملاحقة القضائية إن انخرطوا في صفوف الجيش الروسي عند اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا، ولكن فريلاند لم تهدد الكنديين بالملاحقة إن انخرطوا في صفوف الجيش الإسرائيلين، وهي تغض النظر عن مشاركتهم في الجرائم الإسرائيلية الحربية اليومية..

 

ماذا تستطيع كندا فعله في ضوء الانتخابات الأميركية؟

أجاب على هذا السؤال مارتينيز، قائلاً إن الرئيسَ المنتخَب أياً كان لن يغيّر شيئاً مما يحدث في فلسطين، فنحن نعلم أن نائب الرئيس كامالا هاريس متورطة في شحن كل الأسلحة التي استخدمتها إسرائيل لتدمير غزة وإحباط أهلها. ونعلم أن الرئيس المنتخَب حديثاً، أي ترامب، مصمم على دعم إسرائيل ما أمكنه ليكمل مَهمتها التدميرية. وعليه، أعتقد أن هذا نداء عالٍ للناس كي يستمروا في التحرك والاحتجاج على الحكومة الكندية، التي عليها أيضاً أن تناهض ما تفعله إسرائيل والولايات المتحدة، فالأخيرة هي أُولى الدول التي تزود إسرائيل بالسلاح..

 

هل يمكن التحرك في عهد ترودو؟

رداً على هذا السؤال، قال مارتينيز إن هذا ما ينبغي أن يحدث، وإن الحكومة الحالية لا تفي بالغرض كونها متورطة في ما يجري، خلافاً لسياسة وكالة العائدات الكندية" (CRA) والقانون المانع للكنديين من التجند لدى الأجانب (Foreign Enlistment Act)، وخلافاً لمعايير معاهدة تجارة الأسلحة (The Arms Trade Treaty)، وأضاف مارتينيز أن على الناس أن يواجهوا الحكومة بأنفسهم..

 

تأثير التحشيد الشعبي

عن سؤال بشأن إمكانية تأثير التحشيد الشعبي على عقلية الناس، قال لاسكارس إننا في هذه المرحلة لا بد من أن نستخدم كل وسيلة بِيَد المجتمع المدني، كالمظاهرات العارمة، واللجوء إلى العصيان المدني حين اللزوم والإمكان، وتقديم العرائض إلى المجلس النيابي، ولفت الأنظار إلى تورُّط كندا في الإبادة، ومقاطعة الشركات المتورطة في الإبادة، والتحرك قانونياً. وذكر لاسكارس أن هذه الدعوة ليست وحيدة، فقد قُدِّمَت دعوى أخرى في كندا اعتراضاً على نقل الأسلحة إلى إسرائيل، والدعوى بانتظار نظر القضاء فيها، كما احتمل لاسكارس تقديم دعاوى أخرى في المستقبل.

 

هل ستنجح الدعوى؟

رداً على السؤال الأخير بشأنِ احتمالِ نجاحِ الدعوى، قال لاسكارس: إن توصلنا للنتيجة المطلوبة في هذه الحالة، أي إقرار المحكمة بأن كندا خالفت التزاماتها بموجب المادة الأولى من "مؤتمر مناهضة الإبادة"، فهذه ستكون وصمة سوداء قاحلة على سجل الحكومة الكندية، ما سيضغط عليها للتحرك بزعامة أي كان. كما ستُصبِح أساساً قانونياً يُبنَى عليه المزيد من التحركات المطالِبة بقرارات أكثر تأثيراً، مثل الإنذارات القضائية، أو التعويضات المالية. كما أشار لاسكارس إلى تحرك محامين آخرين في هولندا والولايات المتحدة في الإطار نفسه..     

 

كلمتان موجزتان من المحاميَين بهابهة وحميد

لاسكارس أشار في شريط مسجّل عبر قناته على منصة "يوتيوب" إلى الدور المهم الذي قام به المحامون الآخرون المشاركون في الدعوى، وعرضَ كلمةً موجزة سجّلها فيصل بهابهة في أوتَوا، المحامي والأستاذ المساعد في مادة القانون في كلية " Osgood Hall Law School" القانونية، فأكد مضمونَ كلام زميليه لاسكارِس ومارتينيز وتحدّث عن امتلاك المحامين معلومات من مصادرَ موثوقة مثل "محكمة العدل الدولية" التي حذّرت مما يجري في غزة.. وقد أكد بهابهة باختصار.

ياور حميد المحامي المنضم إلى "ائتلاف مساءلة كندا عن غزة" (The Coalition for Canadian accountability in Gaza) قال في كلمة موجزة مسجّلة أيضاً في أوتَوا إنه وزملاءَه يعملون على واحدة من أهم قضايا حقوق الإنسان المحلية والدولية في عصرنا، مذكراً بتواجده في مؤتمر العام الماضي مع البطنيجي وجرادة لتوجيه تحذير رسمي لِلحكومة الكندية من المشاركة في الإبادة.. وأضاف حميد أن المقاومةَ من خلال المحرك القانوني ضروريةٌ، وهذا ما يعمل عليه الائتلافُ..

أما المحامون الآخرون المعنيون بالدعوى فهُم المحامي الجنائي عساف راشد (من هاليفاكس)، ، والمحامي المختص بشؤون الهجرة جُمانْ الأسمر (من إدمنتن)، وأستاذ مادة القانون والبروفسور الفلسطيني التشيلي إميليو دابِد.

لاسكارس أثنى على عمل فريق المحامين، مضيفاً: آمل أن تفهم الحكومة الكندية في نهاية المطاف أن المواطنين الواعين سيتخذون كل الإجراءات القانونية لإنهاء إبادة أهل غزة ولمساءلة المتورطين كما يجب. هذه دعوى قضائية تاريخية، لا نعلم كيف سيكون مسارها، ولكن تأكدوا من أننا نحن المحامون السبعة المتطوعون لأجل هذه القضية سنفعل كل ما بوسعنا لتحقيق العدل في نهاية المطاف.

يُذكَر أن "المركز القانوني العامل لأجل فلسطين" (Legal Centre for Palestine) يمول الدعوى، ويمكن دعمه عبر الرابط التالي:

https://www.lcpal.ca/support-our-case

 

ولمتابعة شريط لاسكارس (بالانكليزية) الرابط التالي:

 Citing Genocide Convention, Seven Lawyers Launch Historic Lawsuit Against Canada
الكلمات الدالة