Sadaonline

أكاديمية نور، حلم جالية يتحقق

أكاديمية نور، حلم جالية يتحقق


المهندس الحاج عباس نمر- مونتريال*

لا أستطيع أن أخفي دهشتي من بعض ما أسمعه هذه الأيام. هل يشك اثنان في جاليتنا الكريمة في مدينة مونتريال وضواحيها أننا في أمسّ الحاجة منذ أمدٍ بعيد إلى مدرسةٍ تؤوي أبناءنا وتتبنى منهاجاً يتلائم مع متطلباتنا الأخلاقية والدينية؟ وهل هذه نقطة بحث أصلا؟ الحال أن الجالية العزيزة ما زالت تكبر وتتمدد في المناطق ونحن على أعتاب الجيل الرابع، ومعها تكبر الحاجة إلى المراكز الدينية والمرافق الإجتماعية بشكل عام، وإلى مجموعة من المدارس القادرة على استيعاب أكبر عدد ممكن من أطفالنا وأبنائنا الطلبة بشكل خاص. ولا ننسى التغيرات التي طرأت مؤخرا على المناهج المدرسية في كندا وكيبيك وكل ما يتعلق بالتربية الجنسية وتعليم الجندرة، وهو ما يشكل أرقاً دائماً لنا جميعاً ونحن نتوجس على مستقبل أبنائنا، ويحثّنا لنبحث عن سبل النجاة "بدين وأخلاق أبنائنا" في هذه الظروف الصعبة.
التحدي الأساسي في مشروع تأسيس مدرسة في كندا يعود إلى التكاليف والجهود الضخمة المطلوبة لهذا المشروع مما يجعله عادةً حكراً على بعض المؤسسات المُتمولة في أغلب الأحيان. وهنا لا أتحدث عن نجاح المشروع من عدمه، وإنما فقط عن البداية. تبدأ القصة بإيجاد الكادر المحترف القادر على وضع خطة عمل متكاملة تؤهل المشروع لاستصدار التراخيص اللازمة من وزارة التربية. ومن ثم وضع المناهج الدراسية التي توفق بين متطلبات الوزارة وحاجات الجالية كونَ أبنائِنا هم المستهدفين من المشروع. وكل هذه الخطوات تتطلب كماً هائلاً من الجهد وساعات العمل الطويلة التي لا تقدر بثمن. وقبل الانطلاق يجب تأمين مبلغ مادي كبير كضمانة لاستمرار المدرسة طوال العام الدراسي على الأقل، أي لمدة سنة حتى لا يتوقف المشروع في منتصف العام بسبب نقص التمويل مثلا. ويجب أن لا يغيب عن بالنا تكاليف الكادر التعليمي من معلمين ومعلمات والتي تتناسب مع خبراتِهم والمستوى المطلوب منهم. ناهيك عن إيجاد مبنى مناسب وتأهيله وتكلفة أجرته وصيانته، والكثير من التكاليف التي لا نستطيع حصرها في هذه العجالة. والحمد لله حمدا كثيرا أن انبرى الأخوة القيّمون على مشروع أكاديمية نور لمواجهة هذه التحديات، وقد استطاعوا بعزيمتهم وإصرارهم أن يتجاوزوا معظم هذه الصعوبات.
بعد كل ما سبق، من الطبيعي جدا أن أكاديمية نور، وحالها كما حال أي مدرسة خاصة في كيبيك، أن تكون أقساطها مرتفعة بشكل نسبي، هذا والأكاديمية لا تتمتع حاليا بأي دعم مادي من الدولة. ولكن يجدر التذكير أن تكاليف الأقساط في أكاديمية نور اذا ما قورنت بأي مدرسة ابتدائية خاصة أخرى تعتبر مقبولة جدا، ولكن في نفس الوقت قد لا تكون في متناول الجميع.
وبالنسبة لتجاوب الناس مع التسجيل في الأكاديمية، نجد أن هناك مجموعة كبيرة بادرت لتسجيل أولادهم، و مجموعة أخرى لم تمكنها الظروف المادية من التسجيل حالياً، كما أن هناك أيضا مجموعة ثالثة اختارت التريث. وهؤلاء جميعا من الداعمين والمشجعين لمشروع المدرسة مع اختلاف الظروف. ويوجد أيضا مجموعة تطرح حاليا العديد من التساؤلات والهواجس، وهو شيء جيد وطبيعي جداً، لأننا في هذه المرحلة بحاجة لبناء جسور الثقة مع المدرسة الجديدة. ولهذا الغرض أقام القيّمون على أكاديمية نور مجموعة من اللقاءات مع الأهالي للتعريف بالمشروع والفريق الإداري والتعليمي، كما تم عرض موجز عن سيرتهم الذاتية وإنجازاتهم في حقلي التربية والتعليم. والمعلومات التي تم عرضها متوفرة أيضا على الموقع الرسمي للمدرسة واليوتيوب على شبكة الانترنت. وباستطاعة الأشخاص المهتمين الاطلاع على هذه المعلومات، وإذا لم يتسن لهم ذلك، فالباب مفتوح للمبادرة بالاتصال مع القيّمين والمسؤولين في أكاديمية نور للتحدث إليهم والاطلاع عن كثب على سير الأمور. وهنا أحب أن أذكر، بصفتي أحد أهالي الطلاب المنتسبين، أن جميع التحضيرات للعام الدراسي المقبل تتم باحترافية عالية وهو إن دلّ على شيء، فإنما يدل على الخبرة الواسعة في المجال التعليمي لكادر الأكاديمية.
وبشكل عام فإن مناقشة المواضيع المتعلقة بالمدرسة يجب أن تتم في مكانها المناسب مع أصحاب العلاقة وهم الأشخاص المسؤولين عن المشروع، وخاصة في الوقت الحالي حيث يجب الابتعاد عن تداولها في المراكز والأماكن العامة. بل وحتى يمكنني القول أنه يحبذ أن لا يتم تداولها في الجلسات المغلقة مع الأهل والأصدقاء إن لم تكن المعطيات متوفرة. وذلك لأن طرحها خارج سياقها الطبيعي قد يضع المتكلم، من حيث لا يدري، في مصاف المُشككين والمُحبِطين. والمتلقّي وكل من يستمع إليه قد يأخذ هواجسه وتساؤلاته على أنها هي الحقيقة وذلك لثقته به، ومن دون أن يتكبّد عناء البحث هو الآخر.
وإلى أهلنا الكرام في الجالية، اسمحوا لي أن أتوجه إليكم بهذه الكلمات: إن مشروع أكاديمية نور يجب أن ينجح. لأجل مستقبل أولادنا وحتى تبقى جاليتنا متماسكةً، فبناء جالية، لا بل حتى بناء أمة كاملة يبدأ من بناء الإنسان، والمدرسة هي الركن الأساسي في بناء الإنسان. إذا أهدرنا هذه الفرصة قد لا يأتي وسام موسى آخر ليضع نقاط المدرسة على حروفها لعشرين سنة أخرى، وقد يضيع جيلنا الرابع قبل أن يتسنى لنا أن نجدد الحلم مرة ثانية. والواقع خير دليل على كلامي، فالتضييق على المعلِّمات المحجبات قد بدأ منذ مدة في مدارس الدولة، وشيئا فشيئا سوف نخسر خبراتنا التعليمية أو في المقابل قد نخسر ديننا حتى نُبقي على خبراتنا، وفي كلا الحالين نحن خاسرون. وكلامي ينطبق على أكاديمية نور وغيرها من المؤسسات التربوية في الجالية.

لقد انبرى حاليا أفضل كوادر الجالية لبناء هذه المدرسة، هم الأفضل بالعلم والخبرة، وهم الأفضل بالأخلاق والسيرة، فكونوا سندا وعونا لهم. وان لم تستطيعوا أن تفعلوا ذلك القليل، فأرجوكم التزموا الصمت ودعوهم يعملون!
وإلى جميع المتنفذين والمقتدرين في الجالية الكريمة، إن مشروع أكاديمية نور يجب أن يتوسع ليواكب حجم جاليتنا، ويتمدد معها إلى لافال وبقية المدن المجاورة حتى يتسنى لأكبر عدد ممكن من أبنائنا الطلاب فرصة الانتساب إليها. فأرجوكم سارعوا إلى مد يد العون لهذا المشروع الذي يجب أن تكون له حاليا الأولوية على أية مشاريع أو حسابات أخرى. وهناك عدة طرق للمساعدة. فبإمكانكم مثلا المساعدة بدعم ميزانية المدرسة مباشرة، او بتحمل جزء من تكلفة الأقساط عن أهل الطلاب، أو بتأسيس برنامج للمنح الدراسية للطلاب الغير قادرين على تحمل التكاليف.
"وَقُلْ اعْمَلوا فَسَيَرى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسولُهُ وَالمُؤْمِنون"
ملاحظة: الكاتب لا علاقة له بأكاديمية نور والمقال يعبر عن وجهة نظره الشخصية.



*المهندس الحاج عباس نمر، حاصل على درجة الماجستير البحثية في مجال الاتصالات من École Polytechnique de Montréal، يعمل حاليا في مجال تقنيات الميديا والذكاء الاصطناعي، وعضو فاعل في العمل الإسلامي الاجتماعي في مدينة شمال مونتريال .

الكلمات الدالة