Sadaonline

صراحة ترامب ومأزق المنافقين

يمكن إلصاق ما لا يخطر على بال من شناعات بترامب وبالحلقة المحيطة به ولكن ..!

 

د. علي ضاهرـ مونتريال

 

يحتار المرء عندما يفكر بوصف تصرفات ترامب لكثرة ما تلائمه من أوصاف. البعض يقول ان المثل "عَلَى عَينَكْ يَا تَاجِرْ" ينطبق عليه تماما. البعض الآخر يقول انه "يلعب على المكشوف". من الناس من يقول في زمن ترامب "سقط النقاب عن الوجوه الغادرة وحقيقة الشيطان بانت سافرة" كما غنّت أم كلثوم، او "سقط القناعُ عن القناعِ، عن القناعِ سقط القناعُ، لا اخوةٌ لك يا أَخي، أَصدقاءُ يا صديقي، لا قلاعُ"، كما كتب محمود درويش. وهناك من يستعير عبارة زياد الرحباني "اشتغل الوضوح" ويستعملها لوصف تصرفاته، سيّما وأنها عبارة تصلح وقت الظروف التي تتطلّب المواجهة الصريحة. وهناك من يلجأ الى المثل الشعبي: "يقول للأعور أعور بعينه" لوصف صراحة ترامب. وأخيراً هناك من يستأنس بمثل يقول "سقطت ورقة التوت" لنعت ما يقوم به.

 هذا المثل الأخير يُقال عند انكشاف المستور وبروزه للعيان. لكن، بصراحة، أستغرب لماذا تمّ اختيار ورقة التوت تحديدًا ولم يتم اختيار ورقة غيرها، كورقة التين مثلاً. فورقة التين أكبر، وأهم، ولها رمزية أعمق، ومشحونة بدلالات دينية، على الأقل بالنسبة لمنطقتنا، أكثر من ورقة التوت. على كل حال، عندما تسقط الورقة، أكانت توت او تين او حتى ورقة القيقب المزينة لعلم كندا، جارة ترامب والذي يريد جهارة ضمها الى بلده، تتكشف العورات، فيخجل الانسان، هذا إذا كان إنساناً سوياً، يميز بين الحياء والتهتك وبين العورة والستر وبين التحريم والإباحَة. أما بالنسبة الى ترامب وزمرته: فلا عيب ولا حياء، لا سترة ولا عورة ولا ما يحزنون. فعوراتهم لا تعد ولا تحصى. هم من أتباع "أكثر من القرد ما مسخ الله" و"أنا الغَريقُ فَما خَوفي مِنَ البَلَلِ". هم والفضائح صنوان لا يفترقان، والعيب لهم عادة وفيه تكمن السعادة. يصرّحون بما يريدون، لا تلميح ولا تورية ولا علم البديع، يذهبون رأساً الى الهدف، ليسوا بوجهين. لا يهمهم إن كانت عوراتهم ظاهرة ام مستورة. يلعبون على المكشوف: لا يغلفون نواياهم ولا أقوالهم ولا أعمالهم بكلمات براقة كالحرية والديمقراطية وحقوق الانسان.

 صراحة ترامب ومجموعته فجّة، وقحة، وخسيسة، لكن لا يمكن الا رفع القبعة لهم، كونها تدفع الى العيش في زمن "يشتغل فيه الوضح". صراحته كشفت المستور وصعقت معظم رؤساء الدول، خصوصا الدول العربية فأفقدتهم صوابهم وتوازنهم. لذلك تداعوا لإجراء المحادثات ولعقد القمم العربية وأطلقوا التصريحات المستنكرة في محاولة منهم لاستعادة توازن، لن يقدروا على استعادته، لأنهم ما زالوا قابعين في زمن التشاطر والتذاكي والاستغباء عن طريق ممارسة الفهلوة وخصوصاً النفاق. أوضح مثل على ذلك: تهجير غزة. ترامب يصرح بمعرفة مع من يتعامل أن "بعض الدول في الشرق الأوسط ستستقبل الفلسطينيين بعد أن تتحدث معي"، بينما حكام هذه الدول، كلامياً يرفضون، ولكن ضمنياً يفكرون؛ ترامب بثقة يقول "مصر والاردن سيفتحان قلبيهما ويمنحاننا الأراضي التي نحتاج إليها"، بينما مصر والأردن، تحلفان علناً الأيامين المعظمة برفض ذلك، بينما يختلف الوضع سراً؛ ترامب دون قلق قالها صراحة: القدس ليست للفلسطينيين والجولان ليس لسوريا والضفة ليست لأبي مازن وغزة ليست لأهلها، فاذهبوا وابحثوا واشربوا البحر، فتقاتل المعنيون لإرضائه، وفتحوا خزائنهم وقلبوهم وفرشوا أمامه البسط البنفسجية ورشوها بماء زمزم، وعطّروها بالبخور، ووعدوه بثِيَاب خُضْر مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ، وتقاتلوا ليسمح لهم برقصة العراضة معه. أما شعوبهم فأشبعوها علانية بكلام معسول عن القضية وعن المقدّسات وعن عدم التنازل عن الأرض والعرض، بينما سراً تخلوا عن كل شيء، عن الكرامة، عن العزة، عن السيادة، حتى ان بعضهم أبدى استعداداً للتخلي عن الدين واعتناق، ليس "الابراهيمية" فقط، بل الدخول الى "الأبرهية" والسير وراء فيل الاشرم الحبشي، المتجسد بترامب، المستعد لدخول السعودية لإقامة دولة فلسطينية فيها. عبّر عن ذلك نتنياهو، خليل ترامب وكليمه والأمين على أسراره، عندما قال بوجوب "إقامة دولة فلسطينية في السعودية"، ومتحدثاً عن "رشاوي للمصريين لإدخال فلسطينيين"، ومصرحاً بأن "جميع الدول العربية تدعم إسرائيل وتدرك تماماً ان إسرائيل ليست عدوتهم، بل أكبر حلفائهم". واستطرد: "لقد منحناهم مساحة للإنكار الرسمي ... ولكن الحقيقة مختلفة".

 باختصار، يمكن إلصاق ما لا يخطر على بال من شناعات بترامب وبالحلقة المحيطة به. يمكن القول انهم "يعملون السبعة وذمتها" ويرتكبون المعاصي، يمكن نعتهم بأبشع النعوت وأنذلها، ووصفهم بأحقر الميزات وألعنها، ووسمهم بأخبث الصفات وأحقرها، لكن هناك صفة واحدة وحيدة سيئة ومقيتة لا يمكن وصفهم بها: إنها صفة النفاق. إذ يبدو، والله أعلم، انها صفة محتكرة من قبل قادة وملوك وحكام عرب، مسجّلة باسمهم كملكية فكرية حصرية، تمنحهم حقوقا قانونية تمكّنهم من محاكمة من يستعملها دون إذنهم!!!

 

*الصورة من موقع freepik لاغراض توضيحية فقط