دارين حوماني ـ مونتريال
تشهد جامعة ماكغيل في مونتريال هذا الأسبوع إضرابًا للطلاب لمدة أسبوع، وهو حدث استثنائي، إذ أن هذا الإضراب لا يشمل طلابًا من منظمة واحدة أو من كلية واحدة في جامعة ماكغيل، بل من 19 كلية في الجامعة ومن عدد من المنظمات الشبابية الداعمة لفلسطين. وهو إضراب تم اتخاذه بعد سلسلة مواقف واعتصامات داخل الجامعة ومطالبات لوقف التعاون مع إسرائيل وكان أبرزها مخيّم الطلبة لجامعتي ماكغيل وكونكورديا للمطالبة بسحب استثمارات الجامعتين من شركات إسرائيلية منها شركة لتصنيع الأسلحة، وقطع العلاقات المالية والأكاديمية مع إسرائيل.
وقد أعلن الطلاب في بيان لهم:
"لا حياة كالمعتاد خلال الإبادة الجماعية! أوقفوها من أجل فلسطين!"
يُوضح طلاب جامعة ماكغيل الأمر جليًا: لن تسير الأمور كالمعتاد خلال الإبادة الجماعية، وسنحرص على أن تُدرك إدارتنا ذلك! بإضرابنا، نُظهر للجامعة أن الأمور لن تسير كالمعتاد حتى سحب الاستثمارات!
لا يُمكننا الاكتفاء بإضراب ليوم واحد إذا أردنا الفوز بسحب الاستثمارات - علينا أن نُعطل شبكة التواطؤ في جامعة ماكغيل تمامًا، وبصورة دائمة. فلنحمل هذا الزخم ونبني ثقافة الإضراب في جامعة ماكغيل وفي جميع أنحاء المدينة!"
ويتخلل أسبوع الإضراب عدد من الفعاليات في حرم الجامعة التي نظّمتها الحركة الطلابية SPHR McGill "طلاب من أجل شرف فلسطين ومقاومتها" Students for Palestine's Honour and Resistance لجمع التبرعات لغزة، منها قراءات شعرية وقراءة قصيدة الشاعر الشهيد رفعت العرعير في مكتبة الدراسات الإسلامية في جامعة ماكغيل، وندوة عن التواطؤ الاستعماري الاستيطاني في قاعة موريس، وفعالية رسم اللافتات، وأكشاك لبيع قطع ورموز من التراث الفلسطيني، وندوة بعنوان غزة كبوصلة للتفكير(Gaza as compass for thinking تتحدث فيها البروفسور عليا الصاجي.
كما سيتم عرض الفيلم الوثائقي "خمس كاميرات محطمة" (5 Broken cameras) وهو فيلم وثائقي من إخراج عماد برناط، ويحكي الفيلم من خلال قصة المخرج عماد وكاميراته المحطمة الخمس قصة المقاومة الشعبية السلمية لقرية بلعين الفلسطينية ضد جدار الفصل والاستيطان على أراضي القرية. وقد قام عماد برناط، وهو بالأصل مزارع فلسطيني بتصوير كافة مشاهد الفيلم. وهو فيلم حائز على عدد جوائز عالمية.
كذلك سيتم عرض الفيلم الوثائقي "متجذر في الضفة الغربية" (Rooted in the West Bank)، الذي يتناول قصة عائلة عطا التي عملت في زراعة وادي البقعة بالضفة الغربية لقرون، ولكن منذ احتلالها من قبل إسرائيل عام 1967، صادر المستوطنون الإسرائيليون أراضيهم تدريجيًا، وتعرضت منازلهم ومدرجاتهم الزراعية القديمة للهجوم والهدم. تمتد هذه القصة على مدى 25 عامًا من كفاح مزارعٍ للصمود، وهي شهادة مؤثرة على عمق إنسانية رجلٍ واحد في مواجهة عنف وترهيب المستوطنين المتزايد.
***

راما الملاح
للحديث عن خلفيات الإضراب، التقينا الناشطة والطالبة في جامعة ماكغيل راما الملاح من منظمة SPHR.
تروي الملاح أن بداية التحرك لم تكن من قبل SPHR وحدها، وتقول:
"الإضراب لم تنظّمه منظّمة SPHR ماكغيل. نظّمه طلاب عديدون من كليات مختلفة داخل الجامعة. وهذا، برأيي، الجانب الأجمل في الموضوع؛ إذ لم نكن نحن من يقوده، بل أصبحت مسألة فلسطين قضية أساسية لدى جميع الطلاب. بات الطلاب من تلقاء أنفسهم ينظمون هذه الأنشطة ويقودونها".
وأضافت أن المبادرة انطلقت من طلاب في كليات متنوّعة، منها الإنكليزية والرياضيات والفيزياء والعلوم وغيرها: "طلاب من هذه الأقسام قرروا تنظيم الإضرابات داخل أقسامهم، من دون أن يكونوا تابعين لجهة واحدة. بعضهم ينتمي إلى منظمات، وبعضهم لا ينتمي إلى أي جهة، وبعضهم كان يشارك في المظاهرات فحسب".
وعن طبيعة الخطوات التالية، تقول:
نركّز الآن في SPHR على تنظيم فعاليات مرتبطة بغزة. والآن، بعد أن بدأت المساعدات تدخل شيئًا فشيئًا رغم التحديات الكبيرة والصعوبات، نوجّه جهودنا إلى جمع التبرعات والحملات التي تعزّز صمود أهلنا في غزة. نريد المساهمة في إبقاء قضية فلسطين حاضرة وحية في الجامعة، حتى في ظلّ وقف إطلاق النار الحالي".
وتشرح راما كيف تم اتخاذ القرار في داخل الأقسام:
"كل قسم يملك هيئة طلابية. الطلاب من كل قسم توجهوا إلى هذه الهيئة الطلابية وأعلنوا عن رغبتهم في عقد جمعية عامة (General Assembly) ثم اجتمعوا وصوتوا على قرار الإضراب. سواء بالموافقة أو الرفض. هذه العملية تكررت في 19 قسمًا في الجامعة".
أما بشأن البيانات الموجهة لإدارة الجامعة عن الهيئات الطلابية، فتوضح:
"هناك الكثير من البيانات. اتحاد الطلاب في الجامعة أعلن بوضوح مطالبه، وطالب إدارة الجامعة بقطع كل علاقاتها مع إسرائيل. وحتى الآن، لم تستجب الإدارة. حاولنا التواصل معها مرارًا وإرسال رسائل، لكن دون أي تجاوب".
وعن ردّ أو أي تفاعل من قبل إدارة الجامعة مع التحركات، أجابت راما: "على العكس من التجاوب، أرسلت الإدارة عناصر أمن لمراقبة الطلاب ومحاولة معرفة هوياتهم، بهدف إرسال الإجراءات التأديبية المعتادة. لم يتواصلوا مع المطالب، ولم يتفاعلوا معها بشكل إيجابي بل بدأوا بالقمع وبعملية معاقبة الطلاب".
في العام الماضي وعن المخاوف من حصر أسماء الطلاب المشاركين ومعاقبتهم، توضح: "الكثير من الطلاب الذين جرى تسجيل أسمائهم في المظاهرات تلقّوا اتهامات تأديبية(Disciplinary Charges) . وفي كل مرة علينا البحث عن محامين أو ممثلين من الأساتذة للدفاع عنهم. هذه القرارات شهدناها خلال فترة المخيم العام الماضي، وكذلك خلال أحداث أخرى طوال العام بين الطلاب وإدارة الجامعة حول دعم غزة، والآن بدأت تطال بعض الطلاب مع بدء الإضراب.
وعن مواقف الأساتذة في الجامعة، قالت الملاح إن مواقف الأساتذة متباينة:
"هناك أساتذة يدعموننا ويقفون معنا، لكن عددًا كبيرًا منهم لا يتخذ أي موقف. وفي الإضرابات السابقة، كانت الإدارة ترسل رسائل للأساتذة تطلب منهم عدم الاستجابة للطلاب، وعدم تعديل الجداول أو المشاركة في الإضراب. بالتالي، هناك أساتذة يأخذون موقفًا ضد التحركات، لكن بالمقابل هناك من يدعمنا أيضًا".
***

وللحديث عن الفعاليات في ظل الإضراب تواصلنا مع ناشطة من SPHR شرحت خلفيات هذه المبادرة، وآليات العمل، والتحديات التي تواجهها داخل الحرم الجامعي.
توضح الناشطة أن الدافع الأساسي وراء تنظيم هذه الفعاليات هو استمرار تعثّر وصول المساعدات الغذائية والطبية إلى غزة، إلى جانب تدمير معظم البنية التحتية المدنية، ما جعل خيارات الدعم محدودة أمام العائلات. وتقول الجهة المنظمة:
"مسؤوليتنا الجماعية هي تقديم المساعدة لأهلنا في غزة."
وتضيف أن أسبوع 17 نوفمبر يشهد نشاطًا طلابيًا واسعًا في جامعات مونتريال، يشمل مسيرات وإضرابات وفعاليات لدعم فلسطين، وأن SPHR McGill انضمت إلى هذا الحراك من خلال أسبوع لجمع التبرعات.
وقد تم تنظيم أربع فعاليات مختلفة تشمل أمسية شعرية، وساعة قهوة، وعرض أفلام، وأنشطة لجمع التبرعات، "صُممت فعالياتنا للتثقيف حول الثقافة والتاريخ والنضال الفلسطيني."
تؤكد SPHR أن جمع التبرعات يتم لصالح المؤسسة الكندية الفلسطينية في كيبيك (CPFQ)، وهي منظمة غير ربحية تتخذ من مونتريال مقرًا لها، وتعمل مع جهات محلية موثوقة داخل غزة. وتوضح: "جميع التبرعات من هذه الحملة تُخصص مباشرةً لبرامجها الغذائية والإنسانية الطارئة." وتهدف الحملة إلى جمع 10,000 دولار من أصل هدف إجمالي قدره 100,000 دولار تحت عنوان "لأطفال غزة"، "نوفر دعمًا مباشرًا للأطفال والأسر النازحة في غزة من خلال توفير المياه النظيفة والغذاء والمأوى والمساعدة الطبية والملابس الدافئة مع اقتراب فصل الشتاء".
وتواجه الحركة الطلابية SPHR تحديات مرتبطة بقيود الجامعة. وتقول:
"في محاولة لقمع الحركة المؤيدة للفلسطينيين في الحرم الجامعي، ستلغي إدارة جامعة ماكغيل أي حجوزات في الحرم الجامعي تتعلق بـSPHR. وتشير الحركة الطلابية إلى تفاعل واسع من الطلاب: "لقد شهدنا إيمان الطلاب الراسخ، وهو انعكاس لالتزامنا المشترك بعدم التخلي عن غزة." كما تلقّت دعمًا ملموسًا من أعضاء هيئة التدريس، حيث صوتت جمعية أساتذة جامعة ماكغيل (MAUT) لصالح المقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل.
ترى الناشطة في SPHR أن الإضراب يلعب دورًا في تعزيز الوعي والحشد، وتقول: "نحن جبهة طلابية موحدة من أجل فلسطين، ونقف إلى جانب الطلاب على جميع الجبهات الذين يواصلون التعبئة تضامنًا مع الشعب الفلسطيني." وتشدد على تلازم البعدين السياسي والإنساني في نشاطها: "من واجبنا كطلاب فلسطينيين وعرب ومسلمين مواصلة التنظيم من أجل فلسطين. لطالما كانت الجامعة طرفًا متواطئًا، لكننا نرفض أن يثنينا ذلك عن الوقوف إلى جانب شعبنا."
تقول الناشطة إن إدارة الجامعة تمارس ضغوطًا متعددة: "دخلت إدارة جامعة ماكغيل في حرب قانونية في محاولة لحظر الاحتجاجات الطلابية... في محاولة لإسكات حركة سحب الاستثمارات." كما تشير إلى إجراءات عقابية مباشرة: "استدعت جامعة ماكجيل الشرطة ضد طلابها، واتخذت إجراءات تأديبية، واستعانت بمرتزقة خاصين (SIRCO) لمراقبة الطلاب." وترى أن هذه الضغوط تؤكد فاعلية عملهم وتزيد التزامهم.
ومنذ بدء التصعيد في غزة، جمعت هذه الحركة الطلابية أكثر من 57 ألف دولار، وتطمح إلى الوصول إلى 10 آلاف دولار إضافية مع بداية ديسمبر لحملة "من أجل أطفال غزة" التابعة لـ CPFQ. وترى هذه الحركة الطلابية أن العمل من داخل الجامعة جزء أساسي من دور الطلاب في الشتات:
الحركة الطلابية العنصر الرئيسي في جبهة الشتات... ومن واجبنا كطلاب عرب تنظيم هذه الجهود في جامعاتنا. من خلال بناء الروابط بين الجامعات وتعزيز الروابط مع اتحادات الطلاب وأعضاء هيئة التدريس، نقاوم بنشاط أحد الأهداف الأساسية لاتفاقيات أوسلو: تفكيك التنظيم المؤسسي الفلسطيني المنسق في الشتات".
وتعتقد الناشطة في SPHR أن هذه الخطوات والفعاليات تركت أثرًا طويل المدى: "الطلاب أكثر حشدًا وتفاعلًا من أي وقت مضى"، وتشير إلى تغيّرات ملموسة في الوعي الطلابي، منها تصويت الطلاب لأول مرة على إضراب شامل في نيسان/ أبريل الماضي، وتحقيق نسبة إقبال قياسية على التصويت في 7 أكتوبر للمطالبة بسحب استثمارات الجامعة.
201 مشاهدة
30 نوفمبر, 2025
189 مشاهدة
21 نوفمبر, 2025
248 مشاهدة
20 نوفمبر, 2025