سامر المجذوب
لا يمرّ يوم في مونتريال إلا ويُسجّل فيه حادث عنف جديد، وغالبًا ما يكون الضحية شابًا في مقتبل العمر، سقط في الشارع برصاص أو طعن لا يميز بين مذنب وبريء. وفي كثير من الأحيان، تحمل أسماء الضحايا أصولًا عربية، أبناء الجيل الثاني والثالث. شباب وُلدوا في كندا، وتربّوا في أحيائها، لكنهم رحلوا فجأة... وبلا سبب يُبرر هذا الرحيل.
ليست هذه الكلمات محاولة لإلقاء اللوم على أحد، لا على المجتمع الكبيكي أو الكندي ولا على الجالية العربية، ولا على مؤسسات الدولة أو منظمات المجتمع المدني. هذه ليست اتهامات، بل صرخة وجع حقيقية. نداء نُطلقه اليوم، ونحن نرى مؤشرات خطيرة تتصاعد، خشية أن نصل إلى نقطة اللاعودة، كما شهدت عواصم أوروبية أخرى تحوّلت فيها بعض الأحياء إلى ساحات حرب بين الشباب والفراغ والعصابات.
آخر هذه الحوادث الأليمة، كانت لشاب عربي، تدخّل بنية حسنة لفضّ شجار بين أقرانه، فإذا به يسقط ضحية طعنة قاتلة. رحل دون أن يكون طرفًا في النزاع، رحل لأنه حاول فقط أن يُصلح. فهل وصلنا إلى درجة
يصبح فيها الخيّر هو الضحية؟
نحن بحاجة اليوم إلى وقفة ضمير. إلى إعادة النظر في علاقتنا بشبابنا، لا سيما أولئك الذين يشعرون أنهم بين الهامش والمجهول. إنهم لا يحتاجون إلى كثير من الكلام، بل إلى من يسمعهم، من يحتويهم، من يدلّهم على طريق البدائل الإيجابية. هؤلاء الشباب لا يبحثون بالضرورة عن العنف، بل عن الاعتراف، عن معنى
التحدي الحقيقي يتجاوز الجانب الأمني. إنه تحدٍّ اجتماعي وتربوي وثقافي ونفسي. وهنا، لا بد أن نطرح السؤال بأمانة:
أين نحن كمجتمع؟
أين مؤسسات الجالية؟
أين الجمعيات والمراكز والمبادرات؟
نعم، كثيرون يعملون بصمت، ويبذلون جهودًا ، وهذا يُقدَّر. لكن الواضح أن الوضع يتطلب أكثر بكثير مما نقوم به الآن. فعدد الضحايا يتزايد، والعنف لم يعد ظاهرة معزولة بل أصبح نمطًا متكرّرًا.
نحن لا نحمّل أحدًا المسؤولية وحده، لكننا نُناشد الجميع تحمّل جزء من المسؤولية الجماعية. فالشباب لا يجب أن يُتركوا فرائس سهلة لعصابات منظمة تعرف كيف تستغل نقاط ضعفهم، وتمنحهم وهم الانتماء والقوة، في غياب بدائل حقيقية أخرى.
الوقت ليس متأخرًا، لكن النافذة تضيق. وإذا لم نتحرّك الآن، فربما يأتي اليوم الذي نكتب فيه عن "كيف فقدنا السيطرة"، بدلاً من أن نكتب عن "كيف نجحنا في إنقاذ جيل".
هذه ليست سوى دعوة للتفكير، للحوار، للتعاون، قبل أن يُصبح الحديث عن الموت في شوارعنا هو القاعدة، لا الاستثناء.
124 مشاهدة
20 أغسطس, 2025
378 مشاهدة
18 أغسطس, 2025
2481 مشاهدة
14 أغسطس, 2025