Sadaonline

النرجسيون والديكتاتوريون خطر على المجتمعات... ترامب كنموذج

تحتاج بعض الأيديولوجيات إلى تأكيد تفوقها وإقصاء الآخرين

د. وليد حديد ـ مونتريال

النرجسية كقوة محركة للأيديولوجيات والقرارات السياسية

النرجسية ليست مجرد صفة فردية، بل يمكن أن تكون طاقة نفسية تدفع نحو تشكيل أيديولوجيات وسياسات تؤثر على الدول والشعوب. فكما يحتاج الفرد النرجسي إلى الاعتراف والتفوق الشخصي، تحتاج بعض الأيديولوجيات إلى تأكيد تفوقها وإقصاء الآخرين. في السياسة، قد ينعكس هذا في قرارات قادة يرون أنفسهم محور التاريخ، ويتصرفون كما لو أن القانون الدولي والقيم الإنسانية يجب أن تتكيف مع رؤيتهم الذاتية.

ترامب كنموذج للحاكم النرجسي المؤدلج المتطرف

يعد دونالد ترامب مثالًا واضحًا على القائد الذي تجسدت فيه النرجسية كسلوك شخصي، لكنها تحولت أيضًا إلى أيديولوجية سياسية موجهة. فقد اعتمد في سياساته على شعبوية قائمة على تضخيم صورته كقائد استثنائي، وإعادة تشكيل الواقع السياسي بما يخدم مصالحه الشخصية أكثر من التوازنات العالمية.

1. تجاهل القوانين الدولية لمصلحة قرارات شخصية

قراراته مثل الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، والسيادة الإسرائيلية على الجولان، والاعتراف بمغربية الصحراء، كلها تعكس نزعة نرجسية ترى في تجاوز القوانين الدولية نوعًا من القوة والتميز.

لم تكن هذه القرارات مبنية على تحليل استراتيجي بعيد المدى، بل على الرغبة في إثبات الذات وكسب تأييد جماعات معينة تعزز صورته كبطل.

2. الشعبوية كمزيج بين النرجسية والأيديولوجية

استخدم ترامب خطابًا شعبويًا يرسّخ فكرة أن "نحن الأفضل" و"الآخرون يسرقون منا"، وهو خطاب يعزز نرجسية جماعية تمنح الأفراد شعورًا بالتفوق.

ربط نفسه بأيديولوجية "أمريكا أولًا"، التي لم تكن مجرد سياسة اقتصادية، بل كانت أداة نفسية تجذب أنصاره وتضخم صورته كمدافع عن الأمة ضد "المؤامرات الخارجية".

3. الرغبة في ترك بصمة تاريخية بأي ثمن

القادة النرجسيون يسعون إلى صنع تاريخ شخصي أكثر من تحقيق منجزات وطنية مستدامة. اتفاقيات "أبراهام"، على سبيل المثال، لم تكن جزءًا من رؤية استراتيجية بقدر ما كانت صفقة تمنح ترامب مجدًا سياسيًا فوريًا.

انسحابه من الاتفاقيات الدولية لم يكن لمصلحة أمريكا دائمًا، بل كان جزءًا من إثبات أنه مختلف عن أسلافه وأقوى منهم.

النرجسية كمنبع للأيديولوجيا: من الفرد إلى الجماعة

إذا نظرنا إلى الأيديولوجيات السياسية، نجد أنها كثيرًا ما تحمل طاقة نرجسية جماعية. فكما يدافع الفرد النرجسي عن صورته، يمكن لأيديولوجيا معينة أن تعطي أتباعها شعورًا بالتميز والتفوق.

القومية المتطرفة: تمنح الجماعات شعورًا بأنهم أرقى من الآخرين، تمامًا كما يسعى الفرد النرجسي لإثبات تفوقه.

الشمولية: تعتمد على زعيم نرجسي يخلق حوله هالة من العظمة، بحيث يصبح قراره فوق المؤسسات والقوانين.

الرأسمالية المتوحشة: تبرر السعي وراء السلطة والثروة كحق طبيعي للأقوى، وهو ما يتماشى مع تفكير النرجسيين.

النرجسية، إنها أشبه بكرة ثلجية تتدحرج، تجمع المزيد من القوة مع كل دورة، حتى تصبح جبلًا يصعب تحطيمه الا في حالة  وجود قوة اكبر.

قرارات مثل إعادة توزيع الأراضي أو الاعتراف بسيادة دول على أراضٍ متنازع عليها، كما فعل ترامب، تعكس ليس فقط نرجسية فردية، بل نرجسية سياسية تتحول إلى أيديولوجيا. في النهاية، النرجسية قد تكون طاقة شخصية، لكنها عندما تجد طريقها إلى السياسة، تصبح قوة موجهة يمكن أن تعيد تشكيل الواقع، ليس فقط للأفراد، بل للأمم بأكملها.

* الصورة من موقع freepik  لاغراض توضيحية