Sadaonline

الإعلام الكندي والحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان: انعدام الموضوعية وانحياز وتبرير للوحشية الإسرائيلية ؟

لافتة رفعت في تظاهرة العام الماضي تقول " ما لا يرديه اعلامكم هو ان 5000 طفل و3500 امرأة وان قذيفة تقصف غزة كل خحس دقائق"


دارين حوماني - مونتريال

إن أول ما يخطر ببالنا عند قراءة العديد من الصحف والمواقع الكندية "العريقة" هو افتقار هذه الوسائل الإعلامية لأهم مبادئ الإعلام، أي الموضوعية والمصداقية، فلا حيادية في التعامل مع أخبار فلسطين، حيث الضحايا الفلسطينيون واللبنانيون هم إرهابيون نجح الجيش الإسرائيلي بالقضاء عليهم، وهم نفسهم "أضرار جانبية" فقط، لتحقيق "نظام الشرق الأوسط الجديد"، حتى لو تحقق ذلك النظام الشرق أوسطي الجديد فوق جثث الأطفال، فهذا ليس أساسيًا، الأساسي هو السيطرة المطلقة، والأهم عدم إصابة أي مواطن إسرائيلي، فعند إصابة أحد المواطنين نقرأ مقالًا مطولًا عن ذلك في هذه الصحف، أما عند الحديث عن عشرات الشهداء ومئات المصابين الفلسطينيين واللبنانيين يوميًا فهؤلاء قد يمرون في خبر عاجل أو لن يمروا أساسًا. هذا ليس فقط نابع من انحياز الصحف، بل ثمة نبرة عميقة من الفوقية، مردّها إلى شعور هؤلاء بتفوّق العرق الأبيض على الشعوب الأخرى. يصف نعوم تشومسكي في كتابه "أوهام الشرق الأوسط" كيف يتعامل الإعلام الغربي مع الفلسطينين، يقول:

"الفلسطينيون ليسوا فقط أناسًا عديمي الأهمية، بل هم في الدرك الأسفل، لأنهم يتدخلون في برامج ومخططات أكثر الناس أهمية في العالم: النخبة الأميركية واليهود الإسرائيليون".

إن مفهوم "غسل الأدمغة" هو المبدأ الإعلامي الأول الذي يتعلق بالسياسات الإعلامية، سياسات وضعها المتحكّمون بالإعلام وفق مصالح أفراد، وليس وفق مبدأ قول الحقيقة للشعب.

المبدأ الإعلامي الثاني هو استخدام مصطلحات تخدم مفهوم "غسل الأدمغة" ومن أبرز هذه المصطلحات هو "محاربة الإرهاب والشر". فالفلسطيني الذي احتُلت أرضه وسُرق بيته منه، لا حق له في المقاومة، يصير إرهابيًا عندما يشعر بالمظلومية ويريد مقاومة المحتلّ. وعلى هذه القاعدة يصبح شارل ديغول إرهابيًا يوم فكر أن يحارب الاحتلال النازي. هذا المحتل الإسرائيلي يحارب الإرهاب والشر عن الغرب كلهم، أي أنه إذا انتصرت إسرائيل فإن الغرب هو المنتصر، وفي انهزام إسرائيل هزيمة للغرب. كما جرى زرع بروباغندا خبيثة أن حوّلوا القضية الفلسطينية إلى قضية إيرانية التي تمثّل محور الشر، وبذلك فهم بانتصارهم على الفلسطينيين إنما ينتصرون على محور الشر الإيراني.

أما المبدأ الإعلامي الثالث هو الدفاع المستميت عن الخرق الإسرائيلي للقوانين الدولية واعتبار مُصدِر هذه الأحكام معادٍ للسامية. وهنا نستذكر نعوم تشومسكي في نفس كتابه ووصفه تعامل إسرائيل مع القوانين الدولية بجملة "الازدراء الإسرائيلي بالقانون الدولي".

ناشيونال بوست

سأتحدث أولًا عن ناشيونال بوست. فلنقرأ كارسون جيريما Jerema Carson ماذا يكتب في الناشيونال بوست بتاريخ 10 أيلول 2024، تحت عنوان "هل تعلم ميلاني جولي أنها تعمل لصالح حماس؟" 

يقول الكاتب "قد يتخيل الليبراليون بقيادة جاستن ترودو أنفسهم وكأنهم يتبنون وجهة نظر متوازنة بشأن حرب إسرائيل ضد حماس في غزة، ولكن الحكومة تقف مرارًا وتكرارًا إلى جانب البلطجية الإرهابيين الذين بدأوا القتال. منذ أن قتلت حماس، دون استفزاز، ما يقرب من 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، في إسرائيل في 7 أكتوبر".

تستخدم هذه الصحيفة مصطلح "البلطجية الإرهابيين" عن حماس في كل مقالاتها. وفي كل مقال تعيد التذكير بأن من قتلتهم حماس هم 1200 شخصًا، علمًا أن شهود عيان إسرائيليين أكدوا أن الطائرات الإسرائيلية هي التي عمدت إلى قتل أكبر قدر من المدنيين الإسرائيليين خلال طريقهم إلى غزة، وهذا ما ذكره موقع Ynet العبري بتاريخ 5-12-2023 بقلم الكاتبان إيتمار إيشنر ويائيل تشيشنوفر تناولا في مقالهما اللقاء الذي عقده نتنياهو مع الأسرى المحررين، وقد صرّحت إحدى الأسيرات المحرّرات عن الطائرات الإسرائيلية التي كانت تقصف السيارات المتجهة إلى غزة، علمًا أن هذه السيارات كانت تحمل الأسرى الإسرائيلييين لمبادلتهم بآلاف من الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية ومن بينهم نساء، والأهم أن من بين الأسرى الفلسطينيين 270 طفل فلسطيني لا تشير إليهم أي صحيفة كندية. فلو كان الفلسطينيون هم من أسروا 200 طفل إسرائيلي لكان وضع التغطية الصحافية عن ذلك مختلفًا بالتأكيد.

كما أكّد تقرير للأمم المتحدة نُشر في حزيران من هذا العام أن إسرائيل استخدمت "توجيه هانيبال" القاتل - المصمّم لمنع أسر الجنود أحياء كأسرى حرب - من خلال قتل العديد من المدنيين في أراضيها، وكان القرار بأن لا تتمكن أي مركبة من العودة إلى غزة"، هذا ما أمرت به الفرقة في الساعة 11:22 صباحًا. وهذا يتطابق أيضًا مع تقرير بعنوان "سبعة أيام" نشرته صحيفة يديعوت أحرنوت في كانون الثاني ويؤكد استخدام "توجيه هانيبال" لقتل الإسرائيليين والفلسطنيين على حدّ سواء.

وفي نفس المقال المذكور، يكتب كارسون جيريما: "إن الحجة القائلة بأن إسرائيل ترتكب "إبادة جماعية" سخيفة ولا تدعمها الأدلة. إن حماس تستخدم سكانها كدروع بشرية وتختبئ في المدارس والمساجد والمستشفيات، ومع ذلك فإن نسبة المدنيين إلى المقاتلين الذين قتلوا في غزة هي من بين أدنى النسب في أي صراع حديث". إن مشهديات حرق الأطفال الفلسطينيين النائمين في الخيم في رفح تكررت 3 مرات خلال هذا العام، ورغم ذلك فإن ناشيونال بوست لا تسمّي ذلك إبادة، بل تبرّر كل الوحشية الإسرائيلية بأن المقاتلين يستخدمون أولئك الأطفال النائمين في خيمهم دروعًا بشرية.

أما عدد المدنيين الشهداء فتعتبر أن نسبتهم الأدنى في أي صراع حديث، أليس هذا غسلًا مريعًا لأدمغة القراء؟  ينطبق ذلك على عدد المدارس التي قصفها الجيش الإسرائيلي، أحد هذه الفيديوات تناقلته وسائل التواصل عن جندي إسرائيلي يضحك وهو يقول لرفيقه انظر ماذا سيحلّ الآن بهذه المدرسة، وفي لحظات كان جزء من المدرسة قد سوّي بالأرض مع صرخات أطفال المدرسة وصلت إلى السماء.

الذريعة نفسها في لبنان، ففي 1-10-2024 كتب Joshua Marks في صحيفة ناشيونال بوست مقالًا بعنوان "إسرائيل تحذر اللبنانيين من التدخل في العمليات البرية وتبعه عنوان فرعي: "قال متحدّث باسم جيش الدفاع الإسرائيلي في تغريدة باللغة العربية: يستخدم مسلحو حزب الله البيئة المدنية والسكان كدروع بشرية".

تحاول هذه الصحيفة جاهدة أن تبرّر الوحشية الإسرائيلي، فها هي إسرائيل الطيبة تطلب من المواطنين مغادرة مناطق القتال خوفًا على حياتهم! أي أن عليهم أن يغادروا بيوتهم وأرضهم وينزحوا إلى مناطق ليس فيها قتال.

وها هم نزحوا لكن آلة الإجرام الإسرائيلية لحقتهم إلى الشمال، حيث شهدنا على 3 مجازر في بلدة المعيصرة ومجزرة في بلدة إيطة، وهما قريتان تقعان في مناطق في شمالي لبنان نزح إليها مواطنون جنوبيون، ومجزرة في بلدة برجا، التي تقع أبعد من نهر الليطاني بكثير، وقُتل العشرات من المواطنين الأبرياء في هذه المجازر. لم تأتِ الصحيفة على ذكرهم بل ذكرت في هذا المقال عن إصابة رجلين إسرائيليين بشظايا نتيجة قصف حزب الله، وكلتا الإصابتان طفيفة.

وفي متن المقال تتحدث الصحيفة عن نبرة أدرعي الحنونة حيث توجّه بكلمته للبنانيين مع عبارة "من أجل سلامتكم الشخصية ننصحكم بعدم السفر بالمركبات من المنطقة الشمالية إلى المنطقة جنوب نهر الليطاني".

كما تركز الصحيفة على حديث المتحدّث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي بأن حزب الله يستخدم المواطنين دروعًا بشرية. هي نفسها الذريعة التي يستخدمها لتبرير قتله للفلسطينيين الأبرياء. ويتضمن هذا المقال استخدام كلمة "إرهابي" 9 مرات عند وصفهم لعناصر المقاومة الفلسطينية واللبنانية.

في 11-9-2024 يتحدث الكاتبان ناتاليا دروزدياك وإيريك مارتن Natalia Drozdiak and Eric Martin عن أن حماس تعيق مفاوضات إنهاء الحرب، وعن عرض قدّمته إسرائيل لإنهاء الحرب على غزة، وهو الخروج الآمن ليحي السنوار ولكن حماس رفضت. وهذا ما ما يقوله العنوان الرئيسي: "إسرائيل تعرض على زعيم حماس الخروج الآمن من غزة في محاولة لإنهاء الحرب" والعنوان الفرعي يتحدث عن الرغبة الإسرائيلية بإعادة الرهائن وبإزالة التطرف "نريد استعادة الرهائن. نريد نزع السلاح، وإزالة التطرف بالطبع ــ نظام جديد لإدارة غزة"، هذا ما قاله مبعوث إسرائيل إلى الأسرى جال هيرش".

نسأل هنا، هي رسائل تبدو جميلة ولكن، هل هي واقعية؟ هل حقًا يريد نتنياهو ذلك؟ هل حقًا يريد إنهاء الحرب واستعادة الرهائن؟

يتناول المقال مقابلة مع مبعوث الرهائن الإسرائيلي جال هيرش الذي أكد أن إسرائيل ستكون على استعداد أيضًا للإفراج عن السجناء الذين تحتجزهم كجزء من أي صفقة. لكن هيرش قال إن حماس سعت حتى الآن إلى إملاء الشروط بدلاً من التفاوض، ويذكر كاتبا المقال: "كما فعل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في الماضي، قارن هيرش السنوار بهتلر"، وهو وصف ينطبق على نتنياهو نفسه بعد أكثر من 42 ألف شهيد فلسطيني وأكثر من 150 ألف جريح ومبتوري الأطراف.

إن هذه الصحيفة تركّز على قول هيرش، ولكنها في المقابل لا تضع الموقف الآخر، وهو موقف مسؤولين إسرائليين سابقين عديدين عن أن نتنياهو لا يريد إنهاء الحرب ومن بينهم رئيس شعبة العمليات في الجيش سابقًا يسرائيل زيف الذي تساءل إذا كانت الحكومة الإسرائيلية تريد حقًا إعادة الأسرى، مؤكدًا وبشكل متكرر بأن هذه الحكومة الحالية لا تريد إنهاء الحرب.

وفي 2-10-2024 مقال أعدّه إحسان اللـه أميري Ehsanullah Amirir بعنوان "ما الذي يجب أن تعرفه عن حزب الله وارتباطاته بإيران وحماس؟".

العنوان الفرعي يذكر تصنيف حزب الله منظمة إرهابية  "تم تصنيف المجموعة، التي تقف وراء الهجمات المميتة على المؤسسات اليهودية، كمنظمة إرهابية من قبل كندا والولايات المتحدة والدول الأوروبية".

ويتناول المقال أن حزب الله هو جزء مما يسمى محور المقاومة الذي بنته إيران، يقول: "على مدى عقود من الزمان، بنت طهران شبكة من الجماعات الإرهابية في جميع أنحاء الشرق الأوسط، والمعروفة باسم "محور المقاومة"، لتعزيز مصالحها الإقليمية. وتشمل شبكة الجماعات الإرهابية حماس في غزة، وحزب الله في لبنان، والعديد من الميليشيات الشيعية في العراق وسوريا، والحوثيين في اليمن".

يركّز كاتب المقال على أن حزب الله وحماس هما جماعات إرهابية، لا بل يكرّر كلمة "إرهابيين" 13 مرة في مقاله، ويركز على أن إيران قد بنت هذه المجموعات لتعزيز "مصالحها الإقليمية". وهكذا، تصبح المقاومة الفلسطينية في غزة هي حركة إرهابية لتنفيذ مصالح إيرانية، وتصبح القضية الفلسطينية مسألة إيرانية وليست قضية شعب فلسطيني يعاني منذ 76 عامًا من الاحتلال والقتل والتهجير.

ثم يكرر مسألة نزوح الآلاف من الإسرائيليين في شمال إسرائيل بسبب صواريخ حزب الله، لكن هذا الكاتب لم يفكر في شعب غزة الذي ينزح من مكان لمكان وفي كل مكان يُستهدف ويُقتل، حتى أنك إذا سألت أي غزاوي الآن يقول لك أني نزحت منذ عام 11 مرة. هذا الوضع الإنساني لا تكترث به ناشيونال بوست، بل تكترث بنزوح بضعة آلاف من الإسرائيليين إلى فنادق في إسرائيل وفي الأردن كما نُشر مؤخرًا وربما في بلاد أخرى جرى التطبيع معها.

وفي 2-10-2024 ستفرد الصحيفة تقريرًا من 5000 كلمة عن الأسيرة الإسرائيلية المحررة أفيفا سيغل Aviva Siegel تتحدث عن تجربتها في الأسر، من نقص في الطعام وإجبارها على كنس الأرضية.

ولكن هل فكرت صحيفة ناشيونال بوست يومًا أن تجري تحقيقًا عن الأسيرات الفلسطينيات في السجون الإسرائيلية وعددهن 95 أسيرة، وعن ظروف أسرهن والاعتداء عليهن بالضرب، وتقييد أقدامهن وأيديهن لفترات طويلة، والتفتيش العاري يوميًا دون سبب والتهديد المستمر بالقتل والاغتصاب والبرد والجوع إضافة إلى ظروف قاسية أخرى لم تمرّ بها أفيفا سيغلوغيرها.

إن هذه نبذة عن عمل صحيفة الناشيونال بوست الذي يتميز بانعدام الموضوعية والانحياز والتبرير للوحشية الإسرائيلية الفاحشة والواضحة كالشمس.

مونتريال غازيت

ماذا عن صحيفة مونتريال غازيت؟ إن هذه الصحيفة لا يعنيها بتاتًا ماذا يحصل في الشرق الأوسط، أخبار الإبادة الجماعية كل يوم في غزة لا تعنيها. ما يعنيها هو مظاهرات المناهضين للاحتلال الإسرائيلي وترك التعليقات المسيئة عنهم، مثل "يجب أن يعودوا إلا بلادهم.. أعطيناهم جنسيات كندية وها هم يريدون أن يتحكموا ببلادنا.." وغيرها من التعليقات المسيئة. تغطي مونتريال غازيت فقط ما يحدث في كندا فيما يتعلق بالموضوع الإسرائيلي الفلسطيني.

بتاريخ 9-10-2024 كتبت ليزا غروشكو Lisa Grushcow في مونتريال غازيت مقالة بعنوان "هكذا يبدو الصهيوني" والمقال عبارة عن محاولة لتبييض وجه الصهيونية التي استفحلت قتلًا في غزة خلال عام. تتحدث الكاتبة عن قتل حماس 1200 رجل وامرأة وطفل بدم بارد في 7 أكتوبر 2024  وأن ذلك كان كابوسًا ليس فقط على إسرائيل بل على الإنسانية. ألم تسمع ليزا عن الكابوس الإنساني الذي يتكون من أكثر من أربعين ألفًا من الفلسطينيين الشهداء وأكثر من مئة ألف جريح، الآلاف منهم أطفال بُترت أطرافهم.

وتكتب ليزا أيضًا في مقالها بأن إسرائيل ليست مجرّد دولة، بل هي حلم يهودي وجزء أساسي من الدين اليهودي. ثم تضيف:

"سمعت تعريفًا خاطئًا للصهيونية على أنها أي شيء من دعم حكومة بنيامين نتنياهو، إلى الاستعمار الاستيطاني، إلى الرغبة في القضاء على الشعب الفلسطيني"، ثم تقول: "الصهيونية هي رؤية إيجابية؛ يمكن للمرء أن يكون صهيونيًا ومؤيدًا للفلسطينيين، وصهيونيًا ومؤيدًا للسلام. إن العديد منا الذين يحزنون على السابع من أكتوبر، والذين يكافحون ضد معاداة السامية ويطالبون بعودة الرهائن، يعارضون أيضًا حكومة نتنياهو (كما يفعل عدد لا يحصى من الإسرائيليين). لقد دافع العديد منا لسنوات عن حل الدولتين، والحقوق المدنية والإنسانية. إن رؤيتنا لإسرائيل مستوحاة من إعلان الاستقلال في عام 1948، والذي ينص على: "ستضمن (إسرائيل) المساواة الكاملة في الحقوق الاجتماعية والسياسية لجميع سكانها بغض النظر عن الدين أو العرق أو الجنس؛ وستضمن حرية الدين والضمير واللغة والتعليم والثقافة. ...".

لكن ربما غاب عن بال ليزا غروشكو قانون القومية اليهودية الذي صدر عام 2018 والذي يميّز بين اليهود وغير اليهود في "إسرائيل" ويجعل القدس كاملة عاصمة لإسرائيل ويشجع على الاستيطان في الضفة الغربية.

وغاب عن بالها أن أول قانون دولي بخصوص فلسطين عام 1947 وهو الرقم 181 الذي قال بتقسيم فلسطين إلى دولتين إسرائيلية وفلسطينية، ثم جاء اتفاق أوسلو عام 1995 الذي كان محاولة- ولو غير منصفة- من الجانب الفلسطيني لاسترجاع قسم من أراضيهم، حيث وُعد فيه الفلسطينييون بدولة على أراضي الضفة الغربية وغزة عاصمتها القدس الشرقية، ومنذ ذلك الاتفاق، بنى الإسرائيلييون مجمّعات استيطانية ولم يتوقفوا حتى يومنا هذا، مع تطبيق نظام الفصل العنصري على الفلسطينيين، وسجن الآلاف منهم.

وهل سمعت ليزا عن نظم التعليم في المدارس الدينية الإسرائيلية وكيف يبدأ تعليم الأطفال على قتل العربي وبأنه إرهابي وحيوان ومتوحش منذ مقاعد الدراسة. أين هي المساواة الكاملة في مبادئ الصهيونية التي تتحدث عنها ليزا، وتنشرها صحيفة مونتريال غازيت على أنها حقائق. ألا يشبه ذلك غسل أدمغة القرّاء؟

قناتا CBC  وCTV

في مقابل صحيفة ناشيونال بوست المتطرفة في دفاعها عن إسرائيل ومونتريال غازيت المتطرفة في تجاهلها للإبادة الجماعية في غزة والتجويع والمآسي الإنسانية على يد إسرائيل، تنقل CBCو CTVأخبار المجازر في غزة من وكالات أخبار عالمية أبرزها أسوشييتد برس ورويترز وهاتان الوكالاتان عادة ما تكون غير منحازتين لأي طرف في وصفها للأحداث، وعلى هذه القاعدة يمكن وصف طريقة عمل CBC  وCTV

بتاريخ 16-9-2024 كتبت ياسمين حسن Yasmine Hassan في موقع CBC مقالًا بعنوان "قتلت وهي تمارس رياضة التزلج على الجليد في غزة، ويتمنى والدها أن تكون آخر طفلة تقتل في الحرب"، تناولت فيه قصة الطفلة تالا أبو عجوة (عشر سنوات) التي أصرّت على لعب rollerblading أمام المنزل، فقُتلت بغارة إسرائيلية.

تحاور الكاتبة والد تالا وتعرض القصة في إطار إنساني محزن حيث نزحت العائلة أكثر من 7 مرات وفي كل مرة كانت الطفلة تالا تصر على أخذ زلاجاتها معها، كما تعرض CBC لجثمان الطفلة وهي لا تزال منتعلة زلاجاتها. في الوقت نفسه، تقول الكاتبة أن المتحدّث باسم الجيش الإسرائيلي قال إنهم استهدفوا قناصًا فلسطينيًا في ذلك اليوم، ولا علم لهم بهذه الغارة. 

 كما تذكر الكاتبة استشهاد 11000 طفل منذ بدء الحرب الإسرائيلية على غزة. وفي الوقت نفسه تذكر أن الحرب الدامية على غزة بدأت إثر قتل حماس 1200 إسرائيلي وهي الرواية نفسها في كل الوسائل الإعلامية الكندية.

هنا نلاحظ إلقاء الصحيفة الضوء على حالة إنسانية والتوسّع في شرح المعاناة، وفي نفس الوقت محاولة أخذ موقف الجانب الإسرائيلي الذي يحاول تبرير فعلته.

وبالعودة إلى تاريخ 27-5-2024، تسلط CBC الضوء على القصف الإسرائيلي لخيم النازحين في رفح، في مقال بعنوان "الهجوم الإسرائيلي المميت على مخيم الخيام يؤكد ‘عدم وجود أمان‘ في غزة، كما يقول الناجون" مع عنوان فرعي "‘أينما ذهبنا سنموت هنا‘ تقول امرأة فلسطينية".

إذًا، نرى الموقف الفلسطيني في العنوان، مع تركيز على كلمة "مميت" في العنوان وفي متن المقال، فلا تبرير هنا لمثل هذه المجزرة. تعرض الكاتبة ريهانا شموكنك Rhianna Schmunk مقابلات مع ناجين لوصف ما جرى، وتذكر الصحيفة أن هذا الهجوم المميت أودى بحياة 45 شهيدًا فلسطينيًا من بينهم أطفال.

كما تتحدث الكاتبة عن الرسائل التي يُسقطها الجيش الإسرائيلي للفلسطينيين "من أجل سلامتكم، تطلب قوات الدفاع الإسرائيلية منكم مغادرة هذه المناطق على الفور والذهاب إلى الملاجئ المعروفة في دير البلح أو المنطقة الإنسانية في تل السلطان عبر طريق الشاطئ"، ثم تعرض الكاتبة لأحاديث الناجين، ومن هذه الأحاديث:

'اذهبوا إلى الجنوب.'... لذا عندما أتينا إلى هنا إلى الجنوب، ذبحونا أيضًا". و"كنا نجلس بأمان وفجأة وجدنا جثثا ملقاة على الأرض ودماء متناثرة على الأرض - رؤوس مقطوعة وأيدي مقطوعة... كنا نصرخ في بعضنا البعض" و"لا يوجد أمان. لن نخرج. أينما ذهبنا سنموت هنا".

في مقال آخر بتاريخ 18-9-2024 تنقل CBC عن أسوشييتد برس مقتل 9 وإصابة المئات في لبنان في انفجار لأجهزة البايجرات. ويذكر الخبر "يزيد من المخاوف بشأن الهجمات التي وقعت فيها مئات الانفجارات في الأماكن العامة، وغالبًا مع العديد من المارة، دون التأكد من هوية من يحمل الأجهزة المفخخة".

الخبر منقول تمامًا من الوكالة، وبالتالي فإن ذكر هذه العبارة يعدّ إدانة لإسرائيل، وهو ما يشير إلى أن حاملي الأجهزة قد لا يكونون من عناصر حزب الله. وما يلفت أن CBC في هذا المقال لم تذكر صفة إرهابي على عناصر حزب الله بل تركت الخبر كما جاء من أسوشييتد برس.

في حين كتبت ناشيونال بوست بنفس التاريخ عن "إصابة 3000 إرهابي في تفجيرات البايجرات" في خبر نقلته عن  Jewish News Syndicate ثم انفجار أجهزة walkie-talkies خلال جنازة لإرهابيين، والمقصود عناصر حزب الله، حيث وردت كلمة "إرهابيين" 15 مرة في هذا المقال.

إذًا، لا تعمد CBC لتغييب المآسي الفلسطينية، لكنها تعرض لمواقف الجانب الإسرائيلي في الوقت نفسه.

في المقابل، تضع CTV خانة للأخبار تحت عنوان "إسرائيل- حماس" بدلًا من أن تضع "إسرائيل- فلسطين"، وهذا يشير مباشرة إلى تبنّي الصحيفة أنه لا وجود لما يسمى فلسطين أو مقاومة فلسطينية، بل إن الأمر يقتصر على جماعة اسمها حماس. علمًا أن قصص الفلسطينيين في الضفة الغربية كثيرة، من قتل يومي لأبرياء على الطريق، وتدمير منازل، وأسر أطفال، وهم لا ينتمون إلى حماس.

الأمر الثاني هو إصرار CTV في كل مقال حتى 7 أكتوبر 2024 أن تذكّر القراء بيوم 7 أكتوبر 2023 وقتل 1200 مدنيًا إسرائيليًا، في تبرير مسبق على كل ما قامت به إسرائيل منذ ذلك اليوم، الذي لم يكن سوى ردّة فعل على كل ما قامت به إسرائيل بحق الفلسطينيين منذ العام 1948، إضافة إلى الحصار الذي كان يعاني منه الفلسطينيون في غزة منذ العام 2005 ومنعهم من استخدام بحر غزة ومن أبسطها منع الصيادين من التقدّم قليلًا في البحر. وهو البحر الذي يمتلك ثروات طبيعية هائلة من الغاز، منعت إسرائيل فلسطين من استخراج الغاز والاستفادة منه على الرغم من أن "اتفاق أوسلو" كان ينص على حق الفلسطينيين في الاستفادة من غاز بحر غزة.

إن مقالات CTV المتعلقة بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني مستقاة بالمجمل، من وكالات أنباء عالمية وأبرزها أسوشييتد برس، وهذه الوكالات، كما ذكرنا، عادة تشير إلى الأحداث كما حصلت تمامًا مع إظهار آراء كلا الطرفين، وتتّسم بعدم الانحياز.

ففي تاريخ 11-9-2024 نقرأ مقالًا بعنوان " غارات جوية إسرائيلية تضرب مدرسة ومنازل في غزة وتقتل 34 شخصًا على الأقل، بحسب المستشفيات"، ويتناول المقال هذه المجزرة التي حصلت في غزة، إذ يذكر:

"تكتظ مدارس غزة بعشرات الآلاف من الفلسطينيين الذين طردوا من منازلهم بسبب الهجمات الإسرائيلية وأوامر الإخلاء. تعرّضت مدرسة الجاعوني، وهي واحدة من العديد من المدارس في غزة التي تديرها وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، لضربات متعدّدة خلال الحرب".

ثم يذكر ما يلي:

"في الضفة الغربية المحتلة، شنّت القوات الإسرائيلية غارات في عدة بلدات مدعومة بغارات جوية، واستمرت في حملة القمع في جميع أنحاء المنطقة التي يقول الجيش إنها تستهدف المسلحين ولكنها دمرت الأحياء وقتلت المدنيين".

إن ذكر "لكنها دمّرت الأحياء وقتلت المدنيين" يشير إلى عدم تبرير الغارات الجوية التي تقوم بها إسرائيل وتقتل المدنيين بحجة استهدافها لمسلحين، ولكن في المقابل نقرأ:

"أطلقت إسرائيل حملتها متعهدة بتدمير حماس بعد هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول على جنوب إسرائيل والذي قتل فيه المسلحون نحو 1200 شخص واختطفوا 250 آخرين". وهو ما يعدّ تبريرًا لحرب الإبادة الإسرائيلية من ناحية أخرى. 

وفي تاريخ 14-9-2024 نشر موقع CTV مقالًا بعنوان "إسرائيل تقصف غزة خلال دفن ناشطة أمريكية قُتلت بنيران إسرائيلية"، فلم يتم التعتيم على هذا الخبر، وهو أن قناصًا إسرائيليًا أطلق النار على الناشطة التركية الأميركية Aysenur Ezgi Eygi على رأسها خلال احتجاجات في الضفة الغربية، فماتت على الفور.

وعلى الرغم من أن هذا المقال يتضمن أن الأحداث في غزة بدأت مع قتل حماس 1200 إسرائيليًا، إلا أننا سنقرأ أيضًا ما يلي: "مع اشتعال الحرب في غزة، تقتل حملة إسرائيل القمعية على التمرد في الضفة الغربية الشباب الفلسطينيين". وهي إشارة إلى ما تقوم به إسرائيل في الضفة الغربية من عمليات قتل يومي خلال حملات القمع.

وبتاريخ 18-9-2024 نقرأ عن انفجار البايجرات تقريرًا بعنوان "انفجار أجهزة إلكترونية يقتل 14 ويصيب 450 في اليوم الثاني من الانفجارات في لبنان" وتناول التقرير قضية انفجار البايجرات، دون أن يشير ذلك إلى صفة "إرهابي"، وهذا يعود إلى أن المقال منقول عن أسوشييتد برس، ودون تدخّل من محرّري CTV.

ويتضمن هذا التقرير العبارة التالية "تقول وزارة الصحة في غزة إن أكثر من 41 ألف فلسطيني قُتلوا في القطاع منذ هجوم حماس في 7 أكتوبر. لا تفرّق الوزارة بين المقاتلين والمدنيين في إحصائها، لكنها تقول إن أكثر من نصف القتلى كانوا من النساء والأطفال. وتقول إسرائيل إنها قتلت أكثر من 17 ألف مسلح، دون تقديم أدلة". إذًا، يتم تقديم وجهتي النظر كما هي.

الأمر نفسه في مقال آخر بعنوان "إسرائيل تمدّد تحذيرات الإخلاء في لبنان، مما يشير إلى هجوم أوسع نطاقًا" نُقل عن أسوشييتد برس، بتاريخ 3-10-2024، وتضمّن التقرير شهادات من الصليب الأحمر اللبناني لاستهداف إسرائيل مسعفين كانوا يحاولون نقل قتلى وجرحى، وكان تحرّكهم بالتنسيق مع قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة. وذكر التقرير أنه لم يرد أي تعليق فوري من الجيش الإسرائيلي. 

كما يتضمن التقرير إفادات من السكان في بيروت باستخدام إسرائيل قنابل الفوسفور التي تتسبّب بحروق شديدة وتنتهك القانون الدولي، ولكن ذكر التقرير عن هؤلاء السكان عبارة "دون تقديم أدلة". ثم أشار إلى أنه "اتهمت جماعات حقوق الإنسان إسرائيل في الماضي باستخدام قذائف الفوسفور الأبيض الحارقة على البلدات والقرى في جنوب لبنان".

كما أشار التقرير إلى أن "الجيش الإسرائيلي قال بأنه يمتلك قذائف تحتوي على الفوسفور الأبيض والتي لا تنتهك القانون الدولي، لكنه لم يذكر ما إذا كانت قد استخدمت في الهجوم". إذًا، يتم نقل وجهات النظر المختلفة دون تأكيد أي مصدر.

وفي 13-10-2024 تنقل CTV عن أسوشييتد برس تقريرًا بعنوان: "نتنياهو يدرس خطة لإخلاء شمال غزة من المدنيين وقطع المساعدات عن من تبقى بالداخل"، ويبدأ التقرير بعبارة "يدرس رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خطة لإغلاق المساعدات الإنسانية لشمال غزة في محاولة لتجويع مسلحي حماس، وهي الخطة التي قد تؤدي، إذا تم تنفيذها، إلى حبس مئات الآلاف من الفلسطينيين غير الراغبين أو غير القادرين على مغادرة منازلهم بدون طعام أو ماء"، ثم يذكر المقال:

"لم تدخل أي شاحنات محمّلة بالطعام أو الماء أو الأدوية إلى الشمال منذ 30 أيلول/ سبتمبر، وفقًا للأمم المتحدة وموقع الوكالة العسكرية الإسرائيلية التي تشرف على معابر المساعدات الإنسانية. وتقول جماعات حقوق الإنسان إن الخطة من المرجّح أن تجوّع المدنيين وأنها تتعارض مع القانون الدولي، الذي يحظّر استخدام الغذاء كسلاح والنقل القسري. إن الاتهامات بأن إسرائيل تحدّ عمدًا من وصول الغذاء إلى غزة تشكل جوهر قضية الإبادة الجماعية المرفوعة ضدها في محكمة العدل الدولية، وهي الاتهامات التي تنفيها إسرائيل".

 إن CTV من خلال ذكر المقطع الأخير، تسلّط الضوء على المعاناة الإنسانية في غزة، وتأكيد وإن بطريقة غير مباشرة على أن ما يحصل هو جزء من الإبادة الجماعية التي ترفض إسرائيل الاعتراف بها.

من خلال كل ما سبق، نلاحظ وجود فروق في التغطية بين ناشيونال بوست ومونتريال غازيت حيث المغالاة في التعتيم على جرائم الاحتلال الإسرائيلي في غزة وتبرير أفعالها الوحشية، وبين CBC وCTV من جهة أخرى اللتان تعمدان إلى التذكير بضحايا 7 أكتوبر في معظم المقالات عن الحرب الإسرائيلية على غزة كعامل تبرير لما تقوم به إسرائيل من قتل يومي، وبنفس الوقت فإنها تعرض للمجازر التي تُرتكب في غزة في إطار إنساني، كل بضعة أيام، علمًا أن حرب الإبادة الإسرائيلية لا تزال على نفس الوتيرة منذ 7 أكتوبر مع استشهاد أكثر من 50 فلسطينيًا كل يوم وإصابة أكثر من مئة فلسطيني وهو ما لا تغطيه هاتين الصحيفتين يوميًا.

 

* الصورة من عباس محمد - صدى اونلاين

الكلمات الدالة

معرض الصور