مونتريال- دارين حوماني
شهد وسط مدينة مونتريال بعد ظهر السبت واحدةً من أكبر التحركات النقابية في السنوات الأخيرة، إذ تدفّق عشرات الآلاف من المتظاهرين ضمن ائتلاف واسع من النقابات والمنظمات المجتمعية، للتعبير عن رفضهم لما وصفوه بـ"التحوّل اليميني المتسارع" لحكومة فرانسوا ليغو وحزب ائتلاف مستقبل كيبيك(CAQ). وقد قُدّر عدد الحاضرين بحوالي 50 ألف شخص، جاء بعضهم في حافلات مستأجرة من مختلف أنحاء المقاطعة، بل وحتى من مقاطعات مجاورة دعمًا للحراك.
المظاهرة، التي حملت شعار "في شوارع كيبيك"، جمعت تسع نقابات كبرى من بينها: FTQ، CSN، CSQ، CSD، FIQ، FAE، APTS، SPGQ، SFPQ والتي تمثّل مجتمعةً مئات الآلاف من العمال. كما انضمت خمس شبكات وطنية تضمّ نحو 4500 منظمة مجتمعية.
وقالت النقابات في بيان مشترك:
"مع تزايد تخفيضات الخدمات العامة، ونقص تمويل البرامج الاجتماعية، والهجمات على الضوابط والتوازنات، تشرع حكومة ليغو في تحول يمينيّ يُعرّض كيبيك التي بنتها أجيالٌ للخطر."
هذا الاصطفاف الواسع أعطى التحرك طابعًا استثنائيًا، حيث شارك موظفو القطاعات الصحية والتعليمية والخدمات الاجتماعية، إلى جانب عمال القطاعات الصناعية والخدمة العامة.
رفع المتظاهرون شعارات ضد العديد من القوانين والإجراءات التي تتخذها حكومة كيبيك، وأبرزها قوانين العلمانية 21 و 94 والقانون 3 و 14، كما نددوا بالمظالم التي يعيشونها باكتظاظ غرف الطوارئ ونقص العاملين في شبكات الخدمات الاجتماعية، إلى النقص الحادّ في المعلمين ومشكلات قطاع الصناعة. إلا أن الرسالة المركزية التي اتفق عليها المتظاهرون كانت رفض سياسات الحكومة التي تعتبرها "عقائدية ومتشددة".
من القوانين التي ندّد بها المتظاهرون:
مشروع القانون رقم 94: فرض حظر على ارتداء الرموز الدينية من قبل موظفي الدولة والمدرسين
يهدف القانون 94 إلى تعزيز العلمانية في شبكة المدارس في المقاطعة الكندية الوحيدة ذات الغالبية الناطقة بالفرنسية من خلال فرض حظر على ارتداء الرموز الدينية الظاهرة من قبل موظفي الدولة والمدرسين، بما في ذلك حظر غرف الصلاة في الجامعات والكليات وتقييد تقديم الوجبات الدينية في المدارس.
يسعى مشروع القانون أيضًا إلى منع المؤسسات العامة من تقديم نظام غذائي قائم حصرًا على تقاليد دينية، وسيوسّع نطاق شرط كشف الوجه في جميع دور الحضانة العامة والمدعومة. كما سيحظر مشروع القانون الصلاة في الأماكن العامة، مع استثناءات مُحددة بشروط.
وكانت حكومة كيبيك قد أقرّت القانون 21 وهو قانون يُرسّخ علمانية الدولة بمنع بعض الموظفين العموميين من ارتداء الرموز الدينية أثناء العمل. وينطبق القانون على المعلمين وضباط الشرطة والقضاة وغيرهم ممن يشغلون مناصب قيادية. ويشمل عناصر مثل الحجاب والقلنسوة اليهودية (الكيباه) والعمائم والصلبان. كما يحظر القانون على شاغلي هذه المناصب ارتداء أغطية الوجه التي تُخفي هويتهم، باستثناءات لأسباب طبية.
وقد اعتمدت حكومة كيبيك مشروع القانون رقم 94 في أكتوبر/تشرين الأول، لتوسيع نطاق حظر المقاطعة للرموز الدينية ليشمل الطلاب في الجامعات والكليات والمدارس.
مشروع القانون رقم 3: ضرب التمويل النقابي في الصميم
قدّم وزير العمل جان بوليه مشروع القانون رقم 3، الذي يقسّم رسوم النقابات إلى قسمين: رسوم إلزامية تموّل "الأنشطة الأساسية" فقط، ورسوم اختيارية تموّل أي نشاط آخر (مثل العمل السياسي والنضالات المجتمعية).
هذا المشروع يقلّص قدرة النقابات على تمويل عملها النقابي والدفاعي، واستخدام اشتراكاتها لتمويل أي شيء يتجاوز التفاوض، أو العقود، أو ظروف العمل، أو الالتزامات النقابية الأساسية. وتعتبر النقابات أن هذا يشكّل "هجومًا مباشرًا على حرية العمال في التعبير وتكوين الجمعيات".
مشروع القانون رقم 14: أداة لإنهاء النزاعات العمالية
هو قانون مُسرّع يمنح الحكومة صلاحيات لإنهاء النزاعات العمالية بسرعة. وترى النقابات فيه خطوة خطيرة قد تضعف وسائل الضغط القانونية المتاحة لها.

كيبيك تحتاج حكومة تستمع للناس لا حكومة تهاجمهم
ترى النقابات والمنظمات المجتمعية أن هذه المشاريع تُستخدم لصرف الأنظار عن الأزمات الحقيقية في الخدمات العامة، وتُعزز توجهًا سياسيًا يمينيًا يهدف إلى تقليص دور الدولة وإضعاف المؤسسات الوسطى والنقابات، وتعزيز صلاحيات الحكومة على حساب الهيئات المهنية
وقالت ماغالي بيكارد، رئيسة "صندوق التضامن" FTQ وهو أكبر اتحاد نقابي في كيبيك: "علينا أن نضع جانبًا مشاريع مثل دستور كيبيك وقانون الأطباء ومشروع القانون رقم 3. كيبيك تحتاج حكومة تستمع للعمال لا حكومة تهاجمهم."
واتهمت ميلاني هوبير، رئيسة "الاتحاد المستقل للتعليم" FAE، الحكومة بأنها "تنشر الفوضى" عبر سياسات تقسيم العمال وإضعاف الجبهات النقابية، معتبرةً أن هذه الاستراتيجية "تفاقم أزمات التعليم والخدمات الاجتماعية بدل حلّها".
ويرى قادة نقابيون أن الهجمة الحكومية على النقابات تأتي في لحظة تراجع قياسي في شعبية الحكومة. وقال غيوم بوفريت، رئيس اتحاد موظفي الخدمة العامة: "هذه حكومة في أدنى مستوياتها في استطلاعات الرأي، ولم تجد وسيلة لتعزيز شعبيتها إلا بمهاجمة العمال والنقابات."
ولا يستبعد قادة النقابات حدوث اضطرابات عمالية واسعة في الربيع المقبل، إذا استمرت الحكومة في المضيّ في مشاريعها المثيرة للجدل.
وقد توجّه المتظاهرون إلى مبنى مكتبي رئيس حكومة كيبيك ووزير العمل لتسليم رسائل واضحة برفض تخفيضات الميزانيات، والقوانين المناهضة للنقابات، والإجراءات التي يعتبرونها تهديدًا لحريات العمال.
وأمام المبنى وُضع مجسّمين كاريكاتيريين لكل من رئيس حكومة كيبيك فرانسوا ليغو زعيم حزب "ائتلاف مستقبل كيبيك" CAQ ووزير العمل في الحكومة جان بول. وفي سخرية مباشرة منهما ردّد المجسّم التنكري لوزير العمل كلمة للمتظاهرين قال فيها:
"أنا جان بول، وزير العمل في حزب CAQ، ومحامي أعمال بدوام جزئي. تحياتي أيها العامل العزيز. صباح الخير لقوى العمل الكيبيكية الرائعة. أنتم في غاية الأهمية بالنسبة لي ولنا. بالنسبة لحزب CAQ، كل شيء مهيأ لنعيش في عالم مثالي.
لا يمكن العيش في عالم مثالي كهذا. أعتقد أن هذا صحيح. لكي نعيش في هذه الأرض الموعودة، يجب أن نتوقف عن شيطنة الرؤساء وأصحاب العمل والمديرين ورؤساء العمل. غالبًا ما يكون أصحاب السلطة ضحايا للتعليقات السلبية. الشياطين، الغيرة، قلة الخبرة، أو بعض مشاكل التواصل تفسر هذه التعليقات المؤسفة.
ولكن يجب أن نضيف أيضًا ديماغوجية النقابات. هذه الديماغوجية النقابية تمنعنا من العيش في أفضل العوالم الممكنة. الرؤساء ليسوا الوحوش التي تصفها النقابات. الرؤساء طيبون، أقول لكم، الرؤساء طيبون، أعرفهم، أنا محاميهم، وأعتذر.
ما أردتُ قوله هو أنني كنتُ محاميًا لأصحاب العمل سابقًا، قبل أن أُصبح وزيرًا للعمل بعد أن خضعتُ للتطهير. سيقول البعض: "جان، منذ أن كنتُ وزيرًا، وأنا في عداد الأموات". ربما تغير أصحاب العمل. حسنًا، لا، لم يتغيروا. أعرف هذا لأني وزير العمل، وأزورهم كثيرًا في غرف التجارة؛ لم أفقد التواصل معهم قط.
لم أفقد شغفي أبدًا. وأريد أن أقول، في هذا العالم الأفضل حيث سأُدمر النقابات تمامًا، حتى يبقى أصحاب العمل والعمال الجيدون فقط. قد لا تعلمون هذا، إنها لا تحبكم. أجل، أجل. وأنا أيضًا. أحبكم. لهذا السبب، نحن الذين نحبكم، نطلب منكم أن تثقوا بنا لمصلحتكم".
آراء مشاركين في التظاهرة
استطلع موقع صدى أونلاين آراء عدد من المتظاهرين، وكان هناك شبه إجماع على الرغبة بانتخابات مبكرة في كيبيك باعتبارها وسيلة للكشف عن الواقع الحقيقي لآراء الشعب الرافضة على ما وصفوه بالقرارات "اليمينية" للحكومة.
مانويل تابيال Manuel Tapial: أغلقوا مكتب كيبيك في تل أبيب، وانظروا إلى شعب كيبيك
قال مؤسس حزب Palestine Vivra في كندا، مانويل تابيال، بأن "النضال من أجل فلسطين الحرة يجب أن يكون نضالًا متعدد الجوانب. وما نراه في فلسطين هو مجرد غيض من فيض، لكن القمع الذي يعيشه الشعب الفلسطيني هناك شديد للغاية. وكل شيء يبدأ من هذا النوع من السياسات التي تنتهجها هذه الحكومة ضد شعبها".
وأكد تابيال أن ما نراه "هو حكومة تهاجم الجميع، تهاجم الطبقة العاملة، تهاجم المسلمين، باختصار، كما نرى في هذه المظاهرة أن هناك العديد من الحساسيات المختلفة. هذا يعني أن هذه الحكومة ضد الجميع".
ووجّه رسالة إلى رئيس حكومة كيبيك "أغلقوا مكتب كيبيك في تل أبيب، وانظروا إلى شعب كيبيك. يبدو الأمر كما لو أنكم تهاجمون الجميع. سندافع عن أنفسنا وسنوحد قوانا جميعًا. ليس فقط من يعملون مع فلسطين، بل مع الطبقة العاملة. يبدو الأمر كما لو أنكم تهاجموننا. ونحن نقول لكم إننا سندافع عن أنفسنا".
سيرج باتينواد Serge Patenuade: هذه الحكومة ليست حكومة الشعب وتخدم مصالح الإمبرياليين الأميركيين
اعتبر سيرج باتينواد أن "منظمات العمال، بما فيها النقابات، عندما تحشد قواها استجابةً لاحتياجاتهم، ولتلبية احتياجاتهم، تجد نفسها، بفعل ذلك، تتقدم أو تتراجع، تناضل من أجل احتياجات الشعب، شعب كيبيك بأكمله".
وأضاف: "عندما أقول شعب كيبيك، أعني الشعب، بمن فيهم الناس من جميع الأصول. يجب ألا نخلط بين الأمرين. سبب وجودي هنا اليوم هو أن جميع العمال في الشوارع يطالبون بإنهاء هذا النظام، نظام حزب كيبيك الكندي، ونظام الدولة الإمبريالية في كيبيك الخاضع لسيطرة الإمبراطورية الأمريكية:.
وأكد باتينواد "الأمر بسيط: منذ زمن بعيد، كان 80% من القطاع الرئيسي من اقتصاد كيبيك تحت سيطرة أو هيمنة الإمبرياليين الأمريكيين. جميع الإجراءات التي يطبقونها حاليًا ضد العمال، سواء في مجال الرعاية الصحية أو التعليم أو الخدمات العامة أو النقل العام، هي إجراءات تُثري هؤلاء المليارديرات". مضيفًا أن "هذه الإجراءات صمّمت لسحق الشعب وإخضاعه".
وشدّد باتينواد أن "شعب كيبيك شعبٌ لا يُقهر، لن يقبل هذا الشعب أبدًا أن يكونوا عبيدًا للإمبرياليين الأميركيين وأتباعهم في كندا".
وعبّر باتينواد عن سعادته لرؤيته هذه الحشود في الشوارع، وقال إن شعب كيبيك منذ أكثر من 50 عامًا وهو يطالب بحقوقه في الشوارع، واليوم يرى العلم الفلسطيني مرفوعًا في التظاهرات:
"اليوم لدينا علم الشعب الفلسطيني هنا. إنهم إخواننا، الشعب الفلسطيني، هذا أمرٌ جيدٌ جدًا لأنه يجب أن يكون معروفًا ومفهومًا. سببٌ مهمٌ آخر لوجودي هنا اليوم هو أن ليغو حاول منع مظاهرات التعاطف والتضامن مع الشعب الفلسطيني. ضَغَطَ على رئيسة البلدية، السيدة فاليري بلانت. ضَغَطَ على شرطة مونتريال لمنع مظاهراتنا. لم ينجح لأن هؤلاء الناس قالوا إننا سنحترم القانون بعد ذلك. ما زال غير راضٍ. ظهر على التلفزيون ليقول إنه سئم من رؤية الصلاة في الشوارع. إنه منافق حقير".
وأضاف باتينواد: "يجب أن يكون عند حائط المبكى. لقد فتحوا مكتبًا في تل أبيب بأموالنا، ودون موافقتنا. لقد وضع نتنياهو مكتبه الجنائي في مكاتب الدولة الكندية، في ولاية كندا. لكن لا شيء يتوافق مع السلاح في كيبيك، مع قيم شعب كيبيك، لا شيء على الإطلاق. لقد حاربنا قوة أجنبية تُدعى الإمبراطورية البريطانية. والآن، تقف إلى جانب الإمبراطورية الأميركية، ومرة أخرى إلى جانب إنكلترا لارتكاب مجازر، وللسيطرة على الوطن التاريخي للشعب الفلسطيني. لهذا السبب أنا هنا.
وأكد باتينواد: "حكومة كيبيك لا تمثل شعب كيبيك. هذه الحكومة مُفوضة وتخدم مصالح الإمبرياليين. أي الأجانب فقط، الغرباء عن الشعب. إنهم الإمبرياليون الأمريكيون، وهم في خدمتهم".
وختم باتينواد: "إنها ليست حكومة الشعب، إنهم سياسيون أجانب عنا وماديون".
اعتبرت الناشطة بايا الهاشمي أن هذه التظاهرة هي، في جوهرها، مظاهرة مشتركة بين النقابات ضد مشاريع القوانين التي فرضتها "شركة ليغو وحزب كيبيك الديمقراطي في كيبيك"، وقال:
"أرى رابطًا بين المطالب النقابية وبين فلسطين. إن التحول اليميني لهذه الحكومة وجميع الحكومات في أوروبا وأمريكا هو أحد أعراض ما يحدث أيضًا في فلسطين".
وأشارت الهاشمي: "علاوة على ذلك، فتحت كيبيك مكتبًا في تل أبيب، رغم الإبادة الجماعية، ورغم القوانين الدولية، ورغم العقوبات. لكن الإجراءات القانونية ضدهم لا تصمد. لذا، فهي، بطريقة ما، طريقة لإظهار التضامن، ولإثبات للناس أن كل شيء مترابط، سواء كانت النضالات هنا المناهضة للرأسمالية، أو المناهضة للفاشية، أو ما تفعله كيبيك هنا؟ ما تفعله حركة كيبيك فيما يتعلق بالديمقراطية مرتبط ارتباطًا مباشرًا بما يحدث في العالم.
ووجّهت رسالة إلى حكومة كبيبك:
"أطلب إغلاق مكتب كيبيك في تل أبيب. هذا هو أول شيء. ثانيًا، القوانين المناهضة للديمقراطية لن تؤدي إلا إلى التطرف. وإذا كانوا يريدون جرّنا إلى الحرب، فهم بارعون جدًا في ذلك. أعتقد أنهم يفعلون ذلك لأنهم يحرضوننا على بعضنا البعض. عندما نريد جميعًا أن نعيش بسلام، كما نحن، لسنا فقراء لكننا أصبحنا جميعًا ضحايا رأس المال الكبير، وضحايا رجال الأعمال الذين يتخذون القرارات من مواقعهم، والذين يقولون لنا إنهم يفعلون ذلك لمصلحتنا، لكنهم في النهاية يبذلون قصارى جهدهم لإسكات المعارضة، وإسكات من يعملون من أجل التغيير الاجتماعي".
لبنى أوروش: لا ينبغي الخلط بين الأمور الدينية والعمل، نحن نؤدي عملنا، ولكن بحجابنا
اعتبرت الاختصاصية التربوية لبنى أوروش أن قرارها بالمشاركة في التظاهرة جاء دفاعًا عن حريتها الشخصية. تقول المعلمة: "نحن شعبٌ حر.. عندما جئتُ إلى مونتريال كنتُ مسلمة آتية من بلدي، وهم يريدون أن أنزع حجابي حين أمارس دوري التربوي، وهذا محرَّم، ولكن لا خطأ فيه. هذا الحجاب هو حبي، وهو روحي، ولا يضرّ أحدًا."
وأوضحت أنها ترتبط بعلاقة قوية مع الأطفال الذين تُدرّسهم، مشددة على أن ارتداءها للحجاب لم يكن يومًا عائقًا في عملها التربوي، بل على العكس: " لا ينبغي الخلط بين الأمور الدينية والعمل، فنحن نؤدي عملنا، نعم، ولكن بحجابنا. الأطفال يحبونني بحجابي، لأنني أتعامل معهم بلطف وحنان، وأغرس فيهم الأخلاق والتربية… نحن لا ننظر إلى أحد نظرة انتقاص، بل نفيد الأطفال."
وتروي أوروش جانبًا من طبيعة علاقتها بتلاميذها، ولا سيما أولئك الذين يعانون من ظروف أسرية صعبة، قائلة: "عندما يأتي طفل ويخبرني أن أمه لا تتعامل معه بطريقة طيبة، أحاول دائمًا أن أقرّبهم من بعضهم… ديني يأمرني بألّا أحرض الابن على أمه، بل أن أزيده حبًّا لها". وتضيف أن الأطفال يجدون لديها دعمًا عاطفيًا كبيرًا: "الطفل عندما يأتي جائعًا أو بردانًا يجد عندي الحضن الدافئ… نحبهم كما نحب أبناءنا، ولا نفرّق بين طفل مسلم أو غير مسلم."
وعن انعكاسات القانون على الحياة اليومية، أكدت أن الأمر يتجاوز حدود الموظفين إلى الأطفال أنفسهم: "بعض الأطفال قالوا لي: يا مدام، إذا أجبرُوك على نزع الحجاب وأنتِ لا تريدين ذلك، هل ستتوقفين عن المجيء؟… والله إن بعضهم بكى". وشددت على أن الحجاب لا يمكن التعامل معه باعتباره تهديدًا: "حجابي ليس سلاحًا، ولا يضرّ أحدًا."
ورأت أوروش أن رسالة المشاركين في التظاهرة واضحة، وهي دفاع عن قيم التعايش: "نرجو أن تُسمِع هذه التظاهرة صوتنا… نحن هنا ليس لصناعة المشاكل، بل للمساعدة وللتعايش. دينُنا يحثّنا على الرحمة والمودة والطيبة."
وفي ختام حديثها، وجّهت رسالة مباشرة إلى السلطات: "اتركونا نعيش كما نريد، كما نترككم تعيشون كما تريدون… احترام الجميع هو الأساس. احترمْني كما أنا، وأحترمُكَ كما أنت، وعندها نستمر معًا ونتقدم".
تشارلز غالارنو Charles Galarneau: ستدفع الحكومة ثمن هذه القوانين
أوضح تشارلز غالارنو، وهو ناشط في رابطة العمل الاشتراكي (LSA) المنظمة التروتسكية الرئيسية في كندا، أن مشاركته جاءت بدافع القلق على مستقبل الحركة العمالية وأوضاع البلاد الاقتصادية. يقول غالارنو: "انضممتُ إلى المظاهرة لأنني أعتقد أنه من المهم وجود معارضة مستقلة من الطبقة العاملة لهذه الحكومة… أعتقد أنها اليوم استعراض للقوة، وهذا أمر جيد."
ويشير إلى أن النقابات بحاجة إلى إعادة النظر في أساليب عملها: "على الحركة النقابية مناقشة استراتيجيات مختلفة للمضي قدمًا، لأن ما كانوا يفعلونه في السنوات الأخيرة لم يُجدِ نفعًا." ويؤكد أن التعبئة الواسعة التي شهدها هذا اليوم مهمة، لكنها تطرح سؤالًا جوهريًا: "من الجيد أن يكون هناك مظاهرة واحدة في يوم من الأيام، ولكن ماذا تفعل بعد ذلك؟".
وعبّر غالارنو عن مخاوفه من أن يبقى الحراك الحالي مجرد تنفيس لغضب العمال، في ظل الظروف الاقتصادية المتدهورة: "الناس غاضبون جدًا… يعاني الناس في هذا المجتمع اقتصاديًا، وجميع أنواع الخدمات العامة في حالة من الفوضى… الناس خائفون على وظائفهم وسبل عيشهم." ويحذّر من أن تكرار سيناريوهات الماضي قد يؤدي إلى خيبة أمل: "أثبت التاريخ أن هذه المظاهرات مجرد مظاهرة واحدة، ثم لا يحدث شيء… سيكون ذلك محبطًا لكثير من الناس."
وفي ختام حديثه، وجّه رسالة صريحة للحكومة، داعيًا إياها إلى التراجع عن تشريعاتها: "تراجعوا، بالنسبة للقوانين المناهضة للنقابات، لأنها ستنقلب عليكم عاجلًا أم آجلًا، وستعود الحركة النقابية قوية، وستدفعون ثمن هذه القوانين".
أيميريك لالاند Aymeric Lalande: حان الوقت للدعوة إلى انتخابات
قال الناشط أيميريك لالاند من OUI Quebec"المنظمات المتحدة من أجل الاستقلال" (Organisations unies pour l’indépendance) "أنا هنا من أجل التضامن مع العمال، ولكن قبل كل شيء أيضًا لمعارضة حزب كيبيك المستقل، ودعم نقاباتنا التي تعمل بجد الآن، والتي تعاني من بعض المشاكل، بل وتتعرض للتهديد من الحكومة، أود إظهار القليل من التضامن".
وأكد لالاند ضرورة إجراء انتخابات مبكرة وقال: "لقد حان الوقت للدعوة إلى انتخابات. الناس قد سئموا من قوانين الحكومة، ومن قوانين العمل المختلفة التي وضعها حزب كيبيك المستقل".
وعبّر عن رغبته باستقلال كيبيك: "لتحيا كيبيك حرة. الوقت قد حان للحكومة لاتخاذ موقف مؤيد لاستقلال كيبيك. وسأبقى على هذا النهج".
بيانكا صقر: قوانين العلمانية تسبب لنا مشاكل نفسية لأننا قلقون على حياتنا
بدورها عبّرت السيدة بيانكا صقر عن قلقها من القانون 94 وقالت: "أنا هنا من أجلي، من أجل عملي. أنا هنا من أجل ابنتي. نحن مسلمون، وأخشى على حقوقنا في المستقبل".
وأضافت: "لا يمكننا العودة إلى بلادنا. لقد ولدت في مكان آخر، لكن بناتي، أبنائي، ولدوا هنا. لذا فهم كيبيكيون مثل الآخرين، ويجب أن يكون لهم نفس الحقوق. مثل الآخرين. أنا هنا منذ 22 عامًا، لكن أطفالي وُلدوا هنا. لا يمكنني إعادتهم إلى بلدي. إنه ليس بلدهم. بلدهم هو هنا. ".
وأشارت صقر أن هذه القوانين التي سنتها كيبيك ستؤثر على حياة المجتمعات "إنها تؤثر عليّ وعلى عائلتي، وفي كل مكان. كل هذا قد يسبب لنا مشاكل نفسية لأننا قلقون على حياتنا. على مستقبلنا.على مستقبل أطفالنا أيضًا. نحن قلقون بشأن مستقبلنا هنا منذ أن صدر القانون 21 والآن 94".
ووجهت رسالة لليغو: "عليه أن يعلم أنه لا يستطيع أن يأخذ منا حقوقنا، ويأتي بين ليلة وضحاها ليقول: هذا هو القانون. الأمر هكذا. عليك أن تأخذه أو تترك البلد. لقد أتينا إلى هنا، ونساعد في بناء هذا البلد. ومقاطعة كيبيك لأولادنا أيضًا".
شيماء سوسان: يجب معالجة نقص السكن أولًا، ثم مشكلة الرعاية الصحية، بعد ذلك سنتحدث عن العلمانية
عبّرت إحدى المشاركات في التظاهرة عن رفضها لما وصفته بتضييق متزايد على الحريات الفردية والدينية. وقالت السيدة، شيماء سوسان "في هذا القانون، لا يمكننا الوقوف مكتوفي الأيدي من أجل قانون واحد أو اثنين أو ثلاثة. نحن متأثرون بالعديد من القوانين هنا… من المفترض أن يكون هذا من أجلنا، من أجل أطفالنا، من أجل مستقبل كيبيك."
ورأت سوسان أن ما يُطرح اليوم باسم العلمانية لا يُطبّق على أرض الواقع بالشكل الذي يُروّج له، مضيفة: "إنهم هنا لحرماننا من عاداتنا وأدياننا وممارساتنا… لا يمكننا قبول ذلك لأننا نضطهد بعض الناس بناءً على الآخرين." وتشير إلى أن خطاب المساواة بين الجنسين يُستخدم بشكل غير منصف ضد النساء المحجّبات: "حقيقة أنك تطلب من شخص ما إزالة رمز ديني ثم تقول إنه أُجبر من قبل الرجال… أعتذر، لكن رجالنا لا يجبروننا على ارتدائه أو خلعه. ليست الحكومة هي التي ستغير رأيي وتنزع رمزي الديني."
وأوضحت أن تأثير هذه القوانين بدأ يظهر في الحياة اليومية وفي المؤسسات التعليمية التي تعمل فيها، مؤكدة: "في السابق، في الصيف، كنا نعيش معًا باحترام. الآن نرى أن الناس بدأوا ينظرون إلينا بشكل مختلف… نرى ذلك حتى بين الطلاب" وتضيف أن بعض أولياء الأمور باتوا يتعاملون مع العاملين في المدارس بناءً على تصورات مسبقة حول مستقبل وجودهم: "هناك أولياء أمور يقولون: نريده، لا نريده… وأحيانًا ترى عدم احترام الطلاب للعاملين لأنهم، بالنسبة لهم، ‘لن تكونوا هناك قريبًا‘".
وفي رسالتها إلى الحكومة، دعت إلى التركيز على القضايا الأكثر إلحاحًا قبل الخوض في تعديلات تتعلق بالعلمانية، قائلة : "فلتبدأ الحكومة بتحديد الأولويات وإيجاد حل للتعليم… يجب معالجة نقص السكن أولًا، ثم مشكلة الرعاية الصحية. بعد ذلك سنتحدث عن العلمانية، لأنها تأتي في المرتبة الثانية."
الناشطة نجمي: المطلب الرئيسي الآن هو أن يتنحى ليغو جانبًا
الناشطة نجمي (فضّلت عدم مشاركة اسمها الكامل وصورتها) من جمعية "فراما سوفت" (Framasoft) وزّعت منشورات للجمعية خلال التظاهرة تتضمن رؤية الجمعية:
"متحدون ضد القوانين المعادية للإسلام والقومية القائمة على الهوية والمتجذرة في تفوق العرق الأبيض!
أدى اعتماد حكومة حزب كيبيك لمشروع القانون 94 ودعمه من حزب كيبيك العمالي إلى إقرار قانون جديد، يستند إلى نفس مبادئ القانون 21، والذي سيُرسي عددًا من الإجراءات التمييزية التي تسعى إلى تهميش العاملين المسلمين والمهاجرين في مجال التعليم. مع مشاريع القوانين الجديدة التي طُرحت في الأيام الأخيرة، أصبح لدى سياسيي كيبيك هدف واضح: إيجاد كبش فداء ذي نفع سياسي، وانتهاك مواثيق حقوقنا، مع تجنب أي حلول حقيقية لنضالات الطبقة العاملة. على العمال والنقابات والهيئات المحلية والمجتمع ككل أن يتحدوا لمواجهة اضطهاد المجتمعات المسلمة وخطاب كراهية الأجانب. يجب تنظيم حركة مناهضة للعنصرية، ونسوية، ومناهضة للاستعمار، ومناهضة للرأسمالية، ومناهضة للفاشية، لمحاربة الإسلاموفوبيا وتلك الاعتداءات على حقوق الجميع".
ورأت الناشطة أن "حكومة كيبيك تُقرّ، وتُقترح العديد من القوانين الاستبدادية للغاية. إنها ليست ديمقراطية، ولا تحترم ميثاق الحقوق، ولا ميثاق كيبيك، ولا ميثاق كندا. لذا تُداس حقوق الناس.
وأضافت: "متحدون ضد القوانين المُعادية للقومية القائمة على الهوية والمتجذّرة في التفوق. يتعلق بالعديد من القوانين التي أقرّوها، مثل القانون رقم 21، ثم أقرّوا قانونًا آخر، سُمِّيَ مشروع القانون رقم 94 الذي لا يريد غرف صلاة".
وأكدت الناشطة أن جزءًا كاملًا من المجتمع مضطرون الآن لإخفاء جزء من هويتهم "هذا يقيد حريتهم. ولا يعطيهم الحرية ليحققوا كامل إمكاناتهم".
واعتبرت الناشطة نجمي أن حكومة كيبيك يجب أن تستمع إلى الشعب، مضيفة: "انظروا إلى الناس هنا. هناك حوالي 50 إلى 100 ألف شخص هنا. وهم يعارضون القوانين الجديدة. يقولون إن عمل الحكومة يجب أن يكون ديمقراطيًا. يجب أن تستمتع الحكومة إلى إرادة الشعب". وختمت:
"أعتقد أن المطلب الرئيسي الآن هو أن يتنحى ليغو جانبًا".
201 مشاهدة
30 نوفمبر, 2025
190 مشاهدة
21 نوفمبر, 2025
249 مشاهدة
20 نوفمبر, 2025