Sadaonline

عرض فيلم "ولد في غزة" في مونتريال: تعرية السردية الإسرائيلية كضحايا أمام شعوب العالم

عمدت "الجمعية الفلسطينية الكندية في كيبيك" إلى عرض الفيلم الذي له أهميته في دعم غزة وإيصال أصوات أطفالها للعالم وكيفية دعمهم من كندا.

دارين حوماني ـ مونتريال

في 8 يوليو/ تموز 2014، أطلق الكيان الصهيوني "عملية الجرف الصامد" على قطاع غزة، وفي السادس عشر من الشهر نفسه، وفيما يلعب ثمانية أولاد بالكرة على شاطئ غزة، إذ بغارة تشنّها البوارج الإسرائيلية وتستهدفهم ليُقتل أربعة منهم ويُصاب الأربعة الآخرون بجروح بليغة، هم أنفسهم أبطال الفيلم الوثائقي "ولد في غزة" (Nacido en Gaza). فحسب موقع "hollywoodreporter"  في تموز/ يوليو 2014، انتشرت صور هذه الغارة الجوية على المستوى العالمي، مما دفع المخرج الإسباني هيرنان زينHernán Zin   إلى السفر لغزة وتصوير هذا الفيلم الوثائقي تحت القصف لنقل معاناة أطفال غزة وإبلاغ العالم عن معاناتهم المسكوت عنها والمغلق عليها لاتخاذ موقف إنساني. فقد استمرت الحرب حتى 26 آب/ أغسطس 2014. وسقط وقتها 2251 شهيدًا من بينهم 579 طفلًا كما أصيب عشرات الآلاف.  لكن كل ما يملكه هذا الفيلم من توثيق للقتل والدمار وللأصوات والآلام عميقة هي كلها صور طبق الأصل عن الإبادة الحالية المستمرة في غزة منذ خمسة عشر شهرًا.

صحيح أن الفيلم من إنتاج العام 2014 لكن بعد طوفان الأقصى انطلقت حملات إلكترونية لمشاهدته، ودخل الفيلم خلال العام 2024 في قوائم الأعمال الأكثر مشاهدة على منصة نتفليكس،  ولكن ما حصل في شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2024 أن نتفليكس قامت بحذف 19 فيلمًا من "فئة فلسطين"، وقد وُجهّت انتقادات واسعة لهذه المنصة حيث وجد المستخدمون أن عددًا كبيرًا من المحتوى عن فلسطين لم يعد متاحًا، وتساءل الكثيرون في تعليقاتهم عما إذا كان الضغط من الجماعات المؤيدة لإسرائيل قد دفع الشركة إلى إزالتها. وعلّقت منظمة حقوق الإنسان Freedom Forward "نحن قلقون للغاية من أن حذف نتفليكس لمكتبتها بالكامل تقريبًا من الأفلام الفلسطينية من شأنه أن يزيد من تهميش الأصوات الفلسطينية في وقت يتعرض فيه أكثر من مليوني فلسطيني في غزة للإبادة الجماعية من قبل الجيش الإسرائيلي. يأتي هذا المحو للأصوات الفلسطينية من قبل نتفليكس بعد عقود قبيحة من قمع وجهات النظر والروايات الفلسطينية من قبل شركات الأخبار والترفيه الغربية".

ولكن نتفليكس برّرت الحذف بأن مجموعة قصص فلسطينية تضم 32 فيلمًا تم إطلاقها في تشرين الأول/ أكتوبر 2021 كجزء من صفقة ترخيص مدتها ثلاث سنوات، مضيفة: "انتهت صلاحية هذه التراخيص الآن". وقد تم التشكيك في سبب اتخاذ مثل هذا القرار. حيث قالت منظمة Freedom Forward أنه يجب على Netflix أن تفعل كل ما في وسعها لمشاركة القصص الفلسطينية مع العالم" (*).

وقد عمدت "الجمعية الفلسطينية الكندية في كيبيك" وضمن أنشطتها التي تحفظ الذاكرة الفلسطينية، للأجيال الجديدة في كندا خاصة، إلى عرض الفيلم مساء السبت في الحادي عشر من الشهر الحالي، وتبع العرض نقاش حول الفيلم وأهميته في دعم غزة وإيصال أصوات أطفالها للعالم، وكيفية دعمهم من كندا. 

 

جوائز عالمية

حاز فيلم "ولد في غزة" على "جائزة فوركي" في مدريد كأفضل فيلم وثائقي عام 2016، كما فاز بـ"جائزة لجنة التحكيم في مهرجان الجزيرة للأفلام التسجيلية" عام 2015، وتم ترشيح الفيلم لـ"جائزة غويا" عام 2016، و"جائزة بلاتينو للسينما الأيبيرية الأمريكية" و"جائزة رابطة كتّاب السينما" في إسبانيا كأفضل وثائقي عام 2015.

وهيرنان زين هو مخرج ومنتج وكاتب ومراسل حربي إسباني من أصل أرجنتيني، وتُعرض أفلامه على منصات الأفلام العالمية، وتُرشّح بشكل دائم لأهم الجوائز الدولية والعالمية، وكان قد فاز عام 2018 في "مهرجان مونتريال السينمائي  العالمي" عن فيلمه "Dying To Tell".  

قصة الفيلم

يتناول فيلم "ولد في غزة" في 72 دقيقة كيف تغيّر الحروب حياة الأطفال وتجعلهم أكبر سنًا مما هم عليه. أبطال الفيلم هم عشرة أطفال، لا أصوات أخرى غيرهم في الفيلم، وإن كان كلّ منهم يحكي ألمه الخاص إلا أنهم يحكون بصوت كل غزّي لا يزال يؤاسي تحت القصف المتواصل الحالي على غزة. وبهذا المعنى يصبح الفيلم وثيقة حية عن غزة، سابقًا وحاليًا ولاحقًا، طالما هي تحت مقصلة الاستبداد الصهيوني. 

إنها الحياة من منظور أطفال غزة.. يُخبر حمادة ومنتصم بصوت حزين ومكسور كيف استهدفتهما الغارة الإسرائيلية فيما كانا يلعبان على الشاطئ مع أولاد عمومهما، وكيف استشهد أربعة منهم. يحكيان عن الشظايا التي أصيبا بها. ثم يقول منتصم الذي يعاني من اضطرابات ما بعد الصدمة "شعوري غريب، كل يوم أقول أريد أن أموت، أريد أن أرمي نفسي عن الشرفة، توقفني أختي". ويخبر حمادة بأن حالة منتصم "أصعب حالة فينا. يصرخ دائمًا ويقول بأنه يرى روح أخيه في الليل"، أخوه الذي استُشهد أمامه فيما كانوا يلعبون، ورآه أشلاء.

يضيف حمادة "كل شيء مغلق بوجهنا، برًا وبحرًا وجوًا، هذه ليست حياة. تركت مدرستي لأقدّم الشاي في مقهى. أنا طفل وأحلم أن أعيش مثل كل الأطفال في العالم"، ثم يقول "عندما أكبرأريد الانضمام إلى المقاومة وتحقيق العدالة لأبناء عمومي".

يحكي الفيلم عن أن 400.000 من أطفال غزة بحاجة لعلاج نفسي، منهم بيسان ابنة الست سنوات التي تعاني من اضطراب ما بعد الصدمة فقد استُشهد والداها وأصيبت في قصف استهدف منزلهم. تتذكر فقط لما كانت تصرخ مع قريبتها شيماء حين أصيبت وكانت تقول "أريد ماء". هي لا تزال بحاجة لعملية جراحية وتجميلية في جبينها وزراعة حاجب لها. تقول قريبتها هايا ابنة الست سنوات "بيسان لا تتحدث إلينا عما حدث.. إذا سألها أحد، تغضب". تقترب كاميرا المخرج من بيسان وهي ترسم والديها بصمت على ضوء الشمعة، دون أن تقول للكاميرا شيئًا. تحلم هايا أن تصبح دكتورة، وتقول بأن بيسان تحلم بأن تصبح معلمة لغة إنكليزية.

أما محمود الذي يحلم أن يصبح مهندسًا زراعيًا فيخبرنا "في كل مرة يدخل اليهود يقتلون كل ما يروه، حتى الحيوانات، الجمال والخرفان. أبي يزرع الخضار، مزرعتنا 30 دونمًا، دخلوا إليها حتى الآن 11 مرة، وكل مرة يفجّرونها ويجرفونها ويقتلعون كل ما كنا قد زرعناه. ليس لدينا مسكن الآن ولا ماء ولا مال". ثم يضيف: "نحن محظوظون لم يمت أحد منا هذه المرة، مات الكثير من جيراننا.. نحن نزرع الخضار وليس المتفجرات.. أريد أن أعيش كما يعيش أطفال العالم..".  

وتحكي الطفلة سندس من على سرير مستشفى الشفاء عن إصابتها في معدتها حين كانت قرب مدرستها، وكيف توقف قلبها وغابت عن الوعي ثم أفاقت بعد يومين، تقول "أنا أفضل من غيري، هناك مصابون حالتهم أخطر مني، وهناك ناس استشهدوا"، ثم تضيف "ليس معي صورايخ ولا دبابة، أنا طفلة، لست مجاهدة، لماذا يفعلون بي ذلك؟".

وكما فعلت الوحشية الإسرائيلية في الحرب الأخيرة على لبنان وفي غزة وتم استهداف سيارات الإسعاف والمسعفين، يُخبر رجف بصوت مخنوق كيف استهدفت غارة إسرائيلية سيارة الإسعاف فاستشهد 13 مسعفًا من بينهم والده، ويتساءل عن سبب استهداف سيارة الإسعاف، يقول "هل قُصفت أي سيارة الإسعاف في كل الحروب في العالم!؟". ويحكي رجف عن إخوته وأحلامهم "نفسياتنا تدمرت، أخي الصغير يصرخ فجأة كلما رأى صورة أبي.. أبي راح بطريقة بشعة.. أبي بطل الأبطال لأنه قُتل عندما كان ذاهبًا لإنقاذ أرواح. كان يريد أن يقلّل من نسبة الأموات".

ترك الطفل محمد المدرسة ويعمل في جمع القطع البلاستيكية من تلال القمامة المتراكمة في غزة، يقول إنه يبيعها كل يوم بخمسة شيكل ليعيل أمه وإخوته، ثم يحكي عن الحصار "كل سنتين تأتي الحرب علينا، ولا نستطيع أن نتحمل، دائمًا هناك موت لناس كثيرين نعرفهم. البحر مغلق، هناك حصار علينا".

ويضيف محمد إنه يحب البحر ويحلم بالعمل مع الصيادين، ولكن الصيادين يتعرضون للقصف مرارًا، وقُتل الكثير منهم، فالبارجات الإسرائيلية المتواجدة في عرض البحر قبالة الشاطئ لا تسمح للغزّيين بالصيد إلا في مسافة 6 كلم وهذه المنطقة البحرية لا يتوفر فيها أسماك بشكل جيد. كما أن الإسرائيليين يأخذون القوارب منهم ويخطفون الصيادين، ثم يقول بعد صمت: "أريد أن اصبح صيادًا ويصبح لي مركب".

ومن بين ركام مصنع مرطبات تتحرك كاميرا هيرنان زين وهو يلتقط حزن عدي حيث كان يعيش وينام ويعمل، يقول عدي بأسى بالغ عن قصف المصنع واستشهاد أخيه (22 عامًا) الذي كان صديقًا له وقد تحوّل جسده إلى أشلاء بفعل قنبلة طالته "كان أقرب الناس لي، والآن فقدته، كانت أكبر قطعة منه بهذا الحجم".

ولا تنام ملاك المصابة بمرض السرطان وهي تسمع صوت القصف، ولا تشعر بالأمان على جميع من هم حولها، لكنها تحلم رغم كل مخاوفها أن تصبح طبيبة أطفال للذين يعانون من نفس مرضها. وتحكي كيف قصفوا وكالة الأونروا، واستُشهد العشرات، ثم تقول "إحساسي يقول بأن الحرب ستعود"..

إحساس ملاك كان صادقًا وحقيقيًا فقد عادت الحرب بأبشع وأقسى مما كانت عليه، حرب لم يعرف التاريخ مثل قبحها واستمراريتها في التوحش على الأطفال. أطفال سنذهب عميقًا من شاشة الفيلم إلى شاشة القتل المتواصل في غزة ونسأل أنفسنا: ماذا يا تُرى حلّ بهم وأحلامهم.. هل حمادة هو من بين المقاومين الآن. هل شُفيت ملاك ودرست الطب. هل هم على قيد الحياة، هل استشهدوا في حرب الإبادة المتواصلة؟.  

يكتفي هيرنان زين بما يحكيه الأطفال، بما تبثّه عيونهم من أسى وشقاء وشعور عميق بعدم الأمان، سيناريو غير مجهّز وغير مكتوب سلفًا، فالفيلم تسجيلي للحقيقة تمامًا التي يجب أن تصل للغرب دون أي مؤثرات أخرى سوى موسيقى تقترب من صوت بحر غزة، وتعلو فوق دمار غزة، لن نعثر على مشاهد تشويقية، هناك جرعات من المعاناة تتجاوز أي مشاعر أخرى..

الفيلم مفكرة نفتحها على ألم واسع لا يختلف عمّا يحدث الآن بل كأنه يقتطف من اللحظة الحالية دمار غزة ويقدّمها بشكل حيّ ودائم. وربما لو أراد هيرنان زين تسجيل فيلم جديد الآن سيختار عنوانًا آخر لمعاناة كل من يولد في غزة: "استُشهد في غزة".   

مشاهد الفيلم صور عن حرب الإبادة الحالية

تناقش الحاضرون في المشاهد والقصص التي عرضها فيلم "ولد في غزة" مؤكدين أن تلك المآسي تواصلت بعد العام 2014 وصولًا للواقع الحالي،

وقالت مقدّمة الأمسية السيدة جوانا حافي "بعد أن شاهدنا الفيلم، نعيش مشاعر مختلطة تجاه ما يحدث في بلادنا واستمرار الإبادة".

وأضافت حافي:

"مشاهد الفيلم حصلت منذ عشر سنين، وكانت قاسية علينا، ولم نتحمل حزن الأطفال فيه. بعد عشر سنين يستمر هذا الحال، وتتكرّر هذه الحرب بشكل أوسع وهي مستمرة منذ 15 شهرًا، وعدد الشهداء أكثر من 45 ألفًا، ولا أحد في العالم قادر أن يوقف هذه الإبادة. فظاعة الحرب إن كان في غزة أو الضفة الغربية كبيرة. ومن هنا أهمية عرض الفيلم وأن يبقى تسليط الضوء على الإبادة مستمرًا".

وقالت حافي: "نحن كجمعية فلسطينية موجودون هنا لنسمع معاناة كل من عاش في غزة".

وكان من بين الحاضرين السيدة سهام نصّار التي جاءت إلى كندا من غزة بعد ثلاثة أشهر من عملية طوفان الأقصى. وأخبرت عن معاناتها خلال الحرب حتى وصولها إلى كندا، وقالت:

"أنا من سكان الشجاعية، جئت في شهر كانون الأول/ ديسمبر من غزة. نحن عاصرنا هذه الحرب التي يتطرق لها الفيلم، وكل الحروب الأخرى على غزة حتى الحرب الحالية. كل المشاهد في الفيلم مررنا بها".

وتتذكر سهام نصار ما حصل عام 2014 وكيف قصف الاحتلال شرق غزة من الشمال للجنوب، بساعة واحدة، ووصفت ذلك أنه مثل أهوال يوم القيامة "كان الشهداء في الشوارع، في شارع المنصورة بالشجاعية، الناس تشرد، الناس تصرخ: اسعفوني، القذائف أينما كان، كل الحروب عاصرناها، شهداء وجرحى ودمار وتشريد وإخلاء". ثم تضيف أن كل ذلك حصل في الحرب الحالية.

وتحدثت كيف يطلب الجيش الإسرائيلي من أهالي غزة أن يخلوا البيوت، وعندما ينتقلون إلى مكان آخر يتصلون مرة أخرى بهم من اجل الإخلاء، وهكذا يمضون أيامهم ينتقلون من مكان لآخر، "يقولون مناطق آمنة! لا مناطق آمنة.. كنا 50 شخصًا قي شقة ضيقة جدًا، السقف اتدمر ونحن فيه، أينما كان دمار. هذه الحرب شرسة".

وتضيف "لما كنت بغزة، كنا كل يوم نردّد الشهادتين، نتوقع الموت في كل لحظة. شردنا في الشوارع والمدارس والخيم. قُصفت المدارس ونحن فيها. نمت أنا وابنتي في خيم على الأرض. الكل مستهدف، الطفل، المرأة، الأرض، الشجر، كله كان مستهدفًا في هذه الحرب".

وتسرد نصار رحلتها عبر معبر نتساريم والخوف الذي كان يرافقهم، وفي كل لحظة كان ممكنًا أن يُستهدفوا.

وقالت: "منظر الموت على طول طريق البحر لن يفارق ذاكرتي، شهداء في كل مكان على الأرض من اليمين ومن الشمال. خط البحر يفصل ما بين الشمال والجنوب، وسيارات الإسعاف كلها محروقة والدخان يتصاعد منها. رأيت بنات أعرفهن وقد استشهدن، ومعهن حقائبهن وفرشاتهن".

وتؤكد نصار "ليست أخبارًا قيلت لي، كل هذا رأيته بعيني. البوارج البحرية كانت تقصف كل الوقت".

وتصف نصار الشوارع قائلة "عندما خرجت من بيتي في الشجاعية لم أعرف الشوارع من بعضها من كثرة الدمار. الأرض كلها مقلوبة، كان في غزة أشجار عمرها مئات السنين، كلها رأيتها مقلوعة من الأرض. وكانت الجثث في كل مكان. لا أستطيع أن أصف الجريمة التي يرتكبونها بحق الشيوخ والأطفال والنساء والفتيات".

وحكت سهام عن معاناتها لمدة 25 يومًا في انتظار وصول اسمها وابنتها من السفارة الكندية وكيف سُمح لابنتها البالغة من العمر 11 عامًا بالخروج لأنها كندية ولم يُسمح لها، واضطرت للانتظار 30 ساعة في المعبر حتى سُمح لها بالسفر. وتعرب عن خوفها على أهلها في غزة كلما انقطع الإنترنت وتخاف أن يكونوا قد استشهدوا "رغم أنني في أمان هنا لكني لست سعيدة، أخي استشهد، وأخاف على أبي وإخوتي. وفي العام 2014 استشهد أخي الآخر"، وختمت:

"كل بيت في غزة فيه شهيد أو جريح".

نحن لسنا ضحايا.. ما يميّزنا هو الصمود والأمل

وكانت من بين الحاضرين الطبيبة وطالبة الماجستير في جامعة ماكغيل سوار العجلة، التي قالت:

"درست الطب في غزة، وجئت إلى مونتريال لإكمال الدراسة قبل أشهر من بدء الحرب، أهلي في غزة موزعون بين الشمال والجنوب. الفيلم يحكي عن الحرب على غزة عام 2014، وهي نفسها الحرب التي تحصل الآن لكنها أصغر منها. الدمار الآن شامل على كل المستويات، سواء كان خسائر بشرية أو خسائر على مستوى البنية التحتية بهدف تدمير المجتمع الفلسطيني بحيث أنهم لن يقدروا أن يخرجوا من وضعهم بعد هذه الحرب. التدمير الآن على مستوى التعليم، والصحة، وعلى المستوى النفسي، صحيح أن القصف كان عشوائيًا، ولكن ثمة أماكن وأشخاص كان يريدون استهدافهم مثل المؤسسات التعليمية، الجامعات، والأساتذة، ومعظم المدارس، حتى مدارس الأونروا، واستهداف الأطباء وكل من يعمل بالجهاز الطبي".

وتذكرت سوار الدكتور الشهيد رفعت العرعير وكيف كان الإسرائيليون يتصلون به ويهدّدونه قبل استهدافه واستشهاده.

وأضافت: "نحن على أبواب هدنة ونأمل أن تحصل، علينا مساعدة أهالي غزة. هم بحاجة طبعًا لنظام إغاثي وصحي وتعليمي ودعم نفسي لكل الناس".

وأشارت سوار:

"حاليًا أعمل على مشروع في جامعة ماكغيل.. أشتغل على موضوع الطب النفسي لأهالي غزة. معظم الدراسات السابقة تتناول هذا الجانب في الضفة الغربية، كل من أنجزها هم باحثون ليسوا فلسطينين أو عربًا. نحن الآن نريد إجراء دراسات تبيّن الهوية الفلسطينية الحقيقية باستخدام معايير تشبهنا. المجتمع الفلسطيني وخصوصًا الغزّاوي تعرّض للكثير من الصدمات ولكن ما يميّزنا هو الصمود والأمل رغم كل الدمار. أود أن أظهر هذا الموضوع في دراستي التي تتناول الأطفال والعائلات الغزّاوية الذين عانوا من الحرب الحالية وصمودهم".

وأضافت سوار:

"سننقل المشروع إلى غزة بعد الحرب.. صحيح أن أهل غزة يحتاجون للتبرعات والدعم المادي من أجل السكن والمعيشة ولكن أيضًا لا نريد لإسرائيل أن تزيل هويتنا عن وجه الأرض، وأن تشغلنا بالمساعدات الغذائية، فغزة تحتاج لدعم ممن لديهم خبرات علمية".

وشدّدت سوار على الموضوع الطبي ووجّهت نداء للأطباء في كندا الذين يرغبون بالمساعدة والتنسيق مع الأطباء في غزة وأن يحاولوا مساعدتهم بما يحتاجونه.

وختمت سوار:

"غالبًا ما يتم إظهار الغزاويين أنهم ضحايا ويحتاجون للمساعدة، ولكن هذا لا يجب تعميمه. كان الدكتور الشهيد رفعت العرعير يدرّبنا على موضوع كيف نحكي قصتنا كفلسطينيين من دون أن نظهر أننا مساكين أو ضحايا، نحن لسنا ضحايا، نحن أقوياء، صحيح نحن مضطهدون ولكننا نقوم بأشياء مهمة، والهدف أن نبرز كل شيء جميل مع بعض الرسائل كيف تعوق إسرائيل أن نعيش بشكل طبيعي ككل البشر".

وأعلن السيد عبد الحميد الغبكري من الجمعية الفلسطينية الكندية عن مبادرة من غزة ولأجلها، فهم يطلبون المساعدة من كل شخص يرغب بالتعليم أونلاين، وقال:

"كل شخص حاصل على دكتوراه يرغب بمساعدة الغزاويين بأن يلقي محاضرات أونلاين لطلاب في غزة، يمكنه التواصل مع الجمعية الفلسطينية".

وتحدثت أم أسامة (من الجمعية الفلسطينية) عن أن معظم الغزاويين المقيمين في مونتريال قد استشهد إما إخوتهم أو أقارب لهم في غزة في هذه الحرب، وقالت "أقول لهم ولكم: نعم استشهدوا، ولكنهم هم الأحياء ونحن الأموات".

وحذّرت أم أسامة من التبرّع لأي أحد من الذين يجمعون التبرعات لغزة في مونتريال، والتأكد منهم قبل التبرّع، فقد تبيّن أن ليست كل التبرّعات تصل للغزاويين. 

علمًا أن الجمعية تجمع التبرعات المالية والعينية وترسلها إلى غزة. 

وتحدثت السيدة علا شاهين عن أسلوب عرض الإسرائيلي لقصة طوفان الأقصى منذ بداية حرب الإبادة الأخيرة، وكيف يجعلون من أنفسهم ضحايا، فدائمًا يأخذون دور الضحية، وأكّدت أن الفلسطينين لعبوا دورًا مهما على السوشيال ميديا في هذه الحرب، وكانوا أذكياء بتصوير أنفسهم. وكيف أنهم في أيام الأعياد، فيما كنا مكتئبين من أجلهم في كندا، كانوا هم يخلقون الفرح هناك، ويصوّرون فرحهم بكعك العيد.

وأضافت شاهين:

"أعطى الغزّاويون صورًا جميلة بأنهم أقوياء ولن يستسلموا. ويوجد مؤثّرون من قلب غزة كان لهم متابعون، وأحدثوا ضجة على صعيد عالمي، وحصلت ردود فعل من ناس لم نكن نصدق أنهم سيتأثرون بهذه الطريقة ويطلقوا مواقف مهمة في دعم غزة. إذًا الطريقة التي نطرح فيها قصة غزة مهم جدًا".   

ما قالته علا وسوار هو ما ميّز فيلم "ولد في غزة"، ففي الوقت الذي تتحلّل غزة أمام عيوننا وفيما تحاول وسائل الإعلام الغربية تصفية أخبارها وصورها من كل ما يمتّ إلى غزة بصلة، تبقى هذه الأفلام لتنقل حقيقة الوحشية الإسرائيلية وتنشرها على نطاق واسع حول العالم. ولا شك أن المخرج هيرنان زين المسموع صوته على نطاق عالمي استطاع أن يؤثر في كثيرين بعد عرض الفيلم، كما مما لا شك فيه بأن العودة إلى فيلم "ولد في غزة" تكتسب أهمية بالغة حاليًا في ظل استمرار حرب الإبادة الإسرائيلية ما يسهم في تعرية السردية الإسرائيلية كضحايا أمام شعوب العالم.

 

* https://www.middleeastmonitor.com/20241026-netflix-slammed-for-removing-films-on-palestine/

* الصور من دارين حوماني - صدى اونلاين

الكلمات الدالة

معرض الصور