Sadaonline

لوغو يغمض عينه عن تطرف اليمين المسيحي ويطارد طواحين هواء اسلامية

النخب الكيبيكية، التي ترفع راية العلمانية والمساواة تواصل تخويف الناس من خطر إسلامي لا وجود له

د. علي ضاهر

العلمانية، في جوهرها، ليست معادية للأديان، بل هي ضمانة لحرية المعتقد. لكنها تفقد حيادها حين تُستخدم كعصا لتأديب فئة معينة، فتتحول إلى أداة إقصاء. في كيبيك، لا أحد يطالب بدولة دينية إسلامية، ولا أحد يوزّع منشورات عن خلافة قادمة ستقمع النساء وتعيدهن إلى المطابخ. بالعكس، هذا النوع من الدعوات ينتشر اليوم بقوة في أوساط اليمين المسيحي، حيث تُشجَّع النساء على تبني نموذج تقليدي للأنوثة، وتُحثّ على تربية الأطفال بدوام كامل، وقراءة الكتاب المقدس، والدفاع عن القيم المسيحية، مستلهمات من جاراتهن في الولايات المتحدة. لكن المفارقة أن النخب الكيبيكية، التي ترفع راية العلمانية والمساواة، لا تتصدى لهذه الظاهرة، بل تغض الطرف عنها وتواصل تخويف الناس من خطر إسلامي لا وجود له. وحتى لو افترضنا جدلًا أن جميع مسلمي كيبيك تحولوا إلى إسلاميين، وهو أمر من رابع المستحيلات، فلن يشكلوا خطرًا يُذكر، إذ لا تتجاوز نسبتهم 5% من سكان المقاطعة.

لكن طريقة العنصريين ومنهم بعض ساسة نخب كيبيك يفضلون بناء شعبيتهم على حساب المسلمين. فالعلمانية تُستدعى في كل تصريح تقريبًا، وغالبًا ما تكون مصحوبة بتلميحات علنية أو مبطنة ضد الإسلام، واستطرادًا ضد المسلمين. ففي نهاية سبتمبر الماضي فجّر رئيس الحكومة، ليغو، القنبلة خلال افتتاح الدورة البرلمانية، حيث عبّر عن قلقه من "ظاهرة متصاعدة" تتمثل في "مجموعات سياسية - دينية تهاجم قيمنا المشتركة مثل العلمانية"، مضيفًا: "لنكن صريحين، إنهم بالأساس الإسلاميون الراديكاليون الذين يهاجمون هذه القيم بشكل متزايد، ويحاولون فرض قيمهم، ومناهضة قيمنا، وخاصة حق النساء في المساواة".

العبارة الأخيرة تصلح أكثر عنوانًا لحملة انتخابية: "الإسلاميون قادمون، احموا النساء والعلمانية!"، لكنها تعكس ارتباكًا أكثر مما تعكس خطرًا. فالإسلاميون، الذين يتحدث عنهم لوغو، لا وزن لهم فعليًا في كيبيك، ولا يشكّلون تهديدًا لا للمجتمع ولا لقيمه الديمقراطية وحتما لا للعلمانية. ومع ذلك، يُستدعون في الخطاب السياسي كما يُستدعى الغول في قصص الأطفال: لإثارة الخوف.

خطاب لوغو لا يخلو من التعميم، وهو أمر غير مقبول من سياسي مخضرم، إلا إذا كان الهدف إنقاذ حزبه من التراجع في استطلاعات الرأي. لا بأس إذًا من رفع سيف دون كيشوت لمقاتلة طواحين الإسلاميين، علّ ذلك يرفع من أسهمه. لكن المشكلة ليست في وجود التطرف الإسلامي في كيبيك، بل في تضخيم أمر هامشي وتحويله إلى شماعة تُعلّق عليها كل مشاكل المجتمع، بينما الخطر الحقيقي يطلّ برأسه من جهة أخرى، لكن لوغو لا يريد النظر إليها، فهذه غير مربحة له سياسيًا. أما تحويل العلمانية ولا سيما النساء إلى فزاعات موسمية تُخرَج من الخزانة كلما ضاقت استطلاعات الرأي، فهو ما يستحق القلق فعلًا، خاصة وإنها تستعمل للتضييق على فئة محددة بوضوح من خلال قوانين سُنَّت او سوف تُسن!

* الصورة تم اعدادها عبر الذكاء الاصطناعي (AI-generated image)