دارين حوماني ـ مونتريال
"هل سيتمكن الطالب الشاب من التغلّب على ثقته بنفسه التي لا تتزعزع؟ ماذا عن الشابة التي تبحث عن الحب؟ هل سيتمكن الزوجان، القادمان ليعيشا الحلم الكندي، من العثور على فرصة جديدة للحياة؟ هل ستتمكن الخبيرة المصرفية الوطنية، في مسيرتها المهنية الكندية الجديدة في الهواء الطلق الكندي، من الازدهار؟ هل سيجد كابتن الطائرة الشهير أخيرًا وجهة لطائرته الضائعة بين عواصم العالم؟" هذه الأسئلة وغيرها تطرحها المسرحية الاجتماعية الكوميدية "الفاليجة- الحقيبة" La Valise للمخرج التونسي/ الكندي كريم بودبوس والتي عُرضت مساء أمس الأحد 24 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024 على مسرحCollège Jean -Eudesبمونتريال بحضور القنصل التونسي في مونتريال كمال المكاس، وعضو مجلس بلدية مونتريال الأستاذ السياسي عارف سالم ونخبة من الشخصيات الإعلامية والثقافية والاجتماعية.
يجتمع في هذا العمل ممثلون من تونس ومن لبنان ومن سورية، هم سلمى نقاش، هيكل عيتاوي، ماري آن متى، نيكول قدسيه، عزيز بوزيد، أماني ملّيتي، وصافية حسّاني.
من قلب الطائرة ينطلق هذا العمل المسرحي في فضاء مسرحي يركّز، بديلًا عن السينوغرافيا، على النص وعلى الشخصيات التي تبدو ضائعة في ظهورها الأول.. أليست البطولة الأولى في المسرح هي للنص أولًا وللممثل كما يقول الكاتب والمخرج المسرحي يحي جابر. كل شخصية تجرّ حقيبة في يدها، تتقدم وتتراجع في إشارة إلى الانتظار والترقّب، نسمع صوت قبطان الطائرة شبه النائم والذي لن يعرف أين يجب أن تحطّ حتى آخر العمل.
تتتابع مشهديات هذا العمل المسرحي، هي لوحات واقعية مأخوذة من حياتنا، كل لوحة لها ثيمتها ورسالتها في محاكاة الحياة. يلتقط المخرج كريم بودبوس صورًا حيّة من يومياتنا، شعورنا بالحنين، والحاجة للانتماء والاندماج، مع تحدّيات الحياة وصعوبات العيش في كندا في مقابل ما تقدّمه لنا كمهاجرين من جودة حياة أفضل ما يدفعنا للتمسّك بها، مقتربًا من وظيفة المسرح التي حدّدها الكاتب جورج برنارد شو "المسرح، إنه علاج لأمراض المجتمع". وإذا كانت هذه المسرحية لا تدّعي معالجة أمراض المجتمع إلا أنها تطرح قضايانا في إطار إنساني واجتماعي كوميدي في الآن نفسه.
من المشهديات التي تشتبك مع قصص كثيرات في كندا، ثمة آنسة تونسية ترتدي فستان زفاف، في إشارة إلى سعيها للزواج واستعدادها له، لكنها لا تريد أي زوج، فهي تبحث عن زوج تونسي في مونتريال، وتعده بكل ما يرغب من طعام شرقي وغربي وإنجاز لكل مسؤوليات البيت، وتعده بالوفاء والإخلاص والسهر على راحته والفرح. تقول إنها ستنتظر في غرفة طوارئ المستشفى علّ طبيبًا تونسيًا يظهر، أو ممرّضًا تونسيًا، أو حتى متدرّب تونسي. وفي مشهدية كوميدية، يظهر سارق يقترب منها ويسرق حقيبتها فإذا هي تواجهه ليتبيّن من لهجته أنه تونسي، فتعطيه الحقيبة وتقول له إن بطاقتها الائتمانية في الحقيبة التي أخذها هي تقدمة له "على سنواتنا المستقبلية المليئة بالحب.. ساعد نفسك". وتبدو هذه المشهدية إشارة إلى شعور الفتيات العربيات في مونتريال إلى الحاجة للارتباط بشخص من نفس البلد أو البيئة ما قد يمنح الشعور بالانتماء في كندا، وبأنهم لم يبتعدوا فعليًا عن بلادهم.
وعن دور الهجرة إلى كندا في التأثير على العلاقات الزوجية، نرى زوجين يتشاجران تريد تغيير اسم ابنها من أحمد إلى تشارلز، ثم تريد الطلاق، هي تقوم بكل المسؤوليات المنزلية وتطالب زوجها بإعانتها، وتسأل إذا كانت هي مجرّد طاولة أو كرسي في البيت، فيما ينزعج هو من صوتها، ويحكي كيف أنها عاطلة عن العمل وهو مسؤول عن كل المصاريف فيما هي تقضي أيامها في الأسواق، إلى أن يأتيان على ذكر كندا، فقد كانت ستتزوج من رجل آخر لكنها لم تفعل لأن زوجها الحالي أمّن لها القدوم إلى كندا، ولمّا يقول لها إنه يقرر العودة إلى تونس، تتغيّر لهجتها وتسأله إذا كان يرغب في كوب من الشاي.
ومن القضايا التي يطرحها العمل، التحدّيات المادية، هنا محاسب مالي يقسّم مداخيله ومصاريفه على لوح، وفي إطار كوميدي ساخر يقترب من همومنا المعيشية في كندا، الإيجار، الكهرباء، الماء... "مداخيل بابا تساوي مصاريفي أنا.. أناIn بابا Out"، والضريبة، يقول عنها "ألا تضحّي مع الدولة، ألا تحبها، إذا أعطيت المال للدولة،.. كأنك تقرضها المال.. تتركك على الحديدة، ولكن لا تحسب.. يمكنك استعادته عند تقديم طلب الإفلاس.. العمل حتى السبعين يعتبر نشاطًا بدنيًا، ما المشكلة".. ثم يضع ملاحظاته على اللوح "كل شيء يسير على ما يرام.. زواج.. سيارة.. نفقات الطفل الأول.. نضرب المعدل 1.5 للطفل الثاني..لا، سوف نجهض الطفل الثاني نسافر؟ من الأفضل أن نبقى في المنزل".
وفي مشهدية تعالج مفهوم الحنين إلى الوطن في مقابل الحوافز الإنسانية التي تقدّمها كندا، ومع سينوغرافيا تعيدنا إلى قرانا، نرى امرأة بثياب قروية تغسل ثيابها بيديها وخلفها حبل طويل وقد نُشر عليه الغسيل، وتتخيل أنها ترعى ماعزًا، وتسأل لماذا لا يمكننا العيش هكذا في مونتريال. مستعيدة مفاهيم تحقيق الذات وحرية التعبير في كندا، "هنا حتى الماعز محترم.. هنا نحترم أحلامك.. رغباتك.. هواياتك.. هناك في الحياة ما هو أكثر من المال، هناك الطموح والثقة بالنفس. بعيدًا عن كل الضغوط والقهر.. لو طلبوا مني العودة سأعود ولكن بشرط واحد أن أكون رئيسة لبنك، وفي هذه الأثناء سأبقى هنا في كندا".
أما الشخصية التي لها دور سياسي في كندا نراها في سيدة تقف خلف منبر، وتطرح في إطار هزلي قضية إضافة كندا الشوكولا على الحلويات العربية؛ وإن طرح المخرج لهذه الفكرة إنما يدلّ من ناحية على وجود ديمقراطية وحرية رأي في كندا وإتاحة الفرصة للاعتراض حتى على أصغر الأمور، ومن ناحية ثانية تشير إلى انشغال الواقع المجتمعي الكندي بقضايا تعدّ غير أساسية مقارنة بقضايا البلاد العربية نظرًا لما توفّره كندا من جودة حياة أفضل، تقول: "ليس من حق كندا أن تضيف الشوكولا إلى الحلويات العربية.. من فكر بذلك.. هل من نية معينة لإسقاط الشوكولا على الحلويات.. من أخذ رأينا أنا أرفض أرفض.. هذا أمر خطير وستكون هناك عواقب".
المخرج كريم بودبوس : وضعت تقريبًا كل طاقتي وكل إمكانياتي لإنجاح هذا العمل
ثمة قصص أخرى في هذا العمل المسرحي، كل قصة منها لها لغتها الخاصة في الاقتراب من ذواتنا. كتب كريم بودبوس نصًا يحاكينا ويفيض بمكنوناتنا، وعن هذا النص المسرحي، كان لنا معه هذا الحوار.
حدّثنا عنك، كيف بدأت العمل المسرحي وعن تجاربك المسرحية..
بدايتي في العمل المسرحي كانت في تونس كممثل، منذ حوالي عشر سنوات، ولما جئت إلى كندا أحببت أن أستمر وأن أبقى ضمن العمل المسرحي. تجاربي المسرحية كانت أيضًا في الكتابة والإخراج والتمثيل في تونس معظم الوقت، ثم أصبحت منذ أن أتيت إلى كندا شخصًا يريد التكوين المسرحي فبدأت بذلك، واستمرّيت، وهذا ما حصل منذ سنتين حتى الآن، وأدعو كل الأخوة العرب أن يكونوا معنا في هذه الورشة المسرحية. هذه التجربة ليست الأولى لنا ولن تكون الأخيرة، سنستمرّ في إنتاج وإخراج مسرحيات جديدة عن قريب.
عنوان النص يحيل إلى أن المهاجر إلى كندا يشعر دائمًا أن حقيبته جاهزة للعودة، وفي داخله حالة دائمة من الضياع بين البقاء والعودة.. ما الذي كنت تود قوله من خلال العنوان؟
نعم يحيل إلى الهجرة لكنه ليس بالضرورة يحيل إلى منطق الضياع، لأنه حتى طريقة الطرح حاولنا أن نتجه أن نكون مهاجرين، أن نتجه إلى الطريق الذي يقودنا إلى انتماءات مختلفة ثم الانتماء الإنساني قبل كل شيء، والانتماء الأهم هو الذي يجب أن نبني عليه شخصيتنا وأن نبني عليه حالتنا النفسية.
هل يشبهك نص المسرحية، ولديك نفس الهواجس، أم هي محاولة منك للاقتراب من كل مهاجر منا هنا؟
نص المسرحية قد يشبهني ولا يشبهني في الآن نفسه، طبعًا هناك جانب كاريكاتيري في بعض الشخصيات لكن كل الشخصيات، لم تولد من واقع معاش، بل ولدت من تساؤلات أطرحها على نفسي فهذه هي طبيعة العلاقة بيني وبين الشخصيات.
طرحت موضوعات تُعد من المشاكل المجتمعية في كندا، ولكن بأسلوب كوميدي لطيف، ماذا يضيف هذا الأسلوب لماذا اخترته؟
الحقيقة أن أسلوب هذا العمل هو أسلوبي الخاص الذي يتراوح بين الكوميدي والدرامي، أحيانًا يطغى الدرامي وأحيانًا يطغى الكوميدي، أحاول التوفيق بين الخفّة وبين الجدّية في الطرح. ليس هناك إشكالًا في طرح نفس القضية بأساليب مختلفة، نعم الأسلوب مهم جدًا جدًا لإيصال المعلومة، ولكنه أيضًا هدف في حدذ ذاته، أحب الكوميدي وأحب أن أشتغل على أساسه، معظم أعمالي كوميدية.
طاقم العمل لا يقتصر على التونسيين، نرى اللبناني والسوري حاضرًا، هل تقصّدت ذلك لتقول أن العالم العربي كله يعاني من نفس الهواجس؟
طاقم العمل كان في البداية كله تونسي، ولكن في لحظة ما أردنا أن تكون منفتحين على الجميع، اللبنانيين والسوريين والفلسطينيين والأردنيين والعراقيين والمصريين والمغربيين والجزائريين، طبعًا العالم العربي كله له نفس الهواجس، لكني أود أن أشير إلى أن كل العالم له نفس هذه الهواجس، هي هواجس ليست عربية، هي هواجس كل المهاجرين من أين أتوا، ليست هناك غاية خاصة لتمثيل العالم العربي بشكل خاص.
كيف تجد واقع المسرح العربي في مونتريال؟
واقع العالم المسرحي أو الأعمال العربية في مونتريال، يمكن أن نقول إنه عمل غير سهل على الإطلاق، لا يوجد تشجيع بأي شكل من الأشكال، كل المحاولات هي مجهودات شخصية، وأنا وضعت تقريبًا كل طاقتي وكل إمكانياتي لإنجاح هذا العمل. طبعًا ستستمر هذه الرحلة وأعتقد أن ثمة آفاق جميلة قدرنا على تحقيقها، خاصة أن الأعمال تكون أشمل مع المشاركات من جنسيات مختلفة.
هل من مشروع لتعاون مع مسرحيين من العالم العربي من أجل مسرح عربي دائم هنا؟
مشروع التعاون مع مسرحيين من العالم العربي ممكن، ولكن هل يمكن أن نطرح ذلك، سنستمر في استكشاف الامكانيات من هذه الناحية. أنا منفتح طبعًا للعمل مع كل الأخوة من العالم العربي. نعم بالطبع إذا كان من إمكانية فسنستمر في مسرح عربي دائم هنا.
هل فكرت بطرح المسرحية باللغة الفرنسية من أجل الجمهور الكندي، وهل من تواصل مع مسرحيين كيبيكيين بشأن ذلك أو أعمال أخرى؟
المسرحية الآن كما هي، يمكن للجمهور الكندي أن يتفاعل معها، وهذا كان هدفًا من أهدافنا، أن لا نكون منغلقين على أنفسنا، لذلك حتى لما بدأت المسرحية، بدأت باللغة الفرنسية وهي دعوة للجمهور الكندي إلى أن يهتم بالقدرات الثقافية والفنية للعرب هنا.
لم نتواصل مع مسرحيين كيبيكيين ولكن أفكر في هذا الطرح بطريقة جدّية أيضًا. طرح بعض المواضيع أو تقديم أعمال أخرى لا زالت كمحاولات كتبتها بالفرنسية تمامًا، هي من ضمن مشاريعي.
كيف تجد تمويل أو دعم الأعمال المسرحية، هل هو سبب افتقار مونتريال أو كندا بشكل عام لمسرحيات باللغة العربية؟
نعم هو أحد أسباب عدم وجود مسرحيات باللغة العربية، ولكني أظن أن الحل أو المفتاح هو أن يكون هناك وعي جماهيري من العرب أن هناك ثقافة يجب حفظها، هناك أعمال ثقافية وفنية قد تكون حاملة لهذه الثقافة العربية؛ عليهم أولًا أن يتضامنوا مع هذه الأعمال ثم يشجّعونها إذا أرادوا ذلك، أو إذا رأوا أن هذه المسرحية أو هذا العمل جيد بما فيه الكفاية للتشجيع. لا يجب أن نعتمد على الحكومة الكندية لتشجيع أعمالنا، نعم ثمة بعض التشجيعات من قبل الحكومة ولكنها ليست كثيرة جدًا، ولكننا سنحاول، بل الأحوال، اعتمادنا على الجمهور العربي لكي يُسند هذه الأعمال.
بخصوص كتابة العمل، والسينوغرافيا، هل هي رؤيتك الإخراجية وحدك؟
نعم أنا من كتب العمل وأنتجه، وأنا قمت بالإخراج وبالسينوغرافيا. معظم رؤية العمل هي رؤيتي الشخصية، الممثلون الذين شاركوا في هذا العمل، سلمى نقاش، ماري آن متى، نيكول قدسيه، محمد عزيز بيزيد، صافية حساني، أماني ملّيتي، وهيكل عيتاوي، هم ممثلون كانوا في معظمهم خارجين من الورشة المسرحية التي كوّنتها، وأواصل حاليًا تأطير ورشات للممثلين للقيام بأعمال أخرى.
***
يُذكر أن المخرج كريم بودبوس ينظّم ورشًا تمثيلية للمسرح كل يوم أربعاء، وللمهتمين التواصل معه على صفحته على فايسبوك أو إنستغرام.
https://www.facebook.com/karim.boudabous.1
(الصور من الأستاذ هشام الغضبان ومن صدى أونلاين)
215 مشاهدة
03 ديسمبر, 2024
217 مشاهدة
01 ديسمبر, 2024
254 مشاهدة
25 نوفمبر, 2024