Sadaonline

عندما تمطر في أي مكان في العالم هناك من يحمل شمسية في لبنان

من يستمع الى هؤلاء، وهم ينظّرون عن السيادة ويتكلّمون عن السؤدد ويتّهمون الغير بالتبعية، يظنّ انه أمام أسود أسياد


د. علي ضاهر

 

قي الماضي عندما كان الاتحاد السوفياتي في قمة مجده، كان أتباع الغرب في لبنان وعملاؤه يتّهمون القوى الوطنية اللبنانية بالتبعية لموسكو وتلقّي الأوامر منه. وكانوا يروّجون وقتها لمقولة "لما تشتي في موسكو تحمل القوى الوطنية الشمسية في بيروت". ثم وبعد سقوط الاتحاد السوفياتي قام أتباع الغرب او المستغربون المتعلقون بذيله والمقلّدون لقشور ثقافته، بتحويل اتهاماتهم الى القوى المقاومة وحوّروا المقولة الى "لما تشتي في طهران يحملون الشمسية في الضاحية"، لدرجة ان من يستمع الى هؤلاء، وهم ينظّرون عن السيادة ويتكلّمون عن السؤدد ويتّهمون الغير بالتبعية، يظنّ انه أمام أسود أسياد، أحرار أبرار، لا يتّكلون على أحد ولا يعتمدون إلّا على أنفسهم، بينما هم عملياً، توابع وأزلام على طول الخط، لم يتركوا أحدا إلّا واستزلموا له ولم يسمعوا بقوي إلّا ومشوا في ركابه، وما وصل اليهم خبر كيان عاتي إلّا وبعثوا بطلب يرجون منه السماح بالتبعية له!

 

على كل حال فالتركيبة الطائفية والمذهبية اللبنانية وديمقراطيته التوافقية التي لا مثيل لها تدفع أغلب مكوناته في سعيها للاستقواء على غيرها من المكونات الى الارتباط بقوى أجنبية او رافعة خارجية، مما يسمح للمراقب بملاحظة حمل دائم للشماسي في لبنان وتدفعه للاستنتاج التالي: "عندما تمطر في أي مكان في العالم لا بدّ أن يحمل أحد ما الشمسية في بلاد الأرز". فقد حمل البعض الشمسية في دار الوسط عندما كانت تمطر في الرياض، والبعض الآخر حملها عندما كانت تتساقط الزخّات في تل ابيب، وهم ذاتهم حملوها عندما كان ماء السحاب ينزل على عنجر في أيام غازي كنعان وكانوا يحملونها في نفس الوقت وما زالوا يحملونها عند تساقط الرذاذ على عوكر!

 

ويقال ان حمل الشمسية نالت إعجاب رئيس الولايات المتحدة الامريكية، ترامب، وهو غريب الأطوار، محب لكل عجيب غريب، فأراد تعميمها على منطقة الشرق الأوسط بعد ان طوّع معظمه وسلبه، فقام بتوزيع شماسي على دوله ومكوناته، مكتوب عليها شعاره المفضّل "اجعل أمريكا عظيمة مرة اخرىMake America Great Again". ويقال ان ترامب من المعجبين بهارون الرشيد ويتبجح بتوسع امبراطوريته وسيطرتها على معظم الفاعلين في المنطقة كما كانت حال الخليفة العباسي الأشهر الذي عندما كانت دولته تسيطر على كامل المنطقة، وقف وقتها ينظر إلى سحابة في السماء، ويقول لها: "إمطري حيث شئت، فإن خراجك سيأتيني". وهي مقولة اعتبرت رمزاً لإمبراطورية واسعة ضمّت مختلف الأعراق والقوميات. وهذا هو حال ترامب الذي يتمثل بمثله الأعلى، فهو عندما ينظر الى السحاب فوق واشنطن يقول محوراً قول معبوده هارون الى "أمطري حيث شئت، فإن أمطرت فوق واشنطن او نيويورك ام لم تمطري، فالشرق الأوسط كله سيحمل الشمسية، سيحملونها في أنقرة وأربيل وبغداد ودمشق الجديدة وعمان وتل أبيب والظهران والدوحة ودبي والقاهرة وطرابلس الغرب وليس انتهاء بمراكش، بل سيحملونها أيضا في بيروت ومرورا بمعراب".

 

وعلى ذكر بيروت ومعراب فهناك خصوصية يجب الانتباه اليها: في لبنان ونظراً لتركيبته العبقرية التي ذكرناها سابقاً، هناك قوات قد دخلت مُوَرِّثَة حمل الشماسي الى "جينومها" وعدّلته، فلم تعد تكتفي بحمل الشمسية فقط عندما تمطر في واشنطن او في الظهران او في غيرها من العواصم، بل هي أصبحت تستشعر المطر قبول سقوطه بزمن فتستبقه وتحمل الشمسية قبل نزوله، بل هي أحياناً تصلي صلاة الاستسقاء التي تعلّمتها عندما كانت تروّج لنظرية "فليحكم الاخوان"!

 

* الصورة من موقع freepik لأغراض توضيحية فقط