دارين حوماني ـ مونتريال
بدعوة من المركز الثقافي الفلسطيني (PCC) وجمعية الطلاب المسلمين في مونتريال (MSA)تم عرض الفيلم الوثائقي "غزة.. صوت الحياة والموت" (43 د) في جامعة ماكغيل يوم السبت 8 شباط/ فبراير 2025، وحلقة نقاش حول الفيلم أدارها مصطفى حب الله وجمعت صحافيين من غزة والعالم وهم وائل الدحدوح، أنس الشريف، يمنى السيد، خالد القزاز، وجمال الدين الشيال وهو منتج الفيلم، الذين قدّموا رؤى نقدية حول الحقائق على الأرض في غزة، كما كان للطبيب آمن مسدي كلمة خلال الندوة.
وفيلم "غزة.. صوت الحياة والموت" من إنتاج منصة الجزيرة 360، فكرة ورؤية إخراجية عواد جمعة، سيناريو وإخراج حسام أبو دان، وإشراف عام جمال الدين الشيال، ومن إعداد مهندس الصوتيات محمد ياغي المقيم في غزة. وقد فاز الفيلم بـ"جائزة أنهار" في مهرجان كرامة لأفلام حقوق الإنسان عام 2024 في العاصمة الأردنية عمان.
ويقوم الفيلم على فكرة الصوت كعمل توثيقي من خلال يوميات محمد ياغي خلال حرب الإبادة على غزة حيث كان يسجل كل الأصوات في قطاع غزة ويوثق الجرائم التي يرتكبها الاحتلال هناك.
أنتج الفيلم "في ظروف قاسية وقاهرة للغاية في ظل الحرب على غزة"، وتمت عمليات المونتاج الخاصة به داخل خيمة من مخيمات اللجوء في غزة، حيث شخصية الفيلم هو نفسه المصور ومهندس الصوت محمد ياغي يسير حاملًا الميكروفون وعبره ينقل صوت غزة الذي أعيد تشكيله بعد الحرب وتحوّل إلى أصوات لآلام غير مرئية لشعوب الأرض بعيدة عنهم وكان ثمة حاجة لهكذا أفلام تحمل سردية بصرية صوتية للعالم أجمع.
وفي مستهل العرض، كان للناشط ليث البرغوثي كلمة ترحيبية اعتبر فيها أننا سنكون شهودًا على حقيقة ما يجري في غزة، وسنحصل على فهم عميق ما الذي يعنيه أن تعيش تحت الحصار، "الناس في غزة ليسوا أعدادًا إحصائية، إنهم أمهات وآباء وأطفال، فنانين وصحافيين وأطباء، أصواتهم تم طمسها في الإعلام العالمي ولكن الليلة سوف نصغي وسوف نتعلم وسوف نتضامن مع غزة"، ثم كانت قراءة لآيات من القرآن الكريم.
عرض الفيلم
ينطلق الفيلم مع صوت "الدرون" الإسرائيلية، وصوت طفلة تولد، ثم نسمع أصوات أطفال في الخيم، أصوات الشاحنات تنقل الناس من مكان لمكان، دعسات حصان ينقل مواد غذائية، أصوات أطفال يحملون أوعية لملئها بالطعام، صوت المياه للوضوء، صوت بكاء أم على ابنها المقتول، صوت إسعاف، صوت الركض للمستشفى، صراخ وعويل، ناس موجوعة، أصوات الممرضين، أصوات الصحافيين، أصوات ناس تحت ركام بيتهم ينادون لإنقاذهم، أب يصرخ على أطفاله الذين قتلوا بصاروخ استهدف منزله، ولا يزالون تحت الردم..
أصوات كثيرة تفتح الباب على سرديات لامتناهية، معلّقة بين حياة معطوبة وموت منتظر في كل دقيقة، نستعير من الروائي خالد خليفة عنوان روايته "الموت عمل شاق"، لنقول "الحياة عمل شاق" في غزة.. فكل صوت له معنى عميق، دلالة عميقة عن الفقد والوجع اللامتناهي..
"هناك صوت نحب أن نسمعه، هناك صوت لا نحب سماعه، وهناك صوت نسمعه غصبًا عنا. الصوت في غزة مختلف، نسمع أشياء كثيرة لا يسمعها العالم. الصوت في غزة ذكريات، أماكن، أحلام، وأمنيات، ليس مجرد صوت نسجله فقط، هنا قصص وحكايات لناس غيّرت الحرب حياتهم"، بهذه الجمل يبدأ محمد ياغي فيلمه الذي يُدخلنا في مساحة صوتية دفينة نسمع فيها صوت غزة "قبل" و"بعد"، يقول ياغي إنه كان يستيقظ صباحًا قبل الحرب على صوت بائع الكعك، والبائعين الذين ينادون على بضاعتهم، والباصات التي تمر آخذة الأولاد إلى المدارس، "هذه الأصوات ليست موجودة حاليًا".
في الفيلم شهادات من غزة، زينة أبو شعبان تتحدث عن أخيها خليل الذي لا يتجاوز الخامسة عشر من عمره، وكيف خرج للحلاق فأصيب بقصف صاروخي، ولا يزال في المستشفى وفقد القدرة على المشي.
ويتحدث طارق الشوا عن صعوبة العيش في الخيمة، يسأله ياغي "ما معنى خيمة"، يقول الشوا "خيمة يعني أسر، من الصعب أن نتعود عليها لو عشنا فيها 200 سنة، ولا تعوضك عن بيتك وحياتك السابقة.. الخيمة شيء سيء"، ثم يحضن الشوا ابنه، ابن الأربع سنوات، الذي يخاف من أصوات الطائرات والصواريخ.
وتحكي الطفلة غزل بنات كيف غادرت البيت من دون ثيابها ولعبتها بعدما تم إبلاغهم بمغادرة المكان فورًا، وكيف تم قصفهم ورأت أشلاء الناس وهي هاربة. تقول إنها صارت تمشي لا تعرف إلى أين ذاهبة، "قبل الحرب، كنت أستيقظ وأجهز نفسي للمدرسة، الآن أول ما أفعله عندما أستيقظ أذهب لأفتش عن ماء، من أول النهار حتى آخره وأنا أفكر في الماء. 24 ساعة تفتيش على الماء 24 ساعة في قلب الخوف. ذهبنا لنعبّئ الماء لم نجد، هذا يحدث غالبًا معنا".
ثم تقول "سابقًا كنتُ أرتعب من صوت الصواريخ، كان أهلي يحاولون تهدئتي، الآن صرت أفهم الصواريخ، صرت أتكلم كلامًا أكبر من عمري". وتضيف "في أي لحظة يمكن أن يقصفونا، أنا دائمًا في حالة ترقب بأن يتم قصفنا وتموت أمي وأبي، إذا مات أهلي تنتهي الحياة بالنسبة لي".
يُخبر ياغي أنه يحب أن يركّز على صوت معين "صوت القهر.. أفكر ما الذي دفع صاحبه ليُخرج كمية الصوت والمشاعر بلحظة واحدة". ثم يقول "لحظة ستغيّر الصوت في غزة، من ضحكة لوجع كبير".
يحاول ياغي التقاط الأصوات من تحت الدمار "أنا على قيد الحياة أخرجوني، اسحبوني، أنا تحت، أريد ماء، أحتاج أن أتنفس، هنا زوجتي، هنا أمي.. أنا جانب المطبخ، أنا تحت العامود، أنا فوق العامود، أنا تحت الخزانة.. أتخيل ما الذي كانوا يفعلونه قبل الصاروخ..". تحاول الكاميرا أيضًا الدخول في عنق الجدران المدمرة فوق رؤوس الغزّيين..
"قبل الحرب سجلت خطوات الناس على البحر، وسجلت أصوات الدعسات في ماراثون، الآن أسجّل خطوات الناس الهاربة من الموت، خطوات ثقيلة مليئة تعب"..
ينتهي الفيلم كما يبدأ، مع صوت الدرون الإسرائيلية، صوت الموت، ومع صوت الحياة هو صوت ولادة الطفلة، في دلالة أن غزة ستبقى حية، وسوف تتجدد الحياة فيها رغم كل الموت..
يختم ياغي فيلمه بعبارة "صوت غزة مسموع، هناك ناس يعملون Mute لا يريدون أن يسمعوا ولكن صدى الصوت يبقى موجودًا ويعيش العمر كله".
آمن مسدي: يجب أن يشعر كل واحد منا بمسؤولية فرض الحقيقة
بعد عرض الفيلم كانت كلمة للطبيب آمن مسدي. ومما قاله في كلمته:
"أشعر وكأنني لم يعد لديّ الكثير لأقوله. لقد تحدثنا عن النضال والظلم بنشاط كبير خلال العام والنصف الماضيين. ولكننا نعلم جميعًا أن هذا النضال مستمر منذ ثمانين عامًا. والظلم مستمر منذ ثمانين عامًا. هذا العام والنصف شهدنا على تسارع كبير في وتيرة المجازر والمعاناة ونشاط في التطهير العرقي، وهي الحرب التي حولتها إسرائيل إلى حرب عرقية. وهذا يجعلنا نشعر وكأننا لم يتبق لنا الكثير لنقوله".
وأكد مسدي أن الأزمة الإنسانية بسبب هذه الحرب لا تشبه أي شيء شهدناه في التاريخ الحديث. وأن الأرقام التي يعلنونها ليست دقيقة عندما يتحدثون عن ستين ألف شخص فقدوا حياتهم. حيث تشير دراسة حديثة نُشرت في المجلة الطبية لانسيت إلى أن عدد الذين فقدوا حياتهم في غزة يقترب من ثلاثمائة ألف أو أكثر.
واعتبر مسدي أن الاختلاف في العدد مروّع، ويرجع إلى وجود عدد كبير من الضحايا ما زالوا مدفونين تحت الأنقاض إلى الحد الذي لا يمكن معه إحصاؤهم كمتوفين، بما في ذلك أكثر من 50% من الأطفال.
وقال مسدي إن أحد أكثر المواقف المروعة التي يمكن تصورها هو الأب الذي يصرخ، محاولًا العثور على أحد أبنائه تحت الأنقاض، على أمل أن يصرخ أحدهم في المقابل حتى يتمكن من العثور عليهم وربما يحاول الحفر من تحت أطنان من الأنقاض بيديه العاريتين.
وأكد "لا معنى لنا كمهنيين طبيين أن نكرس حياتنا لتخفيف معاناة كل من يأتي طالبًا مساعدتنا ثم نشاهد الآلاف والمئات من الآلاف يعانون حتى لو كانوا في جزء آخر من العالم ولا نفعل شيئًا حيال ذلك".
وأضاف مسدي "من واجبنا كمهنيين طبيين أن نخفف معاناة أولئك الذين يعانون أينما كانوا"، وأنه لا يوجد معاناة على كوكب الأرض أكثر مما يحدث بغزة، حيث "مجموعة من الناس يمكنها ببساطة المطالبة بالأرض وقتل وطرد مجموعة أخرى من الناس".
واعتبر مسدي أن الندوة اليوم تتعلق بإلهام التغيير "نعلم أننا سئمنا البكاء والصراخ ومحاولة إحياء الإنسانية في قلوب أولئك الذين تحولوا إلى ظلام تام وأولئك الذين يمكنهم حتى أن يشعروا بذرة من التعاطف تجاه أي إنسان يموت، ناهيك عن الأطفال الذين يموتون. ولهذا السبب فإننا اليوم نغير الطريقة التي سنتحدث بها عن هذا الأمر".
وقال إن الحديث اليوم ليس عن معاناة الفلسطينيين. هذا يتعلق بفرض التغيير الذي لن يأتي إلا بفرضه. وقال بأن الحرية لا تصان سلميًا، أي شخص يحرمك من الحرية لا يستحق نهجًا سلميًا.
واستشهد مسدي بمالكولم إكس الذي قال "إن الحرية والعدالة لن تمنحا أبدًا من قبل الظالم. وسوف نضطر إلى أخذهما بالقوة". وأضاف الموسدي "عكس الطريقة السلمية ليس بالضرورة بالعنف، بل بالقوة. وعلينا أن نستخدم كل ما لدينا من قوة للتغيير.. ويبدأ هذا بكشف الحقيقة، وفرض الحقيقة على أولئك الذين لا يريدون حتى سماعها".
وأكد مسدي بوجود ضغط من أجل قول الأكاذيب والدعاية بالقوة، "لذلك من المنطقي أن نضغط بقوة أكبر ونفرض الحقيقة بقوة أكبر.. عندما يتم فرض الحقيقة بمواجهة الأكاذيب، فإن الحقيقة سوف تسود. ومن واجبنا أن ندفع بهذه الحقيقة إلى الأمام".
وأشار أننا في هذه الندوة سنستمع إلى أشخاص خاطروا بحياتهم من أجل مواصلة كشف الحقيقة "ونحن نعلم أن الشر كان يفعل العكس تمامًا، محاولًا إسكات الحقيقة إما من خلال تهديد حياتهم بشكل مباشر أو من خلال منع أي شخص من الذهاب إلى تلك المنطقة وإحضار الحقيقة إلينا".
وختم بأن يجب أن يشعر كل واحد منا بمسؤولية فرض الحقيقة ولا شيء غير الحقيقة على عالمنا بأكمله، بما في ذلك أولئك الذين لا يريدون حتى سماعها.
حلقة النقاش حول الفيلم
استهلّ مدير الحلقة مصطفى حب الله الجلسة بالحديث عن أدوار المشاركين فيها في انتقاد الإبادة والساعين لكشف الحقيقة.
خالد القزاز: التركيز على القضية الفلسطينية، والهجوم على حرياتنا المدنية، هما الأجندة الأساسية لنا في الانتخابات الكندية
وجّه حب الله سؤاله لخالد القزاز وهو صحافي كندي مصري، عن "الأهداف الأساسية لجولة الفيلم في كندا، وكيف يرى تأثيرها على السرد العالمي المحيط بالمنطقة".
أجاب القزاز أن تنظيم هذه الندوة اليوم هو جزء من جولة في ست مدن كندية بالتنسيق مع منصة الجزيرة 360 لتوفير الأفلام الوثائقية، معتبرًا أن هذا الفيلم ليس فيلمًا وثائقيًا نشاهده عن أشياء تاريخية حدثت في الماضي. بل يتحدث عن أزمة مستمرة و15 شهرًا من الإبادة الجماعية وأعمال العدوان المستمرة. وقد تم تصويره أثناء الأعمال العدوانية، لذلك فهو يُعتبر قصة خاصة، يُظهر لنا كحقائق وأعداد القتلى وأعداد الجرحى وعمليات الهدم والعمل السياسي وما إلى ذلك.
وقال القزاز بأن الفيلم يتحدث بشكل خاص عن الأصوات التي تحدث فرقًا في تجارب الناس. وأن أرقام الضحايا التي نتفاعل معها أو نتبادلها هي في الواقع أكثر من مجرد أرقام.
وأكد القزاز أنه من خلال هذه التجربة الوثائقية والاستماع إليها نحن ملزمون، وواجب علينا نشر القصة الفلسطينية الإنسانية الفردية. وهي تتجاوز التحليل السياسي للحرب.
وأشار القزاز إلى أنه رغب أن يتم عرض الفيلم مع مجموعات طلابية لأن لديهم مسؤولية نشر هذا في مجتمعاتهم أيضًا "وقد تفوقوا بالفعل على العديد منا وفي فكرة الدفاع عن الحقيقة والدفاع عن العدالة بأي ثمن"، نحن فخورون حقًا بالعمل مع مجموعات الطلاب، مجموعات الطلاب في جميع أنحاء العالم. لذا فإن السرديات هي هذه السرديات الخاصة والسرديات الإنسانية المتبادلة.
واعتبر أن السرديات في الفيلم هي سرديات إنسانية ويأمل أن تساهم مشاركة هذه القصص القوية والقيام بهذه الأنشطة بالحصول على مزيد من المناصرة السياسية وأن يشارك أكبر عدد ممكن من الجمهور اليوم في التجربة السياسية.
وسأل حب الله القزاز "لماذا يعد هذا النوع من العمل الوثائقي مهمًا في المشهد الإعلامي اليوم؟"
اعتبر القزاز أننا شهدنا تراجعًا في تأثير وسائل الإعلام العالمية وتم اختراقها. مشيرًا إلى أن هناك تحولًا واضحًا في تأثير أو هيمنة وسائل الإعلام غير التقليدية على السرد والانتخابات وتأثيرها حتى على الولايات المتحدة. وعلى نحو مماثل مع تغطية جنوب أفريقيا للإبادة الجماعية، كان هناك انقطاع شبه كامل بين وسائل الإعلام العالمية والأصوات الفلسطينية.
وأشار القزاز إلى محاولة وسائل الإعلام العالمية إلى إبعاد أخبار غزة عن غرف الأخبار والتغطية الإعلامية. كما تم طرد صحافيين هنا في كندا بسبب آرائهم الفلسطينية هنا في كندا. وأنه قامت وسائل الإعلام الرئيسية بحجب وتحييد هذه الأصوات واختارت التغطية الإعلامية المتحيزة للغاية.
وكان البديل الوحيد في الواقع هو الاعتماد على وسائل التواصل الاجتماعي، وكل وسائل الإعلام غير التقليدية كوسيلة للإنتاج.
واعتبر القزاز أن هذا الفيلم هو أحد السبل التي قد تساعد في السرد بشكل أفضل، "نشعر بهذا الالتزام ونعتقد أنه يتعين علينا أن نكون مبدعين ومحترفين في هذا الأمر، وأن نكون جزءًا من موجة قول القصة التي ستستمر هناك والالتزام برواية قصص أولئك الذين لا يستطيعون مشاركة قصصهم الفردية. لذا فهذا التزامي، والتزامك، كل من يدعم الحقيقة والعدالة للفلسطينيين".
ثم سأله حب الله "كيف يؤثر ذلك على المشهد السياسي والانتخابات المقبلة، وكيف يُترجم في كندا".
أجاب القزاز أن ما حدث في الولايات المتحدة مع انتخابات ترامب وكيف خسر الديمقراطيون على الأرجح بسبب تصويت المسلمين، وليس فقط المسلمون، بل الأشخاص الذين يهتمون بالقضية الفلسطينية. وقال بأنا لم تكن هذه هي القضية الوحيدة التي أثرت على الانتخابات، وفلسطين كشفتهم أخلاقيًا على المبادئ والقيم التي تظاهروا بتأييدها أو تبنيها.
واعتبر القزاز أن ما حدث في كندا الأمر نفسه، وتم كشف المصداقية الأخلاقية أمام الكنديين. وكان تواطؤ ترودو في الإبادة الجماعية واضحًا وغير مبرر، وأنه دفع ثمنًا سياسيًا كان جزءًا منه.
واعتبر أنه ينبغي لوسائل الإعلام البديلة أن تكون وسيلة أساسية للوصول إلى المزيد من الناس، وإعلامهم وتثقيفهم حول ما يحدث، وكشف التواطؤ والإبادة الجماعية، وكشف هذا الفشل الأخلاقي، لخلق الضغط العام الكافي للتأثير على الرأي العام.
وقال القزاز بأن هناك سعيًا لتغيير السياسة الخارجية الكندية فيما يتعلق بفلسطين والسياسة المحلية التي تؤثر على جميع حرياتنا المدنية، "نأمل أن نستخدم هذه الأدوات لمواصلة تثقيف وزيادة الضغط العام بشكل عام. وهذا ليس واجبًا على منظمة أو فرد، بل هو مسؤولية جماعية نتحملها أنا وأنت".
وعن سؤال حب الله "ما الذي نحتاج إليه كمجتمع مسلم في كندا؟":
أجاب القزاز على أهمية المساهمات الفردية التي أحدثت فرقًا عضويًا طوال الأشهر الخمسة عشر الماضية، من مشاركات على وسائل التواصل الاجتماعي وكانت أقوى من وسائل الإعلام الرئيسية ومن سي إن إن ومن بي بي سي.
وأشار إلى أهمية المساهمة في المنظمات المساندة لفلسطين كجزء من نضالنا في كندا، ومن جهة أخرى إلى أهمية العمل السياسي المباشر، "نحن نتمتع بحقوق وامتيازات بمواقع المواطنة، والمسؤوليات التي يتعين علينا ممارستها على المستوى الفردي".
وقال بأنه تم العمل على مدار العام الماضي لتعبئة المواطنين الكنديين لمشاركة القصة الفلسطينية مع المسؤولين المنتخبين، وأنه يُقال عنا بأن ضغوطنا لا توازي الضغوط من المجتمع الآخر، من معسكرات المؤيدين الآخرين، وأن المسلمين هنا لا يبذلون جهدًا كافيًا "لقد أردنا إنهاء هذا الاتهام لمجتمعنا. وقد فعلنا هذا حتى وصلنا إلى أن السياسيين الذين انتخبناهم كادوا أن يغلقوا هواتفهم".
وشدّد على أهمية مطالبة الأشخاص "الذين انتخبناهم" ونقول لهم "أن قضايانا مهمة. إن مخاوفنا مهمة، وروايتنا مهمة حتى لو لم تتخذ إجراءً بشأنها... ويتم اتخاذ إجراءات سياسية منظمة مع مسؤولينا، وهذه الرسالة هي التي تقود انتخاباتنا الفيدرالية القادمة".
وأشار إلى التركيز على "القضية الفلسطينية، والهجوم على حرياتنا المدنية كأجندة أساسية مهمة بالنسبة لنا. ونحاول إيجاد إجماع داخل المجتمع المسلم على أن هذه تصبح القضية الأساسية التي ستهمنا. وسننظم وندعم المرشحين الذين يمكنهم قبول هذا، والذين سيقبلون هذا الموقف ولديهم موقف عام واضح تجاهه".
وقال "الاتجاه العام يسير في اتجاه مختلف، بطريقة مختلفة، ولكن على الأقل سنجعل أصواتنا مسموعة. نحن نظهر للناس أننا نستطيع التصويت ككتلة وأننا نتمسك بالمبادئ حتى لو لم نحصل على ما نريد فورًا، لكنهم سيهتمون بنا في الانتخابات المستقبلية ونستطيع التصويت على هذه المبادئ وإحداث فرق وتغيير".
وأشار إلى وجود منصة vote palestine.ca. كجزء من كل تحالف يركز على فلسطين لأننا نعتقد أننا لا نملك بالضرورة كمجتمعات نفس القدر من النفوذ الذي تتمتع به المجتمعات المؤيدة، ولكننا نستطيع أن نحدث فرقًا في الانتخابات المقبلة. ونود أن نستخدم هذا لتغيير السياسة بشأن فلسطين. معتبرًا أنها معركة السرد الفلسطينية في الحملة الانتخابية.
جمال الدين الشيّال: مسؤولية أساسية تقع على عاتقنا كصحفيين، وهي توثيق الحقيقة
وجّه حب الله سؤاله لمنتج فيلم "غزة.. صوت الحياة والموت" جمال الدين الشيّال وهو صحافي بريطاني مصري، عن سبب إنتاج هذه الأفلام الوثائقية في الوقت الذي كانت فيه الإبادة الجماعية تتكشف، وما هو تأثير صناعة هذه الأفلام على السرد العالمي المحيط بالمنطقة.
أجاب الشيّال أن هناك "مسؤولية أساسية تقع على عاتقنا كصحفيين، وهي توثيق الحقيقة، والإبلاغ عن القصص وخاصة تلك التي لا تريد القوى العظمى الإبلاغ عنها، القصص التي لا تريد القوى العظمى الإبلاغ عنها".
واعتبر الشيّال إن توثيق الإبادة الجماعية في حد ذاته أمر ذو أهمية كبيرة لأنه بدون هذا التوثيق لا يمكن أن تكون هناك مساءلة. وأنه لولا التوثيق لما تأرجحت الرواية المؤيدة للصهيونية خلال السنوات الأخيرة.
وأكّد الشيّال أن الفيلم مؤثر للغاية، وخاصة بالنسبة للطلاب المهتمين بحقوق الإنسان، وأن احتلال فلسطين هو القضية الأعظم لحقوق الإنسان في العالم اليوم. وأنه إذا فكرنا في الأمر على مدار السبعين أو الثمانين عامًا الماضية، فقد تم تجاهل صوت فلسطين وكأنه غير موجود. ولما بدأت بعض الأصوات الفلسطينية ترتفع، تم تشويهها من قبل أشخاص يحاولون تصوير الضحية على أنه المعتدي. وأنه جرت محاولات نشطة لإسكات هذا الصوت في غزة من خلال القتل، مثل الصحفيين حتى من قبل الحرب الإبادة الجماعية. وشهدنا عللى اغتيال عمدًا من قبل الإسرائيليين. وأضاف الشيًال أنه ما يقرب من 200 صحفي فلسطيني قتلوا خلال الحرب في غزة.
وأشار إلى أهمية مشاهدة هذه الأفلام ونقل الصوت وليس فقط الاستماع إليه، وأنه "لا تكمن أهمية الصحافة وتوثيق الأشياء بالنسبة لنا في مجرد امتلاكها"، مشيرًا إلى عدم فائدة الكتب في حال لم يقرأها أحد، والأمر نفسه هنا.
وبيّن أن هناك مخاطر للتحدث بصراحة، "نحن نرى أشخاصًا طُردوا من وظائفهم بسبب ذلك، ومنهم طلاب في الحرم الجامعي في الولايات المتحدة وربما كندا، إما طُردوا من وظائفهم أو من دوراتهم أو لم يُسمح لهم بالتخرج بشكل صحيح أو يشعرون بالقلق. لا أحد يقول أن تكون متهورًا فيما تختاره، ولكن كن ثابتًا في منصبك، واستخدم هذه الحكمة، ولكن لا تخف لأن الوقت الحالي هو وقت الحساب.. لا تفكر ولو للحظة واحدة أنك لست تحت التهديد، سواء تحدثت أم لا".
وأضاف الشيّال "القوى التي تدعم الصهيونية والقمع في فلسطين هي القوى التي تدعم أيضًا القمع ضدك هنا في كندا من خلال أجندات عنصرية أو أجندات يمينية متطرفة. لذا، من خلال الاستفادة من هذه الأفلام الوثائقية وأخذ الدروس من الصحفيين الموجودين على الأرض، والذين يضحون بحياتهم ويضعون حياتهم على المحك، أود أن أستخدم ذلك كواجب أكبر لكي أكون أكثر نشاطًا، وأن أكون أكثر صراحة، وأن أكون أكثر ثباتًا".
وسأل حب الله عن القصص التي يتمنى الشيّال أن تحظى بتغطية أكبر.
أجاب الشيّال أنهم قد أنتجوا العديد من الأفلام الوثائقية خلال الخمسة عشر سنة الماضية ولكن هذا الفيلم كان بالذات تجربة فريدة وكان المنتجون الذين عملوا في الفريق لتوجيه الأشياء عن بُعد، يتواصلون مع الناس، والتواصل مع الناس أثناء الحرب كان صعبًا. وقد تم إنجاز الفليم في خيمة واهية.
وقال الشيّال إنه قد تم إنتاج فيلم آخر بعنوان "مستشفى الشفاء: جرائم مدفونة"، عن المذابح التي حصلت فيه وتم نقل روايات بعض من نجا من هذه المجازر الأليمة. وقال الشيّال إنه سُئل أحد الأطباء في المستشفى: ما هي رسالتك للعالم؟ أجاب بعد كل شيء ليس لدينا المزيد من الرسائل لنقدمها.
وأضاف "عادة ما يكون السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: ما الذي يمكن أن تقدمه للعالم لإقناعه بأن الإنسانية نفسها تتعرض لمذبحة؟ وأعتقد أنك تتوقف هنا للحظة، ومن الواضح أن هذا قد يبدو محبطًا، بل وقد يكون خانقًا".
وقال بأن المشكلة من جانب أولئك الذين يدعمون العدالة ولكنهم ربما لا يبذلون بالضرورة كل الجهود وكل ما يمكنهم القيام به من أجلها. معتبرًا أن ما نشهده هنا هو تهديد وجودي على جانبي الخير والشر، متخوفًا مما يحصل في الضفة الغربية حيث توجد محاولة واضحة للغاية للقضاء على الفلسطينين، "هذا ما ينطق به الإسرائيليون وغيرهم ممن يؤيدونهم، والذين يقولون إننا نريد القضاء عليهم بالكامل أو نقلهم ونقلهم وما إلى ذلك. لذا فإن هذا يوصف بوضوح شديد بأنه تهديد وجودي لهم. ومن ناحية أخرى، هناك تهديد وجودي للشر، وهو أن الشر قد تم الكشف عنه بوضوح شديد وأصبح واضحًا للغاية لدرجة أنه لا يمكن العودة إلى ما كانت عليه الأمور من قبل ما لم يقضوا على الجميع". واعتبر أن الجميع مهددون لأنهم لن يتوقفوا عن الشر.
وتابع الشيّال "فكرة الفيلم أن يتحدث شخص ما عن كيفية تسجيله لصوت الولادة الأولى حتى الموت وكل ما بينهما من أصوات نعتبرها نحن وأنت أمرًا مسلمًا به. صوت الحافلة وهي تهبط، والقطار، والطائرة، وجرس الباب، وأطفالك وهم يلعبون، وكل تلك الأصوات التي يسمعها الجميع، إذا فكرت فيها، فلن تتوقف أبدًا عن التفكير في مدى النعمة التي تتمتع بها. ثم تخيل أن كل تلك الأصوات تغلب عليها صوت الطائرة بدون طيار المستمرة، ثم الضربة المفاجئة، لصاروخ.. فكر في ذلك لثانية وربما سيعيدك ذلك إلى المنزل قليلًا لتدرك ما يمرون به".
وكان لحب الله سؤال "كيف ضمن الصحفيون المقيمون في غزة دقة ومصداقية تقاريرهم تحت ضغط الأحداث السريعة وأدوات التحقق المحدودة؟"
اعتبر الشيّال أن الأمور تجاوزت التهديدات بالقتل مشيرًا إلى وائل الدحدوح الذي قُتلت زوجته وثلاثة من أبنائه وأحد أحفاده واستمر في العمل، وسمّي "الجبل" لأنه كان قويًا ومستقرًا على الرغم من ذلك.
وقال بأن أصعب شيء هو أن تكون صحافيًا لتخبر القصة فتجد نفسك جزءًا من القصة، "الصحفيون في نهاية المطاف بشر".
وأشار الشيّال "هناك نوع من العقلية الاستعمارية البيضاء التي فرضت علينا لمحاولة جعلنا ضحايا مثاليين. أعتقد أنهم يفعلون ذلك تحت ستار الموضوعية أو الحياد. ولكن لا توجد موضوعية أو صواب وخطأ إذا كان الأمر واضحًا كما هو الحال في فلسطين". وأكد أنه لا يعرف أيًّا من الصحفيين الفلسطينيين الذين كانوا يفكرون مرتين بشأن ما يحدث أو الوقوف عند أي تهديدات.
وعبر الزووم من غزة شاركت الصحافية يمنى السيد، وهي مراسلة قناة الجزيرة في غزة: الناس لديهم القدرة على كسر التغيير. إنهم يمتلكون القدرة على جعل أصواتنا مسموعة
عن سؤال مصطفى حب الله لها "بالنظر إلى تجاربك والقصص التي غطيتها، ما هي الرسالة التي تودين إرسالها للمجتمع الدولي لسماعها بشأن الأزمة المستمرة والتي غالبًا لم يتم الإبلاغ عنها؟
أجابت يمنى السيد أن ما فعله الاحتلال الإسرائيلي منذ سنوات، وحاليًا في غزة والضفة الغربية هو المسؤولية الرئيسية للمجتمع الدولي الذي لسنوات طويلة جدًا، كان صامتًا تمامًا بشأن كل هذه الجرائم التي تُرتكب ضد الشعب الفلسطيني.
وقالت السيد: "شهدنا يوميًا تدابير وقيودًا مستمرة تحرمنا نحن الفلسطينيين من ضرورياتنا الأساسية وحقوقنا التي يتمتع بها كل شخص في جميع أنحاء العالم بحرية. الأمر لا يتعلق بالإبادة الجماعية. لقد كانت سنوات طويلة من القمع والإجراءات. لقد تم منع الناس في غزة من الذهاب إلى الضفة الغربية المحتلة أو القدس الشرقية، كما تم منع الفلسطينيين في هذه المناطق من القدوم إلى قطاع غزة".
وتابعت السيد: "لقد شاهدت أطفالًا فلسطينيين في غزة يموتون لسنوات لأننا في غزة لا نملك علاجًا للسرطان. وقد حرموا من حقهم الأساسي في الحصول على علاج منقذ للحياة في الضفة الغربية المحتلة أو القدس الشرقية في قطاع غزة".
وأشارت "لا يمكن التخطيط لحلم بسيط مثل إجازة مناسبة بسبب الإجراءات ضدنا على السفر، القيود المستمرة على البضائع للذهاب إلى القطاع، وفي بعض الأحيان تم حظر دخول الشوكولاتة والمعكرونة. لقد عشنا هذه القيود طوال هذه السنوات. هذه مجرد لمحة من حياتنا اليومية".
وأكدت السيد أن غزة كانت سجنًا مفتوحًا لمدة 18 عامًا بسبب الحصار الإسرائيلي الكامل المفروض على القطاع والحرمان من أقل الحقوق. وأشارت إلى أنه ممنوع ركوب الأمواج بينما هي أشياء عادية جدًا يستمتع بها الناس في حياتهم.
وسألت "لماذا يجب أن نشهد على استمرار الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وتوسع المستوطنات الإسرائيلية؟"
وتحدثت عن وجود شوارع مصممة للإسرائيليين وأخرى مخصصة للفلسطينيين مع مئات نقاط التفتيش التي توقفهم وتؤخرهم كل يوم وتحقق معهم دون مبرر، وقالت "صمت المجتمع الدولي على ذلك أدى إلى الأزمة التي يعيشها الفلسطينيون".
وأشارت إلى تدمير 90٪ من غزة حقًا، المنازل والبنية التحتية مدمرة، وأن أكثر من 600 ألفًا بلا مأوى في البرد والشتاء. وأنه لم لم يُسمح إلا لـ 3000 خيمة بالدخول، "نحن نتحدث عن خيام، لا نتحدث حتى عن مواد إعادة الإعمار... يمكنك أن تتخيل عدد الأشخاص الذين يعيشون حالة دائمة من اليأس، والدمار".
وأكدت السيد "المقاومة مشروعة، وهي طريقة مشروعة للقتال والاحتلال في جميع أنحاء العالم. وهي مضمونة بموجب اتفاقيات دولية منخفضة وغير قانونية. الفلسطينيون محرومون بينما عاشوا أطول احتلال في التاريخ الحديث. هذه مسؤولية المجتمع الدولي. مسؤولية كل فرد وكل مؤسسة حكومية في هذا المجتمع الدولي الذي تم إسكاته عن كل المظالم التي يعيشها الشعب الفلسطيني منذ أكثر من 70 عامًا وما زال يعيشها حتى الآن. الفلسطينيون تُركوا وحدهم بلا وسيلة ولا سلاح لمحاربة كل هذا الظلم".
وأضافت بأن تواطؤ المجتمع الدولي في الصمت أدى إلى مقتل وإصابة المدنيين الفلسطينيين الأبرياء، وتدمير منازلهم، وحرمانهم من حقوقهم حتى من علاج إصاباتهم.
وأشارت السيد أن العالم يظن أنه بوقف إطلاق النار أصبح الفلسطينيون الآن آمنين ومطمئنين، "لا أحد يدرك مقدار الدمار واليأس والظلم الذي عاشه ويعيشه الفلسطينيون. ما يشاهده الناس على شاشاتهم لبضع دقائق ويشعرون بألم لا يعكس حتى نسبة ضئيلة جدًا من المعاناة والألم الحقيقي الذي يعيشه الفلسطينيون في كل لحظة".
وقالت "ينتهي ألمك كشخص يشاهد هذه الأشياء عندما ينتهي هذا الفيديو القصير. لكن هذا الطفل المصاب والمتألم وبدون مسكنات للألم وبدون علاج طبي مناسب، يستعيد هذا الألم ويعيشه كل يوم".
وسأل مصطفى حب الله "الناس هنا وفي جميع أنحاء العالم الذين يهتمون حقًا بفلسطين يحاولون القيام بشيء ما، ماذا تريدون منا أن نفعل؟ كيف يمكننا المساعدة؟
أجابت السيد أنه طوال الأشهر الفائتة راهن الغزّيون على المجتمع الدولي، وخسرنا، "لكننا لم نخسر رهاننا عندما راهننا على الناس".
وأضافت "الناس لديهم القدرة على كسر التغيير. إنهم يمتلكون القدرة على جعل أصواتنا مسموعة لأن الطريقة التي تعاملت بها إسرائيل مع الفلسطينيين لسنوات عديدة كانت تتمثل في قمعهم واحتجازهم وإغلاق كل الطرق التي تمكنهم من التحدث وإظهار ما يمرون به للعالم وإخبار العالم به. الآن لم يعد الأمر سرًا. وأصبح كل شخص في هذا العالم الآن قادر على معرفة ما يمر به الفلسطينيون".
وأشارت السيد "لسنوات عديدة، لم تعكس وسائل الإعلام الغربية ما كان يحدث بالفعل في هذه الأراضي الفلسطينية المحتلة. هذا الأمر خطير للغاية، بل إنه جريمة في الصحافة أن تحدد ما تريد أن تبلغ به الناس وتعرضه عليهم وتمنعهم بما لا ترغب في أن تبلغ به". مشيرة إلى أن الصحافة يجب أن أداة مستقلة لإعلام الناس في جميع أنحاء العالم وإخبارهم بما يحدث، ولهم الحق في اختيار المتابعة.
وأضافت أن الفلسطينيين لا يملكون حلًا لقضيتهم، وما فعلوه أنهم يقاتلون منذ أكثر من 70 عامًا "وكل هذه الأجيال التي عاشت هذا الظلم يومًا بعد يوم، ما زالت تريد القتال من أجل التحرر من هذا الاحتلال. هل هذا حق مشروع؟ إنه الحق الطبيعي الوحيد لكل إنسان حر. ولكننا الآن بحاجة إلى الناس في جميع أنحاء العالم لمواصلة الحديث عن فلسطين، ومواصلة الحديث عن القيود التي لا يزال الفلسطينيون يعيشون معها، والمعاناة التي لا يزالون يمرون بها حتى يومنا هذا".
وأشارت السيد إلى الفوائد التي حصل عليها الفلسطينيون من وقف إطلاق النار وهي شاحنتان تحملان الطعام للفلسطينيين الذين كانوا يتضورون جوعًا، وهذا ظلم في حق الإنسانية، يبدو الأمر وكأن إسرائيل تفعل شيئًا حسنًا للفلسطينيين.
وبيّنت معاناة الغزّيين حيث لا منازل ولا مأوى ولا رعاية طبية، ولا بنية تحتية، وليس لديهم ماء، "ماء، مجرد مياه شرب، ومياه للاستخدام في النظافة، هي معاناة هائلة في قطاع غزة". وقالت "كل شخص يشعر بالدفء الآن فكر أن الآلاف من الفلسطينيين في غزة يعانون من البرد تحت المطر.. والاضطرار للنزوح من مكان إلى آخر دون إيجاد ملابس شتوية لأطفالك".
وقالت السيد بأن غزة لا تزال محاصرة، مع الدمار واليأس، "ما حصل أن الفلسطينيين عاشوا في الأشهر الماضية ظروفًا أسوأ من قبل. لذا، يتعين على كل فرد يتحمل مسؤولية استمرار الحديث عن هذا الحصار".
وختمت "نحاول أن نجعل أصواتنا مسموعة. النضال ضد الحصار هو نضال من أجل الإنسانية. إنه نضال من أجل حرية كل إنسان. إنه نضال من أجل إنسانيتك".
بعد الحلقة الحوارية كان للمراسلين الصحافيين أنس الشريف ووائل الدحدوح كلمة مسجلة عبر الشاشة.
أنس الشريف: للكنديين دور مهم في إثارة القضية الفلسطينية والتوعية عليها والتأثير على الرأي العام
منذ انطلاقة الحرب على غزة كان أنس الشريف شاهدًا على مآسي الغزّيين، وعلى استشهاد رفاقه من الصحافيين.
في كلمته للحضور قال أنس الشريف إن الاحتلال لم يكتف بتدمير المباني وارتكاب المجازر، بل دمّر الجامعات والمدارس والمعاهد ورياض الأطفال بهدف زيادة الجهل لدى المواطن الغزّي. وأضاف بأن الغزّي يبحث عن مدرسة ولا يجد فقد قام الاحتلال بإحراق المكاتب التعليمية كلها، ما أثّر على الجميع، وهذا الأمر لا تزال آثاره حاضرة في غزة، مشيرًا إلى أن الطالب يتجول من منطقة لأخرى ليحصل على أدنى المقومات التعليمية بعد تدمير كل المراكز التعليمية، خصوصًا المراحل التأسيسية، وأن هذه المرحلة التي تأثرت بشكل كبير.
وأكد الشريف بأنه يجب على الجميع التضامن مع أهل غزة الذين عانوا من هذه الحرب والتي لم تتوقف آثارها ومعاناتها ولا تزال متواصلة، معتبرًا، أنه يجب وجود ضغط سياسي كبير لحل قضية غزة وقضية فلسطين وإعادة الإعمار، خاصة أن الاحتلال دمّر كل مظاهر الحياة، دمّر البيوت وجرف البنى التحيتة وأحرق المدارس والمساجد واعتقل الأطباء والصحافيين، وكل هذه الأمور أثّرت على الوضع المعيشي، وهناك استغاذات من الناس لضرورة إنقاذهم، "يجب على الجميع أن يتضامن للتخفيف من هذه المعاناة، والأهم هو الضغط السياسي لانهاء هذه المعاناة".
واعتبر الشريف أن للكنديين، خاصة قادة الرأي والأكاديميين والطلاب الكنديين، دور مهم في قضية غزة وإثارة القضية الفلسطينية للتأثير على الرأي العالمي وتوعية العالم على قضية غزة. مضيفًا أنه من المهم توظيف هذا الدور لحماية القضية الفلسطينية وإحيائها، وإلى إعادة الإعمار وإعادة الحياة لقطاع غزة.
وقال الشريف بأن الاحتلال الإسرائيلي أعدم كل مقومات الحياة في كل مكان بغزة، ولكن المواطن الغزّي بقي صامدًا رغم افتقارها لمقومات الحياة، ومن هنا يأتي "دور الأخوة الكنديين والطلاب لتسليط الضوء على معاناة المواطن الفلسطيني، وأن تكون القضية الفلسطينية حاضرة في المحافل الدولية".
وأشار الشريف إلى الصعوبات التي يمرّ فيها أهل غزة، حيث لا يوجد منازل ليعيش فيها أهل غزة، ومقومات الحياة غير متوفرة، وهناك صعوبة في الحصول على المياه والطعام والفراش. وأكّد أن الاحتلال فجّر آبار المياه، وأن المساعدات شحيحة لا تكفي شعب غزة والوصع الصحي سيء حيث المستلزمات الطبية غير متوفرة.
وأنهى الشريف حديثه بالقول "رغم هذه الصعوبات المستمرة ورغم خطورة الوضع الذي نعيشه، نحاول التأقلم على هذه الحياة، ومحاولة التغلب على المعاناة، وبالتالي لم نخرج طوال 15 شهرًا من المجازر، ولن نخرج، وقال بأنه بعد وقف إطلاق النار "نعيش معاناة إلى أين نذهب ونتجه" مؤكدًا على ضرورة دعم الجميع ومساندة الفلسطيني الذي أصّر على البقاء، وتشكيل رأي عام لإعادة الإعمار، مؤكدًا على أهمية الوقفات الطلابية الجامعية لتوعية الجميع.
وائل الدحدوح: إن كان من درس نتعلمه من قطاع غزة هو أن الطبيب لم يعد طبيبًا موظفًا والإعلامي لم بعد إعلاميًا موظفًا
عمل وائل الدحدوح تحت القصف مراسلًا لقناة الجزيرة وقد أصيب خلال تغطيته الحرب، وفقد الدحدوح زوجته آمنة (أم حمزة)، وابنه حمزة الذ يكان يعمل مراسلًا لإحدى القنوات الفضائية، وابنه محمود البالغ 16 عامًا، وابنته شام ذات الأعوام الستة، وكذلك حفيده آدم وهو رضيع قدم إلى الدنيا قبل 45 يومًا من استشهاده.
في كلمته للحاضرين قال الدحدوح إن عمله الصحافي في غزة هو "تجربة إنسانية وإعلامية فريدة غريبة غير مسبوقة وغير متوقعة وغير معاشة، وبالتالي كانت مكلفة باهظة الثمن".
وأشار الدحدوح بأن الوضع الإنساني في غزة كارثي وغير مسبوق، وهناك أعداد كبيرة من القتلى والجرحى، ومنن فقدوا عائلاتهم ومُسحت من السجل المدني، وأكثر من 70 بالمئة من منازل غزة دمرت.
وأكد الدحدوح بأنه من بين كل هذه المأساة، عاش الصحافيون مأساة حقيقية داخل هذه التجربة الإنسانية، وكانت خسائرهم عالية ودفعوا أثمانًا باهظة من لحومهم ودمائهم وكدّهم وسهرهم، هم وأسرهم دفعوا أثمانًا باهظة، وأكثر من 205 من الصحافيين والصحافيات استشهدوا في هذه الحرب ولا يزال عشرات الجرحى منهم لا يزالون يعالجون داخل القطاع وخارجه، وأن هناك عشرات الصحافيين داخل المعتقلات الإسرائيلية ودفعوا أثمانًا غالية لهذه الرسالة.
واعتبر الدحدوح أنه في كل هذه التجربة المؤلمة والموجعة والمحزنة "نقطة الضوء والوجه المشرق هو أن الصحافيين الفلسطينيين كانوا على قدر المسؤولية، وتمكنوا من مواصلة دورهم رغم كل هذه الأثمان الباهظة، استمر الصحافيون بالعمل، هذا هو الدرس الذي بنبغي لنا كأجيال أن تتعلمه وتستوعبه وتمارسه. لم نعد بحاجة لأطباء موظفين وصحافيين موظفين ومعليمن موظفين. إن كان من درس نتعلمه من قطاع غزة هو أن الطبيب لم يعد طبيبًا موظفًا، حيث وضع روحه على كفه وقام برسالته الإنسانية إلى جانب وظيفته. والإعلامي لم يعد إعلاميًا موظفًا، كان في هذه المأساة هو العين والأذن والقلم والصوت الذي يعبّر عن واقع غزة المأساوي ولكنه دفع ثمنًا من أجل هذه الرسالة فكان صحافيًا رساليًا، بمعنى أنه صاحب رسالة وصاحب واجب وقام بذلك على أكمل وجه.
وختم قائلًا "نتمنى أن يكون هذا الدرس قد وصل إليكم ووصل لكل قطاعات جماهيرنا العربية ولكل حر أمثالكم في كافة أرجاء المعمورة".
319 مشاهدة
09 فبراير, 2025
425 مشاهدة
30 يناير, 2025
419 مشاهدة
27 يناير, 2025