Sadaonline

التجمّع السنوي في مزرعة الأستاذ حسن غيّة: مساحة لالتقاء الجالية العربية ودعم غزة

حضور كبير في مزرعة الاستاذ غية

دارين حوماني ـ سانت ريمي - كيبك 

بدعوة من المهندس والمستشار القانوني حسن غيّة وبعثة مونتريال المجتمعية MCM اجتمع المئات من أبناء الجالية العربية من مونتريال الكبرى وضواحيها في مزرعة غيّة الواقعة بمنطقة سان ريمي، يوم السبت 20 أيلول/ سبتمبر، إضافة إلى حضور كندي غير عربي.

عُقد هذا التجمّع السنوي وسط أجواء حميمة وودية، وكان مناسبة للتضامن مع غزة، إذ شدّد غيّة في لقائنا معه على أهمية دعم أهل غزة، فقال: "اليوم، مع وجود وسائل التواصل الاجتماعي، أصبح أهل غزة بمثابة جيراننا المباشرين. جيراننا ليسوا فقط جائعين، بل أيضًا عطشى، بلا مأوى، بلا كساء، بلا دواء، ونحن نعلم ذلك. فالمسألة لم تعد ترفًا أو مجالًا للنقاش السياسي. لقد تخطّت السياسة. الآن المسألة وجودية: نكون أو لا نكون".

كما التقى موقع صدى أونلاين عددًا من الحاضرين حيث عبّروا عن مشاعر الانتماء والحنين والوحدة، مؤكدين أن فلسطين تبقى القضية الجامعة مهما باعدت بينهم المسافات.

حسن غيّة: العلم اللبناني إلى جانب العلم الفلسطيني في هذا اللقاء، ليعرف الجميع أننا جبهة واحدة

حول فكرة تنظيم هذا اللقاء السنوي، قال غيّة لصدى أونلاين:

بدأنا هذا النشاط في حدود عام 2010 تقريبًا، ومنذ ذلك الحين نقيم في كل عام لقاءً مجانيًا يجتمع فيه الناس من مختلف الجاليات، وعلى وجه الخصوص من أبناء الجالية العربية والإسلامية، مع حضور بعض الأشخاص من جاليات أخرى كذلك. الهدف الأساس من هذا اللقاء هو التعارف وتعزيز العلاقات الاجتماعية.

وطبيعة اللقاء أنه مجاني، إلا أنّه في كل عام يكون هناك اهتمام بدعم قضية من القضايا. فعلى سبيل المثال، في العام الماضي كان الهدف دعم لبنان أثناء العدوان الإسرائيلي الغاشم عليه، حيث قمنا بجمع التبرعات لمساندة لبنان. وللمفارقة، فقد صادف يوم اللقاء إعلان نبأ استشهاد السيد حسن نصرالله، فكان السؤال الذي طُرح حينها: هل نلغي النشاط؟ وفي اللحظة الأخيرة أرسلنا رسالة للناس وقلنا لهم: هذا ليس احتفالًا، بل هو لقاء جماهيري لدعم أهلنا في لبنان وغزة في هذا المصاب الأليم، وهم أحوج ما يكونون إلى مساعدتنا. ولذلك قررنا أن يستمر اللقاء، ولكن على أن يكون للتبرع والدعم، وهذا ما حصل بالفعل في العام الماضي.

أمّا هذا العام، فقد كان الهدف جمع التبرعات لمساندة أهلنا في غزة. وقد تحدثتُ مرارًا أثناء اللقاء أحثّ الناس على التبرع لأهلنا هناك، هؤلاء الذين يجودون بالغالي والنفيس، بأرواحهم وبيوتهم وأطفالهم. فقلت لهم: على الأقل لنكن معهم بما نستطيع، فنتبرع ببعض الدولارات تخفيفًا لمصابهم وآلامهم، في تأكيد على واجبنا تجاه أهل غزة. ونسأل الله تعالى النصر والفرج لغزة ولبنان ولسائر منطقتنا.

وعن تفاعل الناس عامًا بعد عام، قال غيّة:

من سنة إلى أخرى يزداد العدد، لأن من يحضر اللقاء يسرّ بالتجربة فيعود مرة أخرى، وغالبًا يأتي في المرة التالية برفقة أصدقائه أو أقاربه. على سبيل المثال، في العام الماضي حضرت عائلة واحدة، أما هذا العام فقد حضرت معها عدة عائلات أخرى. وهذا الأمر يبهج الصدر، إذ يدلّ على أنّ للنشاط قيمة ودورًا فعّالًا في صفوف الجالية. فنحن نبتعد عن الثرثرة والغوغائية وحبّ الظهور، ونعمل بصمت. وأول ما يبهجنا أنّنا نرى البسمة على وجوه الأطفال، يكفي أن يتعارفوا ويلعبوا مع بعضهم البعض. يكفينا أيضًا أنّ الناس يجتمعون هنا ويؤدون صلاة الجماعة، خاصةً في ظل الضغوط الاجتماعية والسياسية المفروضة على جاليتنا في هذه الأيام.
هنا نصلي جماعة بالمئات، وبكل حرية، لأن المكان ملكية خاصة. ويرى أبناؤنا آباءهم يصلون في العلن، وهذا أمر يربّيهم على الدين والحرية معًا، والحمد لله على هذه النعمة.

وعن أهمية لقاء الجاليات العربية ببعضها، أشار غيّة:

هناك تباعد بين الناس، ولهذا اللقاء أهمية كبيرة. فغالبًا ما تكون أنشطة الجالية في قاعة أو مسجد، يجلس فيها الحاضرون إلى طاولاتهم، ويُلقي خطيب أو متحدث كلمة، والناس يستمعون أحيانًا، ويغفلون في أحيان أخرى، فلا يحصل التفاعل المطلوب. أما هنا، فلا توجد خطابات رسمية ولا منصة، بل يتفاعل الناس مع بعضهم البعض، ويتبادلون الحديث، والأولاد يلعبون بحرية. والمكان متسع ومجهّز بما يلزم: من قاعة استقبال، وحمّامات، ومياه، وكهرباء، وموقف سيارات، مما يجعل الأمور أكثر سهولة وراحة للزوار.

هذه اللقاءات مهمة جدًا؛ فهي فرصة يتعرّف فيها الناس على بعضهم البعض من جديد. في العام الماضي مثلًا، التقى هنا شخصان كانا زميلين في الثانوية في لبنان، وقد جمعهما اللقاء بعد أكثر من خمسين عامًا. وفي عام آخر جاءنا أحد الإخوة من موريتانيا، وكان معنا في الجامعة، فالتقى هنا بكثير من زملائه القدامى. وفي مناسبة أخرى اتصل بي أحد الأصدقاء القدامى الذي كان معنا في الجامعة، وقال إنه في عطلة قصيرة، فدعوتُه إلى المجيء، فجاء وحضر معنا صلاة الجمعة في البستان. وبعدها قال لي: "هذا أسعد يوم في حياتي".

لذلك هذه اللقاءات لها قيمة عظيمة. فنحن في غربة، واللقاء في مطعم أو قاعة مغلقة لا يعطي الروح نفسها ولا الحرية نفسها. أما هنا فالأمر مختلف. لقد رأيتِ بنفسك وجوه الناس، حتى ونحن نقترب من مغيب الشمس، ملامحهم ما زالت مشرقة بالبهجة والرضا.

وتابع غيّة حديثه قائلًا:

الناس لا ينظرون إلى هذا اللقاء على أنه نشاط عابر يبدأ وينتهي. بل هو مناسبة للقاء الإخوة والأصدقاء القدامى. على سبيل المثال، هناك اثنان كانا معي في مدرسة الصنايع في الدكوانة بين عامي 1968 و1972. وجاءا من الولايات المتحدة إلى هنا. نحن نعرف بعضنا منذ أكثر من خمسين عامًا، وما زال التواصل قائمًا. هذه اللقاءات تجمع إخوة يعرفون بعضهم منذ زمن بعيد، فيلتقون من جديد بعد عقود من التباعد.

وعن أهمية هدف اللقاء هذا العام بالتضامن مع غزة، خاصةً في ظلّ اعتياد الناس على ما يحصل في غزة وكأن لا مجازر يومية ولا حصار وتجويع ومعاناة هناك، قال غيّة:

أنا لا أريد أن يُفهم الأمر على أنه تدخل في السياسة. هذه ليست سياسة، بل هي حياة الناس. أليس الحديث الشريف يقول: "لا يؤمن أحدكم حتى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه؟"، وفي حديث آخر: "ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع وهو يعلم به". اليوم، مع وجود وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت وشبكات الاتصال، أصبح أهل غزة بمثابة جيراننا المباشرين. بل أصبحوا بيننا. جيراننا ليسوا فقط جائعين، بل أيضًا عطشى، بلا مأوى، بلا كساء، بلا دواء، ونحن نعلم ذلك. فالمسألة لم تعد ترفًا أو مجالًا للنقاش السياسي. لقد تخطّت السياسة.

الآن المسألة وجودية: نكون أو لا نكون. نحن لا نتحدث فقط عن عروبتنا أو إسلامنا، بل نتحدث عن إنسانيتنا نفسها. هل ما زلنا بشرًا؟ أم انحدرنا إلى مستوى الحيوانات المفترسة؟ لهذا السبب، نستغل مثل هذه الفرص لتوجيه رسالة واضحة وحاسمة: إنّ علينا نحن المقيمين هنا في أمريكا الشمالية مسؤوليات كبيرة، ويجب ألا نتهرب منها.

أمام هذه المسؤوليات، لا بد أن نوصل الصوت بأي طريقة، وأن يكون هناك تضامن حقيقي. كما ترين، رفرف العلم اللبناني إلى جانب العلم الفلسطيني طوال اللقاء، ليعرف الناس أننا جبهة واحدة. أما أولئك الذين يقولون "ما شأننا بفلسطين"، فليعلموا أن الفلسطينيين لم يضحّوا وحدهم، بل حتى في لبنان دفعنا الثمن. هذه المذابح لا تتوقف عند حدود فلسطين. ولن يكتفي الصهاينة بفلسطين.

اليوم، المتغطرسون الذين يقودون السياسة في إسرائيل يقولون علنًا ما كانوا يخفونه سابقًا. لقد كانت هذه عقيدتهم منذ تأسيس الحركة الصهيونية، لكنهم في الماضي كانوا يختبئون وراء الكلمات ويدجّلون على العالم، فيصدّقهم الناس. أما اليوم، فهذه الحكومة الإسرائيلية تعلن بصراحة أنها تسعى لتحقيق "نبوءة التوراة" بإقامة "إسرائيل الكبرى" من النيل إلى الفرات. حتى نتنياهو، في خطابه في الأمم المتحدة، عرض خريطة تشمل أراضي فلسطين وأجزاء من مصر والسعودية والأردن والعراق وسوريا. فمتى سيستيقظ الناس؟ متى يدركون أنه إذا تخلّينا عن غزة، فإننا نتخلى عن أنفسنا؟

يتحدثون عن "ضمانات دولية": ضمانات من الولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا. لكن ماذا حصل عندما خرج المقاتلون الفلسطينيون من بيروت، وجاءت القوات المتعددة الجنسيات كضامن؟ الجيش الإسرائيلي دخل، وتبعه القتلة إلى مخيمي صبرا وشاتيلا، حيث ذُبح النساء والأطفال في بيوتهم وعلى أسرّتهم. أين كانت الضمانات حينها؟ هل نفعت ضمانات الولايات المتحدة؟ هل نفعت ضمانات فرنسا؟ لم تنفع شيئًا.

العالم لا يحترم إلا من يملك القوة. خذي مثال الأندلس: عندما خرج المسلمون من غرناطة، ووقّع آخر ملوك الطوائف اتفاقًا يضمن الحرية الدينية والملكية الفردية، بل حتى البابا نفسه ضمن هذا الاتفاق. لكن ما الذي حدث بعد خروج المسلمين؟ وقعت المذابح، وأُقيمت محاكم التفتيش. هذه الضمانات لم تكن تساوي الحبر الذي كُتبت به. واليوم، يتكرر المشهد ذاته. لذلك آن الأوان لأن نستيقظ.

***

مشاركات الحاضرين

التقى موقع صدى اونلاين مع عدد من الحاضرين، وكانت هذه المشاركات.

مالك أبي صعب: الهدف الأساس هو دعم فلسطين، وتحديدًا دعم غزة.

قال البروفسور في جامعة ماكغيل مالك أبي صعب، وأحد مؤسّسي "المجلس التنسيقي من أجل فلسطين" CC4P:

الفكرة عظيمة حقًا، فهي تجمع الناس معًا، وخاصة أنّ الحضور كان متنوعًا من مختلف الجنسيات تقريبًا؛ فقد كان هناك من أفريقيا، ومن أميركا اللاتينية، ومن الشرق الأوسط، ومن أماكن كثيرة، إضافةً إلى الكنديين طبعًا. الجميع حضر وهو يدرك أنّ الهدف الأساس هو دعم فلسطين، وتحديدًا دعم غزة.

ليت مثل هذه الفعالية تتكرر دائمًا. نشكر الحاج حسن لأنه يفكر في هذه المبادرة وينظمها كل عام. هذه السنة كانت التجربة مميزة، خصوصًا أنّ الدعوة وصلت إلى عدد كبير من الناس، وجاءت باصات مدرسية أيضًا. هذه الظاهرة يجب تكرارها، وأي عمل يجمع الناس ببعضها له أهميته.

هذا اللقاء كان مناسبة للتعارف، إذ التقينا أشخاصًا من الجالية، ومنهم من يدير مراكز ثقافية، وآخرون يفكرون في خوض الانتخابات البلدية المقبلة. لكن، بالرغم من كل ذلك، فإنّ الشقّ الأساسي كان ولا يزال غزة. الجميع عبّر عن دعمه لغزة، وعن غضبه واستنكاره لما يحدث، وعن شعورنا بالعجز لأننا لا نستطيع أن نفعل الكثير.

تأثرت بعد عودتي، وأنا أفكر في غزة، بحثت عن صوت فيروز وهي ترتل "لا تتركني، لا تنساني، يا شمس المساكين". نبكي بسبب حجم المجازر وصمت العالم والدول، والحكومات، شيء يفوق الاحتمال. أنا متأثر منذ أن رأيت صورة الصبي النازح في غزة وهو يحمل أخاه طفلًا على ظهره. صحيح أننا نتظاهر، الكثير يتظاهرون، ولكن أين الحكومات؟ أين الأصوات؟

الآن يتحدثون عن "حلّ الدولتين" للتنفيس عن الشعوب. أي دولة فلسطينية؟ وأين سيضعونها؟ لا شيء سوى أوهام وتنفيس، حتى ينسى الناس أنّ إسرائيل تنفّذ إبادة جماعية.

لهذا السبب، أنا أشجّع كثيرًا مثل هذه المبادرات التي يقوم بها الشيخ حسن. وأدعو أن تتوسع أكثر. فقد دعا هذه المرة عددًا كبيرًا من الناس، ليس فقط من تيار أو توجه واحد، بل حتى من أحزاب مختلفة، دينية وسياسية واجتماعية. كان الحضور متنوعًا جدًا. الجميع جاءوا، واستفادوا من هذا البستان، وقطفوا، وأكلوا، وفرحوا.

هذه الجهود تعكس ضميرًا حيًّا وحبًا للمساعدة. صحيح أننا لا نعرف ماذا يمكن أن نفعل لغزة من هنا، لكن على الأقل نلتقي ونصرخ نعبّر عن مواقفنا. وهذا هو أقصى ما يمكن أن نفعله هنا.

إنعام حلّس (فلسطين- غزة): تسليط الضوء على غزة من خلال مثل هذه الفعاليات أمر بالغ الأهمية

جاءت السيدة إنعام حلّس من غزة قبل حوالي السنتين، وقالت عن هذا اليوم:

في هذا اليوم الطيب، اليوم الجميل، وبرغم كل الصعاب والظروف القاسية، كما نقول، من قلب الظلمات نتطلع إلى النور، ومن جحيم المعاناة في غزة الحبيبة نتمنى أن نعيش في دولة يحكمها القانون، وترفرف في سمائها راية الحرية والاستقلال.

لقد كان هذا يومًا رائعًا جدًا. وأودّ أن أشكر صاحب هذه المزرعة وصاحب هذا المكان، الحاج حسن غيّة، جزاه الله كل خير على جهوده الطيبة، وعلى هذا العمل الذي يحرص على إقامته كل عام. أقول له: كل عام وأنت بخير، وبيتك ومزرعتك عامرة دائمًا ومفتوحة لجمعة الناس الطيبة.

فالناس هنا لا يجتمعون فقط من أجل قطف العنب أو الفواكه من المزرعة، بل يكفي أننا نتجمع ونتعارف ونتواصل مع بعضنا البعض. لقد تعرّفنا اليوم على أشخاص جدد، ومن جنسيات عربية وإسلامية متعدّدة، وهذا بحد ذاته نعمة كبيرة أحمد الله عليها. فأنا أحبّ الناس كثيرًا، وأحبّ أن أراهم وأجتمع معهم.

كلمتي موجّهة للحاج حسن ولكنها موجّهة للجميع أيضًا، أودّ أن أؤكد أنّ هدف هذا اللقاء لم يكن مجرد لقاء اجتماعي، بل كان له رسالة أعمق، تسليط الضوء على ما يجري في غزة. وهذا أمر بالغ الأهمية. فالوضع في غزة ليس مأساويًا فقط، بل كارثيًا بكل معنى الكلمة. غزة تُباد في صمت، والإعلام لا يغطي معظم المناطق التي صارت منسية وأصبحت مختفية، ولا يعرف أحد عنها شيئًا.

أنا واحدة من أولئك الناس، بيتي في حي الشجاعية، ومنذ أكثر من ستة أشهر لا نعرف شيئًا عن حاله، ولا عمّا تبقّى فيه من أمتعة وذكريات. لا نعرف شيئًا عن الناس هناك: من بقي حيًّا، ومن استشهد. الوضع هناك كارثي إلى أبعد الحدود.

لذلك، فإنّ تسليط الضوء على غزة من خلال مثل هذه الفعاليات أمر بالغ الأهمية. لقد شعرتُ أنّ لقاء هذا العام لم يكن عاديًا، ومختلفًا عن السنوات السابقة، كان أشبه بمهرجان، بل مظاهرة كبيرة، مظاهرة جماهيرية ضخمة. فالناس تحرّكوا، وتعرّفوا على بعضهم، وتفاعلوا، ولم يكتفوا بالجلوس متفرّجين.

وإن شاء الله، يكون هذا العمل في ميزان حسنات القائمين عليه، وأن يصل أثره إلى أهلنا في غزة. ونحن بدورنا نؤكد أنّ وقفتنا معهم لن تتوقف، وأي جهد أو حركة نقوم بها يجب أن تكون دائمًا في الميدان إلى جانبهم، وألا ننساهم أبدًا.

 

نسمة السقا (فلسطين- غزة): تبدّد شعور الغربة للحظات، وشعرت بالانتماء والدعم

جاءت السيدة نسمة السقا (وهي أستاذة جامعية سابقًا في غزة وطالبة حاليًا في جامعة ماكغيل) من غزة منذ نحو عام بعد أن شهدت الحرب الوحشية لعام كامل، وكانت تعيش قرب مستشفى الشفاء. في حديثنا معها، قالت:

بطبيعة الحال، فإنّ الظروف القاسية وما يجري في أرضنا حتى الآن لم تكن لتسمح لي بالمشاركة في أي أنشطة أو فعاليات. لكنني قلت لنفسي: لا، يجب أن أخرج وأتعرف على المجتمع الموجود هنا.

وصراحة، كانت مفاجأة غير متوقعة. فجأة أحسست كأنني عدت إلى بلادي، مشاعري انسجمت تمامًا مع الأجواء والجماعة هنا. وجدت الكثير من الدعم، والكثير من الإيمان بقضيتنا وبوضعنا، والكثير من التعاطف الحقيقي. وهذه بالضبط هي الأشياء التي نحتاجها، خصوصًا بعد تجربة النزوح والخروج القاسي من قلب بلادنا وأهلنا، والتي تركت فينا صدمة تشبه التروما، الصدمة النفسية العميقة.

لكن اليوم شعرت بشيء مختلف؛ كان شعورًا جميلًا لا يوصف. نحن فعلًا بلد واحد، بل الشرق الأوسط كله بلد واحد، والعالم العربي بأسره بلد واحد. في لحظات تبدّد شعور الغربة الذي أثقلني، وشعرت بالانتماء والدعم.

رأيت أنّ الجميع هنا يتحدثون العربية، ومن مختلف البلدان، لكننا جميعًا كنّا كأننا على روح واحدة، مهما قسّمونا ووضعوا لنا أسماءً أو أعلامًا أو حدودًا فرضوها علينا. المهم أنّ الشعور بالوحدة والروح الواحدة كان طاغيًا ورائعًا. هذا منحني طاقة إيجابية كبيرة، وجعلني أشعر بتحسّن واضح، وأن أعود بطاقة أقوى لأتابع رسالتي، سواء في دراستي أو مع أولادي.

بان قزويني (العراق): مهما حاولوا أن يفرّقونا، سنبقى واحدًا

علّقت السيدة بان قزويني على التجمّع السنوي، قائلة:

أنا مقاطعة لكل الفعاليات واللقاءات المختلفة، ولكن ما حرّكني اليوم، وما جاء بي إلى هنا، هو فلسطين. لقد رأيتُ بالفعل أنّ حبّ فلسطين يجمعنا، وهذا أجمل ما في الأمر. شاهدتُ هنا من جميع الجنسيات العربية، وتيقنت أنه عندما يتركنا الغرب وشأننا، نكون قلب رجل واحد. كلنا نخوة وكلنا محبة. وعلى الرغم من اختلاف الجاليات، فإننا نشعر كأننا واحد حقًا. نحن واحد، ومهما حاولوا أن يفرّقونا، سنبقى واحدًا. عاشت كندا.

عبد الحميد دبوسي (لبنان): الحاج حسن غية جمعنا ووحّدنا

بدوره، قال السيد عبد الحميد دبوسي:

الحاج حسن الغيّة شخصية معروفة في كندا، بل هو من الأوائل الذين فتحوا الطريق هنا من الجيل الأول للمهاجرين. بيني وبينه معرفة وقرابة طيبة. وهذا اللقاء هو أجمل جمعة، إذ يجمع كل أبناء الجالية المسلمة من المشرق إلى المغرب العربي. قد يقول البعض "شو جمع الشامي على المغرب"، لكن الحاج حسن غية جمعنا ووحّدنا. لقاء جميل ومبارك ومليء بالخير، ونتذكر فيه، ولو كنا في الغربة، إخواننا في غزة، وهنا علما لبنان وفلسطين. هذا التمازج بيننا يعطينا قوة وأملًا.

فاطمة القاضي (أرتيريا): هذا عرس ثقافي، الجالية العربية كلها في مونتريال اجتمعت في مكان واحد، وكلهم قلب واحد

وأعربت (الإعلامية سابقًا) فاطمة القاضي عن أهمية هذا اليوم، وقالت:

للأمانة، هذه هي المرة الأولى التي أشارك فيها في هذا اللقاء أو ما يسمّى لقاء "قطاف التفاح" أو "تجميع الفواكه". لقد مضى لي في كندا عشر سنوات، وهذه أول مرة أقرر أن أحضر. والشيء الذي أعجبني كثيرًا هو أنّي شعرت به كأنه عرس ثقافي. أحسست أنّ الجالية العربية كلها في مونتريال اجتمعت في مكان واحد، وكلهم قلب واحد؛ الجميع سعداء، يأكلون معًا، يتبادلون السلام والمحبة. وهذا أكثر ما أحببته.

تعرّفت على أشخاص كُثُر أفخر بهم، وكانت فرصة جميلة أن أرى الجالية العربية كلها متواجدة في مكان واحد. وتعرفت على النخبة التي أفخر بها بكل صراحة. بصراحة لم أقطف التفاح لكننا استمتعنا جدًا. بالنسبة لي، كنتُ في "مزرعة التفاح" ورأيتُ الناس الذين أحبهم، وهذا هو الأهم.

هناء الرملي (فلسطين- الأردن): هذا مؤتمر اجتماعي ولكن بروح وبهجة العيد

وقالت الكاتبة هناء الرملي إنها المرة الأولى التي تشارك فيها، وأضافت:

أحببت الأجواء كثيرًا. شعرتُ وكأنني في إحدى بلداننا العربية، مع هذا التنوع الكبير في الجنسيات، وكأن المشهد أشبه بأول أيام العيد. التقيتُ بأشخاص أحبهم ولم أرهم منذ زمن طويل، كما تعرفتُ على آخرين سعدتُ بالتعرف إليهم. تبادلنا أرقام الهواتف، واتفقنا على البقاء على تواصل.

كان الأمر فعلًا مختلفًا عمّا نراه في المؤتمرات التقليدية التي تُعقد عادة للتشبيك أو ما يُعرف بالـ"Networking" هنا شعرتُ وكأنه مؤتمر اجتماعي ولكن بروح وبهجة العيد، جوّ اجتماعي ترفيهي مليء بالبهجة والحميمية بين جنسيات عربية متعددة.

أن ترى أناسًا من بلدان عربية متنوعة، في مكان واحد، يجعلك تشعر بالدفء وكأننا عائلة واحدة. هذا اللقاء أيقظ مشاعر الحنين والحميمية إلى أوطاننا. فأنا، بطبيعتي، أنتمي لكل الوطن العربي، وكل شخص من أي بلد عربي أشعر أنه من بلدي، بل أشعر أنه فلسطيني مثلي. هذا هو إحساسي الصادق هنا: أنني أنتمي لكل البلاد، وكل إنسان من هذه البلاد يعنيني حقًا.

أماني ساتي (السودان): كلنا ندفع أثمانًا لمخطط جنوني، صحيح أنه يبدأ من غزة، ولكن النار ستحرقنا كلنا في النهاية

وعبّرت أيضًا السيدة أماني من السودان عن سعادتها، قائلة:

أنا في غاية السعادة اليوم لأنني تعرّفت على مجموعة "أقلام عربية"، ومجموعات من أشخاص يرون الأمور أبعد مما تبدو عليه في ظاهرها، وينظرون إليها بعمق أكبر دائمًا. أشخاص يستشعرون وجع الإنسان، وتجمعهم الإنسانية قبل كل شيء، كما تجمعهم الهموم المشتركة، لأن هموم الإنسان في النهاية واحدة.

أنا سعيدة جدًا بهذا اللقاء، فقد أتاح للناس أن يلتقوا بأصدقائهم الذين لم يتمكنوا من رؤيتهم منذ زمن طويل بسبب الانشغالات والمشكلات التي تفرضها الحياة في هذه البلاد.

ومن المهم الإشارة لقضية غزة ولقضايا العالم العربي. العالم العربي مليء بالمشاكل، اليمن تعاني وتدفع ثمنًا كبيرًا، السودان تعاني. كلنا ندفع أثمانًا لمخطط جنوني صحيح أنه يبدأ من غزة، ولكن النار ستحرقنا كلنا في النهاية، والذي لم تصله النار إلى داره بعد، لا يجب أن يعتقد أن النار لن تصل إلى داره، ولكن الناس في غفلة للأسف. وأنا سعيدة جدًا في هذا اليوم، كان يومًا جميلًا ومميزًا بالنسبة لي.

المحامي نزار ساعاتي (العراق): هذا اللقاء يشكّل مناسبة نتذكر فيها معاناة أهلنا في غزة

وعلّق السيد نزار ساعاتي:

إنها جلسة طيبة بالفعل، ولها قيمة كبيرة. فهي تتكرر كل عام، وفي هذا العام بشكل خاص تم تسليط الضوء على غزة، إلى جانب مواضيع أخرى. أما بالنسبة لي، فقد اعتدت أن أشارك في هذا اللقاء السنوي، وأنا سعيد جدًا بهذه المبادرة التي أصبحت فرصة مهمة للاجتماع والتعارف بين أفراد الجالية.

وبالنسبة لقضية غزة، فهذا اللقاء يشكّل مناسبة نتذكر فيها معاناة أهلنا هناك، ونعبّر عن تضامننا معهم. كما أنه يوجّه رسالة أيضًا، فحضور الناس بكثافة يذكّر الحكومة الكندية بموقفنا من هذه القضية.