دارين حوماني ـ مونتريال
تحت شعار "معًا من أجل كندا"، نظّم مكتب مكافحة الإسلاموفوبيا في كندا، في "المركز الكندي لتنمية وتطوير الشباب" CYD فعالية عرض فيلم "العمل، النجاح، الوقوف معًا من أجل كندا" Working, Succeeding, Standing, Together for Canada، للمخرج إدواردو ألفيز Eduardo Alves بحضور ممثلة مكافحة الإسلاموفوبيا السيدة أميرة الغوابي، وعدد من الشخصيات الإعلامية، إلى جانب جمهور ملأ القاعة. تخللت الفعالية حلقة نقاش حول الفيلم، وذلك مساء الأربعاء في الأول من تشرين الأول/ أكتوبر 2025، وهو الشهر الذي أعلنته كندا شهر التاريخ الإسلامي في كندا Islamic History Month Canada.
ويتضمن فيلم "العمل، النجاح، الوقوف معًا من أجل كندا" مقابلات مع خمسة أشخاص مسلمين في كندا، يقترب من تفاصيل حياتهم بهدف إظهار تشابههم مع جميع الكنديين، وهم، ياسمين، ممرضة من أصول فلبينية وبنغالية، تستلهم من والديها القوة وتؤمن بدور المرأة في نهضة المجتمع. أمين، طالب قانون في جامعة مونتريال، مؤسس مشارك للجنة طلاب القانون المسلمين، يسعى لمكافحة التمييز والظلم عبر تمكين الآخرين وحماية حقوقهم. إبراهيم، مستشار إدمان، حوّل معاناته مع الاكتئاب إلى رسالة دعم للشباب، ويعمل مستشارًا للإدمان مع المراهقين في المدارس. ويرى في القهوة رمزًا للتأمل والشفاء. إيمان، أم ورائدة أعمال في الأزياء، تعمل بإصرار لبناء مستقبل قوي لعائلتها ومجتمعها. وسلسبيل، طالبة ماجستير في العلوم الصيدلانية، توازن بين الدراسة والرياضة والفنون، وتجد حافزها في إلهام الآخرين.
افتتحت السيدة سارة أبو بكر الفعالية بكلمة شدّدت فيها على أهمية المناسبة بالنسبة للجالية المسلمة في البلاد. وقالت إن هذا الشهر يتميز عن غيره بكونه فرصة للاحتفاء بأصوات المسلمين الكنديين وقصصهم، وتسليط الضوء على مساهماتهم المتنوعة في المجتمع.
وجرى تنظيم الفعالية بالشراكة مع المركز الكندي لتنمية وتطوير الشباب (CYD)، الذي شكّل خلال عامين فقط قوة دافعة لتمكين الشباب المسلم في مونتريال، كما عبّرت سارة، مستقطبًا أكثر من 600 مشارك عبر أكثر من 250 برنامجًا استهدفت الشباب والنساء والعائلات والقادمين الجدد.
ولم تغفل سارة أبو بكر التوقف عند مأساة محلية هزّت المدينة مؤخرًا، حيث دعت الحضور إلى دقيقة صمت حدادًا على روح الفتى نوران رضائي (15 عامًا) الذي قُتل برصاص الشرطة في جنوب مونتريال الأسبوع الماضي، مؤكدة أن رحيله يذكّر الجميع بضرورة الوقوف صفًا واحدًا ضد كل أشكال الكراهية والظلم.
وقدّمت السيدة أميرة الغوابي كلمة أكدت فيها على أهمية اللقاء والتواصل بين أفراد المجتمع "الليلة ليلة نستمع فيها إلى بعضنا البعض. ليلة نلتقي فيها، ونتعرف على إنسانيتنا المشتركة، ونحتفي بكل اختلاف، وكل تعقيد، وكل ذرة جمال تشكّل هويتنا. إن الاستماع في حد ذاته يُعد اليوم فعلًا من أفعال الشجاعة؛ شجاعة في مواجهة الكراهية، وشجاعة في مواجهة التهميش. هذه أمسية للاحتفال، على الرغم من التحديات التي يواجهها البعض في مجتمعاتنا. ففي زمن تسعى فيه العنصرية والكراهية وكراهية الإسلام إلى تقسيمنا، ونزع إنسانيتنا، وتدمير تنوعنا، علينا أن نقاوم تلك المحاولات معًا.
وأوضحت أن الحدث يأتي ضمن جهود المكتب لتعزيز قيم التماسك المجتمعي ورفع الوعي حول الإسلاموفوبيا، مشيرة إلى إطلاق دليل فهم الإسلاموفوبيا ومكافحتها من أجل كندا أكثر شمولًا، "الذي يقدم حلولًا عملية للمعلمين، وأصحاب العمل، والصحفيين، والطلاب، وقادة المجتمع. لقد صُمم ليكون أداة للعمل والتغيير، وليس مجرد مادة للقراءة."
كما شددت الغوابي على أن الأفلام المعروضة تتجاوز مجرد الرد على الكراهية، بل تهدف إلى خلق مساحة للفرح والانتماء والإبداع، "أفكر في الأطفال والفتيان والفتيات المسلمين، بعضهم بيننا اليوم: ألا يستحقون أن يروا قدوة أمام أعينهم؟ أن يشاهدوا كيف يمكن للمرء أن يعتز بهويته وينجح ويزدهر في المجتمع؟".
وتابعت: "هذه الأفلام تجسد قصص الصمود والانتماء. نرى من خلالها كيف يُعيد الشباب المسلم تعريف النجاح بشروطهم الخاصة، وكيف يشكّلون ملامح كندا الغد. إنهم يكسرون الصور النمطية، ويتحدون الحواجز، ويرسمون روايات جديدة تعكس ثراء بلدنا."
واختتمت بالقول: "عنوان الفيلم الذي نطلقه اليوم هو 'معًا من أجل كندا'، وهو ليس مجرد شعار، بل دعوة عملية... معًا من أجل كندا يمكننا أن نبني بلدًا ينتمي إليه كل شخص، بلدًا يجمعنا جميعًا."
***
وكان لنا حديث مع كلّ من السيدة أميرة الغوابي، ومخرج الفيلم إدواردو ألفيز، والسيدة علا شاهين رئيسة قسم التسويق في المركز الكندي لتنمية وتطوير الشباب.
أميرة الغوابي: أي جهد صغير لنشر الوعي حول إسهامات المسلمين الكنديين يمكن أن يُحدث فرقًا
عن الهدف الرئيسي من تنظيم هذه الفعالية، قالت الغوابي "إن هذا الشهر هو شهر التاريخ الإسلامي الكندي، وهو شهر مُعترف به على المستوى الفيدرالي. يشكّل مناسبة لمساعدة الكنديين على التعرف أكثر على المسلمين الكنديين ومساهماتهم. الليلة نُطلق حملة "معًا من أجل كندا"، وهي مبادرة جديدة من مكتبنا تهدف إلى إبراز قصص الأمل والصمود والقوة لدى الشباب الكندي المسلم. ونحن متحمسون جدًا لإطلاقها هنا في مونتريال".
وعن الرسالة الأساسية من الفيلم، ردّت الغوابي بأن الرسالة هي تقديم المسلمين الكنديين بصورة إيجابية"، مضيفة "للأسف، غالبًا ما تكون التغطيات مرتبطة بسرديات سلبية أو بأحداث مرتبطة برهاب الإسلام. لذلك، أردنا تسليط الضوء على الشباب المسلمين لإظهار مدى طبيعية حياتهم اليومية وإسهاماتهم في المجتمع. إنهم مثل أي شاب كندي آخر: لديهم شغف، طموح، ويقومون بأعمال مثيرة من أجل مستقبل أفضل لكندا. ببساطة، الرسالة تقول: لا داعي للخوف، ولا يوجد ما هو غير عادي، نحن جزء من هذا المجتمع".
وعن "الدليل الكندي لفهم الإسلاموفوبيا ومكافحتها: من أجل كندا أكثر شمولا" الذي أطلقه مكتب مكافحة مكافحة الإسلاموفوبيا في كندا، بيّنت الغوابي أن الدليل الذي أطلق في آذار/ مارس الماضي متاح للتحميل مجانًا على الموقع الإلكتروني للمكتب، معتبرة أنه "الأول من نوعه الذي تنشره أي حكومة، ويحتوي على معلومات أساسية عن الصور النمطية، والأساطير، والمفاهيم الخاطئة عن المسلمين، وكيفية مواجهتها من خلال التثقيف والتوعية. إنه أداة عملية يمكن للجميع الاستفادة منها".
وحول أهمية مكافحة الإسلاموفوبيا بعد الحرب على غزة، وارتفاع منسوب الكراهية، قالت الغوابي: "بالفعل شهدنا ارتفاعًا في خطاب الكراهية والإسلاموفوبيا خلال العامين الماضيين، وزاد الأمر سوءًا مع الأحداث الجارية في غزة. لذلك من الضروري أن نستمر في رفع الوعي بخطورة هذه الأشكال من التمييز والكراهية، خاصة أنها قد تكون مميتة. من واجبنا التصدي لها والعمل مع المؤسسات المختلفة لتقوية التماسك المجتمعي".
وعن التحديات التي تواجهها لتحقيق أهدافها، أشارت الغوابي إلى أن "أي محاولة لإحداث تغيير إيجابي تواجه تحديات. لكن ما نلمسه أن الغالبية العظمى من الكنديين ودودون، منفتحون، ويرغبون في التعرف أكثر على المسلمين. صحيح أن الكراهية موجودة، خصوصًا على الإنترنت، لكن هناك أيضًا شريحة كبيرة تريد أن تكون حليفة للمسلمين. على سبيل المثال، أظهر استطلاع أن 50% من الكنديين مستعدون لدعم المسلمين ويبحثون عن موارد للتعلم. هذا يمنحنا دافعًا للاستمرار."
وحول مشروع القانون 21 دورًا الذي خلق مشاكل إضافية للمسلمات، أشارت الغوابي إلى أن مهمتها تتركز على تقديم المشورة للحكومة الفيدرالية بشأن كيفية معالجة الإسلاموفوبيا على مستوى كندا، مضيفة "هذه الحملة تسعى بالأساس لرفع الوعي بالتنوع الكبير في مجتمعاتنا وإبراز إسهاماتها الإيجابية. أما بخصوص قوانين المقاطعات، فالمبدأ هو أن نحافظ جميعًا على قيم المساواة والعدالة".
وحول ما إذا وردتها شكاوى من نساء مسلمات كنديات حول التنمر أو الاستهداف، أجابت: "نعم، للأسف. نحن على دراية بجرائم الكراهية التي أبلغت عنها الشرطة، ورأينا حالات كثيرة استهدفت نساء محجبات على وجه الخصوص. لأن ظهورهن أكثر وضوحًا، يكنّ أكثر عرضة للتنمر أو الاعتداء. هذا أمر مؤسف جدًا، ويؤكد ضرورة التوعية بأن الحجاب أو الممارسات الدينية جزء من حقوقنا الدستورية في كندا. هذه حقوق ديمقراطية أساسية يجب حمايتها".
ووجهت الغوابي رسالة أخيرة للجميع: "أدعو الجميع لمشاهدة فيديوهات حملة "معًا من أجل كندا" على موقعنا الإلكتروني، وقراءة دليل مكافحة الإسلاموفوبيا، ومشاركة هذه الموارد مع أسرهم وزملائهم وأطفالهم في المدارس. أي جهد صغير لنشر الوعي حول إسهامات المسلمين الكنديين يمكن أن يُحدث فرقًا. الأفلام متوفرة على الموقع، ويمكن للجميع الوصول إلى نصوصها باللغتين".
علا شاهين: هدفنا أن نُعدّ قادة المستقبل. لا نريد فقط ردّ فعل آني، بل نريد أن نرى أبناءنا وبناتنا يومًا ما في مواقع صنع القرار
قالت السيدة علا شاهين إن هذا اليوم هو الأول من أكتوبر، وهو يصادف بداية شهر تاريخ المسلمين الكنديين (Canadian Muslim History Month) ، مضيفة أنه "أول نشاط لمكتب محاربة الإسلاموفوبيا في مونتريال بمناسبة هذا الشهر".
واعتبرت شاهين أن الهدف من هذه الحملة هو التأكيد أن أي مسلم في كندا يعيش مثل أي مواطن آخر: يحبون السينما، يعملون في مجالات مثل الموضة، ويشاركون في مختلف جوانب الحياة العامة.
وثمّنت شاهين اختيار مكتب أميرة الغوابي بين عشرات المراكز لاستضافة هذا الحدث، مضيفة "هذا شرف ومسؤولية كبيرة لنا. فمركزنا يركز على تمكين الشباب وتطويرهم في مجتمع يواجه الكثير من التحديات، حيث يجد الشباب أنفسهم أحيانًا مضطرين لمواجهة بيئة مليئة بالطاقة السلبية والإسلاموفوبيا. لذلك نعمل يدًا بيد مع المنظمات المختلفة، وخصوصًا مع مكتب أميرة الغوابي، لنعكس صورة المسلمين الكنديين كجزء طبيعي وإيجابي من هذا البلد".
وأكدت شاهين "نحن نريد أن نثبت، بقيمنا وأخلاقنا وديننا، أننا بالفعل نستحق أن نُعتبر كنديين بكل معنى الكلمة. بل على العكس، وجودنا يساهم في تعزيز الإنتاجية والنهضة المجتمعية".
وعن الجمهور المستهدف، قالت شاهين: "الهدف ليس أن يكون الحدث محصورًا بالمسلمين فقط، فنحن أصلاً نعرف هذه القضايا. الأهم أن نوصل رسالتنا إلى غير المسلمين، وأن لا نكون داخل فقاعة مغلقة. نحن نفتح أبوابنا للجميع ونقول: "تعالوا لنتعرف على بعض أكثر، ولنعمل معًا".
وعن أهمية هذه الفعاليات في ظل تصاعد الكراهية بعد حرب غزة، أشارت شاهين إلى أن المركز نفسه – CYD – وُجد استجابة لهذه التحديات، "نحاول أن نعمل للمدى البعيد، صحيح أن هناك مبادرات قصيرة الأمد، يمكن أن يتظاهر الشباب في الشوارع، لكننا نعمل برؤية أبعد. هدفنا أن نُعدّ قادة المستقبل. لا نريد فقط رد فعل آني، بل نريد أن نرى أبناءنا وبناتنا يومًا ما في مواقع صنع القرار، حتى في البرلمان".
وأشارت شاهين: "عملنا في CYD يتركز على تطوير الشباب الكندي المسلم، ليس فقط من خلال الدين، بل عبر القيم والأخلاق النبيلة التي يعززها ديننا. هذه القيم نغرسها في جيل جديد، ليكونوا جاهزين للمستقبل، ويساهموا بقوة في بناء مجتمع أفضل".
مخرج الفيلم إدواردو ألفيز: لقد تحولت من شخص معادٍ للإسلام إلى مسلم، فقط لأنني تفاعلت مع مسلم واحد في حياتي
اعتبر المخرج ألفيز، الذي اعتنق الإسلام منذ فترة، أننا نحن نعيش في زمن تهيمن فيه الصور السلبية المفرطة عن المسلمين والإسلام في الفضاء العام، معتبرًا أنه نادرًا ما نجد قصصًا إيجابية يتم تداولها،"بالنسبة لي، كنتُ في السابق معاديًا للإسلام، قبل أن أعتنقه لاحقًا. ولذلك أفهم تمامًا عقلية من يكره الإسلام وكيف يفكرون. وأعلم أن كسر هذه الأفكار المسبقة ليس أمرًا صعبًا؛ أحيانًا كل ما يتطلبه الأمر هو التفاعل مع مسلم عادي لديه قصة إنسانية".
وأضاف: "من هنا جاءت فكرة إنتاج هذه الفيديوهات القصيرة: أردتُ أن أُثير فضول الجمهور، وأضفي طابعًا إنسانيًا على المسلمين، وأشجع الناس على التعرّف عليهم مباشرة. لأنك عندما تتعرف على مسلم، تبدأ برؤية كيف أن الإعلام في كثير من الأحيان يقدّم صورة مُعادية ومضلّلة عنهم".
وأشار ألفيز: "أعتقد أن الفنان يجب أن يخلق أعماله بدافع داخلي، من الرغبة في ملء فراغ يراه بنفسه. وأنا أرى أن هناك فراغًا كبيرًا في السرديات الإيجابية عن المسلمين. لهذا أبدأ من النية: أن أروي هذه القصص لأنها مهمة وضرورية".
واعتبر المخرج أنه كان العمل نابعًا من قناعة داخلية، فسوف يكون دافعك لتقديم محتوى عالي الجودة أقوى بكثير، بدلًا من مجرد محاولة إرضاء الآخرين أو ترك انطباع لديهم، مضيفًا "لذلك لا أفكر كثيرًا في كيفية استقبال الجمهور للعمل. ما يهمني هو: هل أنا مؤمن بما أقدمه؟ هل أجد أنه ذو معنى؟ إذا كانت الإجابة نعم، فقد قمت بواجبي. أما الاستقبال، فهو خارج سيطرتي في النهاية."
وعن رسالته من الفيلم، قال ألفيز: "رسالتي بسيطة: تعرّف على أخيك المسلم. المسلمون بشر مثل الجميع: نضحك، نبكي، نعيش حياتنا بأحلامنا وتحدياتنا. أريد أن أشجع الناس على أن يكون لديهم فضول للتعرف على المسلمين، بدلًا من الاكتفاء بالصور النمطية. تجربتي الشخصية خير دليل: لقد تحولت من شخص معادٍ للإسلام إلى مسلم، فقط لأنني تفاعلت مع مسلم واحد في حياتي".
وختم ألفيز: "بالطبع، لا أقول إن كل من يلتقي بمسلم سيصبح مسلمًا، لكنني متأكد أنهم سيتحدّون أفكارهم المسبقة وسيغيرون رؤيتهم السلبية. وربما، مع الوقت، يكتشفون أنهم يحبون المسلمين فعلًا.
***
كريس كورتيس
طاولة نقاش حول الفيلم
بعد عرض الفيلم، أدار الكاتب كريس كورتيس Chris Curtis طاولة نقاش حول الفيلم. تحدث المخرج إدواردو ألفيز في مداخلته عن رحلته الشخصية من خلفية معادية للإسلام إلى اعتناق الإسلام، مشيرًا إلى أن التناقض بين ما عرضته وسائل الإعلام عن المسلمين وما لمسه في الواقع كان نقطة التحول الكبرى في حياته. وأكد أن معظم التصورات السلبية نابعة من الجهل وضيق الوقت لدى الناس لتكوين رأي دقيق، مما يجعل من السهل الوقوع في فخ الصور النمطية.
إدواردو أوضح أن مشروعه السينمائي الأخير وُلد من رغبة في إثارة فضول الجمهور للتعرف إلى "المسلم العادي"، بعيدًا عن التنميط. واعتبر أن مجرد قبول المشاركين في الظهور أمام الكاميرا خطوة شجاعة، لأن الخوف من الظهور العلني ما زال عائقًا أمام الكثير من المسلمين. وأشاد بجرأتهم في كسر منطقة الراحة لإيصال رسالة إيجابية للمجتمع الكندي.
وشدّد على أن أفضل طريقة لمواجهة الإسلاموفوبيا ليست في الدخول في جدالات عقيمة، بل في "ممارسة الإسلام بصدق"، معتبرًا أن التمسك بالقيم الإسلامية هو الرد الأقوى على الكراهية. وأضاف: "وراء كل معادٍ للإسلام شخصٌ ضعيف غير آمن، يحاول فرض نفسه من منطلق هشاشته".
وبنبرة مليئة بالإيمان، ذكّر الحضور بمفهوم قرآني أساسي: إذا كان الله إلى جانبك، فلن يضرك أحد. وختم بالتأكيد على أن المسلمين اليوم أمام فرصة كبيرة لإعادة تعريف صورتهم، لأنهم يملكون بالفعل الكثير من الاهتمام الإعلامي، وما عليهم سوى استثماره بالشجاعة والحكمة. كما دعا إلى متابعة تقريره القادم بعنوان "المسلمون يعيشون هنا" المنتظر صدوره في 21 أكتوبر.
وفي مداخلته، قدّم المستشار في مجال الإدمان إبراهيم أحمد رؤية عميقة تستند إلى تجربته العملية والروحية مع الشباب. وأوضح أن السرد القصصي يشكّل جزءًا أساسيًا من عمله، مستشهدًا بأن ثلث القرآن قائم على القصص التي تُخاطب الفطرة الإنسانية. وأشار إلى أنه يبدأ دائمًا مع طلابه بمشاركة قصته الشخصية، إيمانًا بأن الأصالة والاعتراف بالهشاشة هو ما يربط البشر ببعضهم.
استحضر إبراهيم تجربة شاب مسلم وصف معاناته مع الهوية قائلًا إنه "يعرف نفسه لكن رغباته تتجه إلى الجنة"، معبّرًا بذلك عن الازدواجية التي يعيشها كثير من أبناء الجالية. ولفت إبراهيم إلى أن هذا التمزق بين الانتماءين يذكّره بأشعار محمود درويش، مؤكدًا أن المسلم الكندي يجب أن يتصالح مع هويته ويعتز بها، فـ"نحن هنا لنُساهم، ولسنا عابرين".
كما تناول موضوع الإدمان من منظور مجتمعي وروحي، مشيرًا إلى أن كندا انتقلت من اعتبار الإدمان قضية جنائية إلى اعتماد نهج "تقليل الضرر". وبيّن أن القرآن الكريم ذاته عالج قضية تحريم الخمر تدريجيًا، إدراكًا لفطرة الإنسان وصعوبة التغيير الفوري. من هذا المنطلق، يرى إبراهيم أن معالجة الإدمان داخل المجتمع المسلم تتطلب تفهمًا ورحمة بدلًا من التستر أو الإنكار.
وأشار إلى أن إدمانات العصر لا تقتصر على المخدرات، بل تشمل القمار الرقمي وألعاب الفيديو والمواد الإباحية، وهي تحديات واقعية تؤثر على الشباب المسلم. وأكد على أهمية فتح النقاشات داخل المساجد والمراكز الإسلامية بدلًا من تجنّبها، مشيدًا بالمؤسسات التي تكسر حاجز الصمت مثل مركز تنمية الشباب الكندي.
وختم بالتأكيد أن الصراحة والشجاعة في مواجهة هذه القضايا هي السبيل لحماية الأجيال المقبلة وبناء هوية مسلمة كندية قوية ومتجذرة.
بدورها، قدّمت الصحفية والباحثة الفنية رضية شودري لمحة عن تقريرها الجديد بعنوان "الفنانون المسلمون يعيشون هنا"، الذي يوثّق واقع الفنانين المسلمين في كندا لأول مرة بشكل منهجي. وأوضحت أنها أجرت مقابلات مع عشرات الفنانين من مختلف المقاطعات والمدن، موسيقيين، ممثلين، مخرجين، رسامين، وكتابًا، بهدف التقاط هذه اللحظة التاريخية التي يساهم فيها الفنانون المسلمون في المشهد الثقافي الكندي.
أشارت شودري إلى ندرة البيانات حول هذا القطاع، لافتة إلى أن التقرير يعتمد على بيانات تعداد 2021 التي جمعها الباحث كيلي هيل. وتبيّن من خلال هذه البيانات أن الفنانين المسلمين في كندا أصغر سنًا بكثير من نظرائهم؛ إذ يقل عمر 51% منهم عن 35 عامًا، مقابل 12% فقط فوق 55 عامًا، ما يجعل هذا الجيل في طليعة تشكيل هوية فنية جديدة ومؤثرة.
شارك الفنانون الذين قابلتهم كفاحهم وتحدياتهم، مثل نقص التمويل وفرص العرض والبنية التحتية، إضافة إلى الضغط الثقافي الذي يجعل العديد من العائلات المهاجرة أقل دعمًا لاختيار الفنون كمهنة. ومع ذلك، يصر هؤلاء الفنانون على مواصلة مسيرتهم وإيجاد طرق لتحويل الإبداع إلى مصدر دخل مستدام.
تحدثت شودري أيضًا عن تجربتها الأخيرة في مهرجان “موسكفا” السينمائي في إدمونتون، حيث اجتمع صناع أفلام مسلمين من مختلف أنحاء كندا لعرض أعمالهم. واستذكرت فيلمًا قصيرًا مؤثرًا بعنوان "1734" يحكي قصة شاب مسلم اعتنق الإسلام في السجن وكرّس حياته للتبرع لفلسطين، مشيرة إلى أنها تأثرت حتى البكاء من قوة هذه القصة.
وختمت بالتأكيد على أن هذا التقرير ليس مجرد دراسة، بل محاولة لتغيير السرد العام حول الفن الإسلامي في كندا ودعم جيل جديد من المبدعين الذين يصنعون التاريخ الآن.
وسلّطت الإعلامية الكندية فريحة نقوي محمد الضوء على تجربتها كإحدى النساء القلائل اللواتي يظهرن بالحجاب في وسائل الإعلام الرئيسية، موضحةً كيف شكّل حضورها تحديًا للصور النمطية ونافذة إلهام للأجيال الشابة. روت قصة مؤثرة من يومها الأول في برنامج Breakfast Television Montreal، حين تعرّفت إليها فتاة سوداء صغيرة في القطار وقالت: "لم أكن أعتقد أن أشخاصًا يشبهوننا يمكنهم فعل ذلك". وأكدت أن تلك الكلمات رافقتها طوال مسيرتها، معتبرة أن وجودها على الشاشة لا يخاطب النساء المحجبات فحسب، بل جميع غير البيض الذين نادرًا ما يرون أنفسهم ممثلين في الأخبار اليومية.
تحدثت فريحة أيضًا عن التحديات التي واجهتها منذ بدايتها في صحيفة مونتريال غازيت، عندما تلقّت بريدًا إلكترونيًا مليئًا بالكراهية وصف صورتها بأنها صورة "إرهابية". ورغم صعوبة تلك اللحظات، شددت على أنها تذكّر نفسها دائمًا بتلك الطفلة الصغيرة في القطار، لتستمد منها القوة للاستمرار.
وبصفتها صحفية مسلمة، أشارت إلى إشكالية أخرى تتمثل في أن تكليفها بالقصص كان يرتبط غالبًا بموضوعات الأقليات أو القضايا الإسلامية، ما دفعها إلى إثارة نقاش داخلي حول التنوع في غرف الأخبار. طالبت زملاءها بالنظر إلى سجلهم التحريري ورؤية من يُسند إليه حقًا إجراء مقابلات مع أشخاص غير بيض. وكانت النتيجة صادمة: هي من تولت الغالبية العظمى منها. ومن هنا رفعت شعارًا بسيطًا: "عليكم أن تُحسّنوا الأداء".
كما شاركت تجربة شخصية بعد مجزرة مسجد كيبيك، حيث عملت مع زملائها على توثيق الأسماء العربية للضحايا بنطق صحيح، معتبرة أن هذا الفعل البسيط هو شكل من أشكال الاحترام والاعتراف بإنسانيتهم. ختمت بالتأكيد أن دور الصحفيين لا يقتصر على نقل الأخبار، بل على تثقيف زملائهم وإشراك المجتمع الأوسع في رحلة نحو إعلام أكثر عدالة وشمولية.
***
وشارك عدد من الحاضرين بآرائهم وطرحوا أسئلة على المتحدثين. وفي الختام أوصت السيدة أميرة الغوابي الحضور بمشاركة الفيلم على نطاق واسع، وهو متاح على الرابط التالي:
*"الدليل الكندي لفهم الإسلاموفوبيا ومكافحتها: من أجل كندا أكثر شمولا" على الموقع التالي:
454 مشاهدة
12 أكتوبر, 2025
148 مشاهدة
08 أكتوبر, 2025
263 مشاهدة
05 أكتوبر, 2025