د. علي ضاهر
يُقال عن صاحب الوجهين إنه يُظهر لكل طرف ما يعجبه، فكيف إذا كان له أكثر من وجهين؟ فهذه مشكلة! هذا حال الديموقراطية التي لها أكثر من وجهَين بل بثلاث وربما أكثر. فكل فئة تنظر إليها من زاويتها الخاصة فتمنحها تعريفًا يناسب مصالحها، حتى باتت كقصة العميان الذين حاولوا وصف الفيل: كل واحد لمس جزءًا منه فخرج بوصف مختلف، رغم أن الفيل واحد!
من خلال متابعة بعضٍ التحليلات يمكن استنتاج ثلاث تعريفات للديموقراطية، على الأقل، سارية المفعول. الأول يروّج له ويسوّقه الغرب ويبيعه لدول العالم الثالث ومن ضمنها دول الشرق العربي؛ الثاني حلم يغزو خيال الجماهير ويداعبه؛ والثالث كابوس او، لنقل تخفيفا، فهمٌ في رأس الحكام، حتى لا نقول فكرهم، كون كلمة فكر فضفاضة على معظمهم، سيما وان اكثرهم أراح نفسه من عناء التفكير وبات يتلقى الأفكار الجاهزة، كورقة براك التي يمكن النظر اليها كعبرة نافرة لأُولِي الأَلْبَابِ عن تلقي الأفكار والعمل على تنفيذها، دون زيادة او نقصانها! فلعلً السياديون يصدقون ويتعظون!
نبدأ بالغرب الذي يُقدّم الديمقراطية على أنها تاج النجاح فيدعو الشعوب إلى اعتمادها كالمنقذ من الضلال والتيه والفقر. لكن عند النظر برويّة إلى ممارسة الغرب الفعلية تتكشف الصورة التالية: الغاية من تسويق الديموقراطية والترويج لها لا تكمن في تحسين الأوضاع بلدان الاطراف، بل وسيلة لتهيج الجماهير وتحريكها ضد الأنظمة حين تزعله أو لحمايتها حين ترضيه. فلا عجب أن معظم المؤسسات التي أقامها الغرب والتي تروّج للديموقراطية كمؤسسة "الدفاع عن الديمقراطيات" مثلا التي تشيد بكل قصف على اليمن أو لبنان أو قطر، تحت شعار "التخلص من القادة الإرهابيين"!
نعرّج على الجماهير المتعلّقة بحبال الديموقراطية كما يتعلّق الغريق بحبال الهوى. هي ترى فيها أملاَ لتحقيق العدالة، وتداولا للسلطة، واستقلالا للقضاء، وضمانا للحرّيات، وربّما للحصول على مختلف الخدمات حتى على لبن العصفور. لكن الواقع غالبًا ما يُخيّب الحلم، فحسابات حقل الجماهير لا تتوافق مع بيدر قساوة المصالح المحلية ولا سيما الدولية. فيتكشف لها أن الديموقراطية ليست وصفة سحرية تتم بكبسة زر، بل عملية سياسية طويلة ومعقّدة، تتطلَب العمل والجد والظروف التي تفتقر اليها العديد من الدول حتى تلك التي تدّعي إنها أم الديمقراطية وأبوها!
وننتهي بالنظام العربي الرسمي، الذي ينظر إلى الديموقراطية كما ينظر إليها الحائر الخائف الواقع في حيص بيص. هو خائف منها، ينظر اليها كعصا مرفوعة فوق رأسه، تُهدّد استقراره، تدفعه إلى تقديم التنازلات، لكنه حائر وغير قادر خوفاً على نظامه، فيُنشئ مؤسّسات ديموقراطية شكلية، يُجري انتخابات تُشبه الحفلات الموسيقية التي يقدمها مطربو هذه الأيام الذين يملكون كل جميل، الا الصوت. فالديموقراطية، في نظر النظام العربي الرسمي ليست وسيلة إصلاح، بل أداة تستخدم لتزيين الوجوه الكالحة.
بين توظيف الغرب للديموقراطية كأداة نفوذ، وتعلّق الجماهير بها كحلم وخوف الأنظمة منها كعصا مرفوعة فوق رأسها، تشرذمت الديموقراطية وتطايرت، فضاعت بين رمال الربع الخالي، وأزقة مدن الملح الخليجية، وشوارع القاهرة ودمشق العتيقة، وزواريب بيروت التوافقية، يبقى السؤال: هل المشكلة في الديموقراطية ام انها في الإنسان الذي يُلَوِّنُ هذا المفهوم بما يشتهي، كما لَوَّنَ من قبل العديد من المفاهيم!
*الصورة المرفقة هي رسم كاريكاتوري مولَّد بالذكاء الاصطناعي عبر أداة ChatGPT
84 مشاهدة
15 سبتمبر, 2025
70 مشاهدة
15 سبتمبر, 2025
137 مشاهدة
13 سبتمبر, 2025