Sadaonline

إيف إنغلر لـ"صدى أونلاين" بعد إطلاق سراحه في مونتريال: انتصاري لحرية التعبير هو انتصار لحرية التعبير عن فلسطين

التهمة الموجهة لانغلر هي مضايقة شخصية إعلامية معادية للفلسطينيين تدعو لترحيل نشطاء التضامن مع فلسطين

دارين حوماني ـ مونتريال

في آخر مقال له بتاريخ 18-2-2025 كتب الصحافي الكندي إيف إنغلر Yves Engler "لقد استخدم دعاة الإبادة الجماعية والفصل العنصري في مختلف أنحاء البلاد النظام القانوني لحماية إسرائيل من الانتقادات. وهم يرفعون قضايا تافهة لامتصاص وقت وقدرات الناشطين. وفي كثير من الأحيان تشارك الشرطة والمحاكم في هذه الإساءة لسلطتها"..

لم تكن كلمات إنغلر سوى تعبير صارخ عن كل الملاحقات التي تعرّض لها من قبل شرطة مونتريال، وصولًا إلى اعتقاله في اليوم التالي لكتابة مقاله الأخير هذا، والتهمة هي مضايقة شخصية إعلامية معادية للفلسطينيين وتدعو لترحيل نشطاء التضامن مع فلسطين و"تحاول الاستفادة من وضعها كضحية للكراهية" هي داليا كورتز Dahlia Kurtz حيث وصفها بأنها مؤيدة للإبادة الجماعية و"فاشية". أما التهمة الأخرى التي وُجّهت له فهي مضايقة الشرطة بعد أن وقّع أكثر من 3200 شخصًا على رسالة إلكترونية تطالب الشرطة بإخلاء سبيل إنغلر.

يضيف إنغلر في مقاله "إن إساءة استخدام الشرطة والأنظمة القانونية لاستهداف معارضي الإبادة الجماعية تشكل مشكلة أعظم مما كنت أدرك. يبدو أن شرطة مونتريال لا تتورع عن العمل في خدمة المذبحة الإسرائيلية في غزة. لقد قُتل أكثر من 100 ألف شخص ونزح الجميع تقريبًا. تم تدمير حوالي 70٪ من المباني وتضررت معظم الأراضي الزراعية. إن استهداف الشرطة للمعارضة لجرائم إسرائيل أمر محرج. والتهم الموجهة سخيفة. إن فكرة أن يتمكن شخص ما من مهاجمة الفلسطينيين علنًا، وتكرار وصف جاستن ترودو بأنه معاد للسامية ومؤيد للإرهاب و‘الفائز بجائزة كاره اليهود لعام 2024‘، وتوظيف مرشح من حزب المحافظين كمحامٍ لإقناع الشرطة بتوجيه اتهامات، والسلطات توافق على ذلك، هي فكرة لا تصدق ببساطة. ثم تزعم الشرطة أنها ضحية لرسائل إلكترونية تنتقد الاتهامات السخيفة، لا أجد الكلمات المناسبة للتعبير عن ذلك. أي عالم موازٍ انزلقنا إليه؟!".

حين كان إنغلر طالبًا في قسم الصحافة في جامعة كونكورديا في عام 2002 تم إيقافه عن الدراسة بسبب دوره في احتجاج ضد زيارة بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك والمطلوب حاليًا من محكمة العدل الدولية. في ذلك اليوم، أسفر الاحتجاج عن مواجهات بين مؤيدين لإسرائيل والطلاب المؤيدين لحقوق الفلسطينيين. واستخدم نتنياهو وقتها نفس الأسلوب الذي لا يزال يستخدمه بحربه على الإرهابيين، حيث وصف إنغلر ورفاقه بأنه يدعمون الإرهاب، وقال عنهم: "إنهم يدعمون صدام حسين، إنهم يدعمون عرفات، إنهم يدعمون بن لادن".

منذ بدء الإبادة الجماعية في غزة وحتى الإعلان عن توقف الحرب، رفع إنغلر صوته عاليًا بوجه الإبادة، وبوجه اتفاقيات الأسلحة بين كندا وإسرائيل، وهو ما كان دافعًا للعديد من مناهضي الفلسطينيين لمواجهته بشتى الطرق. تم إطلاق سراح إيف إنغلر بكفالة في 24 شباط/ فبراير ووافق على عدم الإشارة إلى كورتز عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ولكنه يظلّ حرًا في التحدث بصراحة عن قضيته وقناعاته.

وإيف إينغلر الموصوف بـ"نوعم تشومسكي كندا" ليس صحافيًا جريئًا ومؤيدًا لحقوق الفلسطينيين فحسب، بل هو كاتب متمرّس يسير على نفس خطى تشومسكي، وهو كاشفٌ للكثير من الحقائق المخفية عبر 13 كتابًا عن التاريخ الكندي والسياسة الخارجية، منها: "كندا في هايتي: شن حرب على الأغلبية الفقيرة مع أنتوني فينتون" (2005)، "اللعب باليسار: من فئران حلبة التزلج إلى الراديكالية الطلابية" (2005)، "الكتاب الأسود للسياسة الخارجية الكندية" (2009)، "حفظ السلام لليستر بيرسون -الحقيقة قد تؤلم" (2012)، "الكندي القبيح: السياسة الخارجية لستيفن هاربر" (2012)، "كندا في أفريقيا: 300 عام من المساعدات والاستغلال" (2015).

ومن أبرز كتبه "نظام الدعاية - كيف تبيع الحكومة والشركات ووسائل الإعلام والأوساط الأكاديمية الحرب والاستغلال" (2016) تناول فيه العوامل الداخلية والخارجية للتغطية الدولية المتحيّزة لوسائل الإعلام، وكيف أن عددًا صغيرًا من الشركات العملاقة تمتلك معظم وسائل الإعلام الكندية، وتعتمد على المعلومات التي يتم إنشاؤها من قبل وكالات الأنباء الأمريكية، وأن جماعات الضغط العرقية المنظمة والشركات الكبرى لها السلطة لمعاقبة وسائل الإعلام التي تزعجهم. كما يتتبّع الكتاب التاريخ الطويل للسيطرة الحكومية على المعلومات، بما في ذلك الرقابة الرسمية، فضلاً عن التحيز الإعلامي الشديد في مواضيع تتراوح من هايتي إلى فلسطين، واتفاقيات الاستثمار إلى صناعة التعدين. كما يوضح الكتاب بالتفصيل تمويل النخبة من الشركات العملاقة لبرامج الجامعات ومراكز الفكر.

كما يكشف أحد أبرز كتبه "كندا وإسرائيل: بناء الفصل العنصري"، (2010) عن تاريخ الصهيونية المسيحية الكندية والدور المهم الذي لعبه رئيس الوزراء الكندي ليستر بيرسون بين عامي 1963 و 1968 في مفاوضات الأمم المتحدة لإنشاء دولة يهودية على الأراضي الفلسطينية، والملايين من الدولارات من التبرعات المعفاة من الضرائب المستخدمة لتوسيع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، وعلاقات جهاز الاستخبارات الأمنية الكندي بمعهد الاستخبارات والعمليات الخاصة الإسرائيلي (الموساد). ومما يقول فيه "إن التواطؤ الكندي مع إسرائيل هو نتيجة لخطاب نشأ بينما كان معظم الكنديين مستبعدين من المناقشة".

يشتغل إنغلر من دافع وحيد يقول عنه "يجب أولًا أن تكون منتقدًا بشكل كبير، أو متشككًا، في الادّعاءات الرسمية للمسؤولين الكنديين فيما يتعلق بالسياسة الخارجية؛ أنا أود أن أذهب أبعد من ذلك، ليس فقط السياسة الرسمية، ولكن وسائل الإعلام المهيمنة ومعظم الأوساط الأكاديمية كانت متواطئة في تشويه حقيقة السياسة الخارجية الكندية. لذا يحتاج الناس إلى أن يكونوا أكثر انتقادًا، وأيضًا أكثر وعيًا ويولون المزيد من الاهتمام للسياسة الكندية، لأن هذه أسئلة حقيقية تتعلق بالحياة أو الموت".

عن الدعوى التي رُفعت بوجهه، ومواقفه المساندة للفلسطينيين، كان لصدى أونلاين معه هذا الحوار:

 

على الرغم من أنك صرّحت قبل اعتقالك بأنك لم تضايق داليا كورتز أو تهدّدها، إلا أنه تم اعتقالك بعد أن قدّمت شكوى بحقك، ما الذي يمكن أن تخبرنا به عن هذه الحادثة؟

ذهبت داليا كورتز إلى الشرطة لتزعم أنني كنت أتحرش بها على منصة X، بدلًا من أن تقوم بحظري على X  كما هو حق لكل مستخدم. لم أقابلها قط. ولم أرسل لها بريدًا إلكترونيًا أو رسائل نصية. ولا أتابعها حتى على X ونعم، إنها في الأساس معادية شرسة للفلسطينيين. ما فعلتُه هو أني وضعتُ تعليقًا ساخرًا على منشورها العنصري المؤيد للعنف، وتحدّيت عبارات مختلفة مما قالته. كان قرار التحقيق الأولي للشرطة بأن منشوري لا يستحق التحقيق وأسقطوه. ثم قاموا، عبر مكتب المحاماة الذي يديره نيل أوبيرمان Neil Oberman، وهو مرشح حزب المحافظين، بإعادة فتح الملف بعد أن تم الضغط عليه.

لم تنته القضية بعد، خرجتَ بكفالة وستعود في شهر نيسان للوقوف والدفاع عن نفسك، كيف تتوجه الأمور برأيك؟

القضية لم تنته بعد. قضيت خمسة أيام في السجن بسبب شرط بسيط للغاية، كان شرط الإفراج عني هو التوقف عن الكتابة عن قضيتي والكتابة عن داليا كورتز. لذا، فإن العملية القانونية لم تنته كما أشرتِ، وستبدأ أواخر أبريل/ نيسان. ومن المرجح جدًا أنها ستستمر لأشهر ما لم تقرر النيابة إسقاط التهم، وهو ما آمل بالطبع أن تفعله، لأن التهم سخيفة.

ولكن نعم، لقد قضيت خمسة أيام في السجن فقط للفوز بالحق بالكتابة عن تهمتي بانتقاد إسرائيل وانتقاد ردّ فعل الشرطة على مواقفي.  

هل تعتقد أنه تم استهدافك لإسكات الصوت الكندي المساند للشعب الفلسطيني، كونك مسموعًا على نطاق واسع ولك تأثيرك في الرأي العام؟

لا شك أن نيل أوبرمان أراد ملاحقتي على وجه التحديد لهذا السبب، أعتقد أن هذا يفسر إلى حد كبير سبب تقديم داليا الشكوى إلى الشرطة. لذا نعم، أعتقد أن هذا جزء من الدافع وبالتأكيد هو محاولة لجعل الحياة صعبة بالنسبة لشخص انتقد تواطؤ كندا بالإبادة الجماعية. وأعتقد أيضًا أن هذا جزء من عمل نيل أوبيرمان، المحامي الذي أطلق -لا أعرف رقمًا دقيقًا- لكنني أعتقد أنه أطلق أكثر من عشرة أوامر قضائية مختلفة ضد مسائل تتعلق بالتضامن مع فلسطين. إذن فمن الواضح جدًا أنه يستخدم النظام القانوني لمحاولة تعزيز الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل.

هل تؤمن أن داعمي الحرب على غزة يحاولون بكل ما يستطيعونه استغلال السلطات القضائية والشرطة بوجه داعمي الشعب الفلسطيني؟

نعم وبشكل عدواني للغاية. لقد سمعت للتو فيديو قصير لزعيم المحافظين بيير بواليفر يشير إلى نيل أوبرمان بفخر باسم دوبيرمان (Doberman pincher)، دوبيرمان بينشر هو بالطبع، كما تعلمون، كلب عنيف وعدواني، لأن أوبرمان أصدر العديد من الأوامر القضائية بحق داعمي الحق الفلسطيني.

إنه المثال الأكثر شهرة في مونتريال لاستغلال النظام القانوني، لكن هذا يحدث في جميع أنحاء البلاد. هذا جزء من سبب إحضار CJA  (مركز إسرائيل والشؤون اليهودية) الشرطة في حين أن هناك هذا الجهد لـ"أصدقاء سيمون" (Friends of Simon Wiesenthal Center) - يعمل مركز أصدقاء سيمون على مشاركة دروس الهولوكوست والدفاع عن حقوق الإنسان ومكافحة معاداة السامية- فإنه يتم التركز على هذه العملية برمتها، من خلال التدريب على معاداة السامية مع الشرطة. إنهم يحاولون في الأساس تطوير الروابط وتطوير التعاطف، ربما يمكن تسمية ذلك بتهيئة بعض ضباط الشرطة ليكونوا متعاطفين معهم ومع قضيتهم، في إساءة لاستخدام جهاز الشرطة والجهاز القضائي ضد المتضامنين مع فلسطين.

هل يمكن وصف ما حدث إنه مخالفة لحرية الرأي والتعبير في كندا؟  

نعم. حتى قبل أن يقول محاميّ كلمته، توصّلت هيئة الدفاع إلى هذا الاستنتاج فيما يتعلق بالشرط الذي كانت تحاول المحكمة فرضه، والذي ينص على أنه لا يمكنني التحدث عن داليا كورتز أو القضية المرفوعة ضدي حتى تنتهي العملية القانونية برمّتها. لذا، أعتقد أنه من الواضح جدًا أننا حققنا انتصارًا صغيرًا لحرية التعبير من خلال إجبار المحكمة على إسقاط هذا الشرط.

وبالطبع، فإن هذا الانتصار لحرية التعبير هو انتصار لحرية التعبير عن فلسطين..

هل لديك مخاوف من الكتابة مستقبلًا عن قناعاتك بخصوص فلسطين تحديدًا حيث يقف اللوبي الصهيوني بالمرصاد؟

لا شك في أن أوبرمان وداليا وكورتز وغيرهم، كما تعلمون، في  CJA والمنظمات الصهيونية المختلفة، سيتابعون بالتأكيد كل ما أقوله، وكل ما أكتبه، ويحاولون إيجاد طريقة ما لعرقلتي فيما يتعلق بالشروط أو فيما يتعلق بالقضية بشكل عام، لذلك، أعتقد أنه يجب أن أكون مدركًا بعض الشيء لهذه الديناميكية.

لن أسمح لهذا الأمر أن يحصل، أن يتم إيقاف كتابتي أو نشاطي أو تحدّي السياسيين. وفي الواقع، عندما تلقيت مكالمة هاتفية لأول مرة من ضابط الشرطة يقول فيها إنهم يريدون مني الحضور إلى مركز الشرطة لاعتقالي بسبب التهمة التي وجّهتها لي داليا كورتز، كان رد فعلي الأول عندما اتصلتُ بمحاميّ - الذي كان بدوره سيتصل بمفتش الشرطة - أنهم سيحاولون وضع شرط يلزمني بالمحافظة على "السلم".

أعتقد أن هذا شرط شائع جدًا، حيث يفرضون نوعًا من الالتزام العام بالمحافظة على السلم. من حيث المبدأ، يبدو الأمر معقولًا، فبطبيعة الحال، يُفترض أن يحافظ الجميع على السلم في جميع الأوقات. لكن، لأن أحد الأشياء التي أقوم بها هو حضور المؤتمرات الصحفية حيث أتحدى السياسيين وشخصيات رسمية بأسئلة صعبة، ليس فقط بشأن فلسطين، ولكن في الأشهر الأخيرة، كان الأمر في الغالب متعلقًا بفلسطين. وفي تلك المواقف، يكون هناك غالبًا وجود للشرطة.

وإذا علمت الشرطة أن لدي شرطًا معينًا، يمكنهم الادعاء أو محاولة الزعم بأنني، كما تعلم، تسببت في اضطراب وربما لم أكن أحافظ على السلم بطريقة ما. لذلك، لم يكن قلقي الأولي بشأن الشروط في الواقع، بل بسبب القضية ذاتها، لأنني لم أكن أعرف - حيث إن المفتشة لم تخبرني- أن الأمر يتعلق بعدم ذكر اسم كورتز أو التحدث عن القضية، فقد أخبرَت محاميّ بذلك فقط. لكن كان التحدّي يدور حول احتمال فرض ذلك الشرط، وبذلتُ كل ما بوسعي لتجنّب فرضه عليّ.

أنا سعيد لأنهم لم يحاولوا حتى فرض ذلك الشرط عليّ. لكن، نعم، أعتقد أنه يجب أن أكون واعيًا لهذا الأمر، لأنني لا أنوي أن أسمح بما حصل معي أن يوقفوني عن كتاباتي ونشاطي.

بعد كل ما قلته، أود أن أعرف كيف تشكّل لديك هذا الوعي بالقضية الفلسطينية، منذ متى وكيف حصل ذلك، هل ثمة شخصيات معينة أثّرت فيك في بداياتك؟

يمكنني أن أؤكد بوضوح تام إن هذه كانت أول مرة أتعلم فيها بوعي عن فلسطين. لأنه من المحتمل أنه في وقت ما قبل ذلك، ربما كنت قد قرأت مقالًا في صحيفة، أو استمعت إلى حديث حيث كان عمي أو والدي أو شخص ما يعبر عن دعمه لفلسطين، لكنني لا أتذكر ذلك. أما أول فهم واعٍ لي لهذه القضية فكان في الأسبوع الأول لي في جامعة كونكورديا عام 2000، وحصلت على نوع من كتيّب، حوالي 12 صفحة على الأقل، وهو حجم معتبَر لكتيّب يوزّع على الناس. 

أتذكر أنني كنت أسير خارج مبنى القاعة الرئيسي في حرم كونكورديا، ثم ذهبت إلى مطعم بيتزا وجلست هناك لقراءته. كان هناك ناشط يوزّع هذا الكتيّب حول فلسطين لأي شخص يقبله. وهكذا، كان تعرّفي على القضية بفضل شخص لا أعرفه، ولا أتذكر ملامحه أو أي شيء عنه، لكنه كان ناشطًا قام بفعل بسيط جدًا لنشر المعلومات. 

هذا الأمر فتح عينيّ، ومنذ ذلك الحين، وعلى مدى أكثر من 20 عامًا، شاركت في الكتابة والحملات حول القضية. السبب الذي يجعلني أروي هذه القصة هو أنني أعتقد أنها تعكس قوة النشاط الشعبي. فأنت لا تعرف التأثير الذي تصنعه، صحيح؟ أنت فقط توزع منشورًا، ولا تعلم إن كان الشخص الذي أخذه سيرميه مباشرة أم سيقرأه، وربما حتى إن قرأه لن يهتم. هناك كل الاحتمالات الممكنة. لكن، إن لم تفعل ذلك، فأنت متأكد تمامًا من أن لا أحد سيتعلم عن القضية. أما إذا فعلت، فهناك على الأقل فرصة لأن تنفتح أعين شخص ما، وربما يتخذ خطوة، وربما يلتزم بالقضية لعقود طويلة.

كتابك "كندا وإسرائيل: بناء نظام الفصل العنصري"هو بداية نقدك للعلاقات بين كندا وإسرائيل. وهو عبارة عن رواية مذهلة عن التواطؤ الكندي في الاستعمار والتهجير وجرائم الحربونظام الفصل العنصري في إسرائيل. وتتحدث عن دور المنظمات الخيرية الإسرائيلية في كندا، كما تميز بين معاداة السامية ومعاداة الصهيونية، كيف يمكن أن تخبرنا أكثر عن هذا الكتاب الذي له أهمية بالغة في فهم السياق التاريخي للظلم الذي تعرّض له الفلسطينيون وصولًا إلى اليوم؟ 

نقطة الكتاب هي النظر في التاريخ الكامل لمساهمة كندا في تهجير الفلسطينيين ضمن المشروع الصهيوني. إنه كتاب تاريخي، وأعتقد أنه من المهم دائمًا أن نفهم أن هذا لم يبدأ في 7 أكتوبر، ولم يكن الأمر أن كندا بدأت فجأة عند هذا التاريخ في دعم إسرائيل. هناك تاريخ طويل يمتد لعقود، ويتعلق بجميع العناصر المختلفة في الثقافة السياسية الكندية التي تساهم في دعم كندا للصهيونية. 

أما بالنسبة للتمييز بين معاداة السامية ومعاداة الصهيونية، فمن الواضح أن الصهيونية هي حركة استعمارية أوروبية قامت بنزع ملكية الفلسطينيين بعنف، واستهدفت بشكل أساسي الفلسطينيين، ولكن تأثيرها طال أيضًا المنطقة العربية بشكل عام. في المقابل، اليهودية دين، وللناس حرية اختيار مناصرة إسرائيل والصهيونية أو عدم دعمها.

وأيضًا، فيما يتعلق بهذه المسألة، فإن الصهيونية في كندا لم تبدأ في الأصل كحركة يهودية، بل بدأت كحركة مسيحية في منتصف وأواخر القرن التاسع عشر. وهذا يتماشى مع الإمبريالية البريطانية ويتوافق مع التفسيرات الحرفية للكتاب المقدس التي نشأت من الإصلاح البروتستانتي. وكندا، كونها جزءًا من الإمبراطورية البريطانية، كانت أيضًا دولة بروتستانتية بشكل كبير لفترة طويلة – ربما أقل اليوم – لكن هذا جزء من فهم سبب دعم كندا القوي لهذه الحركة التي ارتكبت الكثير من المظالم بحق الفلسطينيين.

لطالما كنتَ كاتبًا استقصائيًا رائعًا وكاشفًا للكثير من الخيوط المخفية في السياسات الكندية، ولديك 13 كتابًا، كل كتاب هو كشف جديد للعديد من الخفايا، من هاييتي، إلى روسيا وأوكرانيا، إلى ليبيا، وأفريقيا، إلى إسرائيل، هل هو شعور بالمسؤولية تجاه المجتمع الكندي بضرورة فهم كيف تجري الأمور وكيف تشارك كندا أحيانًا في ظلم المجتمعات الأخرى؟

بالتأكيد. أعتقد أن جميع الكنديين، حسنًا، لدينا مسؤولية أساسية لإنهاء الإمبريالية التي يمارسها نظامنا السياسي وثقافتنا السياسية. وهذا هو النهج الذي اتبعته في نشاطي، حيث أركز بشكل أساسي على الطرق التي يمكنني من خلالها تحقيق أكبر تأثير. 

بالطبع، يمكنك التنديد بشيء ما قامت به مثلًا الحكومة الصينية أو الروسية أو أي حكومة تعتبرها دولتنا عدوًا. لكن ليس لدينا تأثير كبير على تلك الحكومات، بينما لدينا نفوذ حقيقي إذا استخدمناه بشكل جماعي ضد سياسات حكومتنا. 

لذلك، كان هذا هدفي. وأتفق مع الاتجاه الذي تطرحه، فهو يتعلق بأخذ المواطنة بجدّية، بل وحتى أخذ القومية بجدّية، بمعنى أنك تحاول أن تسأل: كيف قامت كندا بأفعال يمكن اعتبارها خاطئة وغير مقبولة؟ والتركيز على كشف هذه الأفعال باعتبارها الخطوة الأولى نحو تغيير السياسات وإحداث التغيير. 

وهذا هو أيضًا ما أراه في كتاباتي وأبحاثي—التركيز على كندا، وعلى المجالات التي نمتلك فيها أكبر قدر من التأثير، باعتباري شخصًا يعيش في كندا.

لديك موقعك الخاص، وتكتب في الصحافة المستقلة، هل برأيك يلعب الإعلام الكندي دورًا أساسيًا في تشويه الحقائق، فيما يخص فلسطين أو فيما يخص السياسات الكندية؟

بالتأكيد. سأذهب إلى أبعد من ذلك وأقول إن وسائل الإعلام المهيمنة تشكل عنصرًا مركزيًا في تمكين الحكومة الكندية والهياكل السياسية من دعم جرائم إسرائيل. لو كانت وسائل الإعلام تُبلغ عن الأحداث وتقدّم تقاريرها من منظور إنساني وعادل، لكانت البنية السياسية والسياسيون سيتغيرون تبعًا لذلك. 

لأنني أعتقد أن غالبية الكنديين لا يريدون أن يكونوا جزءًا من قتل المزيد من الأطفال في غزة. إنهم يوافقون ضمنيًا على ما تفعله حكومتهم فقط لأنهم لا يدركون حقيقة ما الذي تمكنه حكومتهم من فعله. إنهم لا يفهمون التاريخ، ولا يفهمون دور كندا فيه، ولا يدركون أن أشكال الدعم التي تقدمها كندا لإسرائيل فريدة من نوعها. 

وبطبيعة الحال، فإن وسائل الإعلام هي الوسيلة الأساسية التي يعتمد عليها الناس لتثقيف أنفسهم وفهم العالم. لذا، نعم لا شك بأن الإعلام متواطئ بشكل عميق في تمكين دعم كندا لجرائم إسرائيل.

إذا كنت تريد كتابة كتاب جديد، ما الذي تفكر فيه؟

ليس لدي أي كتب جديدة، لدي كتاب عن تاريخ كندا في هايتي، أحتاج إلى العودة إليه وإنهائه. وقد فكرت في تحديث كتاب" كندا وإسرائيل: بناء الفصل العنصري" لأن الكثير والكثير حدث منذ عام 2010، كما تعلّمت الكثير منذ ذلك الوقت..

 

لمتابعة إيف إينغلر على موقعه:

https://yvesengler.com/

معرض الصور